|
نُبذَةٌ عنْ تَحقِيقٍ وُجُوِديّ
أنس مصطفى
الحوار المتمدن-العدد: 6268 - 2019 / 6 / 22 - 09:38
المحور:
الادب والفن
نُبذَةٌ عنْ تَحقِيقٍ وُجُوِديّ
إيريكا ميتنر-ترجمة أنس مصطفى
ما الَّذي في وسعي قَوْلَهُ كَيْ أُبْهِجُكْ؟ بعدَ ظَهيرةِِ اليومِ تبدو السَّمَاءُ مِثْلُ خَمْس كُوَىً بينَ السُّحُبْ. العُشبُ المُبهمُ طويلٌ ولا يزالُ مُبهمَاً، أفتقدُ البَقَرَاتِ في الحَقلْ، تُرَى أينَ ذَهَبتْ؟ أحياناً تتجوَّلُ إحداها ثمَّ تقفُ عندَ منتصفِ الطَّريقِ فأضطَّرُ إلى إيقافِ سيارتي في انتظارِ أنْ تقرِّرَ بشأنِ استكمالِ عُبُورِهَا. أشربُ سيلتزر1 عبرَ ماصَّةٍ بسببِ جُرْحِي، لديَّ كَدَمَاتٌ غيرُ قابلةٍ للتفسيرِ على جانبِ فَخِذِي. قضيتُ الدَّقائقَ الخمسَ الماضيةَ أشَاهِدُ عبرَ نَافِذَتِي طَائِرَاً يجلسُ عندَ تقاطُعِ سِلكَيْ هاتفٍ لكنَّهُ طارَ قبلَ تمكُّني من التقاطِ صورةٍ لهْ.
في غُرفةِ انتظارِ الحالاتِ الطَّارئةِ هذا الصَّباحَ كانتْ هناكَ مجلةٌ تحوي مقالاً مُثبتَاً لعلمِ الأعصابِ عن الطُّقوسِ التي تجعلنا سُعَدَاء وأوَّلُها ممارسةُ الامتنانْ، لكنْ عندما حاولتُ التفكيرَ بشيءٍ ما هُنَاكَ قُربَ الرَّجلِ ذِي العُكَّازِ والمرأةِ بالضِّمَادِ على خَدِّها عُدْتُ فارغَةْ.
لأنِّي شَخْصٌ فظيعٌ سأُخبِرُكَ عن جارتي التي تُمَارسُ شيئاً أمقُتَهُ مع أطفالها يُسمَّى خُبْزُ القلبْ. حيثُ يُجبَرُونَ كلَّ ليلةٍ قبلَ خلودِهمْ إلى النَّومِ على الذَّهابِ واحداً تلوَ آخرَ من أجلِ الحُصُولِ على لحظةٍ من الامتنانْ. أرغبُ في إخبارها أنَّ بإمكاننا شُكرُ أيَّ شيءْ: عُلبَ القُمامةِ المُحطَّمَةْ، ساعةَ يَدِي التي تحفظُ الوقتْ، عاصفةَ أمطارِ البارحةِ بمياهِهَا المندَلِقةِ من الميازيبْ، أنا أعنى أننا جميعاً نفيضْ، كلُّنا نُحِسُّ بوفرةِ شيءٍ ما، لكنَّ هذا الشَّيءَ قد يكونُ أحياناً محضَ فَرَاغْ، صفحةً خاويةْ، إشارةً مشغُولَةً، مذياعاً ثابِتاً، التِّكرارُ العنيدُ الروتينيُّ حيثُ ذِرَاعُ النَّغمِ تصلُ عبرَ تسجيلِ فينيلٍ دوَّار لتعيدهُ مرَّةٍ أخرى، تُريحُ إبرَتَهُ الرَّقيقةُ في أخدودِ الفونوغراف ليُعَانِقَ حتَّى الأبدِ نفسَ الصَّوتِ من نفسِ الجسمْ. هذا يعني أنَّ عكسَ المللِ هوَ الإثارةُ والتي لا أحسُّ بها ولو حتَّى قليلاً هذا اليومْ. ليسَ في "السي في إس"2 بينما أتصفَّحُ عرضَ طِلاءِ أظافرِ قوسِ قُزَحٍ اللامعِ إلى أجلٍ غيرَ مُسَمَّى في انتظارِ وصفَتي. ومن المحتملِ ليسَ أيضاً في رَكْضِي لاحقاً بغضِّ النظرِ عن كيفَ تتبدَّى الجِبَالُ ريفيَّةٌ في حرارةِ الخامسةِ مساءً. الطَّقسُ الثَّاني في المقالِ أن تُلامِسَ النَّاسْ، وهوَ سهلٌ إذا ما كنتَ معَ أُناسٍ بإمكانكَ لمسهمْ، لكنَّي في عُزْلةٍ عاليةٍ جداً ويمكنني لمسُ نفسي فقطْ، مما يذكِّرني بأغنيةِ ديفنيلز3 القَدِيمَةِ وأنا متأكِّدةٌ تماماً أنَّ هذا ليسَ ما عناهُ المقالْ.
يقولُ بوبر4 بأنَّهُ ليسَ لديكَ حدوداً لكنِّي أظنهُ يعني الإله لأنَّ هذا ليس صحيحاً فيما يخصُّنا لأنَّنَا جميعاً نمتلكُ أجسادَاً تجعلُنَا دولاً صغيرةً أو حتَّى جُزُراً. إنْ كانَ الصَّيفُ يعني أنَّ أجسادنا أكثرَ مساميَّةًَ فربَّمَا نحنُ أيضاً أكثرُ انفتاحاً على حُزْنٍ لا يُفَسَّرُ يتدلَّى هُنَا مِنْ بُلوكَّاتِ البِناءِ سَاحِبَاً نَفْسَهُ عبرَ السِّلكِ الشَّائكِ للسِّياجْ.
ما أحاولُ قولهُ لكَ أنِّي لستُ مُبْتَهِجَةً أيضاً، ذلكَ الطَّائرُ قبلَ أنْ يُحَلِّقْ، أُحِبُّ أن أفكِّرَ في الأسلاكِ المتشابِكَةْ، المُحَادَثاتِ التي لا يمكنُ اختراقها وهيَ تتدافعُ تحتَ قدميهْ. .. ..
1 اسم تجاري لنوع من مياه الصودا. 2 اسم تجاري لصيدليات في الولايات المتحدة. 3فرقة غنائية أسترالية. مارتن بوبر، فيلسوف وجودي، عرف بفلسفة الحوار .4
إيريكا ميتنر، شاعرة أميريكية ولدت ونشأت في كوينز وجزيرةِ لونغْ. حصلت على البكالوريوس في الكتابةِ الإبداعيةِ من كلية دارتموث والماجستير في الدراسات الدينية من جامعة فيرجينيا. أصدرت إيريكا خمسَ مجموعاتٍ شعرية: مولي المقدسة تحملني (2018)، كوبيا (2014)، تعليمات التبديل لفتياتٍ متيقِّظات (2011)، مُدُنٌ مِثَاليَّةْ (2010)، المخزونُ في صيدلية الدوامِ الليلي (2003). حصلت إيريكا على العديد من الجوائز الشعرية منها سلسلة الشعر الوطني (2009) كما حصلت على زمالة ماكدويل، وزمالة مركز فيرجينيا للفن الإبداعي. إيريكا أستاذ مشارك في اللغة الإنجليزية ومديرة برامج البكالريوس والماجستير في الكتابة الإبداعية في جامعة فيرجينيا للتكنولوجيا. تعيش إيريكا في بلاكسبيرج بفرجينيا.
ترجمة أنس مصطفى شَاعر سوداني، أصدرَ ثلاثةَ كتبٍ شعرية؛ نِثَارٌ حولَ أبيضْ (2006)، سُهدُ الرُّعاة (2011)، صباحاتٌ قرويَّة (2015)، و تقريباً غيرُ مرئي، كتاب مترجم عن مارك ستراند (2018). ترجمَ لمارك ستراند، تشارلس سيميك، فيسوافا شيمبوريسكا، إدموند جابيس وآخرينْ.
#أنس_مصطفى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عراءات
-
مطرٌ على فاطمة
-
أوبهر
-
الجميلةُ كعبورٍ لا يصلُ إلى نفْسِه
-
ما الذي كانَ على الأبيضِ قَوله
-
سبُّورةُ الليل
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|