|
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (19)
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 6153 - 2019 / 2 / 22 - 20:35
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
و هنا لا يدعي الامر الى الاطالة اكثر عن هذا لاثبات ان استقالة معاوية الثاني كان بسبب عقائده الدينية، و هو لم يرد ان يشارك في جريمة بمعناه الديني و خطا بمعناه السياسي. و الاهم ان نذكر بانه كان يعتقد ان الانسان مسؤل عن اي عمل خير يفعله او شر يرتكبه، اي جريمة تخرج منك يجب ان تلقي عقابا عليها و اي خير منك سوف تُكرم عليه. و حسب لغة القدريين بانفسهم ( فان المرء يكون مستحقا للعقوبة او التكريم وفق افعاله) يكشف المؤرخ المقدسي في القرن الرابع الهجري هذه الحقيقة بشكل جلي، و يقول بصراحة ان استقالة معاوية كانت بسبب تاثيرات المقصوصي عليه، انه لم يكن يؤمن بالقضاء والقدر، و عليه استقال عن السلطة الاموية و كان معاوية تلميذ المقصوصي و علمه على تلك التوجهات و امن بها (14) . بينما ابن العبري في القرن السابع الهجري يعيد تلك التوجهات و هكذا الاخرون دواليك. على الرغم من ان هذا القرار اصبح محل انتقاد و عتاب و تذمر عند السلطة السنية و مؤرخي هذه الجبهة (15)، و على الرغم من ذلك فلا وجود لاي مصدر يصف معاوية باي صفة سيئة او طاغية، على العكس من ابيه و جده، و حتى على العكس من جميع الخلفاء الامويين عدا عمر بن عبد العزيز فكان معروفا بورعه. و في المقابل فان الكثير من المصادر تصفه باالرجل الخير و المؤمن و الورع. و من الشخصيات التاريخية التي تصف معاوية بالسمات الحسنة هما الذهبي و مجير الدين( 16) و يصفانه بلامؤمن و يدعون بانه كان مكنّى ب( العائد الى الله) (17). اي ان القدري هو عدم الاعتقاد بان اي شيء يحدث يكون عائدا الى الله، و هو في جوهره عقيدة المؤمنين، هؤلاء الذي عزلوا انفسهم عن ارتكاب الجرائم وابتعدوا عن المجرمين. و بعكس الاخرين الذين لم يمتنعوا عن الجرائم بحجة انه عائد الى الله و اي مصير و حادث هو مصير من الله. الشهرتاني في تعريف الجبرية التي يقول ( الجبر رفض العمل من قبل العبد و يرتبط بالله العظيم) على العكس من القدريين( 18). و بهذا المعنى ان القدريين هم من قالوا ان جريمة الانسان و شروره و اخطاءه منه بنفسه و هو مسؤل عنه، و لكن الجبريين قالوا بان الجرائم و الاخطاء و شرورهم ليست فعلا خارجا من الانسان و بارادته الحرة و انما مصير الهي و ليس غير ذلك.(19). عليه كان القدريين زاهدون و مؤمنون و سلميون، و خافوا اهى و عقوبته في يوم القيامة اكثر من الجبريين و ابتعدوا عن الطمع و ملذات الدنيا. من الناحية السياسية و الدنيوية، فان هذا الفكر و الايديولولجيا هي ما كان يتسم بها المعارضين و المناوئين للسلطة، في تلك المرحلة التي تسلم فيها معاوية السلطة بعد ابيه. و عليه سواء للظروف الموضوعية او ايمانه العميق بما تربى عليه على يد المقصوصي، فانه رفض السلطة بما فيها و استقال منها، و موقف المويين و ما بدر منهم ازاء هذه القضية هذا بقدر ماكان دينيا كان سياسيا دنيوا بحتا ايضا، و لو قيّمنا ما حدث في عند ابيه من مجرزة كربلاء و الخلافات السياسية الدنيوية و الازمات المختلفة و ما حدث نتيجة ذلك من ازمات سياسية واخلاقية بعد حرق الكعبة من قبل ابيه باستخدام المنجنيق بعد حصارها و قتل العديد من الصحابة في تلك الحروب ابان خلافة ابيه وجده من جانب، و من جانب اخر انتنظار الشيعة والخوارج و مؤديي زبير بن عوام في الحجاز لفرصة بهدف السيطرة على السلطة سيكون هناك ارضية لتوضيح الظروف التي اتخذ فيها معاوية قراره هذا . بالعودة الى التاريخ نجد العديد من الفرضيات الدينية لقرار معاوية الثاني و لما دفعه لهذا القرار، و اضعف تلك الاحتمالات هو تاييده للامام علي و اولاده، لان لو كان هذا صحيحا لما اختير لهذا المهام منذ البداية، او لو كان يؤيد ان تكونة السلطة لاولاد الامام علي لاوصى بان يجعلوا احد اولاده خليفة بدلا منه، او كان سلمهم السلطة بنفسه. و الفرضية الثانية انه من المحتمل ان يكون تحت الضغوط السياسية و خوفا من مناوئيه و بالاخص عبدالله بن زبير، الذي اشعل ثورة ضد الامويين بعد موت معاوية و استغل الفوضى في عائلة الامويين و احتل اكثرية مناطق حكم الامويين، و لكن هذه الاحتمالية ضعيفة ايضا و ان لم نقلل من شان هذه الاسباب، الا انه لكان قادرا على مقاومتهم و محاربتهم لو اراد ذلك كما فعل ابوه، او على الاقل كان يسلم السلطة لاخيه خالد الذي اصبح اقوى مرشح لتسلم السلطة، و لكن، بسبب صغر عمر خالد الذي لم يتمكن من مقاومة ثورة زبير، اصبح مروان بن الحكم وهو احد الصحابة و اكبرهم و كان له الخبرة بالاموية، فاستلم السلطة و نجح في افشال حركة زبير المعروف بثورة زبير. و عليه و كما يعتقد الكثيرون من المؤرخين بان معاوية و بسبب تدينه و ايمانه و زهده القدري، و من منظور الايمان الديني و تعمق الجريمة و القمع باسم الله في عصره فعل ذلك، اي استقال من السلطة، و هذا درس ديني سياسي تعلمه من المقصوصي. و عليه يمكننا ان نقول ان بداية ظهور النقاشات الفكرية و تعمق الوعي الاجتماعي و السياسي في المجتمع الاسلامي كانت له ارضية داخلية و محلية قوية، مع احتمال تاثير اللاهوتية المسيحية، الذي عاش القدريين في ذكل العصر. الدكتور نشار في مؤلفه المكون من ثلاث مجلدات الخاص بظهور و بداية الفلسفة السلامية، يعيد ظهور العقيدة القدرية الى ما قبل هذا التاريخ، ينسبده الى محمد بن علي بن ابي طالب ( 23 – 101 ه)، انه يعتقد بان المؤسس الحقيقي للعقيدة القدرية كان هذا ابن علي. و يشير الى هذا في المجلين الاول و الثاني عند كتابته عن ظهور و نمو مراحل التشيع، و يقف طويلا على هذه الشخصية، و يعتقد ان محمد ثالث ابن للامام علي و معرو بمحمد بن حنيفة اخ لحسن و حسين ولكن من ام اخرى, كان من المؤيدين المعروفين لابيه في حربي الجمل و الصفين، و كان قائدا يؤدي دوره في صد القوات الاموية، حضر نقاشات مسجد كوفة بين ممثلي علي و معاوية المعروفة ب ( قضية التحكيم)( 20) في عصر قتل ابيه و تسمم حسن و حدث الكثير من الحوادث الاخرى. كان لمجزرة الحسين و اهل النبي تاثير كبير عليه، و يعتقد هذا الباحث ان هذه الشخصية هو صاحب اول مدرسة فكرية في الاسلام و عرف في حينه ب ( المكتب) ( 21). و لكن لم تظهر للباحثين اهمية هذه المدرسة الابتدائية على الرغم من اهميته (22) لانه يمكن ان تعتبر هذه المدرسة بداية ظهور الفكر الفلسفي عند الاسلام( 23).
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (18)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (17)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (16)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (15)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (14)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها(13)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (12)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (11)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (10)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (9)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (8)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (7)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (6)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (5)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (4)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (3)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (2)
-
افول الفلسفة الاسلامية قبل تجليها (1)
-
من عاش مخادعا مات متسكعا
-
هل النخبة السائدة انصفت المهمشة؟
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|