أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالله بنسعد - ردّا على توصيات وفد صندوق النقد الدولي لشهر مارس 2019 : كُفّوا عن الكَذب والإِرابة والهُجنة فالزيادة في الأجور تساعد على النموّ الاقتصادي وتونس في آخر الترتيب العالمي فيما يخصّ الأجور والمداخيل















المزيد.....



ردّا على توصيات وفد صندوق النقد الدولي لشهر مارس 2019 : كُفّوا عن الكَذب والإِرابة والهُجنة فالزيادة في الأجور تساعد على النموّ الاقتصادي وتونس في آخر الترتيب العالمي فيما يخصّ الأجور والمداخيل


عبدالله بنسعد

الحوار المتمدن-العدد: 6205 - 2019 / 4 / 19 - 02:30
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


تصدير : «لو كان رجلا يتناول أجرة أسبوعية قدرها "شلنّان" ثمّ إرتفعت أجرته إلى أربعة "شلنّات" فإنّ مستوى الأجرة يكون قد إرتفع بنسبة 100 %. فإذا ما نُظر إلى هذا الإرتفاع في الأجرة من وجهة نظر ارتفاع مستواها لأمكن أن يبدو ضخما إلاّ أنّ المقدار الفعلي للأجرة وهو أربعة "شلنّات" في الأسبوع يظلّ زهيدا تافها لا يسمن ولا يغني من جوع. ولذلك ليس ينبغي أن يبهركم طنين النسبة المئويّة لإرتفاع مستوى الأجرة». - فلاديمير إيليتش لينين –
مقدّمة لا بدّ منها
تماديا في تطبيق السياسات اللاوطنية واللاشعبية واللاديمقراطية التي دأب عليها النظام الرجعي العميل منذ 20 مارس 1956 ، أسرعت حكومة الإلتفاف على "الثورة" في فترة حكم حركة "النهضة" بقيادة علي العريّض/علي رش بالحصول على قرض "إئتماني" من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.7 مليار دينار بتاريخ 7 جوان 2013 لكنّ ذلك حصل بعد إمضاء إتفاق سرّي يتمثّل في برنامج جديد للإصلاح الهيكلي للإقتصاد لم يقوموا بالإفصاح عنه (أنظر مقالنا بعنوان "القرض الإئتماني يخفي وراءه برنامجا جديدا للإصلاح الهيكلي : نهاية حلم إسمه الثورة" http://front-populaire.org/?p=2303) وتتمثّل أهمّ عناصره في : (1) بالنسبة للوظيفة العموميّة : النزول من مستوى التشغيل الحالي الذي يمثّل حوالي نسبة 18.6 % من جملة اليد العاملة النشيطة إلى 13 % فقط بحلول سنة 2020 وهو ما يعني إلغاء أكثر من 30 ألف موطن الشغل عبر ما عُرف بالمغادرة الإختيارية للوظيفة العمومية إضافة إلى تجميد الإنتداب. لكنّ الأخطر من ذلك هو أنّ التوصيات التي قدّمها صندوق النقد الدولي تقتضي أيضا تجميد الأجور وهو ما يتنافى مع ما ورد في "العقد الإجتماعي" الذي وقع إمضاؤه يوم 14 جانفي 2013 بين الأطراف الاجتماعية (2) بالنسبة للقطاع العمومي : خوصصة أهمّ المؤسسات العمومية المتبقية مثل البنوك العمومية الثلاث وهي الشركة التونسية للبنك والبنك الوطني الفلاحي وبنك الإسكان (تشغّل حوالي 7500 عونا وتمثّل ممتلكاتها حوالي 18.5 مليار دينار أي ما يقارب 40 % من ممتلكات كامل القطاع البنكي في تونس) لكنّ الخوصصة ستشمل أيضا مؤسسات عمومية في مجالات إستراتيجية مثل الخطوط التونسيّة ، شركة تكرير النفط وشركات الماء والكهرباء والنقل الجوي والإتصالات وغيرها (3) بالنسبة لمنظومة التغطية الإجتماعية : أعادت توصيات الصندوق طرح موضوع مراجعة نظام التقاعد من أجل الترفيع في سنّ التقاعد إلى حدود 65 سنة وهو ما حصل أخيرا عبر إعتماد زيادة سنتين إجباريّا و3 سنوات إختياريّا إضافة إلى مراجعة نظام التأمين عن المرض عبر الترفيع في نسب الخصم التي يدفعها المشتركون وهو ما حصل أيضا بإقرار زيادة بـ 1 % ممّا يعني مزيد تحميل الأزمة للعمّال والموظّفين (4) بالنسبة لصندوق التعويض : إلغاء صندوق التعويض عبر رفع الدعم تدريجيّا عن الطاقة (زيادة كلّ 3 أشهر منذ 2016) وكلّ المواد الأساسيّة مردّدين دوما المقولة الفجّة "الدعم يجب أن يتحصّل عليه مستحقيه فقط". وهؤلاء المستحقين حسب دعاة الليبرالية الشرسة والمتوحّشة هم فقط العائلات التي سيشملها برنامج "الأمان الاجتماعي" أي حوالي 900 ألف عائلة فقط من أصل 2976712 عائلة في تونس حسب تعداد 2014 أي أنّ أكثر من 2.8 مليون عائلة أغلبهم من المنتمين إلى ما يُعرف بالطبقة الوسطى سيواجهون مصيرهم المظلم. هذه تقريبا أهمّ توصيات صندوق النقد الدولي سنة 2013. لكن قبل لجوء الحكومة إلى القرض الجديد أرسلت إلى صندوق النقد الدولي بتاريخ 2 ماي 2016 رسالة إلى مديرة الصندوق سمّيت بـ "رسالة العار" أمضاها وزير المالية السابق سليم شاكر ومحافظ البنك المركزي السابق الشاذلي العيّاري والتي إلتزما فيها بإعتزام الحكومة التونسية بتطبيق كل توصيات الصندوق على أن تحصل على قرض جديد. وهو ما حصل بالفعل بتاريخ 20 ماي 2016 حيث أمضت الحكومة التونسية مع صندوق النقد الدولي على إتفاق يخوّل للحكومة الحصول على قرض يبلغ 2.9 مليار دولار في إطار ما يعرف لدى صندوق النقد الدولي بـ "تسهيل الصندوق الممدّد" على تصرف أقساطه بعد زيارة كل ثلاثة أشهر لخبراء الصندوق لمراقبة ومتابعة مدى إلتزام الحكومة التونسية في تطبيق توصيات الصندوق. وفي هذا الإطار تتنزّل الزيارة الأخيرة لخبراء الصندوق برئاسة السيد "بيورن روتر" في الفترة من 27 مارس إلى 9 إفريل 2019 لمناقشة برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي وضعته السلطات وخططها بشأن السياسات في ظل المراجعة الخامسة. كما إجتمع نفس فريق الخبراء في واشنطن العاصمة على هامش اجتماعات الصندوق (ما يعرف بإجتماعات الربيع لصندوق النقد النقد الدولي والبنك العالمي التي يشارك فيها وزراءالمالية والإستثمار والتنمية ومحافظي البنوك المركزية وكبار المسؤولين في القطاع الخاص وممثلين عن منظمات المجتمع المدني والأكادميين الخبراء الإقتصاديين من أجل مناقشة القضايا الاقتصادية في العالم وآفاق حلّها) خلال الفترة الممتدّة من 11 إلى 16 إفريل الجاري مع الوفد الحكومي المشارك في ذلك الاجتماع. وقد أصدر رئيس وفد خبراء صندوق النقد الدولي بيانا صحفيا بتاريخ 17 أفريل من أهمّ ما جاء فيه ما يلي : "توصّل فريق خبراء الصندوق والسلطات التونسية إلى اتفاق على مستوى الخبراء بشأن المراجعة الخامسة لبرنامج الإصلاح الاقتصادي التونسي الذي يدعمه الصندوق باتفاق بموجب "تسهيل الصندوق الممدد". ويرتهن استكمال عملية المراجعة بموافقة المجلس التنفيذي للصندوق. وسوف تستفيد تونس من صرف دفعة سادسة قدرها حوالي 247 مليون دولار أمريكي في أعقاب انتهاء المجلس التنفيذي من النظر في المراجعة والذي يُتوقع حدوثه في أوائل شهر جوان 2019. وبذلك سيصل مجموع المبالغ المنصرفة في ظل "تسهيل الصندوق الممدد" إلى حوالي 1.6 مليار دولار أمريكي وسيساعد على فتح المجال أمام حصول تونس على التمويل الإضافي من غيرنا من شركائها الخارجيين. ومن الممكن إجراء المراجعة السادسة خلال الربع الثالث من عام 2019". أمّا الشروط التي وقع الإتّفاق فيها فهي : الإلتزام بألاّ يتجاوز عجز الميزانية لعام 2019 وقدره 3.9% من إجمالي الناتج المحلي وذلك لاحتواء مستويات الدين المرتفعة ، الرفع التدريجي لدعم الطاقة وثالثا تقليص نفقات الوزارات. هكذا !!!
1. منوال تنموي مبني على الاقتصاد الريعي لا يخلق لا الثروة ولا مواطن الشغل
إعتمد النظام الرجعي العميل منذ نهاية تجربة التعاضد سنة 1969 على منوال تنموي مبني على الاقتصاد الريعي. وقد عرفت تونس منذ سنة 1970 ثلاث مراحل للسياسات الاقتصادية والإجتماعية اللاوطنيّة واللاّشعبية واللاّديمقراطية ، وهي فترة 1970-1985 والتي تعرف بفترة الليبراليّة الجديدة (فتح السوق التونسية على مصراعيها للإستثمار الأجنبي عبر قوانين أفريل 1972 و1974 ، إلخ) وفترة 1986-2002 والتي تعرف بفترة النيوليبرالية (تركيز برنامج الإصلاح الهيكلي سنة 1986 الذي إرتكز على خوصصة المؤسسات العمومية ، إمضاء إتّفاق الشراكة مع الإتحاد الأوروبي سنة 1995 والإنخراط في المنظمة العالميّة للتجارة في نفس السنة ، إلخ) وفترة 2002 إلى الآن وهي فترة الليبرالية الشرسة والمتوحشة المبنية على سلعنة الخدمات وخاصة التعليم والصحة (قانون مدرسة الغد ، التأمين على المرض ، منظومة "إمد" ، إلخ) ، وخلال هذه المراحل الثلاث تمدّد الاقتصاد الريعي وتضخّم إلى الحدّ الذي أنتج إقتصادا موازيا (تؤكّد كلّ الإحتمالات على أنّه تجاوز الاقتصاد المهيكل في نسبته أي فاق 50 % من النشاط الاقتصادي الجملي) تسهر عليه وتسيّره مافيا من رجال الأعمال الفاسدين والبعض من شريحة بيروقراطيّة الدولة التي أسّست للاقتصاد الريعي وترعرعت بين أحضانه. وقد كان العظيم كارل ماركس أوّل من لفت النظر إلى ما أسماه "الرأسماليّة الريعيّة" وكان يقصد بروز طبقة رأسماليّة غير منتجة إقتصاديّا أي أنّ مرابيحها لا تتأتّى من إنتاج السلع والبضائع عبر التركيز على "الاقتصاد الإنتاجي" وإنّما عبر إمتلاك مصادر "الريع" مثل العقارات الفلاحيّة (الأراضي) والحضريّة (البناءات والأراضي المخصصة للنشاط الاقتصادي الغير فلاحي) وكذلك إمتلاك الأسهم والسندات والمضاربة في كل نشاط إقتصادي مربح. لكنّ أوّل من إستعمل مصطلح "الدولة الريعيّة" (Etat rentier) في العصر الحديث هو عالم الاقتصاد الإيراني "حسين مهدوي" من خلال دراسة نشرها سنة 1970 تحت عنوان "نمط ومشاكل التنمية الإقتصاديّة في الدول الريعيّة ، حالة إيران". وحسب مهدوي فإنّ الدولة الريعيّة هي الدولة التي تعتمد على "دخل ريعي" يتأتّى من مادّة أوليّة (النفط بالنسبة لإيران) من ناحية وتشرّع الباب على مصراعيه لطبقة رأسماليّة طفليّة تعتمد على السمسرة والبيع والشراء دون إنتاج يذكر (في المستعمرات وأشباه المستعمرات هذه الطبقة ممثّلة فيما يعرف بالبرجوازية الكمبرادورية العميلة قد أشتقّت كلمة الكمبرادورية من التسمية الإسبانية "الكمبرادور" وتعني "السمسار") من ناحية أخرى.
ويضيف حسين مهدوي بأنّ من صفات "الدولة الريعية" هي أوّلا تضخيم حجم البوليس وثانيا النزعة نحو الدكتاتوريّة. لكنّ التطوير الذي حصل في مفهوم "الدولة الريعية" قام به "حازم عبدالعزيز ببلاوي" وهو إقتصادي ومفكّر مصري شغل منصب رئيس وزراء مصر سنة 2013 بعد عزل الرئيس الإخواني السيسي ، والذي أصدر كتابا سنة 1990 ، بالإشتراك مع العالم الإيطالي المختص في الطاقة "جياكومو لوشياني" ، بعنوان "الدولة الريعية في العالم العربي" الذي أكّد على وجود 4 خصائص تشترك فيها الدول الريعية وهي :
* الدخل الريعي هو الدخل السائد في الاقتصاد (بالنسبة لتونس لا يتجاوز الاقتصاد الإنتاجي نسبة 30 % من مجمل النشاط الاقتصادي) كما يمثّل الدخل الجبائي حوالي ثلث ميزانية الدولة (جمع الجباية هو إحدى أقدم أشكال الدخل الريعي في تونس)
* يتأتّى الريع من الخارج بحيث لا يحتاج الاقتصاد المحلّي إلى قطاع إنتاجي قويّ (الاقتصاد التونسي يعتمد بالأساس على بيع الفسفاط والمنتجات الفلاحية وأساسا زيت الزيتون والتمور)
* تشكّل اليد العاملة المشغّلة في تحقيق الريع نسبة قليلة من مجموع القوى العاملة (توزيع العملة حسب القطاعات في تونس هو كما يلي : 29.5 % في القطاع الصناعي ، 11.8 % في القطاع الفلاحي و58.7 % في قطاع الخدمات الذي لا تمثّل نسبة العملة فيه المشتغلين في النشاط الريعي غير 10 % فقط)
* تكون الدولة هي المتلقّي الرّئيسي للريع الخارجي.
ونظرا لما تقدّم وإضافة لتطبيق وصفات صندوق النقد الدولي والبنك العالمي ومختلف الإتفاقيات مع الإتحاد الأوروبي كتكتّل إمبريالي ، يعيش الاقتصاد التونسي مرحلة جديدة بعد 14 جانفي 2011 أفضت إلى تفشّي "الاقتصاد الموازي" بنسبة تؤكّد كلّ الدراسات بأنّها تفوق 50 % من جملة النشاط الاقتصادي في القطر والذي يشكّل "الطرابلسيّة الجدد" قاطرته.
وكان من الطبيعي أن تؤدّي هذه السياسات إلى الوقوع في أزمة إقتصاديّة وإجتماعيّة لم تعرفها تونس طيلة تاريخها حتّى في أحلك الفترات وهنا نشير إلى تكديس ثمرة النموّ في قبضة "دستة"من الأقوياء وتفاقم الفجوة والاختلال الغير مسبوق في التّنمية قطاعياً وجهويّا وارتفاع معدّلات الفقر وإرتفاع معدلات البطالة بالإضافة إلى تحوّل الفساد إلى "مؤسسة" قائمة الذات تديرها الدولة. ومن أهمّ ما أفرزته تداعيات "إنتفاضة" 14 جانفي هو أنّ "الطرابلسيّة الجدد" هم إحدى الفئات التي تشهد معدلا مرتفعاً للتسييس في إتّجاه "اليمين الرجعي الديني" بعد أن كانوا قبل 14 جانفي يهرول نحو "اليمين الرجعي الليبرالي" (أنظر تفشّي ظاهرة الاقتصاد "الحلال" : شركة طيران "حلال" ، نزل "حلال" ، مطاعم سياحية "حلال" ، ...).
وفي الوقت الذين نشاهد فيه إستمرار بعض الفئات الاجتماعية وخاصة الشباب بالانسحاب من الساحة السياسية نلاحظ كيف ينشط الطرابلسية الجدد في الالتحاق بالحزب المتنفّذ في صناعة القرار والاستحواذ على مناصب قياديّة فيها بل خاضت معارك شرسة من أجل إنتزاع مقاعد في مجلس النوّاب. غير أنّ أفراد هذه الطغمة الماليّة (التي أبدع التونسيون في تسميتها بالطرابلسية الجدد) لا يلتحقون بتلك الأحزاب من أجل تحقيق منافع شخصيّة فحسب بل من أجل تأبيد تخريبهم للبلاد والإقتصاد عبر تكييف القوانين من أجل تكريس وتثبيت الاقتصاد الريعي الطفيلي وبالتالي الحفاظ على مصالح الطبقات الرجعية الحاكمة.
وبحكم أنّ الدولة في تونس هي دولة ريعيّة فإنّها تقوم من حين لآخر وحفاظا على وجودها ، على إستيعاب كلّ التحرّكات الاجتماعية المطالبة بـ "التوزيع العادل للثروة" بمنحها بعض المنافع أوالزيادات في الأجور حسب ثقلها السياسي أو الاجتماعي وقدرتها على تهديد "السّلم الاجتماعي" (بعد 14 جانفي تحصّل المعطّلون عن العمل على منحة شهريّة بـ 250 د عندما كانوا أكثر تنظيما وأكثر تهديدا "للإستقرار" القائم - حسب وجهة نظر السلطة - دون أن ننسى الزيادات التي تحصّل عليها الأجراء بعد النضالات التي خاضوها تحت راية الإتحاد). فالإتحاد العام التونسي للشغل يعتبر اليوم رقما صعبا داخل الساحة السياسية والإجتماعية بوزنه التاريخي الناصع لكن أيضا بفعله الآني الذي يمثّل صمّام الأمان للدفاع عن القطاع العام وعن الخدمات الاجتماعية وعن التوزيع العادل للثروة بينما بالمقابل أمضت الأحزاب الرجعية الحاكمة (بشقيها الليبرالي والديني) على كلّ الإتفاقيات الخيانية ذات المضمون اللاوطني واللاديمقراطي واللاشعبي وأهمّها إتفاقية الشريك المميّز وإتفاقية القرض الإئتماني ومستقبلا إتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمّق « ALECA » (الشاهد أكّد في آخر زيارة له إلى الإتحاد الأوروبي يوم 24 أفريل 2018 بأنّ تونس ستمضي على الإتفاقية خلال سنة 2019) دون الحديث طبعا عن عشرات القروض التي رفعت نسبة المديونية إلى أرقام خيالية لم تعرفها تونس حتى في أتسع الفترات التي عاشتها في ظل نظام العميل بن علي (حوالي 73 ألف مليار). كما أثبت الإتحاد بأنّه أكبر من كل الأحزاب مجتمعة ويمكن ذكر مثالين إثنين فقط ، الأوّل هو إضرابي صفاقس في 12 جانفي 2011 وتونس العاصمة في 14 جانفي 2011 حيث نزلت مئات الآلاف من الجماهير الشعبية تلبية لنداء الإتحاد وليس الأحزاب وهو ما عجّل بهروب العميل بن علي والثاني هو إجبار الإتحاد للأحزاب الحاكمة وعلى رأسها حركة النهضة/النكبة التي كانت تقود حكومة "الترويكا" وذلك برئاسة علي العريّض (علي رش أو كما يحلو للتونسيين أن ينادونه : "يا عريّض يا كذّاب إنت صانع الإرهاب") على التنازل عن السلطة والقبول بالإنخراط في "الحوار الوطني" بداية من 5 أكتوبر 2013 وتبني خارطة الطريق التي وقع وضعها من طرف المنظمات الأربع الراعية للحوار (رغم الشرعية الانتخابية التي كانت تملكها تلك الحركة الرجعية والتعبئة الشعبية التي حصلت عليها عبر تركها للسلفيين يرتعون في تونس عبر الحملات الدعوية ومؤتمر السلفيين بالقيروان وتنفيذهم للإغتيالات السياسية التي طالت خاصة الشهدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي وغيرها إضافة إلى فسحها المجال لما سمّي زورا وبهتانا بـ "روابط حماية الثورة" للقيام بأدوار مشبوهة تخدم المشروع الظلامي الذي حاولت حركة النهضة/النكبة (فرع الإخوان المسلمين في تونس) تركيزه بعد 2011. مشروع نابع من داخل مخزون فكرها الموغل في الرجعيّة ومن عمق إيديولوجيتها الراسخة في دهاليز الظلامية القروسطية ومن باطن مشروعها السياسي الذي تنادي به "الإسلام هو الحلّ". وقد مثّلت تلك الروابط الذراع العسكري للحركة الذي نفّذ عملية الإعتداء على مقر الإتحاد العام التونسي للشغل يوم 4 ديسمبر 2012 وكذلك رمي الفضلات أمام مقراته في عديد من الجهات في شهر فيفري من نفس السنة. هكذا أثبت الإتحاد أنّه "القوّة" الإجتماعية التي يخيف كما قلت الماسكين بزمام السلطة وعلى رأسهم يوسف الشاهد إبن المدرسة الأمريكية (إشتغل في سفارة أمريكا بتونس قبل 14 جانفي) هاته المدرسة المعروفة بعدائها للعمّال والتي تبيح إستعمال كلّ شيء مهما كانت خطورته من أجل إقصاء الخصوم.
2. أكاذيب وأراجيف "خبراء الاقتصاد" و"المحللون السياسيون" حول أسباب الأزمة الإقتصاديّة في تونس
الكل يعلم بأنّنا نعيش عصر العولمة الليبرالية الشرسة منذ سقوط جدار برلين سنة 1988 وتفكّك دول الإتحاد السوفياتي. عصر العولمة لم تعرف الإنسانية عصرا أكثر منه تدميرا ودموية حيث إنفلتت الرأسمالية من تحت عباءتها أي عباءة الإطار النظري الذي وضعه لها المنظرون الأوائل منظروا المدرسة الليبرالية الكلاسيكيّة (آدام سميث ودافيد ريكاردو) وكسّرت كل الضوابط وتخلّت عن دور الدولة (تنظيرات كينز خاصة) وبالتالي عوّضتها تنظيرات المدرسة النيو ليبرالية لصاحبها "فريدريك أوغوست فون هايك" أحد خريجي المدرسة النمساوية في الاقتصاد. وإنّني أجزم بأنّ كلّ من يقدّمونهم لنا (في البلاتوهات التلفزية والإذاعية) على أنّهم "خبراء في الاقتصاد" أو "محلّلون سياسيّون" ينطبق عليهم توصيف "بول نيزان" : «كلاب الحراسة» (كتب "بول نيزان" وهو فيلسوف شيوعي فرنسي سنة 1932 كتابا بعنوان "كلاب الحراسة" Les chiens de garde لوصف "الفلاسفة" أو لنقل الأكاديميين في عهده بالدفاع عن برامج وأطروحات البورجوازية الحاكمة بالمقابل يتغاضون عمّا تعيشه طبقة البروليتاريا من فقر ومرض وخصاصة وسنة 1997 كتب "سارج حليمي" وهو فرنسي من أصل تونسي كاتب وصحفي بجريدة "لوموند ديبلوماتيك" ، كتابا بعنوان "كلاب الحراسة الجدد" Les nouveaux chiens de garde ليصف فيه أباطرة الصحافة الذين عملوا كأبواق دعاية للأنظمة الرأسمالية وللإمبريالية والصهيونية ودافعوا عنها وخاصة خلال حرب الخليج الأولى). وقد عبّر عن ذلك وبكلّ وضوح "بولبابة سالم" (وهو يتحدّث عن "كلاب الحراسة" عندما قال : «ما كتبه الرائع "بول نيزان" حولهم صار مرجعا لكل من يريد فهم و تفسير اسباب كل العراقيل و المطبات التي تعترض الاصلاحات الجذرية التي تأتي بها الثورات و مطالب الجماهير من أجل انجاز التغييرات الجذرية التي تشمل مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والاعلامية والتربوية. لا شك أنه لأنصار القديم مصالح متداخلة وغنائم كبيرة وفئة نهبت وإستكرشت على حساب المجموعة الوطنية وبتواطئ مفضوح مع السلطة القائمة. لكن هذه الفئة اللصوصية الانتهازية تأبى وتخجل الظهور المباشر لأنّ عوراتها مكشوفة للعيان والجميع يعلم خياناتها وثرائها الفاحش والسريع لذلك تستأجر أبواقا صدئة أو جديدة لتتولى الدفاع عن مصالحها ومهاجمة خصومها من انصار الإصلاح والتغيير ، هؤلاء هم تلاميذ غوبلز حيث يعمدون الى بث الاكاذيب ونشر الاشاعات وخلق القضايا الهامشية والثانوية لإلهاء الناس عن قضاياهم الحقيقية التي ثاروا من أجلها ، ولهم براعة عجيبة وخبرة في التشويه والافساد وتلويث المشهد الاعلامي ، كما يملكون وقاحة قبيحة ولا يستحون لأنهم بلا حياء اصلا ، ومتى كان للمرتزقة حياء ؟». فكلّ من يقدّموهم على أنّهم خبراء إقتصاديون (وأغلبهم ليس له علاقة بالإقتصاد أصلا) هم ينتمون إلى المدرسة النيوليبرالية التي تدافع عن "اليبرالية الشرسة والمتوحشّة" بل أنا أعرف شخصا تواظب القناة الأولى (حتّى لا أقول الوطنيّة) على إستدعائه دائما كان يلعب دور "البوليس" ويقوم بكتابة التقارير في زملائه الطلبة عندما كان يدرس في العراق وفيهم أيضا من كان يتمعّش من قسم التكوين النقابي والتثقيف العمّالي وكنت شخصيا شاهدا على ذلك (يقبض 500 د على كل محاضرة زائد غرفة النزل والأكل والشرب ووو) بينما نراه الآن يصبّ جام غضبه على الإتحاد وقيادته بسبب مطالبتهم بالزيادة في الأجور بل لم يستح ليلة الإضراب القطاعي وليس الإضراب العام للوظيفة العمومية والقطاع العام أن قال "تكلفة يوم إضراب يمكن أن تبني 4 مستشفيات و50 كلم من الطريق السريعة" ، هكذا وبكلّ وقاحة !!!
فهؤلاء عندما تسمعهم يتحدّثون عن المطلب الشرعي للعمّال بالفكر والساعد بتعديل المقدرة الشرائيّة يقولون لك بأنّ ذلك سيكون أكبر كارثة ستصيب الاقتصاد لأنّ ميزانيّة الدولة لا تتحمّل ذلك. بالمقابل فإنّهم لا ينبسون ببنت شفة عن الأموال الطائلة والتي تعدّ بعشرات الآلاف من المليارات في السنة الواحدة والتي نجدها بين أيدي المهرّبين والمتهرّبين من الضريبة والفاسدين. وإليكم البعض منها التي عميت أبصار "كلاب الحراسة" عن رؤيتها :
أوّلا : المبلغ الجملي الخام للزيادة التي طالب بها الإتحاد لأعوان الوظيفة العمومية تحوم حول 1500 مليار كمبلغ خام على سنتين (600 سنة 2019 و900 سنة 2020) ، تعود منها للدولة حوالي 375 مليارا كضرائب ، وتذهب حوالي 125 مليارا لصندوق التقاعد ويبقى منها حوالي 1000 مليارا سيقوم الموظفون بصرفها لشراء المواد الاستهلاكية أي أنّه سيقع إعادة ضخّها في الاقتصاد بحكم وأنّ الموظّفين لم يعودوا قادرين على إدّخار أي مليم من مرتباتهم.
ثانيا : خسائر الدولة من تعطيل إنتاج الفسفاط خلال الثمان سنوات الفارطة (من طرف الفاسدين وأصحاب شركات نقل الفسفاط عبر الشاحنات وكذلك الأجنحة المتصارعة داخل نداء تونس) تفوق 15 ألف مليار من المليمات.
ثالثا : تقدّر قيمة الأموال المنهوبة من الخزينة العمومية نتيجة الفساد في الصفقات العمومية حسب العميد شوقي الطبيب بحوالي ربع المبلغ السنوي للصفقات العمومية والمقدّر بحوالي 10 آلاف مليار أي أنّ الأموال التي تذهب لجيوب الفاسدين تقدّر بحوالي 2500 مليار سنويا.
رابعا : تقدّر قيمة خسارة ميزانية الدولة من التهرب الجبائي حوالي 8000 مليار ويحتوي هذا المبلغ نسبة كبيرة من التهرّب المقنّن بتشجيع من الحكومة الرجعية العميلة عبر تمكين حوالي 400 ألف مؤسسة أو شخص طبيعي من دفع معلوم جزافي لا يساهم إلاّ بـ 3 % من المداخيل الجبائيّة السنوية
- خامسا : الخطايا الماليّة المثقّلة لدى الديوانية بلغت إلى حدود سنة 2018 حوالي 7000 مليار
- سادسا : كلفة التوريد العشوائي للمواد الكماليّة والغير ضروريّة (سيارات فارهة ، رخام ومواد زخرفة منزلية ، ماكياج ، إلخ.) تفوق 2000 مليار سنويا
دون الحديث عن عشرات الآلاف من المليارات التي يتصرّف فيها أباطرة المافيا الذين يديرون أنشطة الاقتصاد الموازي أمام مرأى ومسمع من الحكومة والتي لا يمكن تقدير قيمتها الجمليّة بدقّة. في المحصلة يكون المبلغ الجملي للأموال المغتصبة من طرف الأعراف والمنهوبة من طرف الطرابلسيّة الجدد ، التي عدّدناها يساوي خلال سنتي حكم يوسف الشاهد فقط (حتّى لا يقال لنا لماذا تحمّلوننا ما سبق وما لم نقم به) حوالي 15625 مليار بالتمام والكمال موزعة كما يلي : 3750 مليارا خسائر الفسفاط مع 4000 مليار توريد عشوائي مع 5000 مليار فساد في الصفقات و ألفي مليار تهرّب جبائي ، و875 خطايا ديوانية أي ما يساوي حوالي 39 % من ميزانية سنة 2019. نعم حوالي ثلث الميزانية سطت عليها المافيا التي تحكم البلاد (الطبقتان الرجعيتان "البورجوازية الكمبرادورية والإقطاع" حيث تمثّل الأولى حركة نداء تونس وتمثّل الثانية حركة النهضة/النكبة إضافة إلى شريحة البيروقراطية المتمثّلة في الوزراء والمستشارين والموظفين السامين للدولة). كما تمثّل هذا الأموال المنهوبة التي خسرتها الخزينة العموميّة حوالي 10 مرّات ما طالب به الإتّحاد من زيادات بعنوان سنتي 2019 و2020.
أمّا إذا إحتسبنا مجمل الأموال المنهوبة طيلة الثمان سنوات التي أعقبت إنتفاضة 14 جانفي فإنّ المبلغ يصبح مرعبا إذ يصل إلى 66 ألف مليار وهو ما يساوي أكثر من مرّة ونصف ميزانية تونس لسنة 2019. هذه الأرقام وهذه الحقائق لا يمكن أن تسمعونها أو تقرؤونها من طرف "كلاب الحراسة" الخبراء الإقتصاديين والمحللين السياسيين الذين يؤثّثون كلّ البرامج الإذاعية والتلفزيّة ولا يتحدّث عنها "كلاب الحراسة الجدد" أشباه الصحفيين الذين يعيشون في مستنقع عفونته تزكم الأنوف وهم المرتبطين بأباطرة رأس المال وببيروقراطية الدولة المنغمسة في الفساد.
3. "جريمة" الجباية في تونس
للحديث عن جريمة الجباية في تونس سننطلق من آخر دراسة شاملة حول التهرّب الجبائي في تونس صدرت في شهر نوفمبر 2016 بالمجلّة الإلكترونية "إنكفادة" وأنجزها الصحفيّان مالك الخضراوي ومنية بن حمّادي تحت عنوان "المهن الحرّة : التهرّب الجبائي بالأرقام" (باللغة الفرنسية (Professions libérales : La fraude fiscale en chiffres).
لكن قبل إستعراض نتائج تلك الدراسة ومن أجل إبراز الفوارق الشاسعة بين ما يدفعه الموظّف العمومي من صنف أ1 (على الأقل 4 سنوات جامعية) وما يدفعه أصحاب المهن الحرّة من أصحاب نفس المستوى الجامعي تقريبا (محامين ، مهندسين ، أطباء ، مهندسين معماريين...) سأبيّن لكم كم أدفع أنا شخصيّا للجباية أو قل كم "يغتصبون" من مرتّبي شهريّا من خصم بعنوان الجباية. فأنا أحمل رتبة "أستاذ محاضر للتعليم العالي الفلاحي" (درست 11 سنة بعد البكلوريا) وبعد أكثر من 39 سنة من العمل لا يتجاوز مرتّبي الشهري الصافي 2539 دينار وأدفع شهريّا بعنوان الضريبة على الدخل 783.707 دينارا أي 9404.484 دينارا في السنة. لكن لنترك هذه الأرقام جانبا حتّى يأتي وقت المقارنات مع ما يدفعه أصحاب المهن الحرّة ولنعد إلى الدراسة التي تحدّثت عنها. فهذه الدراسة غطّت الفترة المتراوحة بين 2012 و2015 وكانت أبرز الإسنتتاجات كما يلي :
1.3. الموظّفون يدفعون حوالي 4 مرّات ما يدفعه أصحاب المهن الحرّة
غريبة الغرائب تتمثّل في أنّ عدد العمّال والموظفين إنخفض خلال فترة 2015-2012 (خاصة بسبب غلق الإنتدابات في الوظيفة العمومية وعدم تعويض المحالين على التقاعد) لكنّ مساهمتهم في الجباية إرتفعت بنسب عالية وبالمقابل وفيما عدد العاملين في المهن الحرّة إرتفع في نفس الفترة (محامون ، أطباء ، مهندسون ، معماريون ...) فإنّ مساهماتهم في الجباية كانت دائما في إنخفاض. فعدد الموظّفين العموميين لم يرتفع خلال فترة 2012-2015 إلاّ بنسبة 3 % فقط بينما إرتفعت مداخيلهم الجبائيّة بنسبة 35 % بالتمام والكمال حيث مرّ عددهم من 399 622 2 موظّف سنة 2012 يدفع كلّ واحد منهم معدّل 999 دينار جباية في الشهر إلى 000 700 2 موظّف سنة 2015 أصبح يدفع كلّ واحد منهم 1314 دينار في الشهر كضريبة على الدخل. بالمقابل فإنّ عدد أصحاب المهن الحرّة مرّ من 395 62 شخصا سنة 2012 إلى 856 77 شخصا سنة 2015 أي إرتفع بنسبة تساوي 25 % لكنّ مساهمتهم في الجباية إنخفضت بنسبة 1.5 % خلال تلك السنة حيث مرّ معدّل ما يدفعه كلّ واحد منهم سنويّا من 2471 دينارا سنة 2012 إلى 2438 دينارا سنة 2015. ولنعد هنا للمقارنة فأنا أدفع أكثر من 9404 دينارا في السنة أي أكثر من 4 مرّات ممّا يدفعه الطبيب والمحامي والمهندس المعماري وغيرهم من أصحاب المهن الحرّة بينما المرتّب الذي أحصل عليه بعد شهر كامل من العمل يمكن أن يحصل عليه الطبيب مثلا بعد يوم عمل واحد. إنّها إحدى غرائب الحكومات الرجعية العميلة التي تداولت على الحكم منذ سنة 1956 إلى اليوم.
2.3. الدولة تغضّ الطرف عن التهرّب الجبائي وتحرم ميزانيّة الدولة من أموال طائلة
إنّ أهمّ ملاحظة يمكن إستنتاجها بعد إنتفاضة 14 جانفي 2011 هي الإنخفاض المتواصل في عمليّة التصريح على المداخيل من طرف أصحاب المهن الحرّة. أي أنّ هذه الفئات من المواطنين أصبحوا يتعمّدون "التهرّب الجبائي" دون رادع ولا رقيب. وهذه المسألة تطرح عديد التساؤلات ، إذ كيف يمكن للنخبة في تونس والتي تتحصّل على مداخيل كبيرة تتعمّد عدم المساهمة في بناء تونس ما بعد الإنتفاضة والتي يسمّونها هم أنفسهم بالثورة ؟ لكنّ هذا السؤال يفترض طرح سؤال أخطر وأعمق يتعلّق بدور الدولة فيما يحدث فلماذا تتغافل هذه الأخيرة بمختلف أجهزتها التشريعية والتنفيذية والرقابية على هذه "الجريمة" ؟ والجواب لا أراه غير إحدى التفاهمات ("التوافق") التي حصلت بين الطبقتان الرجعيتان الحاكمتان. طبقة الإقطاع التي تمثّلها ما يسمّى بـ "حركة النهضة" وطبقة البورجوازية الكمبرادورية التي تمثّلها "حركة نداء تونس" حيث تغضّ هذه الأخيرة بصرها عن التمويل الخارجي الذي تتحصّل عليه الحركة الإخوانية مقابل أن تقوم هذه الأخيرة بغض بصرها عن التهرّب الجبائي للمموّلين الرئيسيين لحركة نداء تونس وبذلك تذهب أموال المتهرّبين إلى خزينة نداء تونس عوض خزينة الدولة.
المتهرّبون من الجباية بالأرقام حسب كلّ فئة : بين سنتي 2014 و2015 إنخفض عدد المصرّحين بالمداخيل من أصحاب المهن الحرّة كما يلي :
- المحامون : مرت نسبة المصرّحين من 57.33 % سنة 2014 إلى 40.23 % سنة 2015 أي أنّ نسبة المحامين المتهرّبين سنة 2015 إرتفع إلى 59.77 % أي حوالي الثلثين من المحامين المسجّلين وبالتالي فإنّ المحامين هم أكثر الفئات المنتمية للمهن الحرّة المتهرّبين من دفع الجباية. إذ يوجد 7427 محام مسجّل سنة 2015 دفعوا للجباية مبلغا جمليّا يقدّر بـ 116 187 8 دينارا أي بمعدّل سنوي يساوي 1102 دينارا لكل محام. لكن إذا إحتسبنا فقط المحامين الذين يدفعون الجباية (40.23 %) فإنّ المعدّل الشهري لكلّ محام يساوي 228 دينارا فقط بينما أدفع أنا عبدالله بنسعد مبلغا شهريّا يساوي 783.707 دينارا أي حوالي 3.5 مرّات أكثر منهم.
- المهندسون المعماريّون : مرت نسبة المصرّحين من 75.36 % سنة 2014 إلى 52.16 % سنة 2015 أي أنّ عدد المتهرّبين سنة 2015 يساوي 47.84 % أي حوالي نصف المعماريين المسجّلين. فعدد المهندسين المعماريين سنة 2015 يساوي 3985 لم يدفعوا للجباية سوى مبلغا يساوي 475 089 4 دينارا أي بمعدّل سنوي يساوي 1026 دينارا لكل مهندس معماري. لكن إذا إحتسبنا الذين يدفعون الجباية (52.16 %) فإنّ المعدّل الشهري لكل منهم يساوي 122 دينارا في الشهر فقط بينما أدفع أنا عبدالله بنسعد مبلغا شهريّا يساوي 783.707 دينارا أي حوالي 6 مرّات ونصف أكثر منهم.
- الأطبّاء : مرت نسبة المصرّحين من 91.36 % سنة 2014 إلى 74.1 % سنة 2015 أي أنّ عدد المتهرّبين سنة 2015 بلغ 25.9 % أي أكثر من ربع الأطبّاء المسجّلين. فقد أحصت إدارة الجباية سنة 2015 حوالي 9587 طبيبا (طب عام وطب إختصاص) لم يصرّح بالجباية منهم إلاّ 7103 طبيبا أي أنّ هناك حوالي 2500 طبيب متهرّب من دفع الجباية.
وبلغة الأرقام فإنّ أطباء القطاع الخاص دفعوا سنة 2015 مبلغا جمليّا يساوي 365 886 13 دينارا أي ما معدّله 1955 دينارا في السنة فقط لكل طبيب صرّح بمداخيله بينما يدفع أطبّاء القطاع العام ما معدّله 7507 دينار في السنة. والمفارقة هي أنّ أطباء القطاع العام الذين لا يحصلون حتّى على عشر مداخيل أطبّاء القطاع الخاص يدفعون حوالي 4 مرّات ما يدفعه هؤلاء. أمّا أنا عبدالله بنسعد فإنّني أدفع حوالي 5 مرّات بالتمام والكمال ما يدفعه أطبّاء القطاع الخاص (بالضبط 4.88 مرّة) فهل هذا عدل جبائي يا ترى ؟
في الختام نقول بأنّ الدراسة التي إعتمدناها لم تغطّ إلاّ 999 20 شخصا طبيعيا من جملة 856 77 شخصا ينتمون لأصحاب المهن الحرّة لم يدفعوا للجباية إلاّ مبلغا يساوي 956 162 26 دينارا فقط أي بمعدّل 1246 دينار في السنة فقط لكل واحد منهم بينما كما رأينا أعلاه معدّل ما تغتصبه الدولة من مرتّب الموظّف العمومي شهريا يساوي 1314 دينارا. فما هو حال بقيّة فئات المهن الحرّة والذين يبلغ عددهم 857 65 شخصا طبيعيا لم تشملهم الدراسة (مهندسون ، خبراء محاسبون ، عدول تنفيذ وإشهاد وغيرهم) ؟
3.3. من أجل عدالة جبائيّة تنصف العمّال والموظّفين وتوفّر تمويلات كبيرة لميزانية الدولة
يدفع العمّال والموظّفين في تونس 000 400 4 دينارا أي أنّ مساهمتهم في المداخيل الجبائيّة تساوي 71.17 % ومن أجل ترسيخ عدالة جبائيّة حقيقيّة تساهم في دعم ميزانية الدولة بشكل كبير نقترح ما يلي :
1. وضع حدّ لتهرّب رأس المال من القيام بواجبه الجبائي: توجد في تونس 77 ألف مؤسّسة صناعيّة لا تدفع حاليّا إلاّ مبلغا يساوي 1176 مليون دينار في السنة (ميزانية 2019) أي بمعدّل حوالي 15 ألف دينار في السنة للشركة الواحدة بينما أدفع أنا عبدالله بنسعد الموظّف حوالي ثلثي ما تدفعه مؤسسة صناعيّة مثل معمل حليب "دانون" على سبيل الذكر لا الحصر (أدفع سنويا أكثر من 9404 دينار أي حوالي 63 %) فهل هذه عدالة جبائيّة ؟
المطلوب هو إذا أن يقع القيام بتعديل ضريبي لأصحاب رأس المال. فإذا إعتمدنا معدّل مرابيح المؤسسات الصناعيّة كمبلغ يساوي 300 ألف دينار في السنة (علما وأنّ عشرات المؤسسات مداخيلها تفوق المليارات) فإنّ معدّل مبلغ الضريبة المطالبة بدفعه تلك المؤسسات يصبح 75 ألف دينار في السنة (بإحتساب نسبة 25 % كمعدّل) عوضا عن 15 ألف دينار حاليّا. ويصبح المبلغ الجملي للمداخيل الجبائيّة للمؤسات الصناعيّة 5775 مليون دينار عوضا عن 1176 مليون دينار حاليّا (أي بزيادة قدرها 4599 مليون دينار).
من جهة أخرى توجد في تونس 660 ألف مؤسسة تجاريّة وخدماتيّة لا تدفع إلاّ 307 مليون دينار في السنة أي بمعدّل 465 دينارا في السنة لكل شركة بينما أدفع أنا أكثر من 20 مرّة ما تدفعه مؤسسة تجاريّة مثل "المغازة العامّة" على سبيل الذكر لا الحصر ، فهل هذه عدالة جبائيّة ؟ علما وأنّ الفصل 16 من قانون المالية لسنة 2019 يؤكّد على أن لا تقلّ الضريبة السنوية عن ضريبة دنيا تساوي 0.2 % من رقم المعاملات الخام مع حدّ أدنى يساوي 500 دينار. والمطلوب هو القيام بتعديل جبائي يتمّ عبره إحتساب معدّل الضريبة السنوية المستوجبة على كل مؤسسة تجاريّة يساوي 3 مرّات ما يدفعه الأجير على الأقل أي 3942 دينارا في السنة. وبذلك تصبح المداخيل الجبائيّة للمؤسسات التجاريّة تساوي 2601.720 مليون دينار في السنة عوضا عن 307 مليون دينار حاليّا أي بزيادة قدرها 2294.720 مليون دينار.
2. وضع حدّ للدفع الجزافي : توجد في تونس حوالي 400 ألف مؤسسة أو شخص طبيعي (وخاصة منهم الأطباء) لا تساهم سنويّا إلاّ بمبلغ زهيد جدّا لا يفوق 30 مليون دينار أي بمعدّل سنوي لا يفوق 75 دينارا. أي نعم خمسة وسبعون دينارا في السنة. تصوّروا مطعما في ضفاف البحيرة مرابيحه السنوية تفوق المليار من المليمات لا يدفع للجباية إلاّ 75 دينارا في السنة أي أنّني أنا الموظّف أدفع 126 مرّة أكثر من ذلك المطعم الذي يفوق دخله السنوي أكثر من 33 ألف مرّة بالتمام والكمال لدخلي أنا. دعوني أقول هذه المرّة إنّها العدالة الجبائيّة في أبهى مظاهرها حسب منطق هذا النظام الرجعي العميل.
3. وضع حدّ لتهرّب الشركات الأجنبية المستثمرة في تونس : بلغت مرابيح الشركات الأجنبية المستثمرة في تونس سنة 2018 حوالي 3500 مليون دينار دون أن تدفع مليما واحدا للجباية؟؟؟ لن أعلّق هذه المرّة بل سأترك الدكتور الحبيب الجنحاني يعلّق : «يحدّد الليبراليّون الجدد مهمّة الدولة في عصر العولمة بأنّها مضيّفة للشركات المتعدّدة الجنسيّة وما يقترن بالضيافة من كرم وترحيب وفرش البسط وتزيين الطرقات وغيرها من الخدمات ولكن المشكلة أنّ هذه الخدمات أصبحت باهضة الكلفة وتحمّل الدولة أعباء ماليّة مرهقة لإنجازها وهي مضطرة في الوقت نفسه لإعفاء الشركات العالميّة من الضرائب أو التخفيض فيها على الأقل وهو ما يؤدّي حتما إلى تقليص الإنفاق الحكومي على الرعاية الإجتماعيّة والخدمات العامّة من نقل ومدارس ومستشفيات وجامعات ومؤسّسات ثقافيّة وترفيهيّة. هذا وضع الدولة في البلدان الصناعية الغنية أمّا في البلدان النامية فحدّث عن البحر ولا حرج ، فقد تدهورت مؤسّسات كثير من الدول وهياكلها لتصبح مجرّد نظم رسالتها الأساسيّة حراسة أرخبيل أثرياء الداخل والخارج فلم يعد الحديث عن الدولة بل عن أجنحة المافيا المتصارعة والمؤثّرة في القرار السياسي ولم يعد الحديث عن المجتمع بل عن هذه الجماعة أو تلك». فهل هناك وضوح أكثر من هذا الوضوح ؟ طبعا إذا طبّقنا نسبة 25 % كخصم على المرابيح فإنّ الشركات الأجنبية (وعددها 28 ألف مؤسسة منتصبة في تونس) تصبح مطالبة بدفع 875 مليون دينار في السنة.
4. وضع حدّ لتهرّب الشركات البترولية : لا أحد في تونس يعرف (غير بيروقراطية هذا النظام الرجعي العميل) عدد الشركات البترولية العاملة في تونس ولا كيفية إستغلالها لحقول النفط والغاز في تونس ولا نسبة الجباية التي تدفعها تلك الشركات بل كلّ ما نعرفه هو أنّ هذه الشركات (حسب قانون المالية لسنة 2019) ستدفع مبلغا جمليّا يساوي 1100 مليون دينار فقط أي أنّ العمّال والموظّفين يدفعون 4 مرّات أكثر من الشركات البترولية. تصوّروا موظّفا مثلي سيدفع 4 مرّات ما تدفعه شركة "بريتش قاز" على سبيل الذكر لا الحصر.
رقم واحد متوفّر حاليّا ويمكن ذكره وهو ما صرّحت به الأستاذة فوزية باشا أستاذة القانون والمختصة في العقود النفطية التي تحدّثت عن 241 مليون دينار كديون غير مستخلصة من طرف شركات التنقيب الأجنبية.
ولعلمكم فإنّ قانون التنقيب عن البترول وإستغلاله هو قديم جدّا تمت صياغته في عهد البايات من أجل حماية الشركات الإستعمارية الفرنسية غير أن تنقيح القانون في سنة 1999 (قانون عدد 93 المؤرّخ في 19 أوت 1999) واصل في نفس سياق خدمة الشركات البترولية الأجنبية وحماية مصالحها إذ حوّل القانون إلى مجرد مهمة استشارية وترك الخيار للشركات الاجنبية للاختيار بين التصنيفات القانونية وفق رغباتها لإختيارها القانون الأرفق بل أنّ الفصل 105 المتعلق بالجباية البترولية والفصل 126 المتعلق باخراج العملة الصعبة دون موافقة البنك المركزي التونسي هي من أخطر الفصول القانونية التي وردت في قانون 1999 ولم يأتي التنقيح الذي حصل سنة 2017 (القانون عدد 41 المؤرّخ في 30 ماي 2017) بأي جديد يذكر وهو دليل ساطع على عمالة النظام. والأدهى والأمر من ذلك أنّ "نوّاب الشعب الميامين" في البرلمان صوّتوا بأغلبية 99 صوتا (منهم 69 نائبا عمّا يسمّى بحركة "النهضة") بالإيجاب على قانون ينصّ على عدم نشر عقود إستغلال البترول في الرائد الرسمي أي تركها داخل غرفة مغلقة.
5. التعديل الضريبي لأصحاب المهن الحرّة : بعد أن قدّمنا أعلاه الأرقام المتعلّقة بالتهرّب الضريبي لأصحاب المهن الحرّة من أطباء ومحامين ومهندسين معماريين لنحتسب الآن المبالغ التي يجب على تلك الفئات دفعها للجباية مقارنة مع ما يدفعه نظرائهم المشتغلين في الوظيفة العمومية. فالمحامون المشتغلون في الوظيفة العمومية (في خطة مستشار قانوني في عديد المؤسسات) يدفعون سنويا ما معدّله 5040 دينار وإذا قمنا بتنظير مبلغ هذه الضريبة على المحامين في القطاع الخاص فإنّ المبلغ الجملي الذي وجب دفعه من طرف هؤلاء يصبح 37.433 مليون دينار مقابل 8.187 مليون دينار حاليّا (أي بزيادة تساوي 29.245 مليون دينار بالتمام والكمال). بالنسبة للأطبّاء العاملين في القطاع الخاص إذا طبّقنا عليهم نفس مبلغ الجباية الذي يدفعه نظرائهم في القطاع العام والذي يساوي 7505 دينارا في السنة لكل طبيب فإنّ المبلغ الواجب دفعه من طرف أطباء القطاع الخاص يصبح 71.951 مليون دينار مقابل 13.887 مليون دينار حاليا (أي بزيادة تساوي 58.065 مليون دينار بالتمام والكمال). أمّا بالنسبة للمهندسين المعماريين في القطاع الخاص وإذا طبّقنا عليهم نفس مبلغ الجباية الذي يدفعه نظرائهم في القطاع العام والذي يساوي 5544 دينارا في السنة فإنّ المبلغ الواجب دفعه من طرف هؤلاء يصبح 22.093 مليون دينار مقابل 4.090 مليون دينار حاليّا (أي بزيادة تساوي 18.003 مليون دينار). المحصلة تكون إذا مبلغا جمليّا يساوي 131.476 مليون دينار بالتمام والكمال. طبعا عدد منتسبي هذه الفئات الثلاث يساوي 20999 شخصا ويبقى هناك 65857 شخصا معنويا (خبراء محاسبون ، مهندسون مستشارون ، عدول إشهاد وتنفيذ ...) لم تشملهم الدراسة التي إعتمدناها والذين لا يدفعون اليوم إلاّ مبلغا يساوي حوالي 32.837 مليون دينار أي أنّ كل واحد منهم لا يدفع للجباية سوى 498.611 دينارا في السنة فقط. فإذا نظّرناهم مع ما يدفعه زملائهم في الوظيفة العمومية يصبح المبلغ المطالبون بدفعه يساوي 259.609 مليون دينار. في النهاية تصبح مساهمة الأشخاص المعنويون من أصحاب المهن الحرّة تساوي 391.084 مليون دينار مقابل 59 مليون دينار فقط حاليّا.
وإذا قمنا بعمليّة حسابيّة بسيطة فإنّ المبلغ الجملي للمداخيل الجبائيّة التي "يغتصبها" الأعراف وأصحاب المهن الحرّة في تونس نجدها تساوي على الأقل (أقول على الأقل لأنّ إحتساب الضريبة الفعليّة للشركات البترولية غير ممكن حاليّا في غياب المعطيات الدقيقة) 9883 مليون دينار بينما مساهمتم الحاليّة لا تفوق 2642 مليون دينار (يعني أنّ التهرّب الضريبي يساوي 7241 مليون دينار أي أكثر من مرّة ونصف ممّا يدفعه الأجراء).
وهكذا أيضا تفتضح طريقة إعادة توزيع الدخل الوطني داخل الدولة البرجوازيّة. فآليّة إعادة التوزيع تقوم في كون الدولة تجمع ، بواسطة الضرائب ، قسما كبيرا من مداخيل السكّان (الذين هم في أغلبيّتهم الساحقة من الطبقات الكادحة) ثمّ تنفقه كما يطيب لها أو لنقل بوضوح يكون التوزيع دائما وأبدا في صالح الرأسماليّة. يقول بوزوييف : «إنّ الآليّة الضرائبيّة المعقّدة أشبه بمضخّة هائلة تضخّ الأموال من جيوب الشّغيلة إلى صناديق الإحتكارات».
ففي الوقت الذي تقوم فيه الطبقة الرأسماليّة بإستغلال مختلف المنافذ والمهارب (إستغلال النفوذ والرشوة) للتهرّب من دفع الضرائب وفي الوقت الذي تقوم فيه الدولة البرجوازيّة بإعتماد ما يسمّى بالضريبة التناقصيّة أي أنّه بقدر ما يزداد ربح المؤسّسة الخاصّة بقدر ما يقلّ نسبيّا مقدار الضرائب التي تدفعها تقتطع الدولة مباشرة من مرتّبات العمّال والموظّفين الضريبة على الدخل إضافة إلى الضريبة الغير المباشرة التي تزداد من سنة إلى أخرى.
4. الزيادة في الأجور تساهم في الرفع من النموّ الإقتصادي وليس في إنكماش الإقتصاد كما يدّعي منظّروا الليبرالية الشرسة والمتوحّشة
الكلّ يعلم بأنّه عندما يتعلّق الأمر بالزيادة في أجور العمّال لتعديل المقدرة الشرائيّة أو تحسينها تطفو على السطح وجهتا نظر مختلفتان. وجهة النظر الأولى مرتبطة بالمدرسة الليبراليّة الكلاسيكيّة (تنظيرات آدام سميث ودافيد ريكاردو) ومدعّمة بتنظيرات المدرسة النيوليبراليّة التي يقودها "فريدريك أوغست فون هايك" أحد خريجي المدرسة النمساوية في الاقتصاد. أصحاب وجهة النظر هذه يرفضون إطلاقا دور الدولة في الاقتصاد ويدافعون عن مقولات مثل "دعه يعمل ، دعه يمرّ" و"اليد الخفيّة للسوق" وغيرها في إنحياز واضح لرأس المال ضدّ العمل وبالتالي هم من رافضي الزيادة في أجور العمّال متعلّلين بأنّ ذلك يرفع في كلفة الإنتاج وهو ما يقلّل من المنافسة من ناحية ويعيق رأس المال من مزيد الإستثمار وخلق فرص عمل جديدة من ناحية أخرى. أمّا وجهة النظر الثانية ومن داخل نفس المدرسة الليبرالية تعتمد على ما يعرف بالمدرسة "الكينيزيّة" لصاحبها "جون مينهارد كينز" المدافع عن دور كلا القطاعين العام والخاص في الاقتصاد. وجهة النظر هذه تعتبر أنّ الزيادة في الأجور تزيد في الطلب على البضاعة والسلع وهو ما يعني الرفع من القدرة الإنتاجيّة للمؤسّسات وبالتالي دعم الإستثمار والتشغيل. ويؤكّد أصحاب وجهة النظر هذه أنّه من خلال رفع الطلب الكلّي تستطيع الحكومة محاربة البطالة والكساد خصوصا أثناء فترة "الكساد" (المعروف بأنّ الأزمات هي ظاهرة ملازمة للرأسماليّة ومن الناحية النظريّة فإنّ المرحلة التي تمتدّ من بداية أزمة حتّى نهايتها تسمّى "الحلقة الإقتصاديّة" ويبيّن عالم الاقتصاد السوفياتي "نيكيتين" بأنّها تمرّ بأربعة أطوار وهي الأزمة ، الكساد أو الركود ، الإنتعاش والنهوض). وتونس تعيش بالضبط هذه الفترة أي فترة الكساد أو الركود التي تمتاز بتدنّي نسبة النموّ وإرتفاع نسبة البطالة وتدهور المقدرة الشرائيّة.
وبعد الحرب العالمية الثانية إلتجأت البلدان الصناعيّة إلى تطبيق النظرية "الكينزية" في سياساتها الاقتصادية ممّا ساهم في تحسين مداخيل العمّال والتقليص من نسب البطالة بشكل واضح وبالتالي نشر الرفاهية داخل المجتمعات الصناعيّة الشيء الذي عرّفه بعض الإقتصاديين بالعصر الذهبي للرأسمالية أو بالمرحلة الفورديّة إذ كان هنري فورد مالك شركة فورد للسيارات أوّل مَن طبّق هذه النظريّة في مختلف فروع شركته ورفع أجور عماله لتحفيزهم على الإستهلاك وإمتلاك سيّارة.
بالمقابل توجد عديد الأمثلة الأخرى في العالم التي تبيّن مدى تدخّل الدولة البورجوازيّة لخدمة رأس المال تطبيقا لتنظيرات المدرسة الكلاسيكيّة والنيوليبراليّة ، حيث تبيّن أنّ ذلك الطابع التدخّلي كان دافعه الأساسي خدمة رأس المال سواء من خلال توفير كلّ الظروف المناسبة للإنتاج (البنية التحتية اللازمة ، التشاريع المحفّزة مثل مرونة التشغيل وقوانين الإستثمار ، اليد العاملة المؤهّلة...) أو تعبيد الطريق لرأس المال من أجل تحقيق أعلى فائض قيمة (الضغط على الأجور ، تخفيض الضرائب ، تحمّل مصاريف الضمان الاجتماعي للعمّال...) أو أيضا إزالة كل الحواجز التي تعترض رأس المال للقيام بدوره في عمليّة التراكم ذاتها.
وقد كان "كينز" واضحا حول هذه المسألة حيث يقول "قد يبدو لأي كاتب سياسي أو رجل أعمال أمريكي في القطاع المالي أنّ في توسيع وظائف الدولة الذي حتّمته ضرورة الملائمة بين الإقبال على الإستهلاك والترغيب في الإستثمار خرقا فضيعا للمبادئ الفردانية إلاّ أنّنا نعتبر هذا التوسّع على العكس من ذلك الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون التحلّل الكامل للمؤسسات الاقتصادية الحالية والشرط لكي تقوم المبادرة الفردية بدور متميّز".
وحريّ بنا التأكيد على أنّ الواقع الذي نعيشه يبيّن بأنّ النظريّة الليبراليّة الكلاسيكيّة الرافضة للزيادة في الأجور التي تعتبر بأنّ تجميد الأجور يؤدّي بالضرورة إلى خلق مواطن الشغل سقطت في الماء وخاصة بعد بروز الأزمة الرأسماليّة العالميّة. فالمفروض وإنطلاقا من وجهة النظر هذه والتي وقع تطبيقها على الأرض في كل البلدان الرأسمالية وخاصة أوروبا وأمريكا الشماليّة ، أن تنخفض نسبة البطالة في تلك البلدان. لكنّ العكس هو الذي حصل.
فالأزمة الرأسمالية التي ضربت كل بلدان العالم بداية من سنة 2008 بعد أن إنطلقت من قلعة الليبرالية سنة 2007 ونعني بها الولايات المتحدة الأمريكية بظهور ما عرف بأزمة "الرهن العقّاري" زادت في تعقيد وضع سوق الشغل في العالم.
ووفق منظّمة العمل الدولية فقد إنخفضت الأجور كحصّة من الناتج المحلّي الإجمالي في العالم منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين إذ تراجعت حصّة الأجور في 91 من أصل 133 بلداً، بينها البلدان الأكثر تقدّماً والعديد من البلدان النامية. وارتفعت حصّة الربح في المقابل للرأس مال. وقد بيّنت دراسة أنجزها "مؤتمر الأمم المتحّدة للتجارة والتنمية" (CNUCED) سنة 2012 أنّ مداخيل العمّال في البلدان الرأسمالية تراجعت بين سنتي 1980 و2008. لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك هو أنّ هذا التراجع صاحبه ارتفاع متواصل في نسب البطالة (أنظر الرسم البياني أدناه). فقد تراجعت مداخيل العمّال من 8.5 نقطة سنة 1980 إلى 5.2 نقطة سنة 2011.
بينما بالمقابل إرتفعت نسبة البطالة من 7.4 نقطة سنة 1980 إلى 8.5 سنة 2011. من الإستنتاجات الأخرى للدراسة هو أنّ أكبر المستهلكين في إقتصاديّات تلك البلدان هم الأجراء وعائلاتهم. لكنّ الضعف الكبير للأجور من ناحية وإرتفاع نسب البطالة لدى شباب تلك العائلات من ناحية أخرى يجعلهم لا يستهلكون إلاّ الأدنى والضروري جدّا ممّا لا يسمح بالإنتعاش الاقتصادي إضافة إلى أنّ نسبة كبيرة من الإستهلاك متأتّية من التداين وليس من الأجور وهو ما يؤثّر سلبا على إدّخار تلك العائلات.
وتضيف الدراسة "إنّ إعادة التوازن في توزيع الثروة يجب أن يكون الهدف الرئيسي بالنسبة للبلدان المتقدّمة كما البلدان الفقيرة. فالنموّ الذي يعقبه توزيع غير عادل للثروة بين رأس المال والعمل أو ذاك الذي يمكّن حفنة من الموظّفين المحظوظين من مداخيل كبيرة مقابل مداخيل ضعيفة للأغلبيّة الساحقة من العمّال (99 %) لا يمكن أن يقع ضمان ديمومته". بل الأهمّ من كل ذلك فإنّ الدراسة تستنتج ما يلي "إنّ واضعي السياسات الاقتصاديّة لم يستوعبوا بعد ، مع الأسف ، الدّروس ممّا سبق".
هذه الدراسة تدعّمها دراسة أخرى صادرة عن "منظمة العمل الدولية" سنة 2013 عنوانها "التقرير العالمي حول الأجور 2012-2013 ، الأجور والنمو العادل". فقد ورد في هذا المؤلّف الهام بأنّ الإقتصار على النظر من زاوية "الاقتصاد الجزئي" (Microéconomie) لعمليّة الزيادة في الأجور هو خطأ فادح والمطلوب هو الأخذ بعين الإعتبار للديناميكية التي تحصل على مستوى "الاقتصاد الكلّي" (Macroéconomie). إذ تمثّل الزيادة في الأجور المصدر الرئيسي لإرتفاع الطلب الكلّي. وتؤكّد هذه الدراسة أنّ زيادة نقطة واحدة في نسبة الأجور تؤدّي إلى زيادة تقدّر بـ 0.14 نقطة في الطلب الداخلي وزيادة بـ 0.36 نقطة في نسبة الناتج الداخلي الخام (PIB) بالنسبة لمجموعة الدول العشرين (G 20) التي يمثّل ناتجها الخام حوالي 80 % من الناتج العالمي. وتخلص الدراسة بالتأكيد على ضرورة عكس الإتّجاه الحالي المتمثّل في الإرتفاع المهول لأرباح رأس المال مقابل إختلال كبير في مداخيل العمّال وبالتالي عدم القبول بالشعار القائل "لا يوجد حلّ آخر" (There Is No Alternative).
وتستنتج الدراسة بأنّ التوزيع الحالي الغير عادل للثروة سببه سياسات العولمة الليبرالية الشرسة وتخلّي الدولة عن دورها التعديلي. لذلك فإنّ العودة لتنظيرات "كينز" هي الحلّ الأنجع والأمثل لتخطّي عقبات الأزمة الرأسمالية الحاليّة.
ونختم هذه العرض بما خلص إليه الخبير الاقتصادي الفرنسي "هرفي دوبون ريفاج" (Hervé Debonrivage) في مقاله الذائع الصيت الذي نشره يوم 27 مارس 2019 والذي حمل عنوان "يجب الزيادة في الأجور" حيث بيّن مزايا الزيادة في أجور العمّال ومساوئ عدم الزيادة فيها.
وتتمثّل مزايا الزيادة في الأجور في : (1) تحسين ظروف حياة العمّال ، (2) الرفع في الإستهلاك وبالتالي الرفع بصفة غير مباشرة في إنتاج السلع والخدمات ، (3) هذا يعني تحسين رقم معاملات المؤسسات الاقتصادية ، (4) ممّا ينجرّ عنه الترفيع في المرابيح وبالتالي مزيد الإستثمار وخلق مواطن الشغل ، (5) إمكانية خلق مؤسسات جديدة وخدمات جديدة بحكم ارتفاع الطلب ، (6) ارتفاع المرابيح يؤدّي حتما إلى إمكانية الزيادة في الأجور مجدّدا ، (7) تحسين الإنتاجيّة نتيجة التحفيز المادّي للعمّال ، (8) كلّ ذلك يؤدّي إلى إرتفاع المداخيل الجبائيّة للدولة ، (9) ويؤدّي أيضا إلى الترفيع في المساهمات الاجتماعية للعمّال والأعراف ممّا يحسّن في الوضعيّة الماليّة للصناديق ، (10) ولا شكّ بأنّ ذلك يحسّن الخدمات الاجتماعية من طرف الدولة ، (11) دون أن ننسى تحسين الإدّخار لدى العائلات ، (12) وهو ما يقلّل في نسب التداين العائلي ، (13) وبالتالي يقلّل من شراء السلع والبضائع ذات النوعيّة الرديئة أو المستوردة بطرق عشوائيّة ويقلّل بالتالي من مخاطرها على صحّة الإنسان ، (14) وبالمقابل يشجّع على إقتناء السلع والبضائع ذات الجودة العالية مثل البضائع الفلاحية المتأتّية من الفلاحة البيولوجيّة ، (15) التقليص أيضا من الإعانات الإجتماعيّة ، (16) كذلك الترفيع في أجور الإطارات العليا يقلّل من "هجرة الأدمغة" ، إلخ
ولنستعرض الآن التداعيات المدمّرة لعدم الزيادة في الأجور والتي تتمثّل في : (1) التشجيع على التجارة الموازية التي تعرض سلعا وبضائع ذات جودة رديئة بحكم تدهور المقدرة الشرائيّة للعمّال ، (2) إجبار العمّال على اللجوء لقروض الإستهلاك ممّا يرفع في نسبة التداين العائلي ، (3) ويمثّل ارتفاع التداين العائلي خطرا كبيرا الدين العام وهو ما يمكن أن يفضي إلى أزمة ماليّة مثلما حصل في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2007 حيث حصلت الأزمة نتيجة القروض العقارية العائليّة (أزمة الرهن العقاري) ، (4) من جهة أخرى فإنّ عدم قدرة العائلات على شراء العقارات السكنية يجعل الإسثمارات في القطاع العقاري تقلّ وهو ما يخلق إرتفاعا كبيرا في أسعار العقارات المعروضة للبيع ، (5) كما لا ننسى أنّ تجميد الأجور يتسبّب في عرقلة النمو الاقتصادي وهو ما يؤثّر سلبا على رقم معاملات المؤسسات الاقتصادية ، (6) وطبعا التقليص في رقم معاملات المؤسسات الاقتصادية يعني الإلتجاء لطرد جزء من العمّال للحفاظ على التوازن المالي للمؤسسات (7) نتيجة سلبيّة أخرى يمكن ذكرها وتتمثّل في إندثار عديد المؤسسات الصغرى بسبب نقص الطلب الكلّي ، (8) عزوف العمّال العاطلين عن العمل والمتحصّلين على منحة البطالة عن العودة للشغل بسبب ضعف المرتّبات المعروضة عليهم والتي تقارب منحة البطالة التي يتحصّلون عليها ، (9) كلّ ذلك يؤثّر سلبا على المداخيل الجبائيّة للدولة وعلى المساهمات الاجتماعية للرأس مال وللعمال على حدّ سواء ممّا يساهم في عجز الصناديق الاجتماعية ، (10) عدم تحفيز العمّال عبر الزيادة في الأجور يجعلهم يردّون الفعل بخفض إنتاجيّتهم وبالتالي وضع المؤسسة في حالة حرجة ، (11) الأخطر من ذلك هو أنّ العمّال أو جزء كبير منهم يمكن أن يصابوا بإحباط وهو ما يؤثّر على وضعهم النفسي الشيء الذي يجعلهم عرضة للأمراض النفسية وبالتالي التغيّب عن العمل بسبب المرض ويزيد في عدد حوادث الشغل بسبب قلّة التركيز وهو ما يؤثّر سلبا على المؤسسة بصفة خاصة وعلى المجتمع بصفة عامّة ، (12) العائلة أيضا يمكن أن تصاب بقلق نفسي متواصل بسبب عدم كفاية أجرة ربّ الأسرة لتلبية كل حاجيات أفرادها وما يمكن أن يترتّب عن ذلك من تأثيرات سلبية الزوجين والأطفال (ارتفاع قضايا الطلاق لدى الأسر التي تعيش أزمات ماليّة) ، (13) تدهور المقدرة الشرائيّة للعمّال يمكن أن يتسبّب أيضا في عديد المشاكل الاجتماعية بين القطاعات المهنيّة فالعامل يصبح يفكّر بأنانيّة ويطرح أسئلة من نوع لماذا يتحصّل عمّال هذا القطاع أو ذاك على إمتيازات لا أتحصّل عليه أنا ؟ (وهو ما يضرب في العمق التضامن العمّالي الذي إنبنى عليه العمل النقابي) ولماذا يتحصّل المسؤولين الكبار والوزراء على مرتبات عالية وإمتيازات عينية كبيرة ؟ بل يمكن أن يصبّ العامل جام غضبه على العمّال مهاجرين وغيرها من المشاكل الأخرى. وهذا المناخ يصبح طبعا ملائما لليمين المتطرّف ، (14) من ناحية أخرى فإنّ هذا التضارب بين مقدرة شرائيّة ضعيفة والإشهار الكبير والمتواصل للسلع والخدمات التي يقدر العامل على الوصول إليها لا يمكن أن تؤدّي إلاّ إلى الجريمة (سرقة ، عنف ، تحيّل ...) ، (15) ضعف المقدرة الشرائيّة يمكن أن يؤدّي أيضا إلى تدهور الحالة الصحّية للعمّال وأفراد عائلاتهم الذين يخيّرون صرف الأموال الشحيحة التي بين أيديهم على إقنتاء بعض السلع والخدمات الضرورية (دروس الدعم ، الإنترنات ، الهواتف الجوالة ...) على علاج الأمراض التي تصيبهم ، (16) وفي الختام فإنّ إنخفاض أجور نخبة المجتمع (أطباء ، مهندسون ، جامعيون ...) ينمّي لديهم حالة من الغبن ومن عدم الإعتبار ويدفعهم للهجرة إلى الخارج. طبعا كلّ ما ذكره الخبير الفرنسي "هرفي دوبون ريفاج" يمكن أن نقول بأنّه ينطبق كلّيا وبالضبط على ما حصل ويحصل في تونس. فهجرة الأدمغة هي من أكبر المشاكل التي أصبحت تهدّد الاقتصاد والطب والتعليم في تونس إذ تجمع عديد الدراسات على أنّ عدد المغادرين من المهندسين والأساتذة الجامعيين والأطبّاء فاق 90 ألف شخص بعد إنتفاضة 2011 دون إعتبار عشرات الآلاف من الشباب الذين هاجروا بالطرق السرّية (حرقة) وفيهم من إبتلعه البحر وهو ما يعتبر خسارة كبرى لتونس من حيث نقص اليد العاملة من ناحية وخسارة شريحة هامّة من السكّان كان يمكن أن يساهموا في بناء تونس ما بعد "الثورة" من ناحية أخرى. أمّا السرقة والخطف و"البراكاجات" فقد أصبحت تقع في وضح النهار وفي الشوارع الرئيسية لأكبر المدن التونسية ولم يسلم منها لا الكهول ولا الطلبة ولا تلاميذ الثانوي ولا حتّى أطفال المدارس الإبتدائيّة. أمّا التداين الأسري فحدّث ولا حرج.
ونختم بأهمّ ظاهرة أصبحت متفشّية داخل المجتمع التونسي ألا وهي التداين الأسري نتيجة تقلّص نسب الإدّخار لديها. إذ إستقر إدّخار الأسر في تونس إلى حدود سنة 2010 دائما بين 40 و60 % من إجمالي الادخار الوطني لتنزل هذه النسبة في سنة 2017 إلى حوالي نصف تلك القيمة إذ تمثل نسبة الإدّخار الأسري اليوم حوالي ربع الادخار الوطني فقط (27 %). في ذات الوقت تراجعت نسبة المدخرين من المنتمين إلى الطبقة الوسطى والاجراء كذلك إلى أكثر من نصف تلك القيمة فهم لا يمثلون اليوم الا حوالي 10 % من إجمالي الإدخار الوطني. وقد بيّنت دراسة أنجزها المعهد الوطني للإستهلاك سنة 2018 أنّ الدين يتركّز لدى شريحة الدخل (1000-3000 د) بنسبة تفوق 60 % من إجمالي الشرائح المتداينة. وتتوزّع الديون حسب المصادر كما يلي : 56.7 % قرض بنكي ، 16.9 % سلفة من المعارف ، 12.2 % قرض من جمعية تنموية والبقية من مصادر أخرى. كما أكّد الاستاذ الجامعي والمختص في الاقتصاد وادارة الاعمال وجدي بن رجب لجريدة الشروق بتاريخ 4 نوفمبر 2018 إرتفاع حجم التداين الاسري إلى 17.6 مليار دينار حيث أن 60 بالمائة منها موجهة الى الاستهلاك العائلي بما في ذلك الفواتير والاكل والصحة ودراسة الابناء.
1.4. الأجر لا يعني العامل فقط وإنّما أسرته أيضا
في دراسة للخبير الاقتصادي اللبناني "غسان ديبة" صدرت سنة 2016 تحت عنوان "ماركس ضدّ سبنسر ، أزمة الرأسمالية اللبنانية" نقرأ ما يلي : »"إن نظرية الماحقة الاقتصادية تقول إن الأجور يجب أن تستسلم للضغط الاقتصادي، من دون الاعتبار لما يشكله هذا الطريق من أذى للجماعات المختلفة في المجتمع" ، حاولت كثيراً لكني لم أجد أفضل من قول "كينز" هذا في وصفه لمحاولة رأس المال تدفيع العمال ثمن الأزمة الرأسمالية. هذه الشهادة هي أدق وأبلغ وصف لفلسفة التقشف ومحاربة الأجور ومكتسبات العمال والموظفين التي تجتاح العالم اليوم، كما اجتاحت أوروبا في أيام كينز بين الحربين العالميتين .«
والمعلوم أنّه خلال الأزمات وعندما يفشل الرأسمال في إيجاد الحلول الخارجية (عبر تدخّل الدولة أو إستعمال النقد أو اللجوء إلى الأسواق الخارجية) ، فإنه يلجأ الى أسهل طريقة للحفاظ على قدرته على المنافسة حسب رأيه وهي الضغط على الأجور. ويستعمل رأس المال طريقتان للوصول إلى ذلك. إمّا بالتدخّل في سوق الشغل عبر رفع نسب البطالة إعتمادا على طرد العمّال وبالتالي خلق مزاحمة بين المعطّلين عن العمل وعرض أجور زهيدة أو التقليص مباشرة في الأجور دون طرد العمّال كما حصل في اليونان خلال أزمتها الأخيرة ، وإمّا تجميد الأجور وجعلها تراوح مكانها لسنوات عديدة.
ففي ظل النظام الرأسمالي يجد العامل نفسه مجبرا على الدخول إلى "سوق الشغل" أين يقوم ببيع قوّة عمله. لكنّ سعر بيع قوّة العمل الذي يسمّى "أجرا" يختلف عن سعر بيع بضاعة أخرى في السوق التجاري. فسعر بيع البضاعة لا يهمّ إلاّ صاحب البضاعة لكنّ الأجر لا يهمّ العامل فقط وإنّما كلّ الأسرة التي ينتمي لها.
فعدد المؤسسات الصناعية والتّجارية في تونس يبلغ حوالي 750 ألف مؤسسة لكنّ عدد العمّال يبلغ حسب آخر تعداد للسكان والسكنى سنة 2014 حوالي 3.5 مليون عامل أي أكثر من 3 مليون عائلة وبالتالي حوالي 10 ملايين نسمة (الأغلبية الساحقة من سكّان تونس).
لذلك فإنّ الزيادة في الأجور تعني بالضرورة إقدام هؤلاء الملايين على إستهلاك جميع البضائع والخدمات التي يستحقونها. وهنا نعود إلى إحدى قوانين السوق التي تقول بأنّ ارتفاع الطلب على بضاعة أو خدمة ما يؤدّي إلى مزيد إنتاج تلك البضاعة/الخدمة (الإستثمار والتشغيل) من طرف رأس المال من أجل مزيد الربح.
وإذا تركنا المسألة النظرية جانبا وركّزنا على ما هو "كمّي" نجد بأنّ ما قلناه آنفا تؤكّده دراسة أنجزها "المعهد التونسي للقدرة التنافسيّة والدراسات الكمّية" (ITCEQ) سنة 2017 بعنوان "الترفيع في الأجور والإنتاجيّة" (باللغة الفرنسية). فهذه الدراسة تؤكّد بأنّ ضعف نسبة مساهمة الإستهلاك في الناتج الداخلي الخام مرتبط أساسا بضعف نسبة مساهمة الأجور التي لا تتجاوز 36 % سنة 2010 وإنحدرت بعد ذلك إلى أقلّ من 33 % وهو ما يعني إختلالا كبيرا في تقسيم القيمة المضافة بين رأس المال والعمل.
وهذا تأكيد علمي واضح على أنّ ما حصل من زيادات في الأجور منذ سنة 2011 إلى اليوم لم يمثّل تحسينا للمقدرة الشرائيّة وإنّما تعديلا لها نظرا لأنّ نسبة تدهور المقدرة الشرائيّة خلال الثمان سنوات الأخيرة فاقت 45 %. وهذا يدعونا إلى الحديث عن الفرق بين "الأجر الإسمي" و"الأجر الحقيقي". فالأجر الاسمي هو المبلغ الإجمالي للراتب الذي يتقاضاه العامل مقابل العمل الذي قام به بغض النظر عن قيمة ذلك المبلغ. أما الأجر الحقيقي فيتمثل بما يمكن أن يوفره المرتب من السلع والخدمات وبالأسعار السائدة أي أنّه يشير إلى القدرة الشرائيّة الحقيقية لهذا الراتب في السوق. لذلك وجب التأكيد على أنّ العبرة ليست في مقدار الأموال التي يتقاضاها العامل وإنّما بمقدار القوّة الشرائيّة لتلك الأموال. وهذا يحيلنا إلى التذكير بما حصل من إمتصاص سريع جدّا للزيادة التي إتفق فيها الإتّحاد مع الأعراف لعمّال القطاع الخاص في مرحلة أولى (ولازال بعض عمال بعض القطاعات يناضلون إلى اليوم للحصول عليها) ثمّ في مرحلة ثانية مع الحكومة من أجل الزيادة لأعوان الوظيفة العمومية (والتي لم يتحصّلوا عليها بعد ونحن في شهر أفريل) نتيجة الزيادة في "الفائدة المديريّة" (TMM) ثمّ في أسعار الوقود وأسعار المواد الإستهلاكيّة الأخرى وخاصة الخضر واللحوم ، حيث عدنا إلى نقطة الصفر وهو ما يعني بأنّ الأجور هي دوما محور هجوم الرأسمال عندما يدخل في أزمة.
ومؤشرات الأزمة يمكن تلخيصها فيما يلي :
(1) ارتفاع نسبة البطالة التي لم تنزل منذ سنة 2011 تحت سقف 15 % (يتراوح عدد المعطّلين عن العمل بين 600 و700 ألف)
(2) إنحسار النمو في نسب ضعيفة جدّا غير قادرة على خلق مواطن الشغل للأعداد المهولة من طالبي الشغل سنويا (بين 40 و60 ألف)
(3) تراجع الطلب الخارجي نتيجة تراجع حركة السياحة وتراجع تحويلات عمّالنا بالخارج وتراجع التصدير في عديد القطاعات الصناعية.
(4) النسبة المنخفضة لحصة الأجور من الناتج المحلي التي تبلغ سوى 14 % فقط.
هكذا إذا يتّضح بأنّ الاقتصاد التونسي هو في وضعيّة تسمح بزيادة "الأجر الحقيقي" من أجل الرفع من الاستهلاك وبالتالي الطلب الكلّي ويشكّل خطة تحفيزية تؤدي إلى زيادة الناتج المحلي وإجمالي الأرباح وحصة الأجور من الناتج المحلّي الإجمالي.
5. كذبة "كتلة الأجور" و"مستوى الأجور" في تونس
حجم كتلة الأجور في ميزانية 2019 يساوي 16485 مليون دينار وهو ما يعادل 14.1 % فقط من الناتج الداخلي الخام. وهذا الاتجاه يعني أن العمال وأسرهم يحصلون على حصة ضعيفة من النمو الاقتصادي بينما تتزايد حصة أصحاب رؤوس الأموال.
لكن عندما نسمع "خبراء الاقتصاد" و"الصحفيين" الجهابذة وهم يردّدون كالببغاوات تعليقات خبراء البنك العالمي وصندوق النقد الدولي الذين عندما يتحدّثون عن ميزانيّة الدولة التونسية لا يشيرون إلاّ إلى "الإرتفاع المهول" لحجم كتلة الأجور في الميزانية وخاصة بعد "إنتفاضة" 14 جانفي 2011.
وأحسن تعبير عن موقف رأس المال في تونس يمكن ذكر ما صرّح به أحد أباطرة رأس المال في تونس المدعو طارق الشريف رئيس إحدى منظّمات أعراف ظهرت بعد 14 جانفي 2011 ولها إرتباطات مشبوهة بأطراف عالميّة والمسمّاة "كنفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (كوناكت)" حيث قال يوم الجمعة 18 جانفي 2019 في ندوة صحفيّة "أنّ الإدارة التونسية قادرة على الاكتفاء بنصف الموظفين العموميين وبيّن أن الإدارة بإمكانها الاكتفاء بـ 350 أو 400 ألف موظف عمومي فقط من أجل تخفيف العبء على ميزانية الدولة والوضعية المالية لتونس التي لم تعد تتحمل أجور 700 ألف موظف. وبالعودة إلى الاضراب العام الذي نفذه الاتحاد العام التونسي للشغل، صرّح الشريف أن الاتحاد من حقه الدفاع عن منظوريه لكن إمكانيات الدولة اليوم لا تسمح بالزيادة والمعادلة مستحيل". لا أعتقد بأنّه هناك وضوح أكثر من هذا الوضوح لنظرة البورجوازية الكمبرادورية للزيادة في أجور العمّال في تونس.
ملاحظة أخرى يمكن الإشارة لها وهي أنّ هؤلاء الخبراء لا يشيرون البتّة إلى مستوى الأجور في تونس الذي يعتبر من أضعف المستويات في العالم وخاصة مقارنة مع البلدان المغاربية حيث تحتلّ تونس المرتبة 107 من جملة 175 دولة.
مستوى الأجور في تونس من أضعف المستويات في العالم
تونس في المرتبة 107 من جملة 175 دولة
ع/ر إسم البلد الدخل الشهري الخام سنة 2016 بالدولار مقارنة بالأجر في تونس
1 النرويج 6865.5 X 22.33
2 سويسرا 6770.0 X 22.01
3 اللكسمبورغ 5965.8 X 19.40
4 الدنمارك 4751.7 X 15.45
5 الولايات المتحدة الأمريكية 4734.2 X 15.39
6 إيزلندا 4732.5 X 15.39
7 السويد 4540.0 X 14.76
8 أستراليا 4519.2 X 14.69
9 إيرلندا 4334.2 X 14.09
10 سنغفورة 4323.3 X 14.05
... ... ... …
107 تونس 307.5
... ... ...
175 بورندي 23.3

وهم لا يذكرون أيضا الدخل الوطني الخام (Revenu National Brut) للفرد سنة 2017 تونس في المرتبة 153 من جملة 186 دولة.
الدخل الوطني الخام (RNB) للفرد سنة 2017 تونس في المرتبة 153 من جملة 186 دولة
ع/ر إسم البلد الدخل الوطني الخام RNB سنة 2017 بالدولار مقارنة بالأجر في تونس
1 النرويج 80560 X 23.01
2 سويسرا 75990 X 21.70
3 اللكسمبورغ 70260 X 20.07
4 قطر 61070 X 17.48
5 إيزلندا 60830 X 17.38
6 الولايات المتحدة الأمريكية 58270 X 16.65
7 إيرلندا 55290 X 15.80
8 الدنمارك 55220 X 15.77
9 سنغفورة 54530 X 15.58
10 السويد 52590 X 15.02
... ... ... …
153 تونس 3500
... ... ...
186 الملاوي 320

طبعا هم لا يعنيهم مطلقا مستوى الأجر الأدنى المضمون حيث تحتلّ تونس المرتبة الأخيرة (26) من بين الدول التي تعتمد الأجر الأدنى المضمون سنة 2016.
الأجر الأدنى المضمون سنة 2016 ، تونس في المرتبة الأخيرة من بين الدول التي تعتمد الأجر الأدنى المضمون سنة 2016
ع/ر إسم البلد الدخل الوطني الخام RNB سنة 2017 بالدولار مقارنة بالأجر في تونس
1 اللكسمبورغ 1923 X 17.17
2 إيرلندا 1546 X 13.80
3 هولندا 1525 X 13.62
4 بريطانيا 1512 X 13.50
5 بلجيكيا 1502 X 13.41
6 فرنسا 1467 X 13.10
7 ألمانيا 1440 X 12.86
8 الولايات المتحدة الأمريكية 1154 X 10.30
... ... ...
22 المغرب 240 X 2.14
23 رومانيا 232 X 2.07
24 بلغاريا 215 X 1.92
25 الدزائر 170 X 1.52
26 تونس 112 -

الخاتمة : كلّ العروش تهتز لو أرادت سواعد العمّال الجبّارة
الصراع بين رأس المال والعمل وُجد منذ ظهور الرأسماليّة ولن ينتهي إلاّ بفنائها. ومن أهمّ الصراعات في العصر الحاضر هو الصراع حول توزيع الثروة والتي هي تميل مع الأسف الشديد لصالح رأس المال. فنسبة الأجور من الناتج الداخلي الخام ضعيفة وفي بعض الأحيان ضعيفة جدّا مثلما هو الحال في تونس (14.1 % فقط من الناتج المحلّي الإجمالي) رغم ما يشنّف به آذاننا "كلاب الحراسة" (ما يسمّى بالخبراء الإقتصاديين) و"كلاب الحراسة الجدد" (أشباه الصحفيين) ، في كلّ مرّة يطالب به العمّال بالزيادة في الأجور ، من أنّ كتلة الأجور في تونس هي من أرفع الكتل في العالم وهو ما فنّناه فيما سبق. بل أضيف وأقول لهؤلاء بأنّ نسبة كتلة الأجور للعمّال الأمريكيين سنة 2010 بلغت 57.8 % (أي أكثر من 5 مرّات نسبة الأجور التونسية).
وقد أكّد الكاتب الفرنسي "طوماس بيكيتي" الذي أصدر كتابا سنة 2014 يحمل عنوان "رأس المال في القرن الواحد والعشرين" ، وبقطع النظر عمّا ورد في الكتاب (حوالي ألف صفحة) من مواقف تحريفيّة من الماركسية اللينينيّة ، فإنّ أهمّ إستنتاج قام به الكاتب هو "الكشف عن مأزق الرأسماليّة فيما يخصّ مبدأ توزيع الثروة". وقد أكّد الكاتب بأنّ العالم يتّجه نحو المزيد من التفاوت في الدخل والثروة لأنّ المردود الخاص لرأس المال هو أعلى بكثير من المداخيل. ويضيف بأنّ هذا التطوّر لا يخدم الطبقة العاملة وطبقة البورجوازية الصغرى الذين سمّاهم بـ "الفقراء" في خاتمة الكتاب وبالتالي لا يخدم فكرة تقليص الفوارق بين الطبقات. والسؤال الذي يطرح نفسه هو "هل أنّ هذه الحتميّة هي حتميّة لا تُردّ ؟". قطعا لا فـ "كلّ العروش تهتزّ لو أرادت سواعد العمّال الجبّارة".
أمّا بالنسبة لنا في القطر فإنّ كلّ ما قلناه يؤكّد حقيقة حتميّة ألا وهي إرتباط هذا النظام الرجعي العميل بالإستعمار وهو ما يدعو كلّ القوى الثورية المتمسّكة بشعار "الاشتراكية العلمية هي الحلّ" أن تجعل "المسألة الوطنيّة" على رأس جدول أعمالها من أجل كنس الطبقات الرجعية الحاكمة من البورجوازية الكمبرادوريّة والإقطاع والذين شاهدنا كيف أنّهم نهشوا جسم هذا الوطن وغرسوا أنيابهم فيه طيلة أكثر من 6 عقود من الزمن وتركوه هيكلا عظميا لا حياة فيه. كما أنّه عليهم التخلّي عن المقولات المتفسّخة من أمثال "التداول السلمي على السلطة" و"إحترام دولة القانون والمؤسسات" و"إعتماد البرلمان كآليّة للتغيير" لأنّ ذلك لن يؤدّي إلاّ إلى تمديد عمر الماسكين بالسلطة.
"أمامنا أهدافهم ومشاريعهم وأمامهم صمودنا ومقاومتنا ، فإمّا اشتراكيّــــــــــــة أو بربريّة"
تونس في 18 أفريل 2019
د. عبدالله بنسعد


المصادر
1. Balbawi, H.: “The Rentier state in the Arab world” in the Arab state, H.Belbawi and G. Luciani (eds) New York, Croom Helnss, 1987
2.حسين مهدوي ، 1970 : نمط ومشاكل التنمية الاقتصادية في الدول الريعية ، ذكره عبدالجبار النوري 2015 : الدولة الريعية مستقبل مظلم http://www.almothaqaf.com/qadayaama/qadayama-15/889076
3. عبدالعزيز ببلاوي & جياكومو لوشياني ، 1990 : الدولة الريعية في الوطن العربي
نشر مركز دراسات الوحدة العربية ومعهد الشؤون الدولية بإيطاليا ، 143 صفحة

4. نيكيتين بي ، 1964 : أسس الاقتصاد السياسي في الاشتراكية الماركسيّة
دار التقدّم موسكو ، 376 صفحة

5. كينز جون مينهارد ، 2010 : النظرية العامة للشغل والفائدة والنقود
ترجمة إلهام عيدروس ، نشر هيئة أبو ظبي للثقافة والتراث ، دار كلمة ، 483 صفحة

6. CNUCED, 2012 : Rapport sur le commerce et le développement 2012. Politiques pour une roissance équitable et équilibrée
Publication des nations unies, 2012/1 n° 25, 67 pages

7. OIT, 2013 : Rapport mondial sur les salaires 2012-2013. Salaires et croissance équitable.
BIT Genève, 2013, 138 pages
8. Hervé Debonrivage, 2019 : Il faut augmenter les salaires. http://www.gauchemip.org/spip.php?article18093
8. غسّان ديبة ، 2016 : ماركس ضدّ سبنسر ، أزمة الرأسمالية اللبنانية : خفض الأجور https://www.tayyar.org/News/Business/94009
9. بولبابه سالم ، 2018 : محللون مكلفون بمهمة ونعيش رداءة اعلامية
https://www.babnet.net/rttdetail-171230.asp

10. المعهد الوطني للإستهلاك ، 2018 : نتائج بحث حول التداين الأسري في تونس.
http://inc.nat.tn/sites/default/files/document-files/endettement%202018.pdf

11. صندوق النقد الدولي ، 2016 : تسهيل الصندوق الممّد
https://www.imf.org/ar/About/Factsheets/Sheets/2016/08/01/20/56/Extended-Fund-Facility



#عبدالله_بنسعد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا فتح لا حماس حرب الشعب الثورية هي الحل الوحيد لتحرير فلسطي ...
- كيف يعمل يوسف الشاهد على تطبيق مقولة -آدام سميث- : «لا يمكن ...
- التعدّدية النقابيّة آليّة بورجوازيّة لضرب وحدة الحركة العمّا ...
- تبادل حرّ أم تبادل لا متكافئ : -إتّفاق التّبادل الحرّ الشّام ...
- كيف السبيل لإعادة هيكلة الأراضي الدولية خدمة لجماهير الكادحي ...
- هل تعب -اليسار- في تونس من النضال حتّى يبحث عمّن يدافع عنه ب ...
- من جنون البقر إلى أنفلونزا الطّيور : مسار العولمة الليبراليّ ...
- هل إنتهى حزب البعث في العراق ؟ : لماذا يرفض حزب البعث التندي ...
- بين حزب البعث في العراق و-داعش- وبين الحقائق على الأرض والتض ...
- دستور 2014 : خدعة جديدة للعمّال وعموم الشعب وإنقلاب على مطال ...
- العولمة والتعليم في تونس : سلعنة المدرسة خدمة لرأس المال ، م ...
- في الذكرى 56 لإصدار مجلة الأحوال الشخصية بتونس : المطلوب مسا ...
- ميزانية 2012 : ميزانية تفقير المفقّرين والتخلي عن -السيادة ا ...
- على هامش الإنتخابات الرئاسية الفرنسية : لا علاقة لفرنسوا هول ...
- المشروع الفلاحي السويسري بالصحراء التونسية : هل هو حقا لإنتا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...
- المطلوب منوال تنمية أم إختيارات إقتصادية جديدة لتونس الغد. ا ...


المزيد.....




- مكتب نتنياهو يعلن فقدان إسرائيلي في الإمارات
- نتنياهو يتهم الكابينيت بالتسريبات الأمنية ويؤكد أنها -خطر شد ...
- زاخاروفا: فرنسا تقضي على أوكرانيا عبر السماح لها بضرب العمق ...
- 2,700 يورو لكل شخص.. إقليم سويسري يوزع فائض الميزانية على ال ...
- تواصل الغارات في لبنان وأوستن يشدد على الالتزام بحل دبلوماسي ...
- زيلينسكي: 321 منشأة من مرافق البنية التحتية للموانئ تضررت من ...
- حرب غزة تجر نتنياهو وغالانت للمحاكمة
- رئيس كولومبيا: سنعتقل نتنياهو وغالانت إذا زارا البلاد
- كيف مزجت رومانيا بين الشرق والغرب في قصورها الملكية؟
- أكسيوس: ترامب فوجئ بوجود أسرى إسرائيليين أحياء


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - عبدالله بنسعد - ردّا على توصيات وفد صندوق النقد الدولي لشهر مارس 2019 : كُفّوا عن الكَذب والإِرابة والهُجنة فالزيادة في الأجور تساعد على النموّ الاقتصادي وتونس في آخر الترتيب العالمي فيما يخصّ الأجور والمداخيل