السياسة الرمزية
محمد وهاب عبود
2019 / 5 / 16 - 04:06
أصّر عالم السياسة الامريكي موراي ايدلمان - مؤسس هذا المفهوم – على دراسة الجوانب الرمزية في السياسة ، وتجلى هذا الاصرار في كتابيه "السياسة كنشاط رمزي" و "استخدام الرمزية السياسية".
الفكرة المحورية لإيدلمان هي أن " السياسة يجب أن تعتبر شكلاً رمزياً" وقد حاول بواسطة هذه الفرضية شرح التناقضات التجريبية التي اكتشفها زملاؤه في ذلك الوقت حول كيفية عمل المؤسسات السياسية في مجتمع ديمقراطي على الصعيد النظري وكيف تعمل على ارض الواقع.
لم يكن النهج الذي اقترحه موراي إيدلمان بمثابة انطلاقة لمدرسة علمية شاملة ، ولكن مع ذلك تم تبنيها من قبل العديد من الباحثين.
اما عالم الاجتماع الفرنسي بير بورديو ، فقد أعتبر الصراع من أجل المعاني جانباً أساسياً في الحقل السياسي. بمعنى يمكن اعتبار السياسة الرمزية نشاطًا للجهات الفاعلة الاجتماعية التي تهدف إلى انتاج المعاني والافكار والمنافسة والترويج لطرق واساليب مختلفة لفهم الواقع الاجتماعي. ومن هنا يمكن اعتبار السياسة الرمزية بمثابة تناظر او تماثل للمفهوم القديم "الصراع الأيديولوجي" لكن الاختلاف يكمن في الاليات المتبعة لصياغة وتنظيم المعاني.
من المنطقي اليوم تسمية ظواهر صناعة الافكار واسباغ المعاني بالسياسة الرمزية. فلا يزال مفهوم "الأيديولوجية" مرتبطًا بشكل ثابت بأنظمة المعاني فيما السياسة الرمزية الحديثة نتعاطى غالبًا مع هياكل مختلطة ومختلفة احيانا لا تتوافق مع مفهوم الأيديولوجية كنظام للمعاني. من ناحية أخرى ، يرتبط مفهوم "الأيديولوجية" باستمرار بالأشكال الكلامية او الخطابية المعبرة عن المعاني اما السياسة الرمزية المعاصرة لا يمكن اختزالها باللفظية. إنها لا تشمل فقط التمثيلات المرئية ، ولكن أيضًا الإجراءات العملية للسياسيين الذين يفسرون المجتمع.
تناول العالم السياسي الأسترالي غرايم غيل هذا المفهوم من زاوية اخرى اذ رأى ان تغيير النظام السياسي ليس مجرد تغيير للمؤسسات السياسية وانما إعادة هيكلة نظام الأفكار بالكامل والذي يتفاعل فيه الناس داخل هذه المؤسسات. بمعنى آخر ، ينطوي تغيير النظام على إعادة تشكيل نظام الرموز السياسية بأكمله الذي يحدد أداء واهداف المؤسسات فكلما تغير الوضع بشكل جذري وعميق كلما طال الوقت لإعادة تكوين النظام الرمزي.