|
سارة في توراة السفح: بقية الفصل التاسع
دلور ميقري
الحوار المتمدن-العدد: 6451 - 2019 / 12 / 30 - 17:31
المحور:
الادب والفن
3 زَري، لفتت أيضاً نظرَ الجار الفتى، المعروفة أسرته الصغيرة بآل " كُرّي عيشة "، كونه رأى لأول مرة جانباً من شعرها الغزير، الأشقر. إلى ذلك، كانت سحنتها متناسقة القسمات، تطل منها عينان حزينتان بلون أخضر قاتم. في المقابل، كانت ضحكتها تصبح آسرة، مع تفتح غمازتين على جانبيّ الفم. لكن لو قدّر لها أن تطلق شلال شعرها أمام ناظريّ الفتى، لانتبه إلى الخيوط الفضية، المتداخلة مع ذهبه. كان يصغرها بعقدٍ من الأعوام، على الأقل؛ والفتاة في مثل سنّه، كانت تُعدّ أيضاً في حُكم العانس! كان عبثاً، إذاً، أن تعود القهقرى إلى سنّ الشاب كي تربط مصيرها به، علاوة على أنها غير متيقنة بعدُ من مشاعره نحوها. بيد أنها لغة العيون، مَن كانت قد تكلمت الكثير في لحظات اللقاء تلك، القصيرة. في ذلك اليوم من ربيع عام 1890، بلغت زَري الثلاثين، بينما قريبتها ليلى، التي في عُمر فارس الأحلام، كانت قد أنجبت مذ بعض الوقت ابنتها البكر، " نظيرة ". وكانت ليلى ستقترن في سن أبكر ولا شك، لولا أنّ الجندرمة ساقوا خطيبها إلى الأسر، للعمل في السخرة، بعدما ظُنّ أولاً أنهم سيضمونه إلى صفوف العسكر. حتى فاتي، الفتاة الوحيدة في العائلة مَن كانت في حياتها مضرب المثل بتعاسة الحظ، وجدت رجلاً يقترن بها؛ وأيّ رجل! كذلك الأمر مع سميّتها، ابنة محمد آغا ديركي، وكانت قد تجاوزت سنّ الزواج حينَ ارتبطت بعلاقة سرية مع مستخدم ولديّ نيّو، ثم ما لبثت أن فرت معه إلى مضارب أهله في البادية ليعقدا قرانهما هناك: إنها أمثلة، انعكست في ذهن زَري مثل صورتها في المرآة صباحاً، وكانت تستمد العزمَ من بهائها؛ صورة، ظهرَ جلياً أنها سحرت الفتى بأعوام عُمره المزهرة ـ كأشجار لوز دارها في هذا الوقت من الربيع.
*** كون عمر وحيد أبويه، اعتاد على حياة الوحدة في منزل كبير المساحة، تهيمن على قسمه الجنوبيّ ليلاً أشباحُ الأشجار المثمرة، لتزيد في وحشته. كان المنزل في قسمه الأعلى يضم غرفة متواضعة، استأثر الابنُ بها، وكانت ملاصقة لحجرة الأبوين. أساساً، أعدّت غرفته للضيوف؛ بأريكة يتيمة، كان ينام عليها، مع بضعة كراسي من القش المجدول. وكان يمكن للجمال ألا يجد مكاناً في هذا القسم من الدار، لولا شجرة نارنج بثمارها التي في لون الزعفران. في أوان ذلك الربيع، كان عمر يتوق لشجرة الخطيئة بعدما التقى مصادفةً مع " حواء "، فاستشف من نظراتها الجريئة ولهاً يُعادل ولهه أو يفوقه ربما. كان يُدرك مسألة الفارق بالعُمر بينه وبينها، بيد أنه عميَ عنه بما أصابَ قلبه من وهج الجيد الرشيق كالقنب، المحمّل على ردفين كبيرين، فضلاً عن سحر البشرة الحريرية، والابتسامة المفترة عن أسنانٍ تقطر بريق الرغبة! لكن الصدفة جارت عليه من ناحية أخرى، حينَ تعيّن عليه الالتحاق قريباً بسلك الفرسان، ( الدرك )، على أثر وساطة من لدُن كبير العشيرة. من سوء الحظ أيضاً، أن مضافة الزعيم تقع مقابل باب الدار، وإلا لكان في وسعه أن يقف عند العتبة منتظراً ظهورَ الحبيبة كي يتذوق مرة أخرى طعمَ لغة العيون، على الأقل. الأب، كان يناوب ليلاً مع نواطير بساتين الحارة، المملوكة غالبيتها لأبناء حي الصالحية. من سعى له بالعمل في حينه، لم يكن سوى الزعيم. فيما زوجته، الجميلة الطلعة مع شحوبها بفعل علّة ما، كانت تسهم بمصروف البيت من خلال خياطة الجوارب الشتوية. رجلها، المتوسط العمر، دأبَ على العودة صباحاً إلى المنزل، ليطرح نفسه على وجهه في الفراش ويغفو. بدَوره، كان يشكو الوصب: لاحَ أن فقراته فقدت انتظامها، وذلك لطول فترة عمله سابقاً في حمولات تجار سوق الجمعة.
*** أشعل الابنُ شمعة ثانية، تمهيداً لاستقبال مَن يُعتبر الصديق الوحيد من خارج العشيرة. " عبده خالد " هذا، من ناحيته، كان ينتمي لعشيرة الإيزولان، ويرتبط بقرابة مع والدة الزعيم من جهة الأم. حينَ حضر الضيف، المماثل له في العُمر تقريباً، شم من خلاله عبقَ الحبيبة وبقي ثملاً به. الشاب، الربع القامة والخالي تقريباً من الوسامة، كان يمتهن حرفة حفر الجبل لدى شركة محلية، تقوم ببيع الأحجار بعد تنعيمها أو طحنها، وخصوصاً النوع الجيريّ. فيما مضى، حثّ عمر صديقه على التطوع معه في سلك الدرك، لكن هذا أفهمه ألا طاقة لديه على حياة الانضباط والنظام والأوامر. في واقع الحال، أن عبده خالد تشرّبَ من خلال مهنته الهَوَسَ بنبش الأرض بحثاً عن الكنوز. في سبيل ذلك، اشترى كتاباً باهظ الثمن من شخص يبيع المجلدات القديمة تحت أسوار الجامع الأموي في المكان المعروف بالمسكيّة. المبلغ، المدفوع لتاجر الكتب من أجل مجلد الكنوز، كان كامل مدخرات الشاب من عمله في نحت الجبل، وقد تراكم رويداً بهدف دفع صداق الزواج مستقبلاً. الأسرة، المكوّنة من ثلاثة أشخاص، كان منزلها الأصغر في الزقاق والأكثر خصاصة. كان عبارة عن حجرة كبيرة، تحتل القسم العلويّ كله مع فسحة ضيقة للغاية كأرض ديار. فيما تناثرت بعض الأشجار في القسم السفليّ، وكانت معتلة المظهر من قلة الغذاء والماء ـ كحال أصحاب البيت سواءً بسواء! 4 في الليلة ذاتها، التي أشعل فيها عُمر شمعةً أخرى تكريماً لصديقه، كانت المعشوقة تُضيء مصباح الزيت الكبير في حجرة الإيوان. تعلق الأمرُ بضيوف لأبيها، كان من المفترض أن يحضروا في أول الليل كما أخبرتها الأم. بعدئذٍ ولجت زَري حجرة أخيها، وكانت بلصق الإيوان من جهة اليسار، كي تسأل امرأته ما لو تود خدمةً ما لنفسها أو لطفلها. انتبهت سارة لما في ملامح الفتاة من شحوب، مع ذهول في عينيها. سألتها بدَورها، عما لو كانت تشعر بوجع أو أنها لم تنم جيداً بالأمس. " قبل قليل، وفيما كنتُ أحمل الفاكهة لأضعها في الإيوان، هاجمني وطواط لعين وأفزعني "، أجابت زَري. لاح طيف ابتسامة على فم امرأة الأخ، تعبيراً عن ردة الفعل إزاء نبرة الأخرى، الطريفة. لحُسن الحظ، أنّ الفتاة كانت قليلة الحساسية في هكذا مواقف. وربما أنها أضحَت جَلِدَة في الاعتياد على غمز ولمز الآخرين، مما يُزعم عن خفّة عقلها. لكن سارة لم تكن من هذا الرأي، بخصوص خفة عقل شقيقة رجلها: كانت تعتبرها قليلة الحظ لا الذكاء. لقد كانت معتادة على حبس نفسها معها لساعات في الحجرة كي تتبادلا الأحاديث في مختلف المواضيع. حضور زَري، مثلما خبرته امرأة الزعيم، اتسمَ بالدفء والهدوء والتفهم، بغض النظر عن فارق السنّ بينهما. لكن هذا الفارق بالذات، كانت الفتاة تشعر به في قسوةٍ إن كان قد تواشجَ مع موضوع عشقها لابن جيرانها من آل كُرّي عيشة. " لو وضعنا الوطواط اللعين جانباً، فإنني أرى أنك لستِ على بعضك في الأيام الأخيرة؟ "، آبت سارة للاستفهام. رمقتها الفتاة بنظرة مليّة، تدل على توغلها في حالة الذهول والشرود، قبل أن ترد بالقول: " الأيام كلها متشابهة، لناحية الرتابة والسأم " " مع ذلك، ابتدعَ الإنسانُ الأعيادَ لأجل أن يدخل البهجة على حياته "، قالتها سارة ثم أردفت مبتسمة: " عيد النيروز على الأبواب، وسنحظى بحفل رائع ليلاً يتبعه سيرانٌ ممتع في النهار التالي ". رجعت زَري للنق، بالقول متنهدةً، " سننصت إلى المغني، يُنشد ملاحم الحب نفسها والتي أعادها مرات كثيرة حدّ الضجر " " لا يُفسد الأغنية تعوّدنا على سماعها، أم أنك بت تكرهين حكايات الحب؟ "، قالتها سارة وهيَ تطلق ضحكة مقتضبة. ابتسمت زَري، ثم أجابت وقد تضرج وجهها، " بل تُسعدني حكاية الحب، لو أنها لا تركز دوماً على العشاق الصغار السنّ، الذين يضحون بحياتهم في آخر المطاف " " ها أنتِ ترين، أنّ الحب أقوى من رغبة المرء بالاستمرار في الحياة وهوَ في ربيع العُمر دونَ وجود الحبيب " " بلى، إنما في الواقع يعتبر فضيحةً اقترانُ الفتاة بشاب يصغرها عُمراً "، شددت زَري على آخر كلمات جملتها. هنا، بادرت سارة إلى القبض بود على يد شقيقة زوجها: " هاتِ إذاً كلميني عن ذلك الشاب، الذي شغل بالك في الآونة الأخيرة! "، قالت ذلك مع ابتسامة ماكرة توحي بمعرفتها لخبايا الأمر وربما عن طريق الحماة. *** في ذات الليلة، وبينما تخففت زَري من بعض الثقل في القلب بانفتاحها على امرأة الأخ، كان الحبيبُ المفترض يغادر المنزل مع صديقه. كان قد دعاه إلى كأس عرق في مكان يعرفه، يقع على طرف ساحة المرجة. ثمة، طلبَ عبده خالد صحناً من اللحم المشوي على الفحم، وذلك بنبرة أظهرت تعهّده دفعَ الحساب. كان يُدرك وضعَ صديقه، وأن بطالته لن تنتهي سوى في يوم التحاقه بمدرسة سلاح الفرسان. بالنسبة إليه، وإن كان يُسهم بمعظم راتبه في مصروف البيت، لكن ما يبقى معه كان يكفيه كشاب أعزب. انتشرت في أنف عمر رائحة الشواء، ولاحَ أنها أسكرته أكثر من العرق. إنه لا يتذكّر آخر مرة أكل فيها لحماً من أيّ نوع، بل حتى ثمن الشراب كان من ضمن منحة الأب كي تساعده في أوان استدعائه للمدرسة الحربية. مع ذلك، لم يدعه صديقه الكريم يمد يده إلى جيبه وتولى هوَ تسديد كامل الفاتورة. " إنني أحسدك على عملك، كونه يتيح لك الحرية "، خاطبَ صديقه فيما كان يقلّب كأسه الفارغ. هز الآخر رأسه دلالة على الفهم، ثم علّق بالقول، " إنهم يتشبثون بكم في سلاح الدرك، فيما أن أرباب العمل لدينا يطردون المرء على أهون سبب " " إنها أكبر نعمة، عودة المرء إلى بيته بعد انتهاء الدوام "، رجعَ عمر إلى نفس النغمة. تساءل عندئذٍ صديقه: " كأنك نويتَ الاستنكاف عن الالتحاق بمدرسة الفرسان؟ " " لو فعلتُ ذلك، لقتلت أبي قهراً "، أجاب ثم مضيفاً بصوتٍ كالغمغمة، " ولو لم أفعلها، لمت أنا بنفسي ". رفع الصديق حاجبيه، كإشارة استفهام عن مغزى الجملة الأخيرة. بقيَ عمر ملتزماً بالصمت، يتأمل بنظراتٍ فارغة ما حوله. قال أخيراً، وهوَ يهز رأسه علامة على الأسف والأسى معاً: " لقد عرفتُ مؤخراً أنني عاشقٌ، إلا أنّ عجزي معروفٌ منذ القِدَم للداني والقاصي " " ليسَ لهذه الدرجة، يا رجل. إنك ما زلت شاباً، وقبضتك تستطيع طرحَ الثور أرضاً " " ما قولك إذاً، لو علمتَ حقيقة أنّ الفتاة تكبرني عُمراً بلا أقل من عشر سنين؟ " " لا تثريب عليك، لو كنت تحبها وتريدها زوجةً " " المشكلة أنها شقيقة رجلٍ عالي المقام، ما يعني صداقاً ثقيلاً حتى لو كانت بائرة " " أظنني علمتُ من هيَ، وأنها تمت لي بالقرابة نوعاً ما؟ " " بلى يا صديقي، لقد حزرتَ " " لا تقل لي، أنك تتحدث عن زَري؟! "، تساءل الصديق هذه المرة مع قهقهة عالية. ظل عمر يحدق في الفراغ، مع أنه ملامحه وشت بالانزعاج. طبطب عبده خالد على يد صديقه بحركة اعتذار، ثم استدرك بالقول: " لو كنتُ في مكانك، لمضيت منذ الغد لخطبتها من الحاج حسن. ليسَ الزعيم، لو تعلم، مَن يبيع أهله مقابل مال الدنيا. ثم إنها تجاوزت سنَّ الزواج، فعلام سيضعون العراقيل أمام سعادتها؟ ". بان الارتياح على سحنة الشاب القانط، وما كان منه إلا أن شد بقوة على يد صديقه. 5 عقبَ إفضائها بمكنون قلبها لامرأة الأخ، حصل تحوّلٌ ملحوظ في مزاج زَري. صار يُسمع دندنتها بأغانٍ عن الحب، وذلك من مكانها الأثير في المطبخ. إنها أغان، يمكن أن تتردد مجدداً في الدار؛ وهذه المرة على لسان المنشد، المعتاد على الحضور في عشية عيد النيروز إلى إيوان الحاج حسن. انتظاراً لذلك الموعد، دأبت الفتاة على الخروج كل ساعة إلى أرض الديار كي تتأمل البدرَ المكتمل الهيئة، الضاحك وكأنما مبتهجٌ لهذا الطور الجديد من أطوار حياتها. حتى لقد زادت ثقتها بنفسها، كمدبّرة لشئون المنزل، وكانت تستعرض في ذهنها كم من أشياء تجيدها ومن الممكن أن تسعد البعل وترضيه: أصناف الطبخ والحساء والحلوى، المكتسبة من مراقبتها للوالدة؛ الوصفات الشعبية، المنقولة شفهياً عن لسان شملكان؛ الترتيب والأناقة والاعتناء بالأزهار، المأثورة عن المرحومة سلمى؛ بعض الخبرة بالخياطة، المأخوذة من ليلى؛ وأخيراً الصبر والجلد والإرادة، المعرّفة بهم امرأةُ شقيقها. لكن مشروع الزواج بقيَ في انتظار الرجل، وها قد مرّ أسبوعان ولم يظهر بنفسه أو ينم عنه خبرٌ. في الأثناء، احتفلت زَري مع أهل الدار والأقارب بالنيروز، سواءً في أمسية الإيوان أو نزهة البستان في نهار اليوم التالي. هكذا تبدد رويداً الأملُ في نفس الفتاة، وعادت الكآبة لتكسو سحنتها الجميلة وتسلّمها مجدداً إلى الشرود والذهول. من ناحية سارة، وكانت قد أخذت على عاتقها تنمية بذرة الأمل في نفس شقيقة زوجها، كان لا بد أن تجزعَ وهيَ تراها في هذه الحالة البائسة ولمّا تهنأ بعدُ بهضم كلمات التشجيع. كانتا كلتاهما كذلك، حينَ استدعتهما أمّو إلى حجرتها. دونَ مقدمة مسهبة، توجّهت إلى ابنتها بالقول وقد انفرج فمها عن ابتسامة وضاءة: " جارتنا، امرأة ابن كُرّي عيشة، أنتِ تعرفينها وأننا نادراً ما نجدها في دارنا؟ حسنٌ.. لقد أرسلت خبراً قبل قليل، أنها ستزورني مساء هذا اليوم ". تضرج وجه زَري، لأنها علمت بالطبع أنّ الأمر يخص المرشّحَ للزواج بها. أخفضت رأسها ولم تعلّق بشيء، بينما اكتفت سارة برشق حماتها بغمز عينها.
*** كانت زَري قد تلفعت بالأمل، ولاحَ أنّ صبرها الطويل أعطى نتيجة إيجابية أخيراً، وإذا بكل ذلك ينهار دفعة واحدة. كم كانت دهشتها كبيرة، وفي التالي، انكسارها وخيبتها، غبَّ معرفتها بأنّ الحاج حسن طلبَ إبلاغ والدة عمر بعدم رضاه عنه كزوج لشقيقته. أمام إلحاح أمّو، بضرورة أن يأخذ وقتاً للتفكير، صاحَ الزعيمُ في حدّة: " كفى أرجوكِ، إنني أوضحت لك حجّتي. لا يجوز أن نغذي زَري بالأحلام، ثم تفيق على كابوس إن عاجلاً أو آجلاً. إنه يصغرها بعشرة أعوام، وحينَ ستهرم سريعاً أمام عينيه لن يمتنع عن الزواج مرة أخرى أو ربما يطلقها ببساطة " " بل إنك تغلق بابَ الأمل في وجه زَري المسكينة، وقد لا يفتح مرة أخرى قط "، عقّبت الأمُ على كلامه في إشفاق ممزوج بالسخط. رفع الابنُ كفه علامةً على عدم رغبته في مواصلة النقاش، وأنّ رأيه مبرمٌ لا راد له. في مساء اليوم نفسه، جاء دورُ سارة لتأخذ على عاتقها مجادلة الزوج في أمر رفضه طالب القرب. دخلت إلى الموضوع من زاويةٍ ليسَ في وسعه تجاهلها، كعالمٍ دينيّ، وذلك بالقول: " نبيّنا اقترن بالسيدة خديجة وكانت هيَ بالأربعين، فيما أنّ شقيقتك أصغر بعشر سنين " " الأنبياء فضّلهم الله على غيرهم من البشر، فلا يُمكن مقارنتهم بغيرهم من عباده "، ردّ الزعيمُ في نبرة يقين. ثم أردفَ بالقول، " ما دامت زَري قد حظيت بطالب زواج يصغرها بعشر سنين، فلن يتأخر عن المجيء، الشخصُ المناسب لها في السنّ ". لزمت سارة الصمت، مدركةً أنّ من الصعب مجادلة رجل اعتاد أن يقلب الحقائق وفق إرادته وقناعته. إذ فضّل الزعيم أن تجري الأمور في أعنّتها، كان على الأيام أن تمضي دونَ أن تنتظرَ أحداً. فلم يظهر الرجل المناسب لزَري، وهيَ ما كانت أصلاً تنتظره أو تريده. رغبتها بمن تحب، تم وأدها بقسوة وبحجّة متهافتة. منذئذٍ، انضمت إلى معسكر كارهي الزعيم، وكانت قريبتها ليلى على رأسه. لم يعُد لديها مزاج، ولا غرو، أن تنشد أغاني الحب بصوت عالٍ؛ صوتها، الذي اكتشفَ من حولها بأنه عذبٌ ورخيمٌ ومؤثر وشجيّ. عمر، وكانت صدمته بقرار الزعيم لا تقل عما ألمّ بحبيبته، سرعان ما التحق بمدرسة الفرسان. شاءَ دفنَ خيبته طيّ نظامها الصارم، الممتد لأشهر، قبل أن يُمنحَ رتبة صف ضابط، فينفتح أمامه طريقُ المستقبل براتب ثابت وبوجاهة الملابس العسكرية الأنيقة.
#دلور_ميقري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل التاسع/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل الثامن
-
سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل الثامن/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل السابع
-
سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل السابع/ 1
-
سارة في توراة السفح: بقية الفصل السادس
-
سارة في توراة السفح: مستهل الفصل السادس
-
سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 5
-
سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 4
-
سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 3
-
سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 2
-
سارة في توراة السفح: الفصل الخامس/ 1
-
سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 5
-
سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 4
-
سارة في توراة السفح: الفصل الرابع/ 3
-
سارة في توراة السفح: مستهل الفصل الرابع
-
سارة في توراة السفح: الفصل الثالث/ 5
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|