حزب دعم العمالي - العمال الذين صنعوا الحملة الانتخابية
اسماء اغبارية زحالقة
2006 / 4 / 27 - 10:38
كان ذلك في شباط. جلسنا حلقة، رفاق حزب ومجموعة من العمال من كفر قرع المرشحين للانضمام للقائمة الانتخابية لحزب دعم. انا جالسة على اعصابي، اقتراح الترشيح جالس هو الآخر على الطاولة بانتظار القرار، والعمال جالسون على المقاعد، بهدوء ووقار. اصغرهم في ال27 واكبرهم في ال66. منير قعوار (ابو وسام) اسمه. هو بالذات كان لرأيه اهمية عندي. وليس صدفة.
ابو وسام كان متمسكا بموقف ان المجتمع سيستهزئ بفكرة ان يمثل العمال انفسهم: "الناس بتقول - شو بفهّم العمال بالسياسة؟". تُرى، تساءلت، هل افلحت السنوات الاربع الاخيرة من العلاقة والعمل المشترك، في تغيير موقفك؟
بدل ان يجيب سرد علينا حكاية وقعت معه قبل ثلاثين عاما: مهندس العمارة التي عملت بها كان روسيا شابا، اعتاد اصطحابي معه لشرب القهوة في مقهى اثناء الاستراحة. في يوم لا انساه طلب عامل في نفس الموقع، ان نوصله للبنك. بعد ان اتم ترتيباته، عاد للجلوس في السيارة لانتظارنا. دعوناه لشرب القهوة معنا، فاعتذر خجلا من ملابس العمل المتسخة. واذا بالمهندس يقف في الشارع بتل ابيب، ويخطب في المارّة، يمجّد العامل ويقول انه هو اساس المجتمع. طبعا قادم من روسيا، هناك كانوا يقدّرون العامل". لم يكن ابو وسام يعرف انه بعد ايام قليلة، سيقف هو ايضا في الشارع بكفر قرع، في الاجتماع الانتخابي، ويخطب في الحضور، يمجّد العمال وحزبهم.
قصة المهندس الروسي كانت مقدمة دراماتيكية لاعلان قبوله الانضمام للقائمة الانتخابية. عرفت عندها ان جنين الحزب العمالي بدأ يتكوّن. وتوالت موافقات العمال من كفر قرع، ام الفحم، الناصرة، يافة الناصرة، المشهد، كفر مندا، شعب، المغار ودير حنا. وكانت القمة في المهرجان الانتخابي في حيفا ب11/2، عندما اعتلى المنصة المرشحون من عمال ورفاق واعلنوا انطلاقة الحزب العمالي. الطاقة، الحماس والقوة التي كانت هناك لم تدع مفرا الا ان تأخذها وتنشرها في كل منبر، من الاعلام الاسرائيلي للاجنبي لقناة الجزيرة وحتى الى دكان ام العبد، امي، في حي العجمي بيافا.
أجمل اللحظات كانت مع دخول 20 عاملا وعاملة الى قاعة السينماتك بالناصرة، بعد يوم عمل مضنٍ، لحضور المناظرة السياسية التي نظمتها وبثتها قناة الجزيرة. لم يكن حضور الوفد العمالي حضورا خاملا، فقد كان لهم على المنصة تمثيل سياسي الى جانب الاحزاب الاخرى. هناك اوضحنا اننا لسنا حزبا عربيا ولسنا عربيا يهوديا، بل حزبا عماليا امميا.
د. عادل مناع احد العريفين في المناظرة قال يلخّص: لدينا هنا تيار وطني شيوعي (الجبهة)، تيار قومي (التجمع)، تيار اسلامي (القائمة الموحدة) وتيار عمالي في اشارة الى حزب دعم. اعتراف انتزعه العمال بعرق الجبين ودق المسامير في ورشات تل ابيب وشتل الورود في مزارع الموشافيم.
بين العنصرية وصحن الطعام
"ولكن ألا تعتقدين ان الاهتمام الاعلامي بكم عبارة عن مناورة لا اكثر؟"، سألني الاعلامي زهير بهلول في راديو الشمس. "اية مناورة؟"، اجبته "الاعلام مهتم بنا لاننا قائمة عمالية تطرح موضوع الفقر والبطالة كأولوية في اجندتها، القضية التي تحولت الى مشكلة سياسية من الدرجة الاولى، تشغل العالم كله اليوم".
تحديدنا ان قضية الخبز والعمل هي القضية الرئيسية التي تلبي حاجات الجماهير العمالية الكادحة، هو الذي ميّز دعم عن بقية الاحزاب. ففيما واصلت الاحزاب الاخرى شعارات لا آلية اليوم لتحقيقها، منها وطنية او قومية تريد تحرير الوطن او اسلامية تريد تحرير الاوقاف، اوضح دعم انه يريد تحرير الطبقة العاملة. "لا يمكن ان يكون صحن الطعام همّنا الوحيد"، قال محمد بركة، رئيس الجبهة، في المناظرة السياسية التي شاركنا بها في كلية مار الياس. ولكن ما العمل يا رفيق؟ اذا لم يتوفر الاساس، لا يمكن بناء السقف.
في الحلقات البيتية لاقت الرسالة آذانا صاغية. الحلقة التي نظمتها سهام علاوي من كفر قرع، كانت بارزة. دخلنا الى الصالة انا ورفيقتي ختام نعامنة، لنجد بانتظارنا 30 امرأة معظمهن عاملات، وخمسة رجال. تتوسط الصالة طاولة ملأى بكل ما لذ وطاب، وتحديدا البقلاوة. كانت سهام تحتفل. عاملة زراعة كانت. تعمل بثمانين شيكل يوميا، دون حقوق. مع جمعية معا صارت تعمل مقابل 150 شيكل الحد الادنى ومع كل الحقوق. اليوم اصبحت مرشحة في قائمة دعم الانتخابية. كان واضحا ان سهام فخورة ان جارتها المعلمة حضرت اللقاء في بيتها، وكان جميلا ان ترى المعلمة تحتضن سهام وتحييها بعد ان القت خطابها في الاجتماع الانتخابي بكفر قرع عشية الانتخابات.
في الحلقة البيتية عند سهام قفز احد الحضور متحفظا - لم تذكري ان العرب يتعرضون لعنصرية، ولو فعلت لكسبت دعما اكبر. وبعد ان تبين ان الشاب نصير لحزب معين يكثر "الحديث" (بدل الفعل) عن العنصرية، ويطالب بتغيير نشيد هتكفا والعلم الاسرائيلي وإبطال قانون العودة، سألت: متى كانت المرة الاخيرة التي قلق منامكم بسبب النشيد الوطني؟ بين الضحكات، بدت الفجوة عميقة بين هموم حياتية مصيرية، وبين شعارات خاوية لاحزاب لا تفعل الا انها تعزل المجتمع العربي وتُفقده اي حليف في الرأي العام الاسرائيلي، وتحكم عليه بذلك بالفقر والبطالة.
بلا شارب
كونه الحزب الوحيد الذي رشّح على رأسه امرأة اعتبر غريبا، واحيانا طريفا خاصة عندما كنت اجلس على نفس المنصة مع رؤساء القوائم الاخرى، ولجميعهم شارب وصوت ضخم، الا لي. على كل حال لم اشعر بالغيرة. وفي الحقيقة فكرت بعدما سألني مراسل القناة العاشرة، إن لم اكن اواجه مشكلة كوني امرأة في ادارة الحملة، فأجبت: "غياب الشارب، قد يكون حاجزا في البداية لان الناس معتادون عليه، ولكن عندما تبدأ بالحديث مع الناس عن همومهم وتقترح عليهم الحلول، لا يعود للشارب اهمية خاصة اذا اكتفى صاحبه بترديد الشعارات البالية اياها".
"لم يخرج الناس للشوارع ليوزّعوا البقلاوة"، قلت ضاحكة لمذيع القناة الثانية، عندما سألني كيف يتجاوب المجتمع مع حقيقة ترشيح امرأة لرئاسة قائمة. وبلهجة جادة اكثر، تحدثت عن الوضع الحقيقي الذي تعيشه اليوم المرأة العربية. بطالة، فقر، جهل وخوف. تقاليد تمنع العمل وحكومة تغلق الابواب وتفضل العمال الاجانب، والنتيجة 83% من النساء العربيات عاطلات عن العمل، وفقر يعاني منه نصف المجتمع العربي، او اكثر.
دعم في تل ابيب
هذا الموضوع، وضع المرأة العربية، بالذات كان قريبا من قلوب الجمهور الذي كان لي شرف الالتقاء به في حلقتين سياسيتين في تل ابيب، كانت بين مجموعة كبيرة من اللقاءات نظمها رفيقي نير نادر. وكما دعتنا سهام علاوي لبيتها، دعتنا كذلك الفنانة الشهيرة ميخال نئمان لبيتها في تل ابيب، بيت يعج بالكتب، وعلى طاولتها هي ايضا اتخذ الشراب والمعجنات موضعهما. وحول الطاولة جلست مجموعة شهيرة من فنانين وروائيات، منهم تسيبي جيفاع والونا كمحي. تواجدت ايضا مراسلة "هآرتس" ارنا كازن، لتغطي اللقاء.
أصغت المجموعة باهتمام لطرح حزب دعم. العمل الميداني للحزب وانسجامه مع فكره، ووجود امرأة على رئاسة قائمته كان له تأثير قوي جدا، كما كان سببا في انضمام الفنانة اوسنات بار اور مثلا للقائمة الانتخابية جنبا الى جنب مع العمال العرب.
كان التحدي في اقناع الاسرائيليين بالمساهمة في خلق رأي عام وبيئة داعمة للعمال العرب، وللمطلب الاساسي في فتح اماكن العمل ومواجهة خطة ويسكونسين والسياسة الاقتصادية الرأسمالية، علما ان عربا ويهودا متضررين منها على حد سواء. كان مهما جدا ان تعرف، وان يعرف العمال ايضا، ان هناك في تل ابيب من هو خارج الاجماع الصهيوني اليميني، يرفضون مثلنا الجدار الفاصل، ولا يشترون اوهام الانفصالات الاحادية الجانب ويطمحون لحل سياسي عادل للقضية الفلسطينية.
"المشكلة" الوحيدة كانت الخوف من "تبذير الاصوات"، علما انه كان معروفا ان الحزب لن يجتاز نسبة الحسم. الجواب كان اننا نبني الحزب العمالي بشكل تراكمي، وكل صوت لدعم معناه قوة اكبر للعمال ولامكانيتنا التأثير اذا كنا نمثل عددا اكبر من العمال. لاحظت ان الصحافية كازن لم تقل كلمة، وكانت قبل ايام قد نشرت مقالا تقول انها قررت التصويت للجبهة مع تحفظاتها عن خطها القومي. سألتها رأيها، فاجابت ان اللقاء اثار لديها بعض الافكار.
يوما واحدا قبل الانتخابات نشرت كازن مقالها، وابرزت الحلقة البيتية مع صورة على الصفحة الاولى للملحق الفني لهآرتس، وكتبت ان جوابنا حول تبذير الاصوات نجح في الاقناع. في مساء يوم الانتخابات تساءلت في موقعها بالانترنت، "ترى هل يحصل دعم على القوة الكافية التي تمكّنه من تكثيف نشاطه؟".
انضمام عمال للحزب
الثلاثاء 28 آذار. يوم الانتخابات. الساعة الخامسة في الناصرة. يدخل الى المكتب ثلاثة عمال بناء. اكبرهم في الخامسة والخمسين. مصطفى ابو الهيجاء اسمه، من قرية الرينة. التأثر باد على محياهم. اتوا ليتعرفوا على رئيسة القائمة، التي شاهدوها في القناة العاشرة في التلفزيون الاسرائيلي تعتمر قبعة عمال البناء، وقرروا ان عليهم ان "يتعرفوا على هذا الشيء الغريب؟ من هذا الحزب الذي يهتم بعمال العمار؟".
كانت تلك محادثة من القلب الى القلب، ادارها بكثير من الحساسية والرقة الامين العام لدعم يعقوب بن افرات. تبين ان مصطفى فُصل من عمله في البناء بعد اربعين عاما، واغلقت الابواب في وجهه، ويمارس منذ عامين ونصف هواية النقش على الخشب لقتل الوقت. كان يجب ان تراه، لتلحظ بريقا يشعّ من جديد في عينيه، وهو يسمع من يعقوب قصة ابو وسام الذي وصل سن ال66 ولا تزال جمعية معا تفتح له بابا الى العمل، ولا يزال ينتج. ليس بالضرورة ان تنتهي حياة عامل العمار في سن الخمسين يا عم مصطفى.
الثلاثاء مساء. الساعة العاشرة ليلا. اغلقت صناديق الاقتراع، والعمال الشباب يقفون عندها يعدون بطاقات حرف "ق". ابو وسام يجلس والى جانبه ام وسام ورفيق دربه ابو كرم، ومجموعة كبيرة من العاملات والشباب. النتيجة كانت معروفة مسبقا، ومع هذا كان هناك توتر. لقد عملت المجموعة في كفر قرع كالنحل حول الخلية. يدخلون البيوت يرافقون اهلها الى صناديق الاقتراع، ونظموا الاجتماع الانتخابي العمالي في القرية وتحدثوا فيه. الجو الحماسي القوي الذي خلقته هذه المجموعة الملتزمة من العمال في هذه البلد، كان الجواب الحقيقي للصحافية في هآرتس، ولراديو الشمس، ولكل من تساءل عن مصير الاصوات التي ستذهب الى دعم.
كان واضحا ان نسبة التصويت عموما وفي الوسط العربي خصوصا كانت الاكثر انخفاضا على الاطلاق. كان هذا متوقعا. في يوم الانتخابات كان واضحا ان هناك طبقة تصوت وطبقة لا تصوت. الطبقة العاملة فقدت ثقتها بالاحزاب السياسية وبقدرتها على تغيير حياتها، مما يستدعي منا طاقات جبارة، ستجدنا جاهزين لتحديها.
اليوم انضم لحزب دعم عمال وعاملات وشباب. اذا كان عشرات معدودة من الرفاق الحزبيين قد وصلوا الى 3691 صوتا، فان الرفاق العمال الجدد هم اضافة نوعية قيّمة تعطي الحزب دفعة كبيرة للامام، تجسد هويته كحزب عمالي، وتزيد طاقته العددية في الوصول الى احياء عمالية عفا عنها الزمن ونسيتها الاحزاب. الحملة للانتخابات القادمة بدأت من الآن.