|
سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 5
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6459 - 2020 / 1 / 8 - 13:57
المحور:
الادب والفن
فجأة، ظهرَ لعينيّ سارة صبيّ في نحو الخامسة من العُمر، كان ما ينفك يفرك عينيه وهوَ عند باب حجرة النوم. اندفعَ نحوَ سيدة الدار، ليرتمي في حضنها مع هتافه الفرح، " ماما ". إنه ابن شقيقتها، واسمه " ممدوح ". كانت على أثر وفاة أمه، فاتي، قد طلبت من أبيهما أن تتعهد تربيته. بحمله على عاتقها، عاماً تلو الأخر، سلت نورا همّ إنجاب طفل لزوجها. تفطنت القابلة عندئذٍ لصبر صديقتها على فاجعة إسقاط الجنين، وكيفَ بدت جَلِدة في انتقالها لأحاديث عامة. من ناحيته، كان الطفل معتاداً على حضور سارة، يُدرك في غريزته قيمته لديها، فيستجيب لأي إشارة من لدُنها أو يتقبل هدية حملتها إليه. مع كونه أكثر شبهاً بالأب، لناحية لونه الأسمر خصوصاً، كانت تستعيد في حضوره ملامحَ صديقتها. مع ذلك، لم تعد تزور المنزل الصيفي في البستان، العائد لمحمد آغا، وكانت ابنته الراحلة تستقبلها فيه أحياناً. أما منزل فاتي في الحارة، وكنا علمنا أنه يقع في مقابل مدخل زقاق الحاج حسين، فإن سارة بوصفها قابلة، ذهبت إليه مرة واحدة بعد وفاة صديقتها: امرأة حمّاد الجديدة، وهيَ ابنة عم المرحومة، احتاجت في ذلك اليوم لمشورة القابلة بشأن ما ظنت أنها علامات حمل. الصبيّ، كان لديه عمّة في الحارة، لكنه يجهل تقريباً وجودها. شقيقة حمّاد الصغرى، واسمها " هدية "، كانت قصة زواجها لا تقل التباساً عن قصته. في المقابل، لم تُرمَ في عالم غريبٍ عن عالمها على أثر حكاية حب، مثلما كان حال شقيقها. إن اقترانها بالرجل المتجهم الوجه، المدعو " حمّوكي "، كان على خلفية مساعدته للشقيق في تسهيل اختطاف مَن عشقها وأرادها زوجةً. كان الرجل يكبر امرأته كثيراً؛ مع أنها ليست من الشيَم الغريبة عن قومها البدو. أخذ منذئذٍ يعاملها بفظاظة وغلظة واحتقار، كما لو كانت في وضع الرق والعبودية. فوق ذلك، عزلها في منزل متفرّد على تل مقفر، يقوم في الجهة الشمالية الشرقية من الحارة، يلتقي فيه رأسا زقاقي حاج حسين والكيكان. سارة، كانت عند رأس المرأة الصغيرة المسكينة، حينَ أنجبت كلاً من ابنتيها الوحيدتين. غير أن هذه فقدت أيضاً شقيقات لهما، بسبب أمراض الطفولة. " منذ بضعة أيام، أرسلت إليّ عمّة الصبي خبراً كي أوافيها لمنزلها "، قالت سارة لسيدة الدار تومئ برأسها إلى ناحية الولد. ثم أضافت عقبَ اهتمام الأخرى بالخبر، " أجبرها زوجها مجدداً على الحبل، أملاً في إنجابها صبياً. ليسَ هنا مربط الموضوع، بل حالتها المحزنة مع رجل يسومها الذل والهوان. رجتني عند ذلك.. كيف أقول..؟ " " نعم، إنني أصغي لك "، بادرتها المضيفة مشجعةً. عادت سارة لإكمال حديثها، " قالت لو أنكم تستقبلونها كما تفعلون مع شقيقها، إذاً لأشعرت حمّوكي بأن لها أهلاً ذوي مكانة ولا يرجع إلى سيرته المشينة معها " قالت نورا في بعض الضيق، " حمّوكي هذا، والدي لا يطيق حتى سماع اسمه بسبب الحكاية المعلومة. ثم ما له ولنا، هل لديه ثأر معنا؟ " " بالطبع لا، سوى أنه رجل فاسد الخلق. لكنها امرأته المسكينة، وقد سد الأمل بوجهها، تتوسل أيّ وسيلةٍ يُمكن أن تردعه أو تجعله يشعر بدناءة مسلكه " " لو كانت وحيدة، لتوجب التفكير بطريقة لمساعدتها. لكن لديها شقيقاً، هنا في الحارة "، قالتها المضيفة مستاءة وقد لاح التململ على ملامحها. لعله خيال ابن عمها مَن اقتحم ذهنها عندئذِ، متماهٍ مع خيال رجل المرأة البدوية. تركت سارة زمامَ الحديث جانباً، مع أنها أدركت بكون نبرة صديقتها محالة لموقف حمّاد، المتسم بالإهمال تجاه شقيقته؛ وربما الجبن أيضاً. لدهشتها، أمسكت المضيفة يدها في رقة وطفقت تتطلع في عينيها، اللتين بلون السماء الصافية: " أنت طيبة القلب جداً، وهنيئاً لكل طفلٍ ولد على يديك الرحيمتين أو سيولد مستقبلاً! ". *** آبت سارة إلى منزلها، وإذا هيَ تجدُ الحاج حسن في الإيوان يشرب قهوته. أخبرته عند ذلك ضاحكة، أنها كانت قد قضت ساعة بصحبة ابنة محمد آغا في إيوان منزلهم. هز رأسه مبتسماً، ثم دعاها للجلوس بجانبه. على مألوف عادته، كان لا يحبذ سؤالها عن عملها أو أي شيء يتعلق بالنساء إلا لو كان أمراً ملحاً. ربما فكّرت سارة بقول صديقتها، عن سعد حظها لأن الزعيم يمتلك الوجاهة دوَن المال. ذلك أنها راحت تلف الإيوان بنظرتها، وكانت عمارته وموجوداته تبيّن تلك الحقيقة سلفاً: لقد عُلقت على الجدران سجاجيد حائلة الألوان، فيما تدلت من السقف ثريا قبيحة من الحديد تحمل مصباح زيت، إلى بعض الأرائك القديمة، الموضوعة على الأرضية المتربة، المغطاة بالحصر. وكان هذا كل شيء، لو لم ننسَ ذكر عدد من النراجيل، المنتصب كل منها فوق منضدة منمنمة. " أعلم مدى نأيك عن مواضيع الحريم ومشاكلهن، لكنني مضطرة لإعلامك عن حالة إنسانة مظلومة عسى أن تكسب بها أجراً لو كان بالوسع مساعدتها "، ابتدأت سارة الحديث وكانت تأمل ألا يصدها رجلها في الحال. ضيّق عينيه، بدلالة استفهام وليسَ استنكار، ما شجعها على المضي بالكلام. كوننا نعلم ما سبقَ وقالته لصديقتها ابنة الآغا، لا نرى من الصواب تكراره. أخيراً، علّق الزعيم على ما سمعه بالقول: " علينا أن ندع المرأة تتدبر أمرها بنفسها، لو كانت على شيء من الحكمة. أعرفُ حمّوكي نوعاً ما، وهوَ ليسَ بهذا السوء. لقد خلقنا الله بحكمته على أشكل مختلفة وطباع متباينة، ولن نستطيع تغيير ذلك ". كذلك كان رأي الحاج حسن، وتقبلته امرأته وكانت تُكبر فيه دماثة خلقه وتعففه. ما جهله كلاهما، أن يوماً سيأتي ويجدان نفسيهما في موقف مشابه؛ وهذه المرة يتعلق بالابنة زَري: الفأل الخائب للابنة المسكينة، أوقعها حينئذٍ بين يديّ رجل، لم ترَ معه سوى ضنك الحال علاوة على سوء المعاملة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 4
-
سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 3
-
سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل الحادي عشر/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل العاشر
-
سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 3
-
سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل العاشر/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل التاسع
-
سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثامن
-
سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل السابع
-
سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل السادس
-
سارة في توراة السفح: مستهل الفصل السادس
-
سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 5
المزيد.....
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
-
صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
-
إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م
...
-
مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|