|
حوار مع ميشال سير
الحسن علاج
الحوار المتمدن-العدد: 6167 - 2019 / 3 / 8 - 01:09
المحور:
مقابلات و حوارات
حوار مع ميشال سير أجرى الحوار : سيفن أورتوليه ترجمة : الحسن علاج بحار ، ابن لبحري ل[ نهر الغارون] ، لم يتوقف ميشال سير Michel Serres) ( عن مد الجسور بين ميادين المعرفة التي كانت تبدو عصية على العبور . رجل الالتحامات نصير لفلسفة " مائعة " ، يبحر تحت سماء المعرفة المرصعة بالنجوم ، راسيا في الوقت الراهن ، على ضفاف النصوص المقدسة . لقاء حول مستقبل كوكب الأرض ، الطارئ وملح الحياة مع رجل حوار ، روحاني بكل ما في الكلمة من معنى . هل أنتم متفائلون ؟ ميشال سير : لطالما قيل أنني كنت متفائلا أبديا ، بيد أنني لم يسبق لي أن قلت أن العالم كان جيدا ، ولا فيما سيصبح عليه ؛ لقد قلت أنه أفضل في الحاضر من الأمس . مع اعتبار الفارق ، فإن حفدتي يتمتعون بحياة أكثر رخاء من والديَّ . لكن ثقتهم في المستقبل أقل قيمة ؟ ميشال سير : اوه ! الثقة في المستقبل ، إن ذلك نسبي ... فبالنسبة لوالديَّ اللذين عرفا حربين عالميتين ، فإنها [الثقة] لم تكن مضمونة ... بالنسبة لي ، ثمة ميدان أشعر بخصوصه بتشاؤم كبير جدا : مع البعض أطلب النجدة ، نجدة كوكبنا ، نجدة الأنهار الملوثة ، المجلدات glaces) ( التي تنصهر ومحيطات مغطاة بلدائننا . لكن من ينتبه إلينا ؟ نحن لسنا متعددين بما فيه الكفاية لتصديق ذلك . إن غالبية الناس ، الأقوياء على رأس القائمة ، يفضلون إغلاق العيون . من بعدنا الطوفان ، إجمالا ! إن الترسيمة مفجعة لكنها كلاسيكية : كما أننا نعرف أننا سوف نموت في يوم من الأيام ، لكن دون تصديق ذلك تماما ، وبالمثل نحن نعرف أن الإنسانية برمتها تسير في اتجاه سيئ ، ثم إننا نرفض تصديق ذلك ! بماذا تنصجون الأجيال القادمة ؟ ميشال سير : لن أنصحهم بشيء لأن الشبان والشابات ، الذين يكبرون حاليا ، يدركون جيدا مني الكارثة القادمة ! وبفضلهم سوف ينتقل خلاص العالم ، إذا كان ثمة خلاص . وفيما يخص ما سيفضي إليه مستقبلهم ، لن أجعل من نفسي أضحوكة لوصفه : يمكن أن يُقال عن علماء المستقبل ما قاله كاتون Caton) ( عن العرافين 1 بروما : لا يستطيعون النظر إلى بعضهم البعض دون أن يضحكوا ! إنني لا أسعى إلى صناعة تكهنات أبدا . ومع ذلك فقد أكدتم على أن المستقبل قاتم ... ميشال سير : ليس ذلك تنبؤا ، إنه حقيقة . بطبيعة الحال يعتبر المستقبل قاتما . لكن كل شيء غير مقدر ، إذن فلا يوجد شيء حتمي . هذا يعني أن لا وجود لحتمية مطلقة ؟ أن الصدفة موجودة ، إجمالا ؟ ميشال سير : الشيء المعروف منذ الداروينيين الجدد بوجود مؤثرين في تاريخ الحياة وهما : الانتقال ، الذي يعتبر قابلا للمقارنة مع خطإ نقل علمي وراثي ، والانتخاب الطبيعي مع استبعاد الأكثر ضعفا ـ بعبارة أخرى : " الصدفة والضرورة " ، من أجل استعادة عنوان عمل صديقي مونود Monod) ( . على أنه فيما يتعلق بتعارضكم بين الحتمية واللاحتمية ، فأنا قلما أميل إلى هذا المنطق الثنائي الذي يبدو لي ناجما عن الانتقال البشري الذي ، عبر البيولوجيا والثقافة ، مركز اليدين والأفعال . المركزة الحركيةlatéralisation) ( ؟ ميشال سير : المعروف أن الأجنة التي تمتص خصوصا إبهامها من الأيمن في الرحم ، تصبح يمينية والعكس بالعكس . ثمة مركزة حركية ، ذات أصل وراثي ، تعتبر أساسية في تكوين لا تماثلات الدماغ ، على سبيل المثال مع نصف كرة الدماغ اليسرى ، التي تتخصص في معالجة الأصوات . لقد تدخلت هذه المركزة الحركية ، بدون شك منذ ما قبل التاريخ ، لما قام الإنسان باستعمال مختلف لليد اليسرى واليد اليمنى . ضمن استراتيجيته في التكيف مع البيئة ، لقد كان عبورا ضروريا يمكن اعتباره خاصا بالإنسان ، بما أنه يبدو مرتبطا بأصل اللغة المنطوقة . على أن النقطة المهمة ـ أستعير هذه الفكرة من عالم اللغة العظيم أندريه مارتنيه André Martinet) ( ـ هو أن هذه المركزة الحركية تتضمن تفرعا ثنائيا ، ثنائية بين الجسد والعقل ، بين الإيمان والكفر ، بين الذات والموضوع ؛ باختصار ، أن تقسيم الجسد إلى يسار ويمين يدعم لغة تشتغل على التعارضات . غير أن الأزمنة تغيرت : انظروا إلى الحاسوب ، تنقرون على لوحة المفاتيح باليدين معا ، كما هو الحال على البيانو ؛ انظروا إلى شبكاتنا التي ترسم رسوما بيانية غير مستقطبة : نخرج من الثنائية ، ثم إن هذا الخروج يترافق بشكل جديد من أشكال الفكر . وهذا هو مبعث انشغالي الثابت مرافقة تلك الحركة مع ممارسة تركيبات ، التحامات ... بين تنافرات مختلفة ، بمعنى بين كيانات كانت تبدو مستعصية على التبسيط . كل عملي يتحدث عن ذلك . هرمس ، الملائكة والجسور يهيئون تواصلات بين العلوم الحقة والاجتماعية ، بين الصلب واللين ؛ إنها ترسم ممرا للشمال ـ غرب أو تعمل على انبثاق الخنثى ، الأجساد ممتزجة ، [كتاب] الثلث المتعلم ، [كتاب] العقد الطبيعي ، وتفرعات عشرة ... لا شك في ذلك : إننا نقوم في الوقت الراهن ، بما يخالف المركزة الحركية . فهذا ما يجعلني أفضل المنطق الموجه على الثنائية . لاحظوا كم هو غني جدا : ينبغي وضعه في قالب بسيط تماما لإدراك أن وجودنا متضمن في هذا المربع :
ما يمكن أن يكون
ما لا يمكن أن يكون
قد لا يكون
ما لا يمكن أن يكون
إن ما يمكن أن يكون ، هو الممكن ؛ ما لا يمكن أن يكون ، هو المستحيل ؛ ما لا يمكن أن يكون ، هو الضروري ؛ وما يمكن ألا يحدث ، هو الأكثر أهمية ؛ إنه المحتمل ، الصدفة . هل يمكن للصدفة أن تقودكم إلى موضع آخر ؟ ميشال سير : نعم ، بطبيعة الحال ، كان يمكنني أن أصبح مقاولا ، منتدبا حتى ـ فقد اقترح علي ذلك ـ أو ضابط بحرية ، ومع ذلك : لقد تحولت نحو الفلسفة . إنه الاحتمال . إنه ملح الحياة ! هل يمكن الانتقال من ملح الحياة ، إلى معنى للحياة بحسب ميشال سير ؟ ميشال سير : فلنقل أني أتمنى ألا أفارق الحياة دون إنجاز كتاب حول الدين ، بمعنى حول مجال يمنح معنى للحياة ، وهو ما لم يقم به لا العلم ولا السياسة ، أو القليل جدا . ما المانع من إنهاء عملي بالدين باعتباره رابطة كونية لعملي ؟ حينما أكون وحيدا في بيتي وأقول في نفسي أنني سأموت ، يبدو لي سؤال معنى الحياة بشكل طبيعي بالحقيقة الدينية ـ إذن وبالرغم من ذلك ، ففي تصوري ، بالمسيحية . من بين الديانات التوحيدية الكبرى الثلاث ، هي [المسيحية] التي تبدو لي الأكثر قربا من ديانة في حالة نقية ، بما أن اليهودية هي سلسلة نسب بقدر ما هي ديانة وأن الإسلام ديانة سياسية وشرعية إلى حد كبير . ديانة في حالة نقية ؟ ميشال سير : نعم ، أعني ديانة تخلت عن خصائصها الخارجية ، ديانة أقل سياسية وقانونية . علاوة على ذلك أعتقد أنه حتى ولو أن المسيحية ، وبشكل خاص مذهب الكاثوليك ، تبدوان متقدمتين في هذا الاتجاه ، لابد لهما من المواجهة بين العلم والإيمان ، الذي سمح بتهذيب قضايا خاطئة حول خلق الكون والإنسان ، باختصار : الإقلاع عن الفكرة الأكثر إغراقا في الأفلاطونية لفكرة وحيدة ، شمس تنير العالم خارج الكهف ، لصالح شيء أشبه بليلة مرصعة بالنجوم الذي يعتبر في نظري النموذج الدقيق للمعرفة ، لأن الحقيقة لا تبهر ثم إن ثمة عدد لا يحصى قطع صغيرة للحقيقة تتلألأ لمن يرغب في رؤيتها . تتحدثون عن الدين ، دون الحديث عن الإله أبدا . ماذا تعني هذه العبارة بالنسبة إليكم ؟ ميشال سير : يعتبر الإله جوهرا وربما هو شخص ، لا يجد المرء ما يقوله عنه ، لا إن كان موجودا ولا إن كان غير موجود . علاوة على ذلك ، إن اللاهوت الوحيد المثير للاهتمام هو اللاهوت الرافض apophatique) ([تعني عبارة apophasis) ( الإغريقية : " رفض " ] ، بمعنى : من يقول بلا وجود الإله . إذن ، لنستعمل مفهوم الإلهي ، أو تفضلون مفهوم التعالي ؟ ميشال سير : لما يكون الفلاسفة هم أيضا علماء رياضيات ، فهم يعرفون جيدا أن الموضوعات الرياضية توجد كما هي ثم أن ثمة حقيقة : للأفكار : إن مجموع زوايا مثلث لا يساوي شيئا آخر ، ما عدا مجموع زاويتين قائمتين ، 180 درجة ! ثم يجيب ليبنتز بشيء آخر على لوك Locke) ( ، الذي قال له أن كل شيء هو إحساسات : مارسوا الرياضيات ، وسوف تلاحظون أن لا وجود إلا للإحساسات ... ثم إن عالما آخر حيث يمكن اللجوء إلى التجربة الدقيقة يوضح ذلك . وهو السبب الذي يجعلني أفكر أنه حينما تكلم دولوز عن " مسطح المحايثة " بهدف رفض فكرة التعالي ، أنه لم يدرك أن عبارة مسطح تفترض فضاء تسبح فيه ! بالرغم من ذلك ، فإني أفضل عبارة إلهي على عبارة التعالي لأنها صفة ثم إني أختار الصفة ، أكثر مرونة ، بدلا من الجوهر الذي يفضي إلى تناقضات . ففي الجوهر [Dieu] ، يقوم المفهوم بمحاصرة الأمثلة ، يمكن تحديده ، إذاً فهو يمتلك تناه وتخوم ، إنه صلب ! على خلاف ذلك فإن صفة يكون مائعا ، مثل فلسفي : adjacere) ( تعني " وضع جانبا " . أين هو الإله ؟ بجانب ...لأن الإله يتمتع بكلية الحضور في كل مكان ، إنه ينفلت دائما من الحضور والبرهان . هل تؤمنون بالإله ؟ ميشال سير : لا أدري هل أومن بالإله ، إنه سؤال لا جواب له ، على أني أعرف أن الإلهي divin) ( هو هناك ، أمامي ؛ إنه ليس سؤال إيمان بل سؤال بداهة ! يعتبر الإلهي كلمة جيدة للغاية لأنه يوجد في كل مكان لمن يرغب في تأمله ، في فجر ، قصيدة ، امرأة جميلة ، عمل جيد ... ... حياة جميلة ؟ ميشال سير : بالتأكيد ، لكن ماذا تعني حياة جميلة ؟ حسب أي معيار من المعايير ؟ انظروا إلى المسيح : لو تم وضع الثقة في فكرة النجاح الاجتماعي ، لتعلق الأمر بمثال الفاشل ، متسكعا في الجليل مع متسكعين آخرين ، متشرد منتهيا في صليب بين لصين ! في الصميم ، إن ما دفعتني إليه تجربتي في التعليم ، كأستاذ للفلسفة وكرجل بكل بساطة ، هو الإيمان ، وأن كل واحد منا هو حامل لنواة نوعية ، لمكان حيث يبرع فيه . هل ينبغي مرة أخرى إخراجه من غطائه . للأسف فقد تم دفن 99 % من الأشخاص دون أن يتمكنوا من اكتشاف هذه النواة . من المهم أن تصدر عن ذلك الاكتشاف ، في تصوري ، حياة أكثر امتلاء ، وفي آخر المطاف ، حياة ناجحة . ـــ مصدر النص : مجلة فلسفة الفرنسية Philosophie) ( عدد ممتاز ، رقم 39
#الحسن_علاج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إسلام وحداثة معالم مسار تاريخي
-
شعرية الإخصاء في رواية - عرس بغل-
-
قراءة تحليلنفسية - يقدم هذا المحكي أسس العلاقة بالآخر
-
مفخرة نيتشه
-
فوكو ، الملغز
-
موريس بلانشو والكتابة الشذرية :- زمن غياب الزمان -
-
فرويد ، أسلوب واقعي
-
الطوفان : أسطورة أم كارثة مناخية ؟
-
الأبطال المُحضِّرون ، محسنون وقطاع طرق
-
فرويد أو الذات باعتبارها نصا
-
عزلة الفيلسوف
-
فن المالنخوليا
-
حوار مع باتريك موديانو
-
حوار مع ميلان كونديرا
-
ما لا يمكن الكشف عنه
-
شاعر في مواجهة الهاوية
-
جاك دريدا -أن نترك له الكلمة الأخيرة-
-
أنطونيو تابوكي كتب اللاطمأنينة
-
لودميلا ساراسكينا :- كل ما بَشَّر به حَدثَ -
-
بابِلُ والثقافة
المزيد.....
-
العثور على قط منقرض محفوظ بصقيع روسيا منذ 35 ألف عام.. كيف ب
...
-
ماذا دار خلال اجتماع ترامب وأمين عام حلف -الناتو- في فلوريدا
...
-
الإمارات.. وزارة الداخلية تحدد موعد رفع الحظر على عمليات طائ
...
-
صواريخ حزب الله تقلق إسرائيل.. -ألماس- الإيرانية المستنسخة م
...
-
كيف احتلّت إسرائيل جنوب لبنان عام 1978، ولماذا انسحبت بعد نح
...
-
باكستان ـ عشرات القتلى في أحداث عنف قبلي طائفي بين الشيعة وا
...
-
شرطة لندن تفجّر جسما مشبوها عند محطة للقطارات
-
أوستين يؤكد لنظيره الإسرائيلي التزام واشنطن بالتوصل لحل دبلو
...
-
زاخاروفا: -بريطانيا بؤرة للعفن المعادي لروسيا-
-
مصر.. الكشف عن معبد بطلمي جديد جنوبي البلاد
المزيد.....
-
قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي
/ محمد الأزرقي
-
حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش.
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ
...
/ رزكار عقراوي
-
ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث
...
/ فاطمة الفلاحي
-
كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
حوار مع ميشال سير
/ الحسن علاج
-
حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع
...
/ حسقيل قوجمان
-
المقدس متولي : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
«صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية
...
/ نايف حواتمة
-
الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي
/ جلبير الأشقر
المزيد.....
|