|
تحويل الحراك إلى ثورة سلمية منتجة لنظام جديد
رابح لونيسي
أكاديمي
(Rabah Lounici)
الحوار المتمدن-العدد: 6173 - 2019 / 3 / 15 - 15:23
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يجب في البداية توضيح هام جدا للمفاهيم والمصطلحات، فمصطلح "الحراك الشعبي" يقصد به حركة تستهدف الضغط على السلطة لتحقيق مطالب محددة، لكن "الثورة" هدفها تغيير جذري لوضع ما، ومنها لنظام سياسي معين، ففي حالة حراك يتم التغيير مع السلطة، ويمكن أن تحوله السلطة بمرواغاتها لصالحها، لكن في حالة ثورة فإن النظام الجديد يتم فرزه من داخلها، أي من تطوراتها وتركيبتها الإجتماعية، فمثلا الثورة الفرنسية كانت في البداية مجرد حراك، لكن بعد ما هرب الملك لويس16 كي يتآمر عليه، تحولت إلى ثورة، فأنتجت نظاما سياسيا جديدا، ونجد نفس الأمر في أمريكا، حيث بدأت بمطلب ضرائبي لا أكثر ولا أقل، ومع تعنت أنجلترا تحولت إلى ثورة مفرزة النظام السياسي الأمريكي الحالي، كذلك في روسيا أين تحول من حراك إلى ثورة في أكتوبر1917، فأنتظم الشعب في السوفيتيات أي مجالس العمال والفلاحين والجنود، مما أنتج النظام السوفياتي الجديد على حساب القديم، كما أنتجت الثورة الإيرانية نظاما دينيا، لأن تنظيم ثورته كانت بقيادة رجال دين، ونسجل نفس الملاحظة على الثورة الجزائرية(1954-1962) التي كانت عنيفة قادها جيش تحرير وطني يسطير عليه الريفيون والفلاحون، فأنتجت لنا نظاما عسكريا في1962، وهو على عكس الحراك الجزائري اليوم، والذي من غير المستبعد أن يتحول إلى ثورة سلمية تماما، وأن ينتج نظاما سياسيا جديدا مختلفا عن كل الأنظمة السياسية التي عرفها العالم اليوم، ويمكن لنا القول أن مطلب التغيير الجذري للنظام قد أصبح مطلب كل الجزائريين، بما فيها السلطة ذاتها التي تتحدث اليوم عن تغيير جذري للنظام، لكن طبعا كمحاولة منها للإستمرارية والقيام بتغيير شكلي للنظام القائم فقط. أن طبيعة الثورات والتركيبة الإجتماعية المسيطرة عليها هي التي تنتج نظامها السياسي، فطبيعة الحراك الجزائري سلمي تماما، وهو ما سيؤدي حتما إلى تحقيق مبدأ "أولوية السياسي على العسكري" التي عجزت ثورة1954 تجسيده بسبب طبيعتها العنفية، كما ستقبر نهائيا أي عنف في حل التناقضات الأيديولوجية والسياسية والإجتماعية والثقافية وغيرها التي تعرفها كل الأمم، أي ستنتج نظاما ديمقراطيا بأتم معنى الكلمة، لكن الخصوصية التي تختلف بها عن الثورات الأخرى هو ظاهرة تنظيمها على شكل فئات وشرائح إجتماعية مهنية بما فيها العاطلة عن العمل(جامعيون، فلاحون، أطباء، محامون، رجال التربية وغيرها) تسير في الشارع طيلة الأسبوع، لتلتقي كلها يوم الجمعة، وكأنها دلالة على أن النظام السياسي الجديد الذي سيتبلور منها سيكون مبنيا على هذه الشرائح الإجتماعية والمهنية التي ستفرز طبيعيا قياداتها ونخبها، وستمثل في تأسيسية جامعة لكل هذه الشرائح الإجتماعية المهنية لتضع دستورا وآليات نظام سياسي جديد مبني على هذه الشرائح والفئات، وليس الأحزاب والنقابات التقليدية التي رفضتها هذه المسيرات الشعبية لحد اليوم، وقد شرحنا معالم هذا النظام السياسي الجديد في مقالتنا السابقة، فهو نظام سياسي ممكن أن يكون قريب جدا من النظام الذي طرحناه منذ سنوات في كتابينا "النظام البديل للإستبداد-تنظيم جديد للدولة والإقتصاد والمجتمع-" و"ربيع جزائري لمواجهة دمار عربي"، وكذلك العشرات من مقالاتنا ودراساتنا الأكاديمية. نلاحظ اليوم إنتقال النقاش السياسي من داخل الأحزاب إلى داخل هذه الفئات والشرائح الإجتماعية المهنية كالجامعات والمستشفيات والمحاكم وغيرها أين تحدث نقاشات حادة حول الجزائر ومستقبل هذا الحراك، فمن داخل هذا النقاش الذي يبدو فوضويا في بداياته، ستبرز أفكار وقيادات ونخب جديدة تماما تحدث قطيعة مع النخب السابقة وأساليب العمل السابقة، فمن غير المستبعد أن تؤسس كل فئة وشريحة إجتماعية ومهنية لجانها وتنظيماتها الجديدة، والتي ستصب كلها في تأسيسية كما سبق أن أشرنا إلى ذلك من قبل، فهي التي ستنتج دستورا وآليات نظام جديدة، بل ستستولي على الإدارات كما وقع في روسيا 1917، وبهذا سيولد نظاما جديدا تماما في الجزائر. ونسجل ملاحظة هامة جدا فيما يحدث الآن، وهو الدور الكبير الذي تلعبه الجامعة فيها بداية بطلبتها الذين يعدون العنصر الفاعل جدا في هذا الحراك، ثم أساتذتها الذين بدون شك سيكونون هم المخبر الذين سينتجون كل مشاريع جزائر الغد، وهو ما بدأ يبرز من خلال ورشات في مجالات السياسة والقانون والحراكات والإقتصاد وغيرها تساير الحركة، وتعطيه حلولا، كما ستضع البرامج المستقبلية للجزائر، وهو ما يعني في الأخير دخول العلم والأكاديمي في بناء جزائر المستقبل التي ستفرزها هذه الثورة على عكس ما كان يقع في النظام الحالي الذي هو في طريقة إلى الزوال نهائيا. نعتقد أن نجاح هذا الحراك الذي سيتحول إلى ثورة سلمية يشترط فيه عدم التعامل مع السلطة نهائيا وإحداث قطيعة نهائية معها ولا المشاركة في ندوتها المزعومة، بل هذه الندوة سيعقدها هذا الحراك ذاته بكل أطياف الشعب وتوجهاته وفئاته وشرائحه الإجتماعية والمهنية لينبثق عنها عقدا وطنيا جديدا، ومنه نظاما سياسيا آخر يكون في خدمة كل الجزائريين، أما الشرط الثاني هو إبعاد كل مثقفي وسياسيويي العصبيات الدينية واللسانية والقبلية والجهوية وغيرها عن هذا الحراك،فهم الذين يثيرون الحزازات والصراعات التي تستغلها السلطة لصالحها، وأن يكون الدستور الجديد خال من الدوغماتية الأيديولوجية، وسيختصر على تنظم سلطات الدولة وتوازناتها مثل الدستور الأمريكي، وما يدفعنا إلى هذا القول هو القاعدة الشبابية في هذا الحراك التي تجاوزت في عمومها كل هذه الدوغماتيات، فهم شباب يبحثون عن السعادة والعيش الكريم والرفاهية، وليس نقاشات دوغماتية لاتسمن ولا تغني من جوع، والتي هي عادة منتشرة عند بعض المثقفين والسياسويين فقط، وليس عند عامة الشعب، أما الشرط الثالث وهو هام جدا، ويتمثل في بقاء المؤسسات العسكرية والأمنية محايدة، وتقوم بحماية الحراك من أي محاولات إستغلالداخلية أو خارجية، فتتركه يفرز نظاما سياسيا جديدا، فتسايره، وتقبل بما يتوصل إليه مادام أن الشعب هو مصدر السلطات، ولن تكون مهمة هذه المؤسسات إلا الحفاظ على الدولة لا النظام المتهالك، ونعتقد أنها تسير في هذا الإتجاه إلى حد الآن، وهو ما يعبر عنه البعض من العسكريين بقولهم "لن نتدخل في قضية بين الشعب وهذه السلطة"، وهو الأمر الذي سينقل الجزائر إلى نظام سياسي جديد، سيكون وراء تقدمها وإزدهارها وقوة ناعمة ملهمة للشعوب، كما كانت الأنظمة السياسية التي أفرزتهم الثورتين الفرنسية والأمريكية.
البروفسور رابح لونيسي
#رابح_لونيسي (هاشتاغ)
Rabah_Lounici#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شروط نجاح الحراك الشعبي في الجزائر
-
بديل ثالث لخياري المقاطعة والمشاركة في رئاسيات2019
-
فلسفة التاريخ في نجدة مستقبلنا
-
ضرورة التحضير لما بعد رئاسيات2019
-
تشكيك منظر للإرهاب في أركان الإسلام الخمسة
-
مولود حمروش وفكرة إعادة البناء الوطني
-
العنف السلطوي بين بن خلدون ومنظري الديمقراطية
-
بوادر نظام ديمقراطي بديل في أوروبا
-
فرحات عباس في ذكرى وفاته-مواجهة تشويه التاريخ الرسمي له-
-
حسين آيت أحمد في الذكرى الثالثة لرحيله-أي مستقبل لإرثه؟-
-
التفسير التاريخي لعلاقة الجيش بالسياسة في الجزائر(2)
-
التفسير التاريخي لعلاقة الجيش بالسياسة في الجزائر(1)
-
الرئيس هواري بومدين بين الإشتراكية والديمقراطية
-
علاقة الأيديولوجية الرأسمالية بالتفسيرات العنصرية لتخلف منطق
...
-
تفسير ماركس وأنجلس لتخلف منطقتنا
-
مجموعة وجدة في الجزائر-ماذا بقي منها؟-
-
ماوراء أزمة البرلمان في الجزائر؟
-
نحو دولة عالمية رأسمالية معادية للإنسانية
-
ضرورة تحويل الكمبرادور إلى الإستثمار المنتج
-
تطور الرأسمالية -من تجارة الرقيق إلى إستعمار الشعوب-
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|