أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - راتب شعبو - البديهيات والاستاذ














المزيد.....

البديهيات والاستاذ


راتب شعبو

الحوار المتمدن-العدد: 6216 - 2019 / 4 / 30 - 19:57
المحور: سيرة ذاتية
    


"شاركتَ في رحلة نظمتها مدرستك إلى معمل السكر في جسر الشغور، اكتب موضوعاً عن الرحلة وصف مشاعرك". في اليوم التالي فوجئ الاستاذ نظير أن كل مواضيع الإنشاء التي كتبها طلابه في الصف السادس الابتدائي، تبدأ بالعبارة نفسها: "في يوم من الأيام"، سوى موضوع واحد يبدأ بعبارة "ذات يوم". اندهش الطلاب من دهشة الاستاذ نظير، حتى أن رامز تساءل باستغراب شديد: "كيف يمكن بدء الموضوع بعبارة أخرى؟".
حركت نسمة ربيعية باردة أطراف خارطة الوطن العربي المعلقة دائماً فوق اللوح، وعبثت بغرّة الاستاذ قبل أن تكمل دورتها وتتغلغل بين طلاب حائرين ويشعرون بذنب التشابه وضعف التعبير والتسبب في خيبة استاذهم المحبوب. ندمت أمينة لأنها لم تستشر أخاها، الذي لا يوجد من هو أشطرمنه في التعبير، عند كتابة الموضوع، كان سيرشدها بالتأكيد إلى بداية تعجب الاستاذ. قال عامر إنه بات يكره هذه العبارة التي أزعجت الاستاذ. من جهتي بدت لي تلك العبارة شبيهة بحفرة للسقوط، ولكني مع ذلك لم أستطع تخيل بداية أخرى.
هدأت نفوس الطلاب قليلاً حين توقف الاستاذ عن التأمل في أرض غرفة الصف ونظر إليهم مبتسماً. طلب الاستاذ من هاني أن يقف ويحكي لزملائه ماذا فعل اليوم قبل مجيئه إلى المدرسة. ما أن بدأ هاني بالقول: استيقظت في الساعة السادسة، حتى أوقفه الاستاذ وسأله: ولماذا لم تبدأ بالقول "في يوم من الأيام"؟ ارتبك هاني قليلاً وقال بصوت خفيض: "هذا ليس موضوع إنشاء استاذ!"
طلب الاستاذ من الطلاب إخراج كتاب القراءة ومراجعة النصوص قائلاً: من يجد نصاً يبدأ بعبارة "في يوم من الأيام"، سأضع له علامة جيدة في التعبير. بحث الطلاب دون جدوى.
في حصة الرسم، كتب الاستاذ على اللوح: ارسمْ بيتاً. وحين جمع دفاتر الرسم لاحظ أيضاً بأن البيوت المرسومة متشابهة وأنها ذات جملون ولا تشبه بيوت القرية ذات السطوح المستوية. من جهتي لا أدري أين أو كيف تعلمت رسم البيت ذي الجملون، لكنه سهل وكنت معتاداً على رسمه، وتبين أن الجميع مثلي. ارسم على الورقة رقم ثمانية كبير وارسم خطاً افقياً من رأس الزاوية ومن نهاية هذا الخط ارسم خطاً عمودياً، ثم ارسم خطين عموديين من نهاية ضلعي الرقم ثمانية، بعد ذلك قم بوصل نهايات الخطوط وستحصل على رسمة بيت جميل، ولا يبقى سوى أن تحدد الباب في منتصف المسافة بين الخطين العموديين، ويمكنك أن ترسم نافذة مستطيلة وأن ترسم أيضاً دائرة في قلب الرقم ثمانية لتكون مخرجاً محتملاً لتمديدات المدفأة. لا يبدو أن سهولة الرسم هي ما يفسر اتجاهنا إلى رسم بيوت ذات جملون، فالبيت الذي رسمه الاستاذ على اللوح كان أكثر سهولة، ارسم مستطيل وحدد عليه نافذة وباب، وسوف تحصل على بيت جميل، ويمكنك، إذا أردت، أن تختار مكاناً عالياً لترسم عليه دائرة تكون مخرجاً مناسباً لتمديدات المدفأة. البيت الذي رسمه الاستاذ على اللوح كان يشبه بيتنا سوى أن الاستاذ لم يرسم ما يعادل المزراب الممتد عمودياً على جانب البيت.
"في يوم من الأيام" قدمت وظيفة الرسم إلى الاستاذ نظير الذي كان قد طلب منا رسم "منظر طبيعي". قضيت وقتاً غير قليل في إعداد الرسم. رسمت بيتاً وطريقاً يوصل إلى البيت، ورسمت زهوراً على جانبي الطريق. ثم رسمت شجرة يختفي جذعها وراء البيت فلا يظهر إلا نصفها العلوي، ورسمت جبالاً وشمساً وغيوماً وطيوراً في السماء على شكل أرقام سبعة مبعثرة، ثم رسمت نهراً ينحدر من الجبال ويمر بجانب البيت، ورسمت جسراً على النهر الذي زينت ضفتيه أيضاً بالزهور. ولكن بعد كل هذا، بقيت أجزاء واسعة من ورقة الرسم بيضاء، لا أدري ماذا أفعل بها، فتركتها كما هي بعد أن توصلت إلى قناعة مريحة بأن هذه الأجزاء البيضاء على ورقة الرسم تمثل الهواء، وهكذا قلت للاستاذ نظير حين سألني عن هذه المساحات البيضاء في الرسم، فما كان منه إلا أن طلب مني أن أقف في باب غرفة الصف الذي يطل على جبل سلمى، وأن أشير له إلى الهواء الذي أقصده في رسمي.
وقفت في الباب واثقاً من أن الأمر بسيط ولا يحتاج سوى إلى أن أرفع يدي وأشير بسبباتي إلى مساحات الهواء. بهدوئه المعهود وقف الاستاذ نظير بجانبي كأنه يريد أن يسترشد مني. ولكن بينما كنت أستعد للإشارة، امتلأ الفراغ أمام عيني واختفت المساحات البيضاء التي تصورها ذهني. حينها فقط أدركت تلك البديهية، إن الطبيعة متلاصقة وممتدة دون انقطاع وإن العين لا تقع على فراغ. كانت عيني تدرك ذلك بلا شك، ولكن هذا الإدراك لم يكن قد بلغ عقلي حتى تلك اللحظة التي حفرت لنفسها مكاناً دائماً في ذاكرتي بجوار مكان الاستاذ نظير.



كانون ثاني 2017



#راتب_شعبو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الكوفيون الجدد
- آلة التشبيه
- حديث اللبن
- أطفال سورية
- العلويون، عزلة ثانية
- رفة عين اسمها الاستيقاظ
- خيانات مضمرة
- براميل على الذاكرة
- -المقامر- على أضواء سورية
- الموت تحت التعذيب
- بيت في المخيم
- إرهاب ضد الإرهاب
- البلد العابر للسياسة
- النساء في الثورة السورية
- من الذي قلع عين الرئيس؟
- حزب السيارة الزرقاء
- عميد مغلق وباب مفتوح
- الطبيب المسكين وفخامة الجريح
- يا حيوان ليش ما قلت انك -منهم-؟
- تموت وتاكل غيرها


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - راتب شعبو - البديهيات والاستاذ