نعيم عبد مهلهل
الحوار المتمدن-العدد: 1566 - 2006 / 5 / 30 - 11:53
المحور:
الادب والفن
منذ عام تقريبا وموسم الهجرة إلى الموت بالنسبة لمبدعي العراق يبدو زاخرا. موت في المنافي ، وموت في الداخل . والموت اغتيالا وأخرها رحيل المخرج العراقي الكبير ، الحالم بذاكرة بريخت ( عوني كرومي ) ليلتحق بالذين سبقوه من مبدعي الفقدان العراقي الذي غلبهم الموت بحسرة النفي أو الفقر أو الحزن .
( عقيل علي ، عبد اللطيف الراشد ، احمد آدم ، مهدي عيسى الصقر ، هادي السيد، يوسف الصائغ ، كمال سبتي ، وأخيراً وليس أخرا المخرج عوني كرومي )..
انظر لهكذا درزينة منتقاة من أخبار الغياب على إنها مكمل لحزننا ونحن نرى جماعية الموت في مائدة المفخخات والقتل المغدور وحسرة الفقر والعوز وكآبة مايحسه العراقي في رغبته لتحقيق الأمان له ولبيته .
موسم هجرة إلى الموت وليس موسم هجرة للشمال أو الجنوب أو أي جهة . إنها هجرة إلى الصمت والتوقف والقدر الأزلي وكان علينا أن نحتفي بهكذا موت لأنه نتاج قدر مرسوم لاحياد عنه ولكننا نقف في تساؤلات الحلم والأمل .
لماذا لايتشكل الموت لمبدعي العراق في أكثره كما في منطق الغياب الشائع . المرض أو العمر المتقدم. إنما نراه موتا مصنوعاً بحسرة النأي وكآبة المنفى أو سكين الإرهاب في طريق عام وذلك لعمري هو مايصبغ اغلب الذين ادركتهم مواسم هجرة الموت وربما الراحل عوني كرومي تتشكل في دواخله ذات الحسرات والهواجس لتصنع ألمها الكبير الذي أوقف نبضات القلب رغم انه كان يرسم سعادة كبيرة وهو يرى خاتمة عمله المسرحي الجديد .
هذا الموت بصبغته الأرجوانية سيظل يشكل ظاهرة جديدة في اختفاء المبدعين في غير أوانهم والمسببات معروفة.
إنها أقدار صنعت من تراث الأمس وتراكماته وما يحدث الآن. لقد اختلطت الأزمنة باشكالياتها والإحساس بهول مايحدث يكون اقرب إلى وجع قلب المبدع من غيره لهذا تراه يموت صامتا حتى وهو في لحظة كتابة النص أو رسم اللوحة أو الرد على أيميلات الأصدقاء أمام الحاسوب الخاص كما حدث في رحيل الشاعر الفقيد كمال سبتي .
وعليه فإننا لانستغرب أن يظل هذا الموسم عامرا في قرية الأساطير التي كل سكانها من أصحاب المواهب ، لأنهم في رقة إحساسهم يقتربون من لحظة التخلص من هذا الضغط الروحي والحياتي وكأنهم ينتحرون دون أن يعلمون .
وربما نسمي دراما موت عقيل علي انتحارا ، وكذلك الصائغ ، وكمال سبتي مع اختلاف المسببات والنوايا .
غير أن دالية الأمل بالحياة رغم هذا الكم الروحي والإبداعي الغائب، تبقى هي الشجن الأول في ذاكرة الثقافة العراقية.
وسيبقى الموت هاجسا ثانيا متى يأتي فانه يأتي بما مقدر له من زمان ومكان. وعليه في أمنية منا أن يبتعد عن حالمي الوطن ومبدعيه فقد اخذ الكثير منهم في وقت قياسي . ورغم هذا علينا أن ندرك بقناعة وتصبر إنها مشيئة الله. وما نرجوه من هذه المشيئة ونتضرع إليها أن ترحم الإبداع العراقي لحين راحة الوطن في دمعة القصيدة وعودة الشتات كله إلى صحن الرز الحار .
#نعيم_عبد_مهلهل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟