|
سياحة في كتاب ” بَوْحُ الرُّوحِ” للكاتبة عزة أبو العز
السيد إبراهيم أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 6392 - 2019 / 10 / 27 - 18:25
المحور:
الادب والفن
للوهلة الأولى التي قرأتُ فيها باكورة مقالات من بوح الكاتبة عزة أبو العز، رَصدتْ بوصلتي النقدية ملامح لإبداع مغاير لما عهدته عنها في كتابات لها سبقت، وأدَعي أنني قرأت معظم ما أنتجت، ومع توالي النشر أيقنتُ أكثر بأن المكتبة العربية ستزدان بكتاب يتسم بالتأمل الهادئ الذي سيسرق ذواتنا من الضجيج الذي نعيشه نقاشا ومزاحا وجدالا وحديثا في الهاتف..
صدر كتاب "بوح الروح" عن "طيوف" للنشر بالقاهرة مؤخرا، وقد باحت فيه روح الكاتبة عزة أبو العز بطول الأزمنة والأوقات التي هي بطول عمرها، وبطول وعرض الأمكنة التي شهدتْ وقع خطواتها الأولى فوق تراب دروب قريتها الوادعة، وعلى إسفلت المدينة المتعَبة بحكايات أهلها وصراعاتهم.. لم تنشغل بالشكل قدر انشغالها بنقل المضمون الذي عانق شكلا جديدا من السرد الذي ليس له في توصيفها إياه غير "البوح" وكانت هي "الروح" الهائمة عبر كل تواريخها، وبحسب سنوات عمرها في كل حين..
تصاحب الكاتبة عزة أبو العز تلك الروح وهي متصلةٌ بها ومنفصلة عنها في آن، تجسدها، وتعايشها، وتراها، وتتأملها، وتراقبها تارة من الداخل وتاراتٍ من الخارج، تتعجب لها وتعجب منها وتعجب بها..
رحلة عبر مسارات الحكي الذي ينقلنا إلى أجواء القرية الوادعة التي تعرف الذكر، والحزن، والفراق، والفرح بالحصاد، والوفاء، ثم نقلتنا إلى عالم المدينة بما فيه من صراع، وزحام، وحب .. أدخلتنا أكوان الدنيا .. وأوقفتنا على حواف الآخرة، ووضعتنا بين مزدوجين لا فكاك منهما (الحياة والموت).. فأركبتنا معها القارب الذي مازال يبحر في نهر الحياة وغايته مرفأ الموت.. في رحلة لا تتعبها ولا ترعبها، ولا تزعجها ولا تتعبها.. وتطالبنا بالسكينة والسلام..
بوح الكاتبة ينقلنا إلى آفاق من الروعة الحقة التي يجب أن نعيشها نحو استبطان الذات، وقراءة أغوار النفس.. والبحث في وعينا عن لحظات من بوح روحنا لروحنا.. كان همها الأول أن تعيش روحها ثم تسمع بوحها ثم تنقله لنا لنشاركها فيه؛ فهكذا كانت وستكون عزة أبو العز حارسة القيم وناقلتها إلى أجيال بعدها من الصغار والكبار، لا تنسى أبدًا دورها في أن تكون مفيدة عبر كل مسارات حياتها.. حتى في محطاتها التاريخية الذاتية لا تمضي دون أن تترك أثرًا يدل من بعدها على الطريق الصحيح ليمضون فيه.. أو الطريق الخطأ ليتوقونه..
للموت في "بوح الروح" مذاقاته الإنسانية المتباينة التي عاشتها الكاتبة معايشة في الواقع ومعايشة مستعادة على الورق فكانت كأنها طازجة الحدوث، الموت هنا لا يصاحبه لون واحد؛ ففي كل بوح من الروح سنقابله عبر "ابْنُ مـوت" و"بنت سبعة" و"القبْضَة" و"بين الحياة والموت" و"عائدة من الموت" و "نُعُوشٌ طَائِرَةٌ".
كما ستقابلنا اللحظة الوجدانية عبر موتيفات مختلفة أيضا، غير أنها تعاملت معها بمنطق كسر البداهة التي يتوقعها القارئ، وسيكون هذا عبر بوح "أدركنا الغروب" و"أصْدَاءُ الصَّمْتِ" و"لَيْلَةُ الْحَصَادِ"، ويتعانق الوجدان مع اللحظة الفارقة والقدرية في الحياة عبر بوح "قَــــــرَارٌ" و" أمنا الغولة". يبدو أن بوح الكاتبة لم يألف الوفاء في بني البشر مع من هم من جنسهم، فجعلت تلك القيمة العالية الراقية بين الكلاب والقطط والبشر في بوحين رائعين، هما: "الْحَارِسُ الأمين" و"الطَّــــوَّاف".
كما تصور الكاتبة عزة أبو العز العلاقة المتينة بين البطولة والفداء التي يتقاسمها الرجل المصري والمرأة المصرية على اختلاف عمريهما وتعاملهما مع الأرض، واختلاف المغتصب حين يكون معتديا من الخارج أو من الداخل، كما تبين قيمة التنشئة الاجتماعية حين تسقطها على نماذج الفداء من البطولات التي تُروى للصغار، وقيمة التمسك بالأرض التي تبثها العائلات في أبنائها التي تتجلى عبر بوحين، هما: "الرَّايَة" و"شَمْسُ النَّهَار".
يتجلى بوح الروح عبر المسافة الزمنية والمساحة المكانية بين القرية والمدينة وبين الذِكر والإنشاد والأوبرا، وبين اللحظات الأثيرية في لقاء الأولياء من أهل الله، وبين محبة آل البيت التي تسير في نفس المسار من الوجد الإلهي الذي سكبه الأجداد في روح الكاتبة فكان البوح في أقصى تجلياته متحَققًا في: "مُوسِيقَى الذَّات الْكَامِنَة" و"هيَ والدَّرْوِيش" و"صاحبة المَقَامِ الرفيع" وتقف وحدها هذه السردية من البوح درة الكتاب من وجهة نظري.. ثم يأتي بوح "أَدْوَارُ سَــــيِّــــدِنَــا" الذي يجمع بين نفاق القرية والمدينة ذلك النفاق الإنساني الذي يتشارك فيه الجميع، وإقرار من الكاتبة بأن السلوك الإنساني الفردي والجماعي لا يتجزأ وإنما يرتدي أزياء ويتكلم لغات بحسب جغرافية المنافق.
غير أن "مَلاك بِلاَ قَلْبٍ" تقف وحدها على غير ترتيب من كل تلك السياقات المتقدمة؛ فهي أصعبها.. لأننا نقف أمام "ذات" تبارز نفسها في لحظة "المكاشفة" الرهيبة التي يهرب الجميع من لقائها، بل يدفنونها ويقفون عليها بأقدامهم كي لا تخرج للنور أبدا..
غير أن البوح في هذه اللحظة السكونية الثابتة يشكل بوح لحظة "الحساب الختامي" للعمر السابق واللاحق الذي ادخرته الكاتبة في ضمير الإنسانية وتاريخها: "خلودًا" يستحق و"مجدًا" تهون من أجله كل الذي يتسابق فيه البشر ويتقاتلون من أجل الفوز بلحظة آنية فانية، وليس هذا دأب العظماء والأفذاذ من فرادى الناس الذين يأتون على غير ما ألف الناس .. لأنهم ملائكة ولهم قلوب...
لقد نقلني بوح الروح عبر كلماته مثل بساط الريح إلى عوالم راقية، ولحظات ماتعة عانقت روحي فيها هذا البوح زمانا ومكانا وانفعالا من فرط الصدق، والود، والشفافية، والوجد.. وكلها صفات تتمتع بها صاحبة البوح الكاتبة الكبيرة عزة أبو العز..
#السيد_إبراهيم_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أبلكيشن: مونودراما الخير والشر تكنولوجيًا..
-
الثورة والشباب في كتابات الدكتورة رانيا الوردي..
-
مصطلحات الزحاف والعلة في -الميزان-..
-
-وراء الشمس-..أمنية!
-
قراءة استطلاعية في أعمال الأديب ياسر محمود..
-
الريس كابوريا:بطل سلاحه -السمسمية-..
-
قراءة في ديوانين للشاعر عادل نافع..
-
بين الوردي وكامل .. حوارٌ شبه متكامل..
-
الشاعر أحمد رشاد أغا: المسيرة والإبداع..
-
بَرَاَءَةُ العَامِّيَّةِ مِنْ هَدْمِ الْفُصْحَىَ..
-
دكتورة عزيزة الصيفي .. بنت العربية والأزهر
-
ذكريات سويسية .. ما أحلاها!
-
كابتن غزالي.. شاعر المقاومة وذاكرة الوطن..
-
قصة السويس كما رواها سادات غريب..
-
“القراءة”.. المكون الفكري للشباب.. عبد الناصر أنموذجًا…
-
مصر إلى أين؟
-
“حراء” في الشعر الهندي باللغة العربية ...
-
قراءة في رواية -سيدة الضياء-.. للروائي السيد حنفي
-
حوار مع الروائي المصري السيد حنفي
-
-حراء.. في الشعر الأردي..
المزيد.....
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|