العاطلون عن العمل في العراق والحاجة الى تنظيم موحد وشعار واحد!
نادية محمود
2019 / 8 / 28 - 01:25
تتواصل اعتصامات العاطلين عن العمل من قبل خريجوا الجامعات وحملة الشهادات العليا في بغداد وانضم اليها الخريجون من محافظات اخرى. شملت الخريجين من المهندسين، والتربية، معاهد النفط، وحملة الشهادات العليا على اختلافهم، واخيرهم وليس اخرهم، انضم خريجو كلية العلوم السياسية اليهم..
الاستراتيجية التي تبناها الخريجون هي "الاعتصامات" اي تجمع الطلبة ولعدة اسابيع في مكان واحد افرادا او مع ذويهم وخاصة الخريجات برفقة امهاتهن، اوازواجهن واحيانا مع اطفالهن. يعتصم الخريجون كل حسب اختصاصه، خريجو كلية العلوم السياسية يعتصمون امام وزارة الخارجية، خريجو معاهد النفط يتظاهرون امام وزارة النفط، حملة الشهادات العليا يعتصمون امام وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.وكأن المعني بامر التعيين هي الوزارات تحديدا. يردد المعتصمون بانهم باقون الى ان تتم الاستجابة الى مطالبهم.
تمحورت الاعتصامات حول مطلب واحد وهو "التعيين" في القطاع الحكومي. ويطرح المعتصمون حلولهم للحكومة من اجل ايجاد فرص عمل بنقطتين اساسييتين: الاولى هي "دعم الصناعة الوطنية" والثانية: "الحد من العمالة الاجنبية".
لنتفحص مدى واقعية سبل الحل هذه: يبلغ عدد الخريجين والخريجات- على سبيل المثال- في فرع الهندسة لوحدها وعلى اختلاف تخصصاتها ومن مختلف الجامعات الحكومية او الاهلية كل عام ما بين 13- الى 14 الف. والبعض لم يجر تعيينهم منذ 2004 الا القلة القليلة جدا. فكم يبلغ عدد خريجوا الجامعات الحكومية والتي يبلغ عددها 35 والجامعات الاهلية والتي يبلغ عددها 75 جامعة على امتداد عقد ونصف؟ وفقا الخبير الاقتصادي باسم جميل انطوان يتخرج كل عام 600 الف شخص مستعد للعمل. اي اكثر من نصف مليون شخص. لا يمكن للدولة ان تجد فرص عمل لهؤلاء الاشخاص الذين ارقامهم في تراكم متواصل. وان توفرت الدرجات الوظيفية فانها تصار الى ذوي الاحزاب الدينية، او الى معارف واقرباء موظفو الدولة.
الهدف الذي يحرك الرأسمال هو ليس " ايجاد فرص عمل" للعاطلين عن العمل. بل البحث عن الارباح والمكاسب المادية. لذلك حيث ان الرأسمالية ( قطاع حكومي او خاص) ادرى بمصالحها من ان يقدم لها عاطل عن العمل نصيحة عن كيفية توفير فرص عمل. لا يجد النداء بتقوية ودعم الصناعة الوطنية اية اذان صاغية من قبلها. ان كانت الرأسمالية في العراق تتمكن من تحقيق الارباح عن طريق التصنيع، لذهبت اليه بالامس قبل اليوم، ولشغّلت ما تريد من سوق الايدي العاملة. الا ان الرأسمالية تعرف مصالحها، وتعرف انها اعجز من ان تنافس البضاعة الاجنبية. هذا ناهيك عن عوامل المحاصصة والحرب الاقتصادية بين الاحزاب والفساد. لذلك فانها قللت توجهها الى التصنيع ومضت الى اعمال رأسمالية اخرى تدر لها الارباح كالتجارة او العقارات.
من جهة اخرى الرأسمالية تقوم بشراء وتشغيل الايدي العاملة الاجنبية لانها ارخص وهي اقل كلفة من اليد العاملة المحلية، حالها حال اي مواطن اخر يشتري البضاعة الارخص. وهي ايضا لا تتمتع باية حقوق، لا حقوق التنظيم ولا حقوقها الانسانية والمهنية. انه منطق الربح والخسارة ما يحرك الرأسمالية . ناهيك عن ان الايدي العاملة الاجنبية في العراق لا تتعدى اكثر من 200 الف في العراق في بلد يبلغ عدد الخريجين فيه كل عام 600 الف شخص، ويملك قوة العمل تناهز ال 11 مليون انسان. من سن ال 16عاما- 65 عاما.لذلك فان ترديد العاطلين عن العمل لمسالة " العمالة الاجنبية" وكأنها المسبب في بطالتهم، ليست صحيحة وهي خارج السياق تماما.
واذن لا مطلب " دعم الصناعة الوطنية" هو سبيل حل، ولا الايدي العاملة الاجنبية هي العائق امام توفر فرص عمل ل6 ملايين عاطل عن العمل في بلد تبلغ نسبة الفقراء فيه 8 ملايين انسان، حسب اخر تقارير الامم المتحدة.
ان استراتيجية " الاعتصامات" وكما هو الحال عليه، ورغم مرور عدة اشهر على تبنيها، لا يبدو انها هزت او تهّز شعرة من رأس الاحزاب الحاكمة لا في البرلمان ولا في الحكومة. وكما شهدنا في اتباع ستراتيجية" التظاهرات "التي لجأ اليها العاطلون عن العمل في البصرة، اي تنظيم التظاهرات امام محافظة البصرة او المحافظات الاخرى، هي الاخرى لم تهز شعرة في رأس تلك الاحزاب. وبقي العاطلون عن العمل على حالهم. كذلك لا تجد المناشدات الاخلاقية لرئيس الوزراء، والطلب " بالاعتراف" باهمية ودور وفائدة ذوي الشهادات، اذانا صاغية. فان القضية اكبر من استعطاف رئيس الوزراء او الوزراء او نواب البرلمان "الاصلاحيون" منهم او غير الاصلاحيين.
ان القضية هي حياة 6 ملايين انسان، بحاجة للدفاع عن حياتهم ووجودهم في دولة سمتها وشيمتها التنصل من مسؤوليتها تجاه مواطنيها الا اذا اظهر لها المواطنين ما ينم عن جديتهم بمطلبهم كما فعل متظاهروا البصرة في ايلول من العام الماضي.حينها تأخذ امر ذلك المطلب مأخذ الجد.
المقترح الذي نضعه هنا امام العاطلين والعاطلات هو ان تقوم حركة جديدة للعاطلين عن العمل اسوة بتلك التي بدأت في اوائل عام 2003 والتي وصل عددها الى 250 -300 عضو. وان لم تتمكن تلك الحركة من الاستمرار لاسباب معينة، فان الارضية لخلق حركات جديدة على نطاق قطري منسق وموحد لازالت قائمة. استراتيجية ايجاد وتنظيم حركة العاطلين عن العمل في كل حي ومدينة، ورفع شعار فرصة عمل او ضمان بطالة. قوام هذه الاستراتيجية ليس تقديم النصح الى الحكومة ( دعم الصناعة الوطنية وطرد العمالة الاجنبية) بل تحميل الحكومة مسؤوليتها بتقديم اما فرص عمل او بدل بطالة ، وايجاد استراتيجيات عمل جديدة تمكن العاطلين من ارغام الحكومة على أخذ مطاليبهم مأخذ الجد.