مطالب الجماهير المحتجة في العراق والسلطة البديلة
عواد احمد صالح
2019 / 11 / 22 - 01:53
عندما نكتب او نحلل فاننا نفعل ذلك من منطلق اننا اشتراكيون ونفكر بان الاشتراكية هي البديل الوحيد والممكن لانهاء معاناة الجماهير في العراق وتلبية مطالبهم المشروعة ولا نقصد الا غاية واحدة هي الوصول الى مجتمع ينعم بالمساواة والحرية والعدالة ومن هذا المنظور فان الاصلاحات مهما كانت جذرية في مجتمع طبقي مثل المجتمع العراقي فيه شرخ هائل من الفوارق والتمايز لا يمكن ان تعالج الازمة الاجتماعية العميقة التي تراكمت خلال 16 عاما من الاحتلال وحكم الاسلام السياسي الفاسد . ان الطغمة الحاكمة في العراق بجميع اطرافها لا يمكن بعد كل ما فعلته من فساد وسرقات وتخريب وانتهاك للحريات وقتل وتدمير لا يمكن لها ان تكون مصلحا مهما تعرضت لضغط الجماهير المحتجة وفي افضل الاحوال ستقوم ببضع خطوات اصلاحية ترقيعية مزيفة تصب في نهاية المطاف في مصلحة بقاءها واستمرارها في السلطة .
الحكومة البديلة ..صعوبات وعوائق
كان هدف الاحتجاجات والتظاهرات في العراق ومايزال في محصلته وخلاصته هو تغيير العملية السياسية الحالية بكل رموزها وشخصياتها واحزابها وفسادها وهو هدف كبير وعظيم وضروري لكن ثمة صعوبات وعوائق كثيرة تقف في وجه تحقيقه .
السلطة البديلة هي مسألة ضرورية وحاسمة مهما كان طابعها الطبقي لعبور مرحلة تاريخية تتسم بالشللية والعوق السياسي والاجتماعي الذي جسده نظام المحاصصة الطائفية والقومية المغلق والفاسد الذي كرس كل اشكال السرقة والفساد وهدر المال العام وخلق وتعميق الفوارق الطبقية بشكل واسع جدا بحيث خلق اوضاع سياسية اجتماعية متأزمة وقابلة للانفجار دوما .
ان سلطة قادمة ذات طابع (برجوازي ديمقراطي) في ظل الاوضاع العالمية الحالية مهما كانت ديمقراطية وعادلة وشفافة وفي ظل ازمة النظام الرأسمالي وهجمة سياسته الليبرالية الجديدة لا يمكنها تحقيق مطالب الجماهير في العدالة الاجتماعية واقامة حياة حرة كريمة . الديمقراطية البرجوازية كانت ومازالت نظاما سياسيا لخدمة وتمثيل الاغنياء واحتكار السلطة والابقاء على التمايز الطبقي مهما يحقق هذا النظام من امكانية للحريات . بإمكان هكذا سلطة مثلا تحقيق عدالة اكثر في الانتخابات (نسبيا ) ومكافحة الفساد والانفتاح الديمقراطي واحترام الحريات المدنية وامتلاك نوع من استقلال القرار السياسي نسبيا ايضا والشروع بتقديم بعض الخدمات الممكنة المتاحة او الشروع في اصلاح البنى التحتية لكنها لا يمكن ان تخرج عن اطار النظام البرجوازي الذي لا يمكن الا ان يكون قائما على الفوارق الطبقية ، وبكل تأكيد فان حكومة ديمقراطية فيها قدر كبير من العدالة والشفافية افضل بما لا يقاس من نظام المحاصصة الطائفية والقومية الفاسد الحالي ، لكن السؤال هل هناك افق من خلال استقراء التظاهرات خلال ما يقرب من شهر على انطلاقها وما قدمته من تضحيات هائلة لاقامة مثل هذه الحكومة البديلة لنظام المحاصصة الجواب على الارجح ان مثل هذه الحكومة ليست مستحيلة التحقيق لكنها صعبة المنال والتحقق على الاقل في المدى المنظور لاسباب اهمها ما يتعلق بغياب بديل سياسي سواء كان ( وطني ديمقراطي ) من طرف الاطراف الوطنية البرجوازية او عدم امكانية قوى اليسار الجذري الحالية لمحدودية دورها وحجمها التنظيمي والسياسي من تشكيل قيادة ثورية واضحة يمكن ان تشكل قطبا قويا وفاعلا في قيادة التظاهرات نحو حسم قضية السلطة السياسية ( اقصى ما فعلته الاطراف اليسارية دعوة الجماهير الى تشكيل اللجان والمجالس الجماهيرية من القاعدة الى القمة دون حصول استجابة واضحة من قبل الجماهير لتلك الدعوات التي ربما كان لبعض اطرافها وقادتها الشباب وجهة نظر وتكتيكات خاصة بهم لا يريدون الافصاح عنها !!
ومن العوائق الاخرى للتغيير الحقيقي التدخلات الاقليمية والدولية وعدم وضوح دور الولايات المتحدة مهندسة العمية السياسية في العراق ورغم هذا وذاك فجميع هذه الموانع والعوائق لن تقلل من اهمية وعظمة انتفاضة تشرين التاريخية الكبيرة التي تشكل نقطة فارقة في مجمل تاريخ العراق المعاصر والتي ستترك اثرا واضحا على الواقع السياسي والاجتماعي العراقي مهما كانت النتائج التي ستتمخض عنها في نهاية المطاف ,
السلطة الموازية ، مجالس ولجان الجماهير
إن ثورات الشعوب الكبرى أنتجت في سياق سيرورتها الثورية أشكالاً من التنظيم الجماهيري افرزتها الظروف التاريخية لحركة الجماهير وفقا لتطور وعيها السياسي والاجتماعي تختلف اشكال وانماط تلك التنظيمات الجماهيرية من بلد الى اخر وضمن كل مرحلة تاريخية لكنها تتشابه من حيث هياكلها التنظيمية المعبرة عن ارادة الجماهير الثائرة .
من وجهة نظرنا ومن خلال استلهام التجارب التاريخية فان تنظيمات تمثل الجماهير المنتفضة الموجودة في ساحة التحرير ومقرها المطعم التركي يجب ان تتشكل تحت مسميات مختلفة مثل ( اللجان الثورية الشعبية ، او مجالس الجماهير .. الخ ) او اية اسماء تنظيمية اخرى تتشكل بالانتخاب المباشر من قبل الجماهير تمتد من محلات السكن واماكن المعيشة واماكن العمل والمدارس والجامعات والمصانع والمعامل كما على الصعيد العام للبلاد هي سلطة موازية لسلطة الحكومة البرجوازية الحالية سلطة تحقق اوسع تمثيل لكل الجماهير تمارس الرقابة والضغط الدائم على سلطة الحكومة من اجل تحقيق مطالب الجماهير في المرحلة الراهنة حيث يبدو ان التغيير الجذري سيعتمد في اخر المطاف على حسم ازدواجية السلطة بين سلطة اللجان الجماهيرية الشعبية الثورية وبين السلطة الطبقية للبرجوازية الحاكمة . وهي ازدواجية ستفضي إلى انتصار احدهما، في النهاية.
ان نجاح الجماهير في بناء هذه الاشكال التنظيمية وطرح برنامجها الانتقالي سيمهد الطريق لتحقيق نجاح مشروع التغيير