حركة السترات الصفراء توقعات وآمال ؟!
سامان كريم
2018 / 12 / 11 - 09:47
[email protected]
سامان كريم
حركة السترات الصفراء, من حيث جوهرها حركة طبقية و مطالبها تؤكد ذلك. حركة طبقية مثلها مثل الحركات الاصلاحية او اليومية او الاقتصادية للطبقة العاملة. بنية المطالب لحد الان, مطالب اقتصادية ولو انها تتعدى ذلك الى تغيير قوانين الحكومة, بهذا المعنى تتعدى الحركة الجانب الاقتصادي وتتجاوزه في عدد من محاورها مثل: تأميم شركات الغاز والكهرباء, حضر بيع الممتلكات العامة, السن التقاعدي يكون 60 سنة, اعادة الضريبة على اثرياء و عدد اخر من المطالب كلها تتعدى الجانب الاقتصادي وتتجاوزه. عدد من هذه المطالب سياسية, بمعنى تهدف الى تغير القوانين المتبعة ضمن سياسة الدولة. إسقاط السياسات الاقتصادية لدولة فرنسا برمتها, هي محتوى ميثاق الحركة. يضاف الى ذلك هناك مطالب بإسقاط الحكومة او حتى "ارحل ماكرون" ولو انه ليس شعارا طاغيا . بهذا المعنى هي حركة سياسية المحتوى وطبقية بامتياز.
الحركة لحد الان لديها استعراض نضالي و طبقي رائع, لديها عنفوان وجمال و بعد وعمق النضال الطبقي الفرنسي. النضال الطبقي في فرنسا له طعمه الخاص, مثل عطورها وجمال شوارعها الباريسية. الحركة قدمت نضالات وحركات رائعة لحد الان وشاركت وتدخلت ببسالة ضد القمع المبرمج والمنظم للشرطة الفرنسية. القمع الذي نشاهده بالضبط في البلدان الاخرى في افريقيا واسيا. مرة اخرى سقط الغرب و سقطت" حقوق الانسان" هم. من الجدير بالذكر ان سقوط الغرب بالكامل كجنة على الارض او كحلم لجيل كامل في طور الانتهاء. ربما فرنسا في ذيل البلدان التي احتضنت لحد الان عدد من الشمائل التي تنمق ملامح البرجوازية الاوربية, ما عداها بريطانيا و ايطاليا واسبانيا انتهى امرهما في هذا المجال. بطبيعة الحال امريكا هي القدوة والطليعة التي اسقطت ما يسمى "بالقيم الغربية". القيم التي هي اساسا قيم مفروضة على البرجوازية الغربية عبر النضالات الطبقية العمالية منذ القرن الماضي.
العائق الذي نواجهه في فرنسا, عائق و مشكلة اجتماعية, وهي اساسا طبقية و تصب في عمق وروح الحركة العمالية. العائق الاجتماعي الكبير تحليليا يتمثل في البعدين, وارى انهما ذوي بعد واحد ولكن لتوضيح العائق و المشكلة التي يواجهها المجتمع الفرنسي بصورة عامة والطبقة العاملة بصورة خاصة نفصله بالمحورين او العائقين. الاول: متمثل بعدم تدخل الجزء الطليعي للطبقة العاملة في فرنسا لحد الان, اقصد مشاركتها كحركة وليس افرادا. النقابات والاتحادات العمالية لم تشارك حتى الان بصفتهم حركة عمالية منظمة, اتحادات من امثال العمل الديمقراطي الفرنسي (CFDT) واتحاد الشغيلة (FO)، و أيضًا الكونفدرالية العامة للشغل (CGT) واتحاد التضامن الديمقراطي (Solidaires)- . هذه الاتحادات لم تشارك في الحركة ,وهي اتحادات عمالية ضخمة وخصوصا الكونفدرالية العامة للشغل, التي تأسست سنة 1895 ولها تاريخ نضالي كبير, بغض النظر عن الانقسامات التي حصلت في صفوفها بعد الثورة البلشفية والحرب العالمية الثانية وسقوط الاتحاد السوفيتي.
بصورة عامة النقابات العمالية ليس لها الارضية للبقاء ضمن بنيتها السابقة. قلت واكدت في مرات عديدة ان النقابات و الحركة النقابية كحركة سياسية برجوازية في التحليل الاخير, تهدف الى اصلاحات في اطار النظام الرأسمالي ولصالح بقاء الملكية الخاصة و السلطة السياسية للبرجوازية. هذه البنية التي تهدف اليها البرجوازية لتقوية الاصلاحات داخل صفوف الحركة العمالية لن تبقى على حالها بسبب غياب الحركة العمالية في الساحة السياسية والصراع على السلطة. لكن هذا جزء من المشكلة, اي عدم مشاركة تلك الاتحادات له ارضية اجتماعية و بنية طبقية معروفة. الاتحادات والنقابات العمالية اصبحت جزءأ من الحلول بيد السلطة البرجوازية, وليس لصالح العمال الا استثناء. ان الاتحادات والنقابات العمالية في فرنسا ماهيتها معروفة اجتماعيا , حيث : أظهر استطلاع للرأي أجرته Axys Consultants, Figaro, BFM Business في ايار 2015 أن أغلبية الفرنسيين لا يرون فائدة من النقابات العمالية (55 في المئة) وفرنسي واحد من ثلاثة فقط يعتبر أن هذه النقابات تمثل فعلا العمال. اذن حالة او موقع هذه المنظمات اصبحت واضحة و لا تتطلب معرفة طبيعتها جهدا كبيرا , اشرت الى هذه القضية قبل سنوات في مقالات عديدة.
المشكلة تكمن في الجزء الطليعي للطبقة العاملة "التيار الشيوعي العمالي" بغض النظر عن انتمائها لهذا الاتحاد او ذاك او عدم انتمائه اصلا, خصوصا ان كثير من الاضرابات و التظاهرات العمالية في الغرب تم خارج اطار قرارات النقابات و الاتحادات. عليه المشكلة او العائق اكبر امام الطبقة العاملة الفرنسية او المجتمع بأسره هي: عدم تأييد هذه الجزء من الطبقة العاملة, الجزء الذي لديه حضور مميز في كل النضالات الطبقية على صعيد فرنسا, وله نماذج نضالية راقية, وتقاليد نضالية تقدمية و راديكالية من تطويق الشركات, تطويق المدراء التنفيذيين للشركات الكبرى في سبيل تحقيق المطالب, التجمع مع العمال الالمان على الحدود كنضال اممي مشترك, ومحاولات عديدة لمصادرة الشركات و محطات البنزين بصورة مؤقتة. التقاليد الراقية التي أنتجها الجزء الطليعي من الطبقة العاملة, الجزء الذي بإمكانه ان يوحد باقي صفوف الطبقة, غائب عن حركة السترات الصفراء. غائب عن الحضور و المشاركة ولو رمزيا كحركة عمالية واعية وطليعية. هذه هي المشكلة الكبيرة وذلك هو عائق كبير امام هذه الحركة و الحركة العمالية. ان الجزء الطليعي من الطبقة العاملة ليس لديه ثقة بهذه الحركة" السترات الصفراء" وقيادتها ذات التوجهات المختلفة.
المشكلة الاكبر, والمشكلة التي تعد عالمية وهي فعلا عالمية. ترجع هذه المشكلة الى الحالة التي نحن بصدد التأكيد على ذكرها. وهي ان الجزء الشيوعي العمالي في صفوف الطبقة العاملة الفرنسية, او بمعنى اخر الجزء الطليعي من الطبقة العاملة في فرنسا, غير مسلح بنظرية ماركس, بأهداف" ماركس: "مانيفست" الغاء الملكية الخاصة والغاء العمل المأجور, وغير مسلحة بسياسات "ماركسية ماركس" المؤطرة بموجب قضايا العصر الراهن , والقضايا الداخلية بما في ذلك هي غير مسلحة بسياسة" ماركسية " حول نيوليبرالية ماكرون و السياسة الاقتصادية الراهنة في فرنسا وعلى الصعيد الاوروبي, غير مهتمة او حساسيتها الطبقية لحالة الاممية ناقصة , على الاقل علي صعيد الاتحاد العمالي الاوروبي, وخصوصا ان قوانين الاتحاد الاوروبي حول قضايا عدة موحدة, وهي غير مسلحة ايضا بسياسات " ماركس" حول السياسة الفرنسية الخارجية خصوصا حول دور فرنسا في تقوية الحركات الارهابية في الشرق الاوسط. تضاف الى ذلك هي غير مسلحة بأفق حركتها النضالية اسقاط النظام الرأسمالي وبناء مجتمع خال من الطبقات عبر الثورة العمالية, غير مسلحة ببناء بديلها التنظيمي سواء كان الحزبي و الجماهيري كبديل لهذه النقابات والاتحادات. في التحليل الاخير هي غير واعية ولم يرتقي نضالها الى نضال سياسي طبقي موحد, بوجه الطبقة البرجوازية الحاكمة. هذه هي المشكلة الكبرى التي نعاني منها. وطبعا الجزء الطليعي من الطبقة العاملة في فرنسا هي بلا شك قدوة على الصعيد الاوروبي ككل على الاقل ولحد الان. وهي مناضلة الى ارقى درجات النضال مثلما رأيناها خلال العشر سنوات السابقة, خلال ايار الماضي, اي قبل عدة أشهر.... ينقصها ماركس فقط. بدون ماركس لن تصل الطبقة العاملة وحركتها الى مكان مناسب او الى الموقع الذي تستحقه . هذه هي المشكلة الكبرى. لان الطبقة العاملة , قدمت اكثر مما يجب, قدمت او تقدمت على اكثر من جبهة نضالية في اوروبا وفي فرنسا بالتحديد و بعدها اليونان. ولكن ليس بامكانها ان تقدم ارقى مما قدمت بدون ان تسلح نفسها بنظرية وافق ماركس.
النضال الطبقي في فرنسا وفي بلدان الغرب بصورة عامة وفي هذه المرحلة المحددة, يقع بين اقصى اليمين او اقصى اليسار. اقصد بأقصى اليمين, اليمين البرجوازي الذي يتبنى سياسات نيو ليبرالية و ليس سياسات حمائية او عنصرية فقط كما يسميه الاعلام. واقصد اقصى اليسار, الحركة العمالية التي نزلت الميدان وهي تنازل سياسيا الطبقة البرجوازية. الحركة العمالية كحركة سياسية واسعة وكبيرة غائبة, وغيابها مرتبط بتسلحها بسلاح ماركس منهجه و برنامجه و اسلوب عمله و تحزبه. اليوم وفي هذه الحالة المحددة التي نكتب عنها, الحركة السياسية للطبقة العاملة وبأفق ماركسي غائبة تماما. عليه يبقى نزول الطبقة العاملة كقوة موحدة او كقوة متدخلة في شؤون المجتمع ضروريا , ولو بادنى درجة, ولو بدون افق سياسي واضح المعالم, ليتسنى لها على الاقل تحسين موقعها النضالي وتحقيق جزء من ميثاق السترات الصفراء, بدون هذا الامر, بدون تدخل الطبقة العاملة, اقصى اليمين سيأخذ هذه الحركة ومكتسباتها, وهي تكسب هذا الزخم الكبير, ستأكلها البرجوازية ولو بشكل تدريجي, وها هو ماكرون بدأ في اليوم العاشر من كانون الاول , اجتماعه مع رؤساء الاتحادات المختلفة. حيث قدم ماكرون تنازلات طفيفة لغاية و أعلن عن إعفاءات ضريبية للمتقاعدين، الذين لا تتجاوز معاشاتهم الشهرية حدود 2000 يورو، إلى جانب إعفائهم من رفع نسبة الاستقطاعات الاجتماعية لعام 2019. ومن بين التسهيلات الضريبية للشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود، إعفاء ساعات العمل الإضافية من الضريبة ومن الاستقطاعات الاجتماعية و تضاف الى ذلك اعلن عن رفع الحد الأدنى للأجور بحدود 100 يورو شهريا( طبعا هذا غير واضحة) شهريا الى متى؟! و من يشمله؟! هل يشمله كل المواطن او قطاع خاص من المواطنين؟! حيث قالت القناة التلفزيونية TF1 إن الإجراءات التي أعلن عنه الرئيس ماكرون ستشمل قرابة مليوني عائلة فقط!! ولكن المطلب الرئيسي لحركة سترات الصفراء رفضت وهو اعادة الضريبة على الراسماليين الكبار.
اليمين واليسار الكلاسيكي ليس بإمكانهما ان يلعبا دورا محوريا في اية قضايا من قضايا المجتمع. نرى ذلك في فرنسا بصورة ادق. اين موقع الحزب الجمهوريون العريق, الحزب ذو ميراث ديغولي عريق لبرجوازية الفرنسية و حزب ساركوزي ايضا. اين اليسار وموقع الاشتراكية الديمقراطية ؟! ليس لديهما اي موقع يذكر. الازمة او الصراع الطبقي وصل الى درجة من العمق بحيث لا يحتمل اي حلول توفيقية, اما الذهاب الى اقصى اليمين او الذهاب الى الثورة العمالية, ليس هنالك مجال للمناورة, في هذه المرحلة الانتقالية في فرنسا ايضا.
يجب التضامن والتكاتف مع مطالب هذه الحركة و ميثاقها, يجب العمل من اجل نصرتها و نجاحها, عبر كسب الدعم والتضامن الطبقي في البلدان المختلفة لمطالبهم, والضغط على حكومة ماكرون لتطبيق ميثاقهم. اوكد عن مطالبهم لان من ناحية السياسية نتيجة هذه الحركة مضمونة, لصالح البرجواية واقصى يمينها, متمثلة بماكرون و سياساته نيو الليبرالية, او بصورة عامة لاقصى اليمين. حسم القضية السياسية لصالح الطبقة العاملة, مرهونة بتسليح الجزء الطليعي لطبقة العاملة بسلاح سياسي. رؤية سياسية لـ"ماركس" في هذه المرحلة بالتحديد, تحزب الطبقة والرؤية السياسية الواضحة, لقضايا المعاصرة في فرنسا واوروبا على لاقل.
الطبقة العاملة في اوروبا وبالتحديد في اوروبا ليس بامكانها ان تنهض نهوضا ثوريا وتقلب الامور على راس البرجوازية بدون ان تتجاوز عقدة الاربعين سنة الماضية, بدون تجاوز الشيوعية الستالينية و الليبرالية الاصلاحية السائدة , بدون تجاوزها كل سيئات البرجوازية و"فلاسفتها!" ومنظريها خلال العقود الاربعة الماضية. بدون امساكها بماركس, ومنهجه التحليلي, وبالتالي تسليح ذاتها بإجابات كافية عن القضايا المطروحة في هذه المرحلة. عاش نضال الطبقة العاملة. 10/12 /2018