|
الحرب في كتاب -وجوه الظلال- جورجين أيوب
رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 6080 - 2018 / 12 / 11 - 09:48
المحور:
الادب والفن
بداية ننوه إلى جود بعض دور النشر تحاول أن تخدع القارئ من خلال وضع كلمة "رواية" على غلاف العمل الأدبي، وهو ليس رواية، فمثلا هذا الكتاب "وجوه الظلال" هو مجموعة من النصوص الأدبية كتب على غلافه "رواية"، واعتقد أن مثل هذا العمل يضر بدار النشر، كما يضر بالكاتب ـ الذي يمكن أن نحمله مسؤولة الموافقة على هذا الأمر ـ كما يضر بالرواية وبالنصوص الأدبية الأخرى. واجزم أن أي عمل أدبي يمكننا أن نستمتع به ويكون ذات قيمة أدبية وفكرية، ويؤثر على القارئ إن كان متقن، كما أنه ليس كل ما ينشر من (روايات) مقنع للمتلقي، فمنها ما هو "غثاء كغثاء السيل، ولا تسمن ولا تغني من جوع". على العموم، في هذه النصوص سنجد انفعال الكاتبة من خلال التكرار ومن خلال استخدام ألفاظ معينة أو عناوين أو (شخصيات)، فهي تتحدث عن الحرب، وللوهلة الأولى افتكرت أنها تتحدث عما جري في سوريا، لكن بعد أن وجدت كلمة "لبنان" في بعض النصوص وعدت إلى سنة الطباعة2009، تأكدت أنها تتحدث عن الحرب الأهلية في لبنان وليس في سورية، لكن تبقى مشاهد وأثر الحرب على الإنسان علامة بارزة في حياته، بحيث لا يستطيع التخلص منها، لأنها وشم أصاب النقس وما فيها، وليس الجلد الخارجي فحسب، ونحن في المنطقة العربية لنا شواهد عدة في هذا المجال. غالبية النصوص جاءت بلغة سوداء قاتمة، وهذا أمر طبيعي في حالة الحرب، فنجد في نص "طريق اللوز": هذه الفقرات: "حفرت في الأرض السوداء،... في تلك السنة دامت غربتي طويلا وفتحت والأبواب السوداء، على ظلمة القبور" ص7، وتقول في "الباب الأسود الواطئ": "غربة قاتلة يا أبتاه تفصلنا، والباب الأسود الواطئ قرب النهر" ص8. وتقول في نص "في ذاك الشتاء": "في ذاك الشتاء اندثرت أجزاؤه بين غرف البيت القديم. الزمن من جليد والعيون جوفاء. ومات في أيلول" ص9، إذن هناك العديد من الشواهد تشير إلى استخدام الكاتبة لعين الألفاظ، وكأنها أسيرة لها، فهل قاموسها اللغوي متواضع، أم أنها تكتب وهي تحت التأثير والانفعال؟، اجزم أن أثر الحرب لا يمكن له أن يمحى من الذاكرة أو يمحى أثره، والكتابة ـ قد تكون هذه النصوص أحد الوسائل للخروج من أثر الحرب السيئ على الإنسان ـ وفي هذه النصوص يمكننا القول أنها وسيلة للخروج من الأزمة، لأن زمن الطباعة جاء بعد عشرين سنة من انتهاء الحرب، لكن يمكن أن تكون قد كتبت أثناء الحرب، واحتفظت بها كل هذه المدة. وهنا تكمن أهمية العمل الأدبي، نصوص أدبية كتبت أثناء الحرب الأهلية للبنانية، أي منذ أكثر من عشرين سنة ـ ويمكن أن تكون ثلاثين سنة ـ إذا علمنا أن الحرب الأهلية اللبنانية بدأت في 1975 وانتهت في 1989، فقد اعتقدت أنها كتبت عن سورية، ويمكن للمواطن العراقي أو اليمني أو الليبي أن يسقطها على بلده، فقدارة الحرب ودمويتها واحدة أينما حلت، بحيث تجعلنا نشمئز منها ومن مُحدثها. من الصور الأدبية الجميلة ـ رغم السواد ـ ما جاء في نص "العالم": "البيت والأرض، الكمنجة والكتاب، هذا كان عالمه. والعالم الآن كتاب بليت أوراقه وأمحت كلماته كالأرض البور. الكمنجة ما زالت في صندوقها الخشبي في البت المهجور، نسمع لها إذا ما فتحته أنينا خافتا." ص15. إذا ما دخلنا إلى هذا النص سنجد "البيت والأرض، الكمنجة والكتاب" وهما مذكر ومؤنث، بمعنى هما عناصر تكوين الحياة، فدون الذكر والأنثى لن تكون هناك حياة، فالكتاب/المذكر بليت أوراقه، ومحت كلماته، بمعنى أنه أصبح عقيما، والأنثى/الكمنجة محبوسة في صندوق خشبي وفي بيت مهجور، في ظلامين، ظلام الصندوق، وظلام البيت، ومن الصعب اخراجها، لكنها ما زالت على قيد الحياة، "نسمع لها إذا ما فتحته أنينا خافتا" وكأن هناك دعوة لإنقاذها من عتمة الصندوق وظلام البيت المهجور، والجميل في هذا النص أنه استخدم عناصر الحياة الروحية والفكرية "الكتاب والكمنجة" وأقرنها بصورة "الأرض البور، ونسمع أنينا"، فمشاهد الألم متعلقة بالروح والفكر، وهذا ما يجعل وقع الألم أشد على المتلقي، لأنه متعلق بمن هو يفكر ويشعر/يحس بالأم الإنساني. ومن الاستخدامات الرائعة ما جاء في نص "سكون الليل": "في سكون الليل، تجثو الساعات، دون حراك. يشهد جبينها البارد تعثر الخطى وتلعثم الكلمات" ص44، من عاش الحرب يعلم بلادة الوقت، فتبدو الدقيقة ساعات واليوم شهر والشهر سنة، فالساعات/الوقت جاث، خانع، مستسلم، عليل، لا يقدر/لا يريد الحراك، كما نجد المذكر "الليل"، والمؤنث "الساعات"، فبعد أن سكن/مات المذكر، جثمت المؤنث مدهوشة/مصدومة من فقدان ذكرها بحيث لم تقدر على الكلام ، فهذه الصورة تتماثل مع واقع المرأة التي فقدت بعلها. تداخل الأصوات في نص "ملك الموت" يؤكد على أن الحرب محت وازالت كل الفروقات بين الناس، بحيث أصبحوا جميعا يتحدثون بعين اللغة وبذات الألفاظ، بحيث لم يعد هناك تمايز فيما يقولونه: "الرجل الأول ذاك الألم العظيم! كان قدا قد في قميص حياته فرمى على المدينة شباك الموت الواسعة. الرجل الثاني وقعت الواقعة على من كدوا في سبيل لقمة عيشهم. رجل ثالث من الكورس أموات، أموت، أموت. الرجل الأول مضرجا كان، مضرجا بالدماء الرجل الثاني كل أولئك الأموات كانوا قدا قد في قميص الوطن الرجل الأول كل أولئك الأموات! كانوا قدا قد في قميص العائلات الرجل الثاني كل أولئك الأموات! كانوا قدا قد في قميص الحياة" ص68 -71، فهناك اللغة ليست متعلقة بالفكرة فحسب بل في اللفظ المستخدم، فنجد الرجل الأول والثاني يستخدمون "قدا قد" بحيث لم نعد نميز بين شخصية الأول والثاني، فهما شخصين، لكنهما يتحدثان بعين اللغة والفكرة، وكان "جورجين أيوب" تريد أن تقول: "أن الحرب تفقدنا تميزنا عن الآخرين"، لهذا علينا تجنبها، فهي تفقدنا ذاتنا وتنهي شخصيتنا. قلنا في نوضع غير هذا أن عناصر تخفيف الألم تكمن في المرأة/الرجل، الكتابة/القراءة، الطبيعة، الثورة/التمرد، فالكاتبة "جورجين أيوب" تستحضر حبيبها/رجلها في بعض النصوص حتى تخفف من وطأة الحرب عليها: تقول في "أسف خجول": "أستحضرك بشغف قلق، أخشى أن تصبح ميتا عاديا كجميع الأموات. أذكر عينيك صغيرتين تجوفتا حتى القعر قبل النهاية وأكتب. أكتب أسفا خجولا." فرغم السواد إلا أن الذكر المجر للحبيب/للرجل يمنحها شيئا من السكينة التي تريح النفس، فهي كامرأة تحتاج وارغب بالرجل، وهذا ما أكدته لنا في نص "سر دفين" : أنت سر دفين لم يعد لي ذاكرة أحضرك بها. ذاكرتي ارتبكت وحياتك مضت. بقى الحزن القديم" ص 21، فاللغة هنا أقل سوادا مما جاء في النص السابق، وكأن حضور الرجل في النص "أسف" اعطا الكاتبة شيئا من الهدوء، بحيث خفف من حدة السواد عليها، فنعكس ذلك على نصتها "سر دفين". وهناك بعض النصوص البيضاء كما هو الحال في "غيم الربيع، المدينة، الظهيرة، في ليل من الليالي" والتي تقول في النص الأخير: "في ليلة من الليالي خلعت المدينة عنها ثوب النحيب وبانت في زهائها القديم. أزهرت الدروب فيها فراشات تضيء" ص54، فرغم وجود ألفاظ سوداء "ليلة، الليالي، خلعت، النحيب" إلا ان الفكرة تشير إلى حالة الفرح. الكتاب من منشورات دار مدى للثقافة والنشر، سورية، دمشق، الطبعة الأولى 2009.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناقشة رواية الباطن للروائي الفلسطيني صافي صافي
-
خليل قطناني الأسئلة في قصيدة -رسالة إلى ابن حمديس-
-
قصة الومضة والتكثيف -قصة طويلة- جروان لمعاني
-
رحلة في الذاكرة -نايف حواتمة-
-
الباطن صافي صافي
-
النظام التقليدي والكتب
-
الفساد في القانون أم فيمن وضع القانون
-
سورية الجديدة
-
واقع روسيا القيصرية في رواية -الآباء والبنون- ايفان تورغينيف
-
خلاصة تجربة إبراهيم مالك
-
اللفظ والمضمون في قصيدة -من أنا- سلطان الخضور
-
الأهل والأصدقاء
-
مناقشة ديوان -أمشي إليها- للشاعر سامح أبو هنود
-
-غوايات الماء- سامح كعوش
-
قصيدة -ضياء تشرين- موسى الكسواني
-
الفعل والحرف في قصيدة -أنا من تعبت- جروان المعاني
-
جلد الذات في رواية -درب الحيب- باسم سكجها
-
المسؤول
-
مناقشة قصائد عمار خليل
-
دور القصيدة في ديوان -حارس المعنى- أحمد الخطيب
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|