أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد كشكار - غربةُ يساريٍّ عَلمانيٍّ غير ماركسيٍّ في مجتمعِه التونسيِّ المسلمِ، جَنَى عليه انتماؤُه الفكريُّ الماركسيُّ وما جَنَى في حياتِه على أحدٍ!















المزيد.....

غربةُ يساريٍّ عَلمانيٍّ غير ماركسيٍّ في مجتمعِه التونسيِّ المسلمِ، جَنَى عليه انتماؤُه الفكريُّ الماركسيُّ وما جَنَى في حياتِه على أحدٍ!


محمد كشكار

الحوار المتمدن-العدد: 6296 - 2019 / 7 / 20 - 21:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


غربة التونسي الماركسي غربة واحدة، أما غربة التونسي اليساري غير الماركسي، فغربتان: غربة أولى في محيطه الاجتماعي، وغربة ثانية في محيطه الماركسي، مسكين منبت ومنحوس.
لماذا أضفتُ صفة علماني إلى صفة يساري؟ من المفروض أن يكون كل يساري علمانيًّا بالضرورة، لكن الستالينيين، هُمُ يساريون وليسوا علمانيين، بل هُمُ معادون لرجال الدين والدين عمومًا، يستثنون منهم العمال لغاية في نفس يعقوب.

في النصف الثاني من القرن العشرين، مرّ على العالم العربي ثلاثة تيارات إيديولوجية: التيار القومي، التيار اليساري الماركسي والتيار الإسلامي الإخواني. الأول حرر البلاد، حكم البلاد، استعمر عباد البلاد وقمع اليساريين والإسلاميين. الثالث، الأكبر تضحية والأكثر عددًا: شِقٌّ منه انشقّ عنه، شِقٌّ أقلي متطرف ومسلّح، شِقٌّ شوّه الإسلام أكثر مما شوّهه أعداؤه (كل مسلم هو إرهابي بالقوة في نظر العالَم غير الإسلامي)، شِقٌّ فعل بالبلاد أكثر مما فعله الاستعمار بنا (فِتن وحروب أهلية في سوريا والعراق وليبيا والصومال، والحرب الأهلية أشد فتكًا بالشعب من الاستعمار). وشِقٌّ ثانٍ أغلبي سِلمي وأقل تطرّفًا من شقيقه، شِقٌّ وصل إلى السلطة وفشل كليًّا في السلطة في مصر والسودان وفشل نسبيًّا في المغرب وتونس.

نصل الآن إلى التيار الثاني الذي أخّرته قصدًا وهو التيار اليساري الماركسي، التيار الذي كنتُ أنتمي إليه وفي نظر الإسلاميين للأسف ما زلت أنتمي إليه "أنتَ شيوعي ملحد حتى ولو صليت معنا الخَمْسَ في الجامع". تيار فاشل وخاسر على كل الأصعدة:
1. مبادئه منعته من الإثراء المادي ومَن اغتنى منه فلا يصح أن نطلق عليه نعت يساري.
2. . يريد أن يغيّر عالَمه الإسلامي دون أن يفهمه والدليل أنه رفع راية الإلحاد على جبينه عاليًا (مبدأ ثانوي في الماركسية)، وأهمل مبدأ أساسيًّا في الماركسية، ألا وهو العدالة الاجتماعية لجميع المواطنين بغض النظر عن إيمانهم أو عدم إيمانهم. كُرْهُهُ للنهضاويين أعماه عن المنطق السليم.
3. فشلت إيديولوجيته وسقطت سقطة مدوية، سمعها العالم أجمع إلا الماركسيين التونسيين والدليل على طرشهم أنهم مازالوا الوحيدين في العالم ديناصورات أحفورية ستالينية.
4. . خسر قدْره ومكانته التقليدية في المجتمع، فهو في محيطه يُعتبَرُ كافرًا، والكافر في بلادنا شخصٌ لا يستأهل الاحترام مهما علا سنه أو علمه، مأساة يعيشها الماركسيون في مجتمعاتهم الإسلامية ومِن شدة الكِبْرِ لا يعترفون بأنها مأساةٌ أصلاً. وهل صادفتَ في حياتك يومًا مسنًّا يساريًّا موقّرًا مبجلاً في محيطه الاجتماعي، أي محترمًا بالمعايير التونسية التقليدية للاحترام؟ تريدهم أن يحترموا اليساريين المسنين، مثل حالتي.. على ماذا؟ ونحن لم نعد نشارك إلا في المناسبات الدينية العائلية، كعقد قران أو جنازة أو ختان؟ يوقروننا على ترتيلنا للقرآن، أم على حفظنا لأدعية الهداية لصراط الرحمان، أم لعلمنا ببروتوكولات توديع الموتى وتغسيلهم وتكفينهم ودفنهم، أم على إمامتنا للمصلين المسنين أقراننا؟ أتحدث خاصة على اليساريين التونسيين الذين يريدون أن يفعلوا في مجتمعهم المسلم، يفعلوا سياسيًّا مثل المنتمين للأحزاب الماركسية، أو يفعلوا فكريًّا مثل حالتي أو حالة غيري من المفكرين غير المتحزبين. أما اليساريين التونسيين غير المنشغلين، لا بالسياسة ولا بالفكر، فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، يؤمنون أو يكفرون، حقهم في حرية المعتقد بالقرآن والدستور مضمون، وعن عقيدتهم فمن باب اللياقة لا يسألون، وحسابهم ليس في الدنيا بل عند خالقهم يوم يبعَثون: "لا أحد مُجبر على التماهي مع مجتمعه. لكن إذا ما قرّر أن يفعل، في أي ظرف كان، فعليه إذن أن يتكلم بلسانه (المجتمع)، أن ينطق بمنطقه، أن يخضع لقانونه..." (عبد الله العروي، يساري وفيلسوف مغربي).
5. حاشا أن أعمم نقدي لنفسي على رفاقي اليساريين التونسيين الآخرين، وإذا لم يعجبكم تشريحي لحالتي كيساري غريب في وطنه تونس وغريب في مسقط رأسه جمنة وغريب في عرشه "الشتاوَى"، فلن تستطيعوا تكذيبي في وصف الغربة التي أعيشها وأعاني ضنكها منذ أن اتخذت اليسارية مذهبًا في الحياة، أي منذ 1972 وأنا في العشرين من عمري في سنة أولى جامعة، أي منذ 47 عامًا بالضبط. وإذا كنتم لا ترون في ماركسيتكم تناقضَا مع مجتمعكم فالمصيبة أكبر! أقول عنها غربة من باب تخفيف المصيبة، لأنه لا يوجد شيءٌ أمرّ وأقسى على الفرد من أن يَلفظه مجتمعه ويُبعده عنه كما يُبعَد عن القطيع البعيرُ المعبَّدُ. هي الواقع مأساة وجودية بأتم معنى الكلمة، أو هكذا أراها وأشعر بها، أنا على الأقل، أنا الذي لا كنز لي سوى قدْري وكرامتي ووضعي الاجتماعي الاعتباري اللامادي.
6. لماذا أبوحُ أنا بما يتستّر عنه رفاقي؟ والله لا نية لي في التشهير بهم، وإلا أكون قد شهّرت بنفسي، والله أحبهم على قدر كراهيتهم لي، لكنني أحب أكثر الغوص في ذاتي والاشتغال عليها فلسفيًّا. أضِفْ إلى ذلك عدم انتمائي الحزبي، وشغفي بالنقد بعد التقاعد من أجل المعرفة، ولا شيء غير المعرفة، ولستُ مسئولاً عن توظيف ما أنشره من قِبل خصومكم النهضاويين، وإذا كان نقدي سفسطة فلا أظن أن السفسطة أضرت يومًا بأحد، وإذا كان نقدي فيه الغث والسمين فخذوا سمينه واتركوا غثه تذريه الرياح.

خاتمة: مهما كانت غربتي في مجتمعي كبيرة جرّاء يساريتي، فهذا ما كتبه القدَر لي، وأنا راضٍ بحلوه ومره، ولم أنكر يومًا انتمائي الماركسي القديم، فقد تعلمتُ منه الكثير الكثير، ولن أنكر أيضًا، بحول الله ما حييتُ، انتمائي الجديد لليسارية العلمانية غير الماركسية. لكنني في الوقت نفسه أعشق مجتمعي المسلم وأتكلم لغته (الإسلام) وأنطق بمنطقه وأدين بدينه وعاداته وتراثه وتقاليده، ولا حضارة عندي تفوق حضارة، وحضارتنا العربية-الإسلامية أعتبرها الأقل ضررًا بالإنسانية من بين الحضارات الحديثة، ربما لأنها الأكثر تخلفًا في صنع الأسلحة والذخيرة، وأعتبرها أيضًا الأقل ضررًا بالبيئة، ربما لأنها الأقل تقدمًا في مجالَي الصناعة والفلاحة، أي الأقل تصنيعًا للمحركات الملوِّثة والأقل استعمالا للأسمدة والمبيدات، "وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم" (قرآن)، وحسب تقييمي الشخصي أرى تخلفنا نعمةً.. أراه تخلفًا محمودًا لا مذمومًا والحمد الله.
أحب أهلي وعشيرتي ولا أريد منهم أن يُبعدوني بسبب يساريتي العلمانية غير الماركسية.

إمضائي:
الداعية السياسي أو الفكري يطلب عادة من قرائه أن يصدقوه ويثقوا في خطابه أما أنا - واقتداء بالمنهج العلمي - أرجو من قرائي الشك في كل ما أطرح من إشكاليات وأنتظر منهم النقد المفيد.
لا أقصد فرض رأيي عليكم بالأمثلة و البراهين بل أدعوكم بكل تواضع إلى مقاربةٍ أخرى وعلى كل مقال سيء نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي.
"وإذا كانت كلماتي لا تبلغ فهمك، فدعها إذن إلى فجر آخر" (جبران)

تاريخ أول نشر على النت: حمام الشط في 20 جويلية 2019.



#محمد_كشكار (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفسادْ!
- تصوّرٌ سياسيٌّ غيرُ مبرّرٍ، لا عمليًّا ولا نظريًّا، لكنه تصو ...
- عاشتِ العروبة والأخوّة والشهامة: وزارةُ التربيةِ الفرنسيةِ أ ...
- السيدا، مرض يعادي المرأة أكثر من الرجل: نساء وفقيرات، العقوب ...
- أبلغُ وأقصرُ تعريفٍ للعلم سمعتُه على لسان -المغفور له- مؤرّخ ...
- أخافُ على تونس من أن ينتشر فيها يومًا هذا الوباء، لو واصلت ح ...
- بانتْ سعادُ.. فاستبشرتُ بها خيرًا سعادُ.. خيبتْ حسنَ ظني بها ...
- ما يعجب القرّاء، ليس بالضرورة هو نفسه أفضل ما نشر الكاتب!
- نقاش دار بين ثلاثة، اليوم مساءً في مقهى البلميرا (تَدْمُرْ) ...
- عَجَبِي!
- الحُكّام والبيروقراطية النقابية؟
- اليوم مساءً، تعرّضتُ إلى عملية تحيّل في العاصمة
- توضيحٌ حول تدوينتي الأخيرة التي أثارت سُخط بعض أصدقائي المار ...
- وكما هو الشأن عند الحيوانات، النباتات أيضًا تتأثر بما هو -فو ...
- سيناريو خيالي محتمَل لنتائج الانتخابات التشريعية التونسية ال ...
- ما زلتُ أسعدُ كثيرًا بصحبة علماء -فوق الوراثي- (les biologis ...
- حزب -النهضة- التونسي ومناوئوه اليساريون والتجمعيون؟
- علماء -فوق الوراثي- (les biologistes de l’épigénétique) أنتج ...
- -معجزات- علماء -فوق الوراثي-: مخلوقة فاقدة العينين والنظرْ، ...
- بلاغ نابع من -جواجي- مختص في تعلمية -فوق الوراثي المخي-


المزيد.....




- جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال ...
- الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا ...
- فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز ...
- سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه ...
- مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال ...
- جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
- قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
- البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة ...
- مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
- -الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - محمد كشكار - غربةُ يساريٍّ عَلمانيٍّ غير ماركسيٍّ في مجتمعِه التونسيِّ المسلمِ، جَنَى عليه انتماؤُه الفكريُّ الماركسيُّ وما جَنَى في حياتِه على أحدٍ!