|
اميركا تغرق في دوامة الدين العام والعجز المالي
جورج حداد
الحوار المتمدن-العدد: 6160 - 2019 / 3 / 1 - 20:21
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
إعداد: جورج حداد*
تميز عهد الرئيس ترامب بشن الحملات العدائية وفرض العقوبات المالية والاقتصادية الجائرة ضد روسيا وايران وفينزويلا، وبشن الحرب التجارية ضد الصين، وبتطبيق نظام الحماية وفرض الرسوم والضرائب الجمركية على السلع المستوردة الى اميركا بدون التشاور مع الدول المعنية، واخيرا "بالتشبيح" المفضوح والوقح على الدول الصديقة لاميركا لانتزاع مئات مليارات الدولارات منها بحجة حمايتها من خطر المعارضة الداخلية وخطر العدوان المزعوم الروسي او الايراني، علما بأن الانتشار العالمي واسع النطاق لاميركا، عسكريا ومخابراتيا وسياسيا ودبلوماسيا واعلاميا، هو لتأمين مصالح اميركا ذاتها وفرض بيع سلعها وخدماتها ذات القدرة التنافسية المنخفضة جدا. فهل اخرجت هذه السياسة الرعناء اميركا من مستنقع المديونية والعجز المالي؟ لندع الارقام والوقائع تتكلم: تقول رويترز ان وزير المالية الاميركية ستيفان منوتشين يصارع ضد العجز الكبير في الميزانية الفيديرالية، الذي يحمل المزيد من قروض الدولة. والدين الوطني العام للدولة قد استمر في الازدياد بالرغم من الاداء القوي للاقتصاد سنة 2018 بفضل التخفيض الواسع للضرائب الذي شرع عهد ترامب بتطبيقه سنة 2017. وحسب احصاءات وكالة Bloomberg انه في 11 شباط المنصرم بلغت ديون الدولة الرقم القياسي 22 تريليون دولار. واصبح حجم الدين العام اكبر من حجم الناتج المحلي القائم ويمثل نسبة 105.4% تجاهه. وهذا يعد مؤشرا كارثيا بالمعنى الحرفي للكلمة. وفي الوقت ذاته لا يزال دونالد ترامب مستمرا في مفاوضة الكونغرس للموافقة عل تمويل حائطه العازل مع المكسيك، وقد اعلن حالة الطوارئ لهذه الغاية. كما قدم بنك الفيديرال ريزرف معلومات مقلقة عن تزايد حجم الديون الخاصة كما كتبت رويترز. واذا اخذنا الاثنين معا اي زيادة الدين العام للدولة وزيادة حجم الديون الخاصة فهذا مؤشر سيئ عن وضع الاقتصاد الاميركي. وبالرعم من النتائج الابجابية على الاقتصاد بفعل تخفيض الضرائب الذي بدأ سنة 2017 فإن ذلك لم يترافق مع برنامج لخفض مصاريف الدولة مما ادى الى زيادة عجز الميزانية. وتشير معطيات وكالة Bloomberg للسنوات الخمس الاخيرة ان تراكم الدين الوطني العام بدأ في التسارع منذ 2017 الى الان. ومنذ امد قريب اصبح واضحا ان زيادة العجوزات في الميزانية الفيديرالية اوجب الحاجة الى اضافة 1 تريليون دولار الى الدين العام. كما تقول رويترز ان تحليل معطيات الدين الخاص للمؤسسات والمواطنين الاميركيين يعطي ايضا لوحة سلبية لوضع الاقتصاد الاميركي. ويحذر المحللون ان هذا يمكن ان يكون مؤشرا للركود القادم. وقد افادت معطيات بنك الفيديرال ريزرف في نيويورك انه في الثلاثة الاشهر الاخيرة من عام 2018 استمر الدين الخاص في اميركا في التصاعد وبلغ 13.5 تريليون دولار. وتحتاج الولايات المتحدة الاميركية الى 1 تريليون دولار لاجل تمويل عجز الميزانية. وستتولى وزارة المالية بيع سندات الدولة لاجال بعيدة من اجل تسديد العجز المتزايد للميزانية. وسيتجاوز الاصدار الجديد لسندات الدولة اكثر من 1 تريليون دولار للسنة الثانية على التوالي. وزيادة عرض سندات الدولة سيتبعه تخفيض الضرائب وزيادة مصاريف الدولة من قبل الحكومة الحالية. وهذا من شأنه ان يحيط بالغموض الافق المالي المستقبلي، خصوصا لجهة زيادة كلفة خدمة الدين العام. ويتوقع الستراتيجيون الاقتصاديون ومنهم UBS Securities ان اصدارات سندات الدولة للاجال 3 و 10 و30 سنة سوف تتجاوز 1 تريليون دولار خلال الاشهر الثلاثة القادمة، وهي محمية من التضخم. وحسب الاحصاءات الرسمية فإن عجز الميزانية الاميركية سنة 2018 بلغ 780 مليار دولار، وتتوقع لجنة الميزانية في الكونغرس ان يبلغ العجز 973 مليارا سنة 2019 وان يتجاوز العجز 1 تريليون دولار سنة 2020. وفي السنوات العشر القادمة ستصل كلفة خدمة الدين العام الاميركي الى 7 تريليون دولار اي متوسط 700 مليار دولار كل سنة. وتقول مارغاريت كيرينس، المحللة الاقتصادية في BMO Capital Markets "ان الحاجة الصافية من القروض سوف تواصل الزيادة بسبب الزيادة المتوقعة للعجز، المترافقة مع الحاجة لتمويل البلاد من بنك الفيديرال ريزرف" (اي القيام باصدارات سندات الخزينة وطباعة العملة الورقية من وراء ظهر الكونغرس). ويتوقع الستراتيجيون الاقتصاديون انه في السنوات القادمة، واذا ظلت الدولة الاميركية تنتهج السياسة المالية ـ الاقتصادية ذاتها، فإنها ستصل بسرعة الى النقطة الحرجة، اي الانتقال الى مرحلة العجز عن تغطية كلفة خدمة الدين العام من اصدارات سندات الخزينة بعيدة المدى، وحينذاك سيخرج عجز الميزانية والدين العام عن السيطرة، وستدخل البلاد في ازمة مالية ـ اقتصادية لا يمكن السيطرة عليها. ما هي الامكانيات الافتراضية لاميركا للخروج من مثل هذه الازمة المستعصية؟ ـ1ـ ان الامكانية الاقرب الى الواقع العملي هي زيادة الصادرات الاميركية من السلع والخدمات. ولكن هذه الامكانية تتضاءل بشدة بسبب اضطرار اميركا للانسحاب العسكري والسياسي من العالم والعودة الى سياسة العزلة الجزيرية من اجل توفير النفقات، وبالتالي تضاؤل امكانيتها على فرض بيع سلعها وخدماتها بالقوة لمختلف دول العالم والاعتماد فقط على قدرتها التنافسية. وفي هذا الصدد: أ ـ لقد ولى زمن قدرة اميركا على فرض مطاعم مكدونالدز بوصفها معلما من معالم نشر "الدمقراطية الاميركية". فهذه المطاعم تطعم الناس اللحوم الكاسدة والمسرطنة ولحوم الجرذان، والعالم يتخلص منها بالتدريج. والقدرة التنافسية لاية سلعة انتاجية اميركية هي اضعف بكثير من اي سلعة مماثلة لها من اي بلد كان. وهذا ينطبق على السيارات والادوات الكهربائية المنزلية والنفط والغاز والاسلحة والمفاعلات النووية لانتاج الطاقة الكهربائية والتكنولوجيا المتطورة. ب ـ لقد فشلت تماما سياسة العقوبات والحصار الاقتصادي ضد روسيا وايران. ومن الان فصاعدا ستتحمل اميركا تبعات السياسة العدائية غير المبررة ضد الشعبين العظيمين الروسي والايراني. ج ـ كما فشلت تماما الحرب التجارية ضد الصين. ولكن اذا تابعت اميركا سياستها العدائية، واذا "انحشر الدق" مع الصين، فإنها تملك "الورقة القاتلة" لاميركا. فالصين هي "اكبر مقرض" لاميركا بامتلاكها لاكبر حصة من سندات خزينة الدولة الاميركية التي اشترتها في اوقات سابقة. فاذا ألقت الصين "سندات خزينة الدولة الاميركية" للبيع في بورصات نيويورك ولندن وطوكيو وهونغ كونغ، فإن الدولار الاميركي سينزل الى الحضيض وسيتزلزل سوق الطاقة الاميركي وسينهار النظام المالي ـ الاقتصادي الاميركي كبناء من كرتون. ـ2ـ بامكان اميركا ان ترسل جيشا عرمريا لشن حرب اقليمية في اية بقعة بعيدة في اعماق افريقيا او اسيا، لاحتلالها ونهب خيراتها. ولكن ما بعد حرب افغانستان وحرب العراق في 2001 و2003 هو غير ما قبلهما. واي جيش اميركي يتوجه للعدوان على اي بلد بعد الان لن يرجع منه مخبّر. ـ3ـ لقد خسرت اميركا نهائيا امكانية كسب الحرب العالمية الكلاسيكية او النووية. فحلف الدول المعادية لاميركا التي هي ـ على الاقل ـ روسيا والصين وايران ـ يمكنه ان يتلقى عدة ضربات نووية دون ان يهتز من مكانه. وفي المقابل فإن روسيا وحدها قادرة ـ على الاقل ـ على توجيه ضربة نووية واحدة الى اميركا وتكون هي الضربة الاولى والاخيرة وتختفي اميركا من الخريطة. ـ4ـ لاجل سد العجز المالي وتأمين خدمة الدين العام يمكن للحكومة الاميركية ان تعمد الى سياسة تقشف شديد تتمثل في اغلاق مؤسسات الدولة، خصوصا في الجيش والمخابرات وصناديق ضمانات التقاعد والصحة والتعليم والبلديات، وإلقاء عشرات ومئات ملايين الاميركيين في براثن التشرد والبطالة والجوع والمرض والموت. ولكن حينذاك يتهدد اميركا خطر ثورة الجياع، الذين سيهاجمون المخازن والمستودعات الخاصة والعامة وخاصة مستودعات الاحتياطي الستراتيجي للدولة، وسيأكلون الاخضر واليابس، قبل ان يبدأ في اميركا عصر جديد من الكانيباليزم (أكل لحوم البشر). ـ5ـ يبقى الحل "الواقعي، الوطني، المنطقي، القريب والسهل!" الذي يمكن ان تعتمده الدولة الاميركية، وهو مهاجمة اميركا اللاتينية بحجة نشر "الدمقراطية"، واحتلالها وفرض الاستعمار المباشر عليها، ونهب خيراتها. ولكن حينذاك سينهض سيمون بوليفار وايميليانو زاباتا وتشي غيفارا وفيديل كاسترو وهوغو تشافيز من قبورهم، ويقودون شعوب اميركا اللاتينية في حرب تحرير شعبية مقدسة ضد اميركا، بمساعدة روسيا والصين وايران وجميع احرار العالم، وسيحطمون اميركا ولن يبقوا فيها حجرا على حجر. وسينهض من تحت التراب مئات ملايين الهنود الحمر والزنوج الذين طمروا في الارض الاميركية بعد ان قتلوا ببساطة لمجرد التسلية، ولا سيما البنات والنساء الراشدات اللواتي كان يتناوب العشرات على اغتصاب الواحدة منهن طوال ايام، قبل ان يتم ذبحهن كالنعاج، ترافقهن تعويذات كاهن كاثوليكي او قسيس بروتستانتي او استاذ ماسوني او رابي يهودي؛ او سلخت جلودهم الموشومة للزينة وهم احياء، ثم ألقيت اجسامهم المدماة في العراء كي يموتوا في الآلام الفظيعة بينما تأكلهم الحشرات والزنابير وتنهشهم الكلاب والذئاب؛ او دفنوا وهم احياء؛ او جلدوا حتى الموت كما جلد السيد المسيح. وسيعيد هؤلاء الضحايا بناء اميركا جديدة حرة صديقة لجميع شعوب العالم، فوق جماجم الانكلو ـ ساكسون العنصريين والماسونيين والطغمة المالية اليهودية ومافياتها واتباعها. ولا شك ان بابا روما سيأتي حينذاك ليبارك "هذه الاميركا الجديدة"، وليعترف بالخطايا التاريخية المميتة للكنيسة الكاثوليكية، وليطلب الغفران من ضحاياها السابقين واللاحقين والحاليين الذين يبلغون مئات الملايين طوال القرون الماضية من حروب الصليبيين، وتسليم كيليكيا وآسيا الصغرى وتراقيا والقسطنطينية، وهي كلها ارمنية وسريانية وبلغارية ويونانية، للعثمانيين، حتى تسليم فلسطين العربية لليهوديين. ــــــــــــــــــــــــــــــــ *كاتب لبناني مستقل
#جورج_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
بعد فشل النظام العالمي الجديد لاميركا... اورروبا الى أين؟
-
الادارة الترامباوية تأخذ الاقتصاد الاميركي الى الانتحار
-
خطوة تصعيدية اميركية وروسيا ترد بالمثل وأكثر
-
تفاقم الازمة الاقتصادية السياسية الاميركية
-
على نفسها تجني براقش الاميركية
-
خطوة الى الامام أم خطوتان الى الوراء؟
-
اليونان ستتحول الى مرتكز اقتصادي عالمي لروسيا
-
البحر الاسود... بحيرة داخلية روسية!
-
اوروبا تدخل في دورة للزلازل الاجتماعية
-
التنظيم والممارسة الثورية
-
روسيا تشدد قبضتها حول اوكرانيا
-
ما العمل؟
-
اميركا تغامر بأمن البلدان الاوروبية
-
من ارسل فرج الله الحلو للموت؟ ومن قتله؟ ولماذا؟
-
الاقتصاد العالمي يتراجع بسبب الحرب التجارية
-
الحكومة الاوكرانية تغامر باستفزاز روسيا
-
صربيا وكوسوفو: النار تحت الرماد
-
لنتحدّد قبل ام نتوحّد!
-
حول مفهوم الطليعة (الجزء الثاني)
-
انحدار الاقتصاد الاوروبي
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|