خرافة التعددية الإعلامية


محمد وهاب عبود
2019 / 6 / 1 - 01:46     

في واقعنا المعاش تنتشر خرافة "التعددية الاعلامية"

إن خصوصية صناعة المعلومات الحديثة اضحت حصرا تحت هيمنة القلة /الاوليغارشية من شركات البث الوطني او شركات المال والاعمال الخاصة . ومع وجود عشرات الآلاف من المصادر الإعلامية الفردية في الولايات المتحدة (الصحف والمجلات والقنوات التلفزيونية وشركات الأفلام ودور النشر) الا ان العديد من العلماء الاميركان كشفوا عن تحكم الشركات العملاقة بغالبية تلك المصادر منذ بداية القرن الحادي والعشرين حتى هذ اللحظة .

لقد أصبح هذا التحكم ممكنًا نتيجة لحجم الإعلان الذي زاد في وسائل الاتصال الجماهيرية. اليوم ، يعتمد التلفاز والإذاعة اعتمادًا كليًا على الإعلانات (الصحف والمجلات أقل إلى حد ما ولكن على الإنترنت ، يزداد الاعتماد على الإعلانات كل عام) اما في حال غياب المادة الاعلانية فهذا يثيرالشبهات بقضية التمويل الباهضة (من اين لك كل هذا؟) .
يجلب الإعلان دخلاً ضخما ويتنامى كلما زاد عدد المشاهدين الذين تغطيهم وسائل الإعلام التي تصنع منتجات اعلانية كبيرة. إن التركيز على توسيع نطاق المستهلكين يملي قوانينه الخاصة خلال عملية انشاء المواد داخل وسائل الإعلام ، على وجه الخصوص ، ثمة مناهج خاصة لانتاج برامج إخبارية تضع على قائمة اولوياتها جذب أكبر عدد ممكن من المشاهدين والمستمعين والقراء. لهذا السبب تحدث عملية تأطيرللمعلومات المنشورة وفقا لقوالب المصدر/ المنتج مما يحد من قدرة الشخص/المتلقي على فهم الأحداث الجارية .

يتم هيكلة الاخبار الاجتماعية والسياسية المعروضة في الأخبار التلفزيونية وتعديلها تحت تأثير:
1- متطلبات متعلقة برؤية المنتج على الصعيد الفني وهي شكل واسلوب عرض المادة الاعلامية
2- متطلبات السوق المتعلقة بتحديد السعر الاعلاني الربحي و الأمثل
3- التأثيرات الثقافية (واعية وغير واعية) ، بشأن اصدار التقييمات وطبيعة التفسيرات للاحداث "المنتقاة" من قبل المصدر الاعلامي وهو ما يسمى بظاهرة التغطية غير العادلة او غير المتوازنة للاحداث
ونتيجة لذلك يواجه الجمهور مهمة شاقة تتمثل في التقييم النقدي للمادة المعروضة على شاشة التلفزيون
يظل حل هذه المشكلة معقدًا بسبب خصائص المشاهد التلفزيونية في شكلها البصري ، مما يملي علينا واقع جديد مغاير لما نعيشه ويخلق الوهم على شكل تمثيل حقيقي للواقع.
مثل هذا الشكل الاستيهامي غير المحسوس للأخبار التلفزيونية يمكن أن يخلق إحساسًا بالواقع للمشاهد ، ولكن في الحقيقة هو نوع من الواقع الإلكتروني المفرط ، المليء بالعديد من الصور والأفكار والقيم الوهمية..

إن القوة الدافعة الرئيسية وراء تشكيل هذا الواقع المفرط هي مبدأ السوق التجاري ، الذي يحدد عرض الصور والفيديوهات التي تتوافق مع النظرة العالمية للمستهلك العادي ، والتي تسعى إلى الحفاظ على الاستقرار وتجنب خسارة المستهلك.
نتيجة لسياسة المعلومات السوقية هذه ، سيكون من الممكن اشباع احتياجات كل من منتجي ومستهلكي الاتصالات الجماهيرية: يحصل المصنِّعون على سوق استهلاكية واسعة النطاق لمنتجاتهم ، ويتلقى المستهلكون معلومات تتماشى مع نظام قيمهم ومعاييرهم.