|
التعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني
هشام عبد الرحمن
الحوار المتمدن-العدد: 6412 - 2019 / 11 / 18 - 22:20
المحور:
القضية الفلسطينية
لقد أصبحت التعددية السياسية تمثل موضوعًا محوريًّا من موضوعات علم الإعلام السياسي، وحمل اهتمام الباحثين والمنظرين السياسيين؛ وذلك انطلاقًا من أن التعددية السياسية مدخلٌ لإسهام المواطن في ممارسة حقوق السياسية والتعبير عنها بشكل ديمقراطي حر، يقوم على الحوار وقبول الآخر، وتأسيسٌ لرؤى سياسية على قاعدة الفكر السياسي لا الديني، حتى لا نضفي قداسة على رؤى وأفكار الأحزاب والبشر التي أثبتت دنيوية تحتوي على الأخطاء؛ لذا لابد من فتح أبواب الحوار الوطني الشامل في إطار التعدد الديمقراطي. فمنذ ما عرف بالنكبة ترسخت التعددية الفلسطينية حيث قام الحاج أمين الحسيني بتشكيل المجلس التشريعي في غزة وإجراء الانتخابات البرلمانية الأردنية بناءً على وحدة الضفتين الشرقية والغربية في عام 1950م، وتم تأسيس عدد من الأحزاب الفلسطينية في أماكن تواجد الفلسطينيين، والتي أسهمت في تأسيس ولادة أحزاب سياسية تتبع بلدانًا غربية، الحزب القوميين العرب، والحزب العربي السوري ، وبدأت فكرة الأحزاب والتنظيمات السياسية الفلسطينية في البروز بعد النكبة، منذ اندماج العمل السياسي في التيار القومي العربي الذي كان يتصدر طليعة العمل السياسي آنذاك، وما رافقه من أثر بارز للعمل السياسي لأبناء الشعب الفلسطيني، إلا أن حالة التشتت والتوزع التي رافقت النكبة سواء داخل فلسطين أو في دول الجوار العربي، أعاقت الجهود الفلسطينية في قيادة العمل الوطني الفلسطيني داخليًّا وخارجيًّا لعدم وجود جسم سياسي، على الرغم من المحاولات العديدة التي بذلتها الهيئة العربية العليا، فقد عقدت المؤتمر الفلسطيني الأول في قطاع غزة في أكتوبر 1948م، وأنشأت المجلس الوطني برئاسة أمين الحسيني وشكلت حكومة عموم فلسطين برئاسة أحمد حلمي عبد الباقي. تم التباحث على المستوى الرسمي العربي لأول مرة عام 1959 في مسألة تنظيم الشعب الفلسطيني من خلال اتخاذ قرارً بإيجاد كيان رسمي، وذلك خلال أعمال الدورة (31) لمجلس جامعة الدول العربية، وبقي القرار يراوح مكانه حتى عام 1963، حيث تولى أحمد الشقيري تمثيل فلسطين في جامعة الدول العربية بدلًا من أحمد حلمي عبد الباقي نظرًا لوفاته، وبدء الشقيري في العمل الحثيث والاتصال بالشعب الفلسطيني والدول الأعضاء بهدف التوصل لإقامة كيان سياسي فلسطيني لتنظيم الشعب الفلسطيني، فتم عقد المؤتمر الوطني الفلسطيني الأول في القدس في 28 مايو 1964، وأعلن عن قيام منظمة التحرير الفلسطينية كممثل شرعي ووحيد للشعب الفلسطيني، بحضور ممثلي تجمعات الشعب الفلسطيني في 2 يونيو 1964. ومنذ مطلع عام 1965 بدأ الإعلان بشكل رسمي عن انطلاق وتأسيس الحركات والأحزاب السياسية الفلسطينية، استكمالًا لدورها الذي كان قائمًا منذ أحداث النكبة بالعمل الفدائي، وبدأت الأحزاب والحركات والفصائل الفلسطينية بعد النكسة بالانضمام إلى منظمة التحرير الفلسطينية والانضواء تحت لوائها، مع بقاء صفة الاستقلالية لكل تنظيم للتأكيد على التعددية السياسية في الحياة السياسية المرجعية القانونية للتعددية السياسية الفلسطينية، وعند حدوث النكبة عام 1984 إلى اندماج الضفة الشرقية مع الأردن وخضوع قطاع غزة للحكم المصري ، ومع مرور الزمن لم تعد حكومة عموم فلسطين موجودة، وانتهي تأثير الهيئة العربية العليا بإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية عام 1964، وقد كانت هذه المرحلة هي عملية التحرر الوطني الديمقراطي في مؤسسات المنظمة المكونة من اللجنة التنفيذية، المجلس المركزي، المجلس الوطني الفلسطيني القضاء الثوري ومؤسسات أخرى للاتحادات الشعبية آنذاك . بالحديث عن التعددية السياسية فإننا لا نقصد بذلك التنوع في الأطر الأيديولوجية الممارسات الاجتماعية فحسب، بل يتعدى ذلك إلى وجود مؤسسات المجتمع المدني كالمنظمات والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان والمرأة والبيئة والثقافة والتي تعد أساسية من أجل قيام الديمقراطية. وقد استطاعت حركة فتح السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني استنادًا إلى تاريخها الوطني والسياسي وكونها الفصيل الأكثر، إضافة لامتلاكها موارد حالية؛ وبذلك أصبحت الفصيل المقر والمسيطر، وقد دفعت المنظمة بشرعية التعددية السياسية والاستقلال نحو القرارات المنظمة والفكرية والمالية، إلا أن مسألة الديمقراطية بقيت محصورة لاعتبارات عديدة وانحصرت التعددية فيما بعد بنظام الحصة . كما شكلت منظمة التحرير الفلسطينية المجلس الأعلى للاتحادات لتحقيق وحدة المنظمات الشعبية والنقابية، وقد أسهمت هذه الاتحادات في توعية الفلسطينيين لشئون قضيتهم والتوعية السياسية للجماهير عبر ممارسة الديمقراطية في أطر منتظمة، حيث ظهرت العديد من الاتحادات في هذه المرحلة مثل الاتحاد العام للمرأة والاتحاد العام للمحامين، والمهندسين، والأطباء، والفلاحين، حيث كان يتم انتخابهم وتمثيلهم بطريقة ديمقراطية . بالإضافة لكون جلسات المجلس الوطني الفلسطيني تسودها نقاشات حادة مع وجود وجهات نظر مختلفة للأعضاء، بالإضافة لوجود هامش من الحرية؛ وذلك لضمان حرية التعبير والمحاسبة حسب النظام الأساسي للمنظمة. لقد شهدت هذه الفترة تنافسًا شديدًا على قيادة الساحة الفلسطينية وتحديدًا في أواسط السبعينات من القرن الماضي بين الحركة الوطنية، ومنها حركة فتح والفصائل اليسارية من جهة، وبين الإخوان المسلمين من جهة أخرى، وخاصة في مجالات العمل الفدائي والطلابي والاجتماعي، وقد تطور هذا التنافس بعد انطلاق حماس كحركة دعوية دينية اجتماعية سياسية والتي أصبحت تطرح نفسها بديلًا عن م.ت.ف وعدم الاعتراف بمنظمة التحرير لفلسطينية. عند الإشارة إلى التعددية في المجتمع الفلسطيني يلاحظ أنها في السابق حملت السمات الوراثية والاجتماعية التي تقترب من العشائرية والجِهوبة والفئوية، ولم تخترق البيئة الاجتماعية والاقتصادية أو بما بحالة الالتحام الوطني والتي تعني إلغاء الفوارق في التوجهات لأنها تتعارض مع التعددية الديمقراطية بل يكون الولاء للوطن دون سواه من المجموعات الأولية التي سبق ذكرها من عشائرية وجهوية. • التعددية السياسية والتسامح في عهد السلطة الوطنية الفلسطينية: الساحة الفلسطينية تتمتع بالتعددية السياسية والحزبية منذ عقود، فهناك أكثر من ثلاثة عشر تكوينًا سياسيًّا ما بين حزب وحركة مختلفة الأفكار والتوجهات والأيديولوجيات، منها ما هو علماني ومنها ما هو إسلامي؛ فبالرغم من أن النظام السياسي الفلسطيني أتاح مبدأ التعددية السياسية والحزبية، واتخذ من قانون الأحزاب السياسية للأردن مرجع قانوني، إلا أن حالة التعددية السياسية هذه لم ترتق لدرجة الممارسة الفعلية الحقيقية، وإنما بقيت ممارسة شكلية، وهو ما يمكن ملاحظته بشكل جلي بإتاحة المجال أمام الأحزاب والفصائل للتعبير عن مواقفها وآرائها وأهدافها، ولكن عدم السماح لها بأن تقوى لدرجة الهيمنة، واقتصار الأمر على حزبين رئيسيين وهما فتح وحماس، وهذا ناتج عن القاعدة الجماهيرية الكبيرة لكلى الفصيلين والقدرة على التأثير في الرأي العام، وما يؤكد ذلك بالممارسة الشكلية للتعددية السياسية والحزبية العديد النقاط التي يمكن إيجازها كالتالي : أولًا: الدور المحدود للفصائل الفلسطينية المنضوية ضمن منظمة التحرير الفلسطينية في صياغة القرار السياسي والتأثير على صانع القرار. ثانيًا: اقتصار صنع القرار على الجهات السيادية والممثلة بالرئاسة واللجنة التنفيذية للمنظمة. ثالثًا: الغياب التام لدورية الانتخابات والتي أدت إلى انتفاء صفة الشرعية القانونية عن المؤسسة الرئاسية والتشريعية على الرغم من الدعوات المتكررة من قبل كافة الفصائل لإجراء الانتخابات مع بقاء تلك الدعوات حبيسة البيانات. رابعًا: غياب مبدأ التداول السلمي للسلطة والذي تعزز بالانقسام. خامسًا: نسبية التأثير في الرأي العام من قبل الفصائل الأخرى. سادسًا: عدم القدرة على تحقيق التطور والتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. سابعًا: عدم القدرة على الحفاظ على الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي. ثامنًا: فشل كافة الفصائل الفلسطينية في تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية وفشلها في تعزيز الحياة الديمقراطية والمشاركة السياسية. تاسعًا: عدم وجود برنامج وإستراتيجية وطنية موحدة بين كافة الفصائل للتعامل مع المتغيرات التي تحيط بالقضية الفلسطينية وبالتالي عدم وجود إجماع على تحركات القيادة والتشكيك بها وبجديتها. إن التعددية الديمقراطية تعاني من إهمال للأسس واللوائح التنظيمية الداخلية للفصائل وجمود عملية التداول للسلطة وطغيان الشللية على أساس الانشقاقات المتتالية كسبيل لحسم الخلاف وصولًا إلى التحارب العنيف وعدم انتظام المؤتمرات العامة، وعدم الخبرة والكفاءة في عملية التجنيد والاستقطاب؛ وذلك على حسابات الولاءات الشخصية والجهوية والعائلية . إن تطوير الثقافة السياسية يكون عنصرًا مؤثرًا لإحداث التحول الديمقراطي على اعتبار أن الثقافة عامل مساعد وليس شرطًا لازمًا، وأن هناك من المؤشرات ما يسهم في الاستمرار بعملية التحول الديمقراطي هي القناعات التي تولدت لدى أفراد المجتمع، كذلك استطلاعات الرأي العام التي تشير إلى طبيعة نظام الحكم في فلسطين ديمقراطي رئاسي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية، ويُنتخب فيه رئيس السلطة انتخابًا من قبل الشعب . إن تطور الوعي الثقافي والتعليمي للمجتمع الفلسطيني أصبح مميزًا، حيث بلغت نسبة شهادة البكالوريوس والدراسات العليا على ما يزيد 7.5% من سن 15- 29 وانخفاض نسبة الأمية من 1% في حين النسبة بشكل عام، ذلك حسب إحصاءات مركز الإحصاء الفلسطيني. وإن سيادة روح التسامح والتعاون والاعتراف بالآخر من خلال التنسيق والتعاون بين الأحزاب والفصائل ظهرت بشكل بارز في الانتفاضة الثانية في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وعمليات الاجتياح للأراضي الفلسطينية واستمرار التعاون مع السلطة في عملية البناء والتحرر الوطني. ومن مظاهر الإيجابية وتحديدًا في السنوات الأخيرة وجود رقابة عملية وفصل بين السلطات، ومحاربة الفساد ووجود خطة واضحة بالإصلاح السياسي من أعلى المستويات السياسية . وبالرغم من كل ما ذكر سابقًا ما زالت الثقافة السياسية في إطار العمل المؤسسي تعاني من الرمزية والشكلية وبحاجة إلى احترام القانون والتخصص والوضوح وصناعة القرار في العملية السياسية ووجود قانون للأحزاب ينظم العمل السياسي والإيمان بالتسامح والتعددية السياسية في المجتمع الفلسطيني. عند النظر إلى تاريخ الأحزاب الفلسطينية يلاحظ أنها في السابق كانت عبارة عن تشكيلات، وأنه لم يكن هناك انخراط فيما بينها وبين الجماهير، وكان يتم التعامل مع رئيس الحزب على أنه رأس العشيرة، وقد يُستدل على هذا القول عند النظر إلى أن معظم الفصائل والتنظيمات لم تتم إجراء انتخابات لأعضائها العامين على مدى التاريخ إلا في حالات استثنائية، وكان يتم انتخابهم أو تعيينهم بالتوافق.
#هشام_عبد_الرحمن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مكونات الهوية في المجتمع الفلسطيني
-
هذه المراة حبيبتي
-
اخرج يا حبها من قلبي
-
لماذا امتنعت حماس عن خوض المواجهه الاخيرة ؟
-
التنشئة الاعلامية و المواطنة
-
الإطار القانوني للإعلام الفلسطيني
-
الإعلام و تشكيل الوعي السياسي الفلسطيني
-
انا الوداع الاخير للمخيم
-
التعصب الحزبي في فلسطين
-
خصوصية النضال وعدالة القضية الفلسطينية
-
تأثير الإعلام الفصائلي الفلسطيني على صنع القرار السياسي
-
الاحزاب السياسية في فلسطين
-
موجوع بكٍ أنا
-
لست نبيا حتي لا اخطأ
-
إشكالية الهوية الفلسطينية بين الفكر الوطني والإسلامي
-
هدا الحب يغتال برائتي
-
الحركة الطلابية وبلورة الهوية في الجامعات الفلسطينية
-
الإعلام الفصائلي والأزمة السياسية الفلسطينية
-
اصلي الفجر وادعيك
-
دور الإعلام الفلسطيني وأثره على المواطنة
المزيد.....
-
-لا خطوط حمراء-.. فرنسا تسمح لأوكرانيا بإطلاق صواريخها بعيدة
...
-
الإمارات ترسل 4 قوافل جديدة من المساعدات إلى غزة
-
الأمين العام لحلف شمال الأطلسي روته يلتقي الرئيس المنتخب ترا
...
-
رداً على -تهديدات إسرائيلية-.. الخارجية العراقية توجه رسالة
...
-
ماذا وراء الغارات الإسرائيلية العنيفة في لبنان؟
-
زيلينسكي: الحرب مع روسيا قد تنتهي في هذا الموعد وأنتظر مقترح
...
-
الإمارات.. بيان من وزارة الداخلية بعد إعلان مكتب نتنياهو فقد
...
-
طهران: نخصب اليورانيوم بنسبة 60% وزدنا السرعة والقدرة
-
موسكو.. اللبنانيون يحيون ذكرى الاستقلال
-
بيان رباعي يرحب بقرار الوكالة الذرية بشأن إيران
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|