أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ابراهيم سبتي - محنة القصة القصيرة جدا















المزيد.....

محنة القصة القصيرة جدا


ابراهيم سبتي

الحوار المتمدن-العدد: 1562 - 2006 / 5 / 26 - 11:19
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


بعد صدور كتاب انفعالات لناتالي ساروت عام 1932. انتبه كتاب القصة الى فن جديد يشبه القصة القصيرة ، لكنه يختلف عنه في بنائها وشكلها اطلق عليه القصة القصيرة جدا . ويعد ( انفعالات ) اول بادرة موثقة تؤرخ لبداية هذا الفن الجديد ، وكانت ترجمته الى العربية في السبعينيات قد نبه القصاصين الى هذا النوع من القص ، فبدات تظهر في الصحف والمجلات المتخصصة ، قصصا قصيرة جدا كان تاثير ساروت واضحا عليها ..
وبالرغم من ان مرحلة الرواد في القصة العراقية كانت تهتم بالنص لابشكله ، فقد ظل تطور النص الشغل الشاغل لقصاصي تلك المرحلة حتى صار من الصعب احداث أي تغيير في التكنيك العام للقصة فظل الاشتغال على النص وحده ، لكن بعض الخروقات قد حدثت في نمط كتابة القصة في ذلك الجيل ، كانت عبارة عن طفرات فنية اشرت مدى الحاجة الى تنويع الأساليب والدخول في تقنية القصة من باب الوعي بضرورة مواكبة تطور الأدب في العالم .. فنشر في الأربعينيات المحامي يؤيل رسام قصصا قصيرة جدا كما يقول الناقد باسم عبد الحميد حمودي ،فعد ذلك بداية لظهور هذا الفن في العراق .. ثم تلاحقت التجارب حتى بلغت درجة كبيرة من النضج الفني في مرحلتي الستينيات والسبعينيات ، فنشرت بثينة الناصري في مجموعتها (حدوة حصان ) الصادرة عام 1974 قصة اسمتها ( قصة قصيرة جدا ) .. ونشر القاص خالد حبيب الراوي خمس قصص قصيرة جدا ضمن مجموعته ( القطار الليلي ) الصادرة عام 1975 ، ونشرها عبد الرحمن مجيد الربيعي في نفس الفترة وكذلك جمعة اللامي واحمد خلف وإبراهيم احمد ..
ويبدو ان تطور وعي القاص واطلاعه على التجارب العربية والعالمية وتحليل النتائج المستخلصة ، أدى الى إنتاج نوع اخر من القصة يختلف كليا عن ما هو سائد أصلا ، مع إن بعض الدلائل تشير الى ان هذا الفن بدأ عراقيا في الأربعينيات ـ مقارنة بظهوره عربيا ـ
لو استثنينا تجربة القاص اللبناني توفيق يوسف عواد الذي اصدر مجموعته القصصية ( العذارى ) عام 1944 واحتوت على قصص قصيرة جدا لكنه اسماها ( حكايات ) .
وكان لمواكبة مجريات العصر والتطور التقني الهائل دوره في ولادة هذا الفن مع عد أي تطور مادي ملموس في الحياة يصحبه تطورا في المجال الادبي حتما ..
وبذلك برزت القصة القصيرة جدا معبرة عن وقائع الحياة السريعة التي تتطلب الاختصار في كل شئ .. فهي ليست وليدة اللحظة إذا ، آو إنها فن سهل الكتابة كما يتصور بعضهم ، بل هي من الفنون الصعبة وعملية التحكم بها لا تقل أهمية وصعوبة عن ابداع أي نص قصصي اخر ، وماتحتويه عناصر القصة ذاتها من مقدمة ومتن وخاتمة وبالتالي فهي تحتاج تكنيك خاص في الشكل والبناء ومهارة في سبك اللغة واختزال الحدث المحكي والاختصار في حجم الكلمات المعبرة عن الموضوعة المطروحة ..
من هنا كان التغيير في شكل القصة مهماً على الدوام كما تقول ناتالي ساروت ( ان مهمة الفن التجديد والتجدد والاستمرار ) في حين ان فن القصة القصيرة جدا سيصبح قديما بعد حين ، بعد ان يكون كتاب القصة قد ابتكروا شيئاً اخر في ضوء الحركة الدائمة للأشياء والمتغيرات السريعة للعصر ..
يقول ابن قتيبة المتوفى عام 276 هجرية بهذا الصدد ( ان كل قديم كان محدثا في زمانه ، كما ان كل مايعد محدثا في زمن ما سيصير قديما بمرور الايام والسنين ) .
فظهور القصة القصيرة جدا ليس غريبا او مفاجئا ( رغم التأثر الواضح بساروت ) لاسيما ان الادب العربي شهد ظهور حركات تجديدية كثيرة وخاصة في الشعر ولكنها لم تؤثر في استمرار يته ولم تهدد وجوده ..
ففي العصر العباسي الثاني ظهرت فنونا شعرية متعددة مثل القوما والدوبيت والكان كان ، وظهرت الموشحات في الاندلس وكانت حينها خروجا على اعاريض الخليل المعروفة ، وظلت محاولات التجديد مستمرة على شكل القصيدة حتى بدايات القرن العشرين حين ظهرت جماعة الديوان وابولو والمهجر ، وفي الاربعينيات ظهرت قصيدة التفعيلة وكانت بمثابة حركة تجديد كبيرة وثورة في مسيرة الشعر العربي التقليدي ولكنها جميعا لم تؤثر في القصيدة العربية وظلت بحور الخليل تمثل ديوان العرب في كل العصور ..
ونؤكد ان فن القصة القصيرة جدا لا يمكن ان يكون بديلا عن القصة القصيرة القائمة بذاتها .. فكل حركة ابداع لابد ان تاخذ حيزها من الانتشار والانفتاح كي تؤسس لها كيانا مستقلا ..
وفي مجال القصة القصيرة جدا ، يحتاج القاص تعاملا خاصا مع معطيات التطور الذي جعله يقتنص اللحظة السريعة ويحولها الى ممارسة فنية تحتوي مواصفات القصة القصيرة ولكن بشكل اخر ..
ان لجوء كتاب القصة الى هذا الفن ليست لانها اقل طولا من القصة المعروفة .. بل لقيمتها الفنية أولا ومهارة كاتبها ثانيا ، ذلك ان القاص لابد ان يتعامل بمهارة بطريقة البناء واختزال الحدث والاشتغال على مساحة اقل لا تحتمل المناورة من المفردات التي تؤدي الى المعاني الكبيرة التي تختصر السرد ، والقدرة على صنع الضربة النهائية بنجاح ..
فكان لابداع القاص عاملا كبيرا في نجاح هذا الفن وتاسيس جنس ادبي مشتق من القصة القصيرة قائم على الالتزام بالقيم الجمالية والوعي ونقل العوالم المادية المحسوسة عبر لغة مكثفة ..
عالميا يمكن عد ناتالي ساروت لها فضل الريادة في هذا الميدان ومن ثم كتبها بورخس وكالفينو وقد اعتمدوا التجريب والغرائبية في اخراج الحدث ومعالجته فنيا مع استخدام اللحظة العابرة كاساس في عملية القص ..
ان كاتب هذا النوع من القصة ، قد التزم بكل محددات فن كتاب القصةالقصيرة جدا واضافوا لها بعدا فنيا يستند الى ثقافة الوعي والسعي للمحافظة على جدية المصطلح .. ان الايقاع السريع للحياة وزيادة الخزين الثقافي للقاص اهلته للقيام بدوره في ابداع القصة القصيرة جدا التي تعتمد التكثيف والاختزال والضربة والمقدرة اللغوية والموضوعة المستندة من الواقع والتخيل وعلى اسس عصرية تقوم على تعقد وتشابك تفاصيل الحياة في ظل التقدم التقني وثورة المعلومات الهائلة ..
وعندما كتبت ساروت قصصها في ( انفعالات ) كان تاثيره مهما في الساحة الادبية الفرنسية والعالمية على حد سواء .. فقد ظهر لون جديد من فنون النثر القصصي حفز الاخرين على الاسهام في ترسيخه وانجاح فنية المصطلح الجديد .. حتى ان ساروت في كتابها اسهمت وبشكل مؤثر ، في اظهار مجموعة جديدة من الادباء الفرنسيين اطلعت بمسؤولية الكتابة الجديدة والدفاع عنها امثال بيكت ـ ميشيل بوتور ـ سارويان ـ سولير .. استخدمت ساروت تقنية متفردة في اظهار الجوانب الغريبة في القصة القصيرة جدا التي يسميها نقاد الادب بالاقصوصة وتتلخص في التكثيف والايحاء والايجاز ..
ومثلت هذه التقنية الانطلاقة الاكيدة لهذا الفن حسب رأي كثير من النقاد منهم توماس بيرنز الذي يقول ( ان سبب صعوبة الاقصوصة يترتب على ايجازها ان تكون العقدة يسيرة مباشرة ورسم الشخصيات موجزا محكما مقيدا بفحوى والعرض بليغا .) .
انتشر هذا اللون القصصي كونه فنا جديدا يستطيع القاص من خلاله اظهار ابداعه وبراعته ، عكس اعتقاد البعض من انه اسهل من القصة القصيرة ويمكن لاي كاتب ولو كان مبتدئا ان يتعامل معه ..
وقد ضجت الصحف الثقافية خلال السنوات الماضية بهذا الفن الجديد ، فكتبه الكثير من القصاصين على اختلاف اعمارهم اضافة الى الكتاب الطارئين على القصة الذين حسبوا انهم وجدوا ضالتهم في القصة القصيرة جدا ..
بعض الذين كتبوا هذا اللون ، اسهم فعلا وبجدارة في ترسيخه وتأسيس قاعدة متينة له من خلال نماذج استوفت شروط كتابته .. في حين توهم البعض الاخر بأن الاستسهال فيه سيضعهم في قائمة المتعاملين معه ..
اعتمد النوع الاول من الكتاب في قصصهم القصيرة جدا على الوحدة الموضوعية والحكاية والتكثيف والايحاء والايجاز والمفارقة ، فجاءت نصوصهم ناضجة مستوفية اسباب نجاحها حتى ان بعضها ترك اثرا لقوتها ولكون كتابها يعون اسرار اللعبة التي تؤهلهم لدخول نادي القصة القصيرة جدا الذي اسسته ناتالي ساروت ..
اما النوع الاخر من الكتاب فقد جاءت كتاباتهم بشكل خواطر فجة او اخبار او مقالة قصيرة سطحية عدوها قصصا قصيرة جدا متناسين ان هذا اللون يعتمد اساسا على الحدث المركز او المفارقة والايحاء وعلى العنوان الذي يعد اهم مفصل من مفاصلها ..
يقول وولتر كامبيل في بحثه الموسوم الشكل في ا لقصة ..
( لدى محاولة كتابة الاقصوصة عليك ان تستعرض وتحلل العشرات منها وتتصفح مجلدات المجلات الادبية وتقرأ ماتجده من الاتجاهات الحديثة لهذا
الشكل .. ) .
ويؤكد كاتب اخر ان انتاج اقصوصة صالحة للنشر يجب ان يكون التفكير فيها كثيرا وكتابتها ببطء وتأن .
وهذا مايؤكد صعوبة هذا الفن لا سيما ان كاتبه يجب ان يعي حقيقة عناصره ومقوماته ويدقق مايكتبه كما يقول باشلار ( المؤلف يجب ان يكون قارئا متيقظا الى اقصى حد ) .
نقديا لم يتم تناول تجارب القصة القصيرة جدا باهتمام يجعله يرصد تلك التجارب كاشفاالجوانب الفنية والتقنية فيها ، فكان تناول ما نشر من تجارب في هذا المجال لا يتعدى كونه مقالات متفرقة لا تدعو الى التركيز على هذا الفن كونه فنا جديدا وصعبا افرزته بعض الاسباب المتعلقة بالتطور السريع للحياة المعاصرة في جيع الاصعدة والوعي الذي وصل اليه كاتب القصة القصيرة الذي ثار على الانماط التقليدية مقتحما اساليب الحداثة المدعومة بالخطابات المعاصرة في تناول لغة القص وبناء النص وصياغة الحكاية ..
فكانت بعض المحاولات النقدية تتناول القصة القصيرة جدا وكأنها خارج نطاق التنظير ولم يتسن لهم اعلان موقف حاسم منها ..
لقد تحمل القاص ضرورات الوعي والتجديد في استنتاج خلاصة الابداع الادبي المعاصر فابصر نتاجه النور بعد محاولات وتردد خشية اقتحام الساحة القصصية الصعبة المرتكزة على مهارة الصنعة وقوانين الكتابة ، فكانت تلك المحاولات قد جاءت معبرة عن ضرورة ملحة في تاسيس جنس ادبي ينتمي الى فن القصة ولكنه يختلف بناء وصياغة .. وكان لابد من ان ينتبه الى هذه المحاولات وتأشيرها وعدها ضربا جديدا تضافرت عدة عوامل على اظهاره بهذا الشكل الذي نراه اليوم من الاهتمام باللغة المصاحبة للضربة النهائية ومختصرة الكثير من المراحل التي تحتاج لها القصة القصيرة ..
فيكون القاص قد ادرك تماما ماذا بوسعه عمله لانتزاع اعجاب الاخر المتحفز لالتقاط مواضع الابهار في النص .
وهذا مااكد عليه بعض النقاد الذين تعمقوا في دراسة النص كوحدة لها خصوصيتها ونجد رولان بارت في كتابه ـ درجة الصفر المئوي ـ يؤكد تلك الحقيقة بقوله ان النص الادبي هو وحدة مستقلة ومتكاملة ..
ان النقد القصصي يمر بخمول نسبي قد يكون متأتيا من عزوف اكثر النقاد عن الكتابة وتاشير تجارب القصة القصيرة جدا تحديدا وتركها تدور حول نفسها اذ لم تجد مايكتب عنها . وليست المشكلة كما يراها البعض في قلة النصوص المنشورة ضمن هذا اللون ، وانما في مستويات الذائقة والرؤية الموضوعية والتقنية التي تقدما هذه النصوص ..
وهكذا يكون النص القصصي القصير جدا قد ألب بعض النقاد عليه في حين صفق له نقاد اخرون وباركوه وعدوه وليدا قويا من رحم القصة القصيرة .. وبرأينا ان هذا الفن قد جسد وعي القاص وامكانية دخوله الى عوالم اخرى من التجدد والابتكار ..



#ابراهيم_سبتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قصص قصيرة جدا
- قصتان قصيرتان جدا
- عين الذاكرة
- الشاعر شهيدا : وهل كان الشاعر سوى موت على وشك الانبعاث ؟
- قريبا .. كمال سبتي .. المراثي
- كمال شاعر المدن


المزيد.....




- -لا يتبع قوانين السجن ويحاول التلاعب بالشهود-.. إليكم ما نعر ...
- نظام روما: حين سعى العالم لمحكمة دولية تُحاسب مجرمي الحروب
- لأول مرة منذ 13 عامًا.. قبرص تحقق قفزة تاريخية في التصنيف ا ...
- أمطار غزيرة تضرب شمال كاليفورنيا مسببة فيضانات وانزلاقات أرض ...
- عملية مركّبة للقسام في رفح والاحتلال ينذر بإخلاء مناطق بحي ا ...
- إيكونوميست: هذه تداعيات تبدل أحوال الدعم السريع في السودان
- حزب إنصاف يستعد لمظاهرات بإسلام آباد والحكومة تغلق الطرق
- من هو الحاخام الذي اختفى في الإمارات.. وحقائق عن -حباد-
- بيان للجيش الإسرائيلي بعد اللقطات التي نشرتها حماس
- اختتام أعمال المنتدى الخامس للسلام والأمن في دهوك


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - ابراهيم سبتي - محنة القصة القصيرة جدا