|
القلادة (3)
حسين علي الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 6437 - 2019 / 12 / 14 - 19:46
المحور:
الادب والفن
عبد الحكيم وهو يهم بالخروج في ساعة مبكرة من الصباح للعمل نظر إلى سلمى وقال لها بعد ساعتين للدوام وأنت من الآن تجهزين نفسك،قالت له لا تنسى إنه أول يوم دوام لي في دائرتي الجديدة ويجب أن أحضر مبكرة. خرج دون أن يعلق على ذلك،فتحت دولابها الصغير لتختار من بين ما عندها من ملابس قليلة إن لم تكن متواضعة ما يليق أن ترتديه فربما تلتقي بالمدير أو يطلب لقائها،فكرت إن استدعاها ماذا تقول له وبماذا سيحدثها،وأسئلة كثيرة ظلت تدور في ذاكرتها،استقرت في نهاية المطاف على ما ستلبسه في هذا اليوم. أيضا ألقت نظرة على صدرها وضحكت وقالت عليك اللعنة يا خالد لازالت بصمات نظرتك الأولى باقية حتى الآن. هي لم تكن تحتاج لمكياج هي جميلة بوجه غير متعب هي في بداية العقد الرابع،تزوجت بعمر ستة عشر سنة قبيل امتحانات نصف السنة وهي في الرابع ألأعدادي،عبد الحكيم حينها قال لها سأجعلك تكملين دراستك،هي لم تطالبه بذلك فيما بعد وهو لم يكن بحاجة للوفاء بهذا الوعد الذي قطعه على نفسه،بعد خمس سنوات من الزواج فكرت أن تعمل وجدت وظيفة حكومية بشهادة الدراسة المتوسطة وعبد الحكيم لم يكن معارضا لذلك خاصة وإن أموره المادية لم تكن على ما يرام وعلى ألأقل سيكون لديها موردا يغطي نفقاتها الشخصية. أعادت النظر للمرة ألأخيرة لنفسها في المرآة وحملت حقيبة يدها الصغيرة وغادرت البيت صوب محل العمل الذي وصلته بعد دقائق لم تكن أول الحاضرين سبقها الفراش الذي اعاد ترتيب الغرفة وتنظيف المكاتب عرفت إنهم ينادونه عم أحمد،قال لها هذا مكتبك نظيف شكرته وهي تجلس على الكرسي بانتظار الآخرين. لم يكن معها في هذه الغرفة سوى سهام زميلة لها التي حضرت بعد دقائق وهي تتذمر من مسؤوليات البيت والأطفال وسألت سلمى وأنت كيف توفقين بين البيت والدوام؟ضحكت سلمى وقالت لها ليس لدي سوى عبد الحكيم وهو يعد الفطور لنفسي وله،قالت لها سهام والأطفال؟قالت لها ليس لدينا أطفال ولا أعرف السبب هل منه أم مني وضحكت ضحكة قوية. ظلت سهام تتذمر وسلمى تضحك حينا وتحاول أن تهدأ من وضع زميلتها حينا آخر،وفي نهاية المطاف أنقطع التذمر مع أول المراجعين الذين دخلوا دائرة البلدية وانشغلت سهام بعملها. ظلت سلمى تهيئ نفسها لمن يقول لها المدير يريدك،مضى الوقت دون أن تسمع هذا،فكرت أن تذهب هي له لكنها تراجعت عن هذه الفكرة خاصة وإنها انشغلت مع زميلتها التي بدأت تدربها عن طبيعة العمل الموكل إليهما لدرجة مضى الوقت بسرعة ولم تجد الوقت الكافي للتفكير بمقابلة المدير. كما عادتها قطعت الطريق للبيت عبر الزقاق الضيق،لم يكن عبد الحكيم قد عاد بعد،لم تنظر للمرآة هذه المرة وهي تبدل ثيابها وتتجه صوب المطبخ،كانت تشعر بالجوع، سخت الأكل وقبل أن يكتمل سمعت صوت عبد الحكيم الذي أسرع للجلوس على طاولة الأكل الصغيرة بإنتظار وجبة ألأكل. سلمى وضعت الأواني أمامه وجلست مقابلة له تأكل بشهية مفتوحة،قال لها عبد الحكيم يبدو إنك جائعة اليوم، نظرت إليه وابتسمت قالت سأموت من الجوع،شعرت بقدم عبد الحكيم تضرب قدمها،ضحكت بقوة وقالت له لا تكن مشاكسا دعنا نأكل الآن. واصل عبد الحكيم الأكل فيما كانت هي تعد الشاي لها وله، وضعت القدح أمامه وقالت له أحتاج أن اذهب إلى أمي التي لم اراها منذ شهرين أو أكثر وأنت يجب أن تذهب معي يا حكيم. قال لها أذهبي وحدك فأنا كما تعرفين في شغل جديد ومواظب عليه يمكنك الذهاب غدا الخميس بعد نهاية الدوام وتعودين الجمعة. قالت له حسنا فكرة جيدة سأذهب مباشرة من الدائرة وأحتاج أكثر من ساعتين كي أصل لهما كما تعرف يا حكيم،هز رأسه بالموافقة على كلامها وحاول أن يقول لها أن كانت تحتاج مبلغا من المال لكنه تراجع كعادته في كل مرة. شرب الشاي واشعل سييجارته وخرج من البيت،فيما دخلت سلمى غرفتها تحاول أن تريح جسمها على سريرها القديم جدا،ذات مرة حاولت أن تشتري سريرا جديدا لكنها فشلت في ذلك لأنها لا تمتلك ثمنه،في نهاية المطاف لم تعد تفكر بشراء أثاث سيكون مجرد سكراب بسبب التنقلات من بيت لآخر ومن مدينة لأخرى. عادت الأسئلة تدور في رأسها لماذا لم يطلبني المدير،هل نسيني أم تناساني،ربما يكرهني الآن لكنني لم أكن ناكرة له،توسلته أن يقنع أمه وأعمامه بأن يتزوجني بدلا من عبد الحكيم الذي جلبته أختي هناء عريسا لي،ووافقت أمي عليه وأبي لم يرفضه لأن أمي وافقت على ذلك. لكن لا خالد ولا أمه تحركا رغم إن أمي كانت على إستعداد لتزويجي من خالد بل كانت تتمنى ذلك. شعرت سلمى إنها تحاسب نفسها عن ذنب لم ترتكبه،ثم من يكون خالدا هذا حتى تفكر فيه بهذا الشكل،سأنساه أو اتناساه،صحيح إن مقارنته بعبد الحكيم ظلما له لكن أيضا حكيم مهما يكن فهو يحبني وسلوكه تغير كثيرا عن السابق وبات يحرص على أن تكون حياتنا طبيعية وهو يشتغل على قدر إستطاعته،عليك الإهتمام بحكيم يا سلمى هكذا قالت في سرها. في المساء عندما عاد عبد الحكيم كانت سلمى قد أعدت له العشاء بوجه مبتسم أتاح له فرصة أن يمني نفسه بليلة جميلة معها،لم تكن ترفض له طلبا هذه الليلة وشعرت إنه زوجها الذي يحبها دائما، في الصباح عندما نهضت من نومها وجدت حكيم أعد لها الفطور وعندما خرج للعمل وضع بيدها مبلغا من المال يساعدها في زيارتها لأمها. قد تكون من المرات القليلة التي يعطيها مبلغا من المال دون أن تطلب ذلك،ضحكت وقالت أنا أيضا أعطيته دون أن يطلب ذلك وراحت تحصي النقود بهدوء. أكتشفت إن عمل عبد الحكيم جيد وبدأ يحب عمله ويوفر منه أمولا مهما كانت بسيطة إنها في النهاية ستكون قادرة على تحسين وضعيتهم وحياتهم. عندما أرادت تغيير ملابسها للذهاب للدوام لم تقف أمام المرآة كثيرا ولم تنظر لحافات صدرها ولم ترى بصمة نظرة خالد،تجاهلت كل ذلك وهي تضع بعض ثيابها في كيس نايلون وحملت حقيبة يدها الصغيرة وقالت في نفسها ربما أخرج قبل نهاية الدوام كسبا للوقت. في مكان آخر كانت أم خالد قد أعدت العدة للسفر إلى مدينتهم القديمة في الساعة التاسعة صباحا عندما يعود أبنها من دائرته فهو سيتمتع بإجازة لهذا اليوم، كانت قد إشترت أكثر من هدية فهي اعتادت على ذلك خاصة وإن ذهابها متباعد أحيانا يقتصر على المناسبات سواء الزواج أو الوفاة والأعياد. وصلت سلمى الدائرة ووجدت سهام كعادتها متذمرة من الأطفال،قالت لها غدا جمعة سترتاحين قالت لها بل التعب أكثر يوم الجمعة في شغل البيت،سألتها سلمى هل يمكن أن أخرج اليوم قبل ساعة أو ساعتين لأنني أريد أن اذهب لأمي.قالت سهام صعبة الإجازات بهذه الطريقة والمدير متشدد جدا.لكن مع هذا يمكنك تقديم طلبا ربما تحصل الموافقة. قالت سلمى لا داعي طالما إنه متشدد لكنني وودت كسب ساعتين من الوقت فالطريق طويل لمدينة أمي، أستدركت سهام وقالت لها في كل يوم خميس أضع أمام المدير كشفا بأعمال ألأسبوع وسأطرح عليه مسألة خروجك في قبل ساعتين ربما يوافق. كانت سهام قد أعدت هذا الكشف مبكرا وتنظر الوقت المناسب لتقديمه،جاء العم أبو أحمد يؤكد على الست سهام إن السيد المدير يريد الكشف الآن. حملت سهام أوراقها واسرعت نحو المدير الذي لم يكن وحيدا ويبدو إنه على عجالة من أمره وبيده سماعة الهاتف يتحدث مع شخص آخر، وضعت الكشف أمامه وانتظرت قليلا، بدأ يطالعه وكتب بضعة كلمات وناولها إياه وخرج من غرفته فيما ذهبت سهام لمكتبها. كانت سلمى تنتظر،لم تمهلها سهام فرصة السؤال وقالت لها المدير مستعجل جدا لم تتح لي فرصة أن أحدثه قرأ الكشف وكتب عليه وهو واقفا وشاهدته يخرج من الدائرة أظنه لن يعود اليوم إليها.سمعت من الساعي العم أحمد إن المدير اليوم مجازا. كانت فرصة أن تسأل سلمى زميلتها عن هذا المدير وصفاته،فقالت سلمى هكذا الرجال دائما في عجالة من أمرهم الله يساعد زوجته عليه،ضحكت سلمى وقالت لها هو عازب أو عانس كما يقول زوجي،ضحكت سلمى وقالت وهل زوجك يعرفه،قالت نعم هو صديقه يجلسان معا في المقهى. كان السؤال التالي ومن يتدبر أمره؟قالت لها أمه فهو وحيد أمه فضحكت سلمى وقالت الله يساعد أمه عليه،يبدو إنك تعرفيه جيدا يا سهام؟إي مثلما قلت له هو صديق زوجي وبيننا زيارات متبادلة،أمه امرأة طيبة القلب ذات مرة قلت له لما لا يتزوج قالت مضرب عن الزواج وعندما ألححت عليها بالسوأل قالت هذه حكاية طويلة.عرفت فيما بعد إنه كان يحب فتاة وهذه الفتاة تزوجت وتركته. قاطعتها سلمى وقالت ربما هو تركها؟ قالت سهام الله اعلم لكن الرجل في نهاية الأمر عامل إضراب عن الزواج. لم تشأ سلمى أن تطرح كل ألأسئلة دفعة واحدة فالأيام القادمة ستأتي بالتفاصيل سواء من سلمى أو غيرها،كانت الساعة تقترب من الحادية عشر قبل الظهر عندما قالت لها سهام يمكنك الذهاب إلى أمك الآن لا أحد سيسأل وأنا أسد مكانك. شكرتها وحملت كيس النايلون وحقيبة يدها وانطلقت صوب مرآب سيارات النقل. كانت تحرص أن تجلس قرب النافذة تنظر إلى الطريق وهذه المرة عادت ألأسئلة تراودها من جديد، هو لم يتزوج بعد،كان يحب فتاة وتركته،أو هو تركها،ظلت ألأسئلة تدور في رأسها ربما كانت لإجابات ظلت بعيدة عنها،شعرت إنها مشوشة التفكير، بدأت السيارة بعد ساعة ونصف تقترب من مدينة أمها،تركت هذه التساؤلات تخرج دفعة واحدة وهي تفتح نافذة التهوية الصغيرة في النافذة لتطل على بدايات المدينة وتنتظر وصول السيارة لشارعهم.
#حسين_علي_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القلادة (2)
-
القلادة(1)
-
يوميات الحرب والحب والخوف(20)
-
يوميات الحرب والحب والخوف(19)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (18)
-
يوميات الحرب والحب والخوف(17)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (16)
-
يوميات الحرب والحب والخوف(15)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (14)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (13)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (12)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (11)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (10)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (9)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (8)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (7)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (6
-
يوميات الحرب والحب والخوف (4)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (5)
-
يوميات الحرب والحب والخوف (3)
المزيد.....
-
“حليمة تعطي ترياق السم لــ علاء الدين“ مسلسل المؤسس عثمان ا
...
-
البلاغي المغربي سعيد العوادي يكشف عوالم جديدة لحضور الطعام ب
...
-
الكريسماس .. قائمة أفلام رأس السنة الميلادية 2025 الجديدة
-
مصر: وفاة أحمد عدوية أحد رموز الغناء الشعبي عن عمر 79 عاما
-
الغرافي يرصد مظاهر البلاغة الجديدة في الخطاب البلاغي الحديث
-
الممثلة الأسترالية ريبل ويلسون وزوجتها رامونا أغروما تحتفلان
...
-
مؤرخ أميركي للمقابلة: واجهت الرواية الإسرائيلية لحرب 48 من م
...
-
وفاة الممثلة دايل هادون بسبب تسرب غاز قاتل في منزلها
-
الإحتلال يستهدف المدنيين بريف دمشق + فيلم
-
السجن السياسي كما صورته السينما.. 10 أفلام بين يدي السجان
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|