|
الغزو الثقافي وصناعة الوهم
علي حسن الفواز
الحوار المتمدن-العدد: 1543 - 2006 / 5 / 7 - 12:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يبدو لي ان علاقتنا بالاخر الحضاري والاشكالي والامبريالي !!! كثيرا ما تفهم بطريقة التسليم بانها علاقة اشكالية خاضعة لمفهوم ثنائية القوة والضعف فقط ،الضعيف فيها اما ان يكون خاضعا لقانون القوة الغاشمة باشكالها المتعددة واما ان يكون مقلدا للقوي او متماهيا مع نموذجه ،وهذا الفهم كثيرا ما أوقع الفكر العربي المعاصر بالتباسات كثيرة وجعله تحت سايكولوجيا اعادة انتاج الازمة دائما او استحضار مفهوم المؤامرة دائما،،فمن يتحدث عن علاقتنا بالاخر لايضمن لحديثه الاطمئنانات الكامله لانه سيقع شاء أم ابى تحت افتراضات مفهوم الغزو الثقافي واخطاره واغواءاته، والتي تجعل حديثه اشبه بحديث المحاصر في قلعة قديمة ويخشى ان تتهدم حصونها امام الغازي المستبد..... ومن يتحدث جدل الثقافات وحوارها يواجه محنة الهيمنة الثقافية ،،وكأن هذا الحديث يفترض اصلا خلو اطرافه من فعل الارادة والمقاومة وصنع الروح الحية !!ومن يتحدث عن ثقافية العولمي في اطار اسئلة الثقافة المعاصرة وجدلها الحداثوي ومابعده !! يفترض وكأنه مازال جالسا في سوق عكاظ او المربد وما عليه سوى ان يتبادل السمن والعسل ونعاس القصائد !! لذا اجد ان الطرح الاشكالي الذي يفترض تحديدا استباقيا !! حول دهاء الغازي وغباء المتلقي طرح غير دقيق وغير موضوعي لسبب بسيط وهو الغاؤه القصدي وغير المبرر باننا نعيش في عالم تحكمه المصالح والصراعات والنظم المالية والستراتيجيات السياسية والاقتصادية ومظاهرها المعقدة !! وهذا التوصيف يفترض نوعا من العلاقات التي يجب ان تكون بمستوى هذه البانوراما الكونية ،،والتي تستدعي وعيا استثنائيا باشكالات الصراع المعاصرة وتجاذباتها ومصادر قواها الفاعلة التي تفترض اشكالا خاصا لادارة آليات هذا الصراع فضلا عن الحرفية والمهنية التي تتجاوز عقد العصاب المكاني والقبائلي باتجاه وعي معطيات هذا الصراع في اطار سياقه التاريخي والفكري والسسيو ثقافي ، وهذا الوعي لايحدد شروطا أولية للغالب والمهزوم بقدر ما يوفر مجالا حيويا لانكشاف الثقافات على بعضها البعض! وهشاشة ما يسمى بانماط الثقافات الكونية التي طالما انتجت لنا اشكالا معقدة للدكتاتوريات ،اذ ان تاريخ المهيمن الدكتاتوري يرتبط بوجود هذه الثقافات الشمولية ،،كما ان ضرورات الوعي الصراعي تجعلنا الاقرب الى ادراك القيمة الانسانية والانمائية عبر الاستفادة الحقيقية من تبادل المنافع الحضارية و ألسيطرة على الزمن السياسي في ضوء ضروراته ومعاملاته في انتاج نظم الدولة الحديثة واشكال العلاقات المكفولة بالقانون المدني الذي يحمي الحقوق والحريات ويغزز مفهوم المواطنة على حساب مفاهيم العرق والنوع ،مثلما يضعنا امام الحقيقية الواسعة للصراع المفاهيمي الذي يضع المفاهيم ذاتها في حراك دائم كاطار نظري او سياق اجرائي ،،ولعل فشل الكثير من النظم والنظريات واختلال الكثير من المعادلات السياسية يعني انها اخضعت الصراع المفاهيمي الى شرطية القانون المغلق وبالتالي خرجت عن مضمار اللعبة التي تمارسها القوى الكونية الصاعدة منذ ان بدأ اول مفهوم للسيطرة وامتلاك راس المال وقوى الانتاج ... ومن هنا فان اجد ان الحديث عن الغزو الثقافي والسيطرة الثقافية في اطار هذا الفهم!! دون قراءة واعية لالتباسات الصراع والهيمنة وحركة رأس المال البضائعي والسياسي هو حديث قد عفا عليه الزمن ،لانه يحرض الكثير من القوى الى الاستعانة بالماضي نصوصا واجراءات ومعايير باعتبارها الشكل العصابي المغلق والقوي الذي يواجه اندفاع الاخر العولمي بكل نواياه ومؤامراته المفترضة !! والتي كثيرا ما تصنع لنفسها مصدات تتخذ اشكالا للعنف والارهاب في مواجهة هذا الغزو المفترض ،،مثلما يجعل الاخر ذاته يواصل لعبته الاستشراقية القديمة في ان يصنع لنا صورة مخيالية اشبه بالصورة التي عرضها ادورد سعيد في قراءته للاستشراق والتي تقول ان الغرب صنع لنا صوره خيالية استلها من مخيال الحكواتيين وليست واقعية البته !! مقابل هذا ما الذي نفترضه ،هل سنظل نؤمن بنظرية الغزو الدائم !! ونقفل الابواب والشبابيك ونمنع الاولاد من الذهاب الى المدرسة والنساء والرجال عن العمل لان الاخر يقف عند حدودنا وعند ابواب اسواقنا ؟ وهل نؤمن بنظرية المؤامرة لنفتش كل اصحاب الشعر الاشقر من اخمص القدمين الى قمة الرأس لنتأكد خلوهم من تقنيات التجسس وثقافة الاقتصاد الحر وامراض العولمة ؟ وهل نعود القهقهرى الى ثقافة العطارين ومقشات الهواء لان الاخر الاوربي والغربي يصنع لنا مأكولات تصيب الرأس بالسمنة الثقافية وتضخنا بالهواء الجالب للنعاس ... اظن ان ذلك يحتاج الى وقفة جادة والى رؤية عميقة تقرأ كل تاريخ المسكوت عنه والمقموع في ثقافتنا التاريخية والمعاصرة ، وتاريخ ثقافتنا التنويرية التي بدأت في نهاية القرن الثامن عشر وكأ نها اول علامة احتجاج على ثقافة التجهيل والتعتيم التي عاشها العرب مع الاجندة السياسية والثقافية للدولة العثمانية الفاقدة اصلا لانتاج النموذج !!!!وان نبدأ باعادة تأهيل كل مكونات الوعي في المدرسة والجامعة وعلاقات العمل وتداول الثقافة وصناعة الفكر والخطاب والاعلام في مؤسسات الصناعة الثقافية وفي تعميق الدور التنويري لمؤسسات المجتمع المدني وفي تنمية الحوار الجاد مع المؤسسة الدينية في مجال الجوانب التشريعية والفقهية وغيرها بالشكل الذي يضع المواطن والمؤسسة والخطاب الثقافي ازاء شروط فاعلة في التعاطي مع الاخر في اطار علاقة يحكمها الحوار الحضاري والانساني ،من منطلق اننا نعيش في عالم كوني وان الحضارة والتقديم وثقافة التحديث هي حاجات لازمة للجميع مثلما هي مسؤولية الجميع ، وانها المقدمات العملية لانتاج النظم الحديثة واقامة الاسس الفاعلة لما يسمى بثاقة الديمقراطية والتنوير ،،وان الخشية على الموروثات الشعبية والهويات القومية من التصدع ازاء الانغمار في هذه اللعبة الكونية كما يقول البعض ،هذا مردود ايضا على مسوقيه !!! لان الامم الحقيقية والثقافات الحقيقية هي وحدها التي تنمو وتتطور ولا تنتهي،، ،فقط الثقافات الهشة والطارئة هي التي تغادر امكنتها عند هبوب الريح كما يقول جلال الدين الرومي ،مثلما يضعنا هذا الواقع الصراعي ازاء حقيقية اعادة انتاج السلطة في مجالاتها المتعددة (الابوية والسياسية والدينية ) واعادة قراءة ثقافة المهيمن في اجندتنا العربية ،لان المحنة العربية وعطالة الفكر العربي في جزء كبير منه يعود الى عطالة السلطة العربية ،ولعل قراءة تاريخ الحروب العربية المعاصرة وهزائمها تكشف لنا عن الطابع الاستلابي لهذه السلطات !! التي تواصل صناعة التجهيل الحضاري ،فضلا عن عدم ايمانها اصلا بالتطور والتحديث ومفاهيم الحراك في النظام المفاهيمي والمؤسساتي وتنمية ثقافة الاصلاح الحقيقية التي تؤكد مبدأ المعاملات والحاجات ..
#علي_حسن_الفواز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الطبقة العاملة ضرورات الوعي واشكالات الواقع
-
الحوار العربي الكوردي قراءة في صناعة الدولة الحضارية
-
كمال سبتي/ الموت عند سيولة المنافي
-
المثقف العراقي جدل الهويات وازمة الحاكمية
-
محمد الماغوط شاعر الرثاء الكوني
-
الصداقة //الانسان وتعدد المرايا
-
حسين القاصد الكتابة عند مراثي الصوت
-
الكتابة عند صناعة المنفى في شعرية كمال سبتي
-
وعند دارفور الخبر اليقين
-
الطفولة العربية / اسئلة عن حياة صالحة
-
ادونيس وتهريب جائزة نوبل
-
ثقافتنا العربية اسئلة البحث عن الوجود والهوية
-
الهوية الوطنية اشكالات واسئلة الحلقة الاولى
-
اصعد قريبا من مراثيك يا عراق
-
حرية المرأة العربية وشروط الحاكمية السياسية
-
اديب كمال الدين محاولة في كتابة اللذة
-
عدت وحيدا الى وجهي
-
الثقافة العربية/ موت المركز
-
المثقف00تراجيديا الاسئلة وكوميديا الاخطاء
-
كيف نرمي الحجر على التكرار؟ كيف نصنع سؤالنا في الحداثة؟
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|