علماء الدمار الشامل
محمد وهاب عبود
2019 / 5 / 17 - 07:31
تنفيذا لما ما سُميَ "مشروع مانهاتن" تم تطوير الاسلحة النووية الذي جمع العديد من العلماء ، وكذلك شخصيات عسكرية ومدنية من ذوي المؤهلات المختلفة. فهل يمكن اعتبار مسألة تصنيع وتطوير واستخدام السلاح النووي بأيد علمية قضية أخلاقية ومهمة مقبولة؟
هل من الممكن مساواة العلماء المشاركين في مشروع مانهاتن - روبرت أوبنهايمر ، نيلز بور ، إنريكو فيرمي مع العسكريين الذين هاجموا اليابان واعتبارهم هدفًا مشروعًا لشن هجوم ياباني عسكري مضاد؟
تفترض النسخة الكلاسيكية لنظرية الحرب العادلة أن الحرب بحد ذاتها رهيبة وغير مقبولة ، لكن في بعض الحالات نحتاج إلى تحمل مسؤولية المشاركة في الحرب. ومع ذلك ، يجب شن الحرب ، مع الأخذ في الاعتبار عدد من القيود والقواعد الأخلاقية. كذلك من الضروري التصرف بشكل متناسب ، أي أنه يحظر استخدام العنف المفرط من أجل إنجاز مهمة قتالية معينة. كما تجيز النظرية مهاجمة الأعداء العسكريين ، لكن يُمنع منعاً باتاً إخضاع المدنيين للعنف العسكري. بمعنى آخر ، من المهم تحديد هدف مشروع للهجوم بشكل لا لبس فيه. هذا الموقف يتبناه صاحب النظرية الحديثة للحرب العادلة مايكل والتزر
وفقًا لهذا المفهوم ، يمكن للمرء ايجاد مبرر اخلاقي لتفجير هيروشيما وناغازاكي. كما يمكن اعتبار الخسائر في ارواح المدنيين اليابانيين حقيقة مؤسفة لكنها اسهمت بانقاد الاف الارواح من جنود الحلفاء ووضعت حدا لحرب كان من العسير التكهن بنهايتها.
غير ان والزر نفسه لا يقبل مثل هذا الموقف المنطقي المستخلص من النظرية ويعتبر الضربات على المدن اليابانية بمثابة أعمال إرهابية نووية. وردا على السؤال عما إذا كان الجيش الياباني له الحق المعنوي في مهاجمة العلماء المشاركين في تطوير قنبلة نووية (إذا كانت لديهم مثل هذه الفرصة) ، جوابه كلا , يجب الالتزام الصارم بمتطلبات مبدأ التمييز: جائز مهاجمة الأفراد العسكريين فقط ، ولا يمكن أن يكون المدنيون هدفًا عسكريًا مشروعًا
هذا يرجع إلى حقيقة أن الجيش هو مصدر التهديد كونه، خطر , قاتل. مسلح ، مستعد للقتال ، مدرج في "فريق منظم ومنضبط ومدرب" ، وبالتالي فهو محروم من حصانة الاستهداف ، الذي يملكه المدني. فلا يمكن اعتبار الهجوم على جندي انتهاكًا للقوانين الأخلاقية ، حيث إن ذلك مضمّن في جوهر شخص عسكري مستعد للقتل والقتال. إن الهجوم على مدني ، بدوره ، سيكون جريمة وانتهاك للقوانين الأخلاقية ، لأن المدني غير مجهز للحرب ومستعدا لها ولا يحمل سلاح أي أنه لا يشكل تهديدا لشخص آخر.. كما نفهم ، أساس هذا التمييز هو مبدأ الهوية المهنية. وفقا لذلك ، لا يمكن ان يكون العلماء تحت أي ظرف من الظروف أن يكونوا هدف شرعي للهجوم.
يرفض جيف مكماهان ، أستاذ الفلسفة الأخلاقية في جامعة أكسفورد ، هذا النهج الكلاسيكي لتعريف فئات من الأشخاص الذين يعتبر هجومهم العسكري مسموحًا به. واضعا فكرة "التهديد" كمعيار للمهاجمة، حيث هناك عددًا قليلاً من مجموعات المدنيين الذين قد تتجاوز مساهمتهم في الأعمال العسكرية مساهمة الجنود العاديين. على سبيل المثال ، كان الفيزيائيون الذين عملوا في مشروع مانهاتن يمثلون تهديدًا أكبر للجيش الياباني من جنديًا عاديًا في الجيش الأمريكي أو موظفًا في مصنع ينتج أدوية للاحتياجات العسكرية.
المسؤولية الشخصية
بالنسبة إلى من المهم تحديد درجة المسؤولية الشخصية لكل فرد عن أداء بعض الإجراءات والانشطة. و مكماهان عما إذا كانت افعال الشخص غير مقبولة من وجهة نظر الأخلاق ، فيجب أن يتخلى هذا الشخص عن الامتعاض واللوم بحجج اخلاقية ، فالهجوم على شخص ما في مهنة مدنية أمر غير مقبول ، لكن وسائل التأثير غير العسكرية عليه مسموح بها.
إذا تحدثنا عن الوضع بالتفجيرات الذرية لهيروشيما وناجازاكي ، فإن مكماهان لا يعتبرها مقبولة أخلاقيا. فقد كان من الممكن إثبات القوة التدميرية للأسلحة النووية بطرق اخرى دون مهاجمة المدن الكبرى المكتضة بالمدنيين .
اجمالا فلا والزر ولا مكماهان يعارضان بشكل مباشر صنع أسلحة نووية. يعتقد والتزر أن التجربة المرعبة لاستخدام السلاح النووي خلال الحرب العالمية الثانية جعلت من الممكن تجنب الضربات النووية في العقود اللاحقة. كما لا يرى مكماهان المشكلة في ظهور مثل هذا السلاح ، ولكن في طريقة استخدامه. من وجهة نظره ، فإن إظهار الإمكانية التدميرية للقنبلة الذرية على جزيرة مهجورة سيكون كافياً لتحقيق الأهداف السياسية والعسكرية التي واجهتها الولايات المتحدة وحلفاؤها. بالإضافة إلى ذلك ، يعتقد كلاهما أن الولايات المتحدة ناضلت من أجل قضية عادلة ، لذلك لا يمكن اعتبار العلماء من مشروع مانهاتن ، الذين يحاولون تحقيق نصر عادل ، مجرمي حرب
وإذا تحدثنا عن العلماء المشاركين في تطوير أسلحة الدمار الشامل ، فمن المهم أن نفهم على أي جانب يحسب هؤلاء العلماء وما هو التوصيف الاخلاقي لانشطتهم ووفق أي مبدأ تعمل هذه الأسلحة؟
هنا العالم مدعو للإجابة على سؤال حول ما إذا كانت الحرب التي تشنها دولة معينة عادلة أم لا؟ ما طبيعة الحكم الاخلاقي على العمل في المجال العسكري لدى حكومة تدعي ان حروبها عادلة ؟ ومن يساهم بعمل لصالح حكومة تخوض حرباً , هل يصبح شريكًا في الحرب , ويكون معرضا للمحاكمة والسجن ؟
بالإضافة إلى ذلك ، يحتاج العالم ايضا الى جواب على سؤال حول ما إذا كانت اسلحة الدمار الشامل تتوافق مع مبدأ التناسب والتمييز؟ المبدأ الأول يفترض أنه يجب استخدام الحد الأدنى من القوة العسكرية اللازمة لتحقيق الأهداف العسكرية. "استخدام القوة المفرطة أمر غير مقبول" ، لأن النهج الأخلاقي للحرب يهدف إلى تقليل العنف والمعاناة. لاحظ أن أسلحة الدمار الشامل - على سبيل المثال الأسلحة النووية والكيميائية والبيولوجية - بطبيعتها لا تمتثل لهذا المبدأ ، لأن تأثيره يستمر لفترة طويلة بعد الهجوم. التأثير المدمر يمكن الشعور به حتى بعد انتهاء الحرب
ينص مبدأ التمييز على الالتزام بتوجيه ضربات عسكرية فقط على الأهداف العسكرية المشروعة: الأفراد العسكريون ، المعدات ، أنظمة الاتصالات ، المنشآت العسكرية ، وما إلى ذلك. إن مهاجمة أهداف غير عسكرية - مدنيون ، مستشفيات ، أشياء غير عسكرية - محضورا. ومرة أخرى ، من الصعب للغاية استخدام أسلحة الدمار الشامل بحيث تكون موجهة ضد العسكريين فقط. على الأرجح ، سيكون ضحاياه الرئيسيون مدنيون ليس لديهم وسائل حماية ولم يتلقوا تدريبات خاصة.
وبالنتيجة سيكون عدم الامتثال لمتطلبات هذه المبادئ دليلاً على السلوك غير الأخلاقي للجيش ، الذي يستخدم أسلحة الدمار الشامل. واذا كان من المستحيل مراعاة هذين المبدأين "التناسب والتمييز" ، أفلا ينبغي على العالم تحمل المسؤولية الأخلاقية عن صنع هذه الأسلحة؟
يجب على مُصًنَع أسلحة الدمار الشامل أن يدرك أنه في مرحلة ما يمكنه أن يتحول من عبقري ومنقذ شعبه ومدافع شرس عن مصالحه إلى قاتل ومدمر للجنس البشري بأكمله.