الشيوعية العمالية وحزبها السياسي في العراق إلى أين ؟ الحلقة الثانية ..
سعد محمد حسن
2018 / 11 / 7 - 23:03
الشيوعية العمالية وحزبها السياسي في العراق إلى أين ؟
الحلقة الثانية
الشيوعية العمالية ....
من الخطاب الأصولي إلى خطاب الفوضى
الجزء الأول
تمهيـــــد :
عادة ما تضعنا محاولة تعميم ما هو عام في الماركسية دون مسائلة الواقع الاجتماعي, كما هو في اشتراطاته الموضوعية , في مواجهة عدد من الأسئلة التي تبحث عن ماهية منطق الماركسية ؟ ما هي حدود فهمنا لهذا المنطق ؟ وماذا نستهدف من وراء ذلك الفهم ؟, كيف نؤسس به لمقاربة واقع اجتماعي معين ؟ وهي الأسئلة التي تحتل بحضورها شاغل الشيوعيين واليساريين كونها بحق تمس جوهر الممارسة النظرية والعملية والتي تستلزم منهم جميعا وضعها نصب أعينهم وهم يتصدون للواقع الاجتماعي الخاص ببلدانهم ومجتمعاتهم
من بين المصادر التي ينسب أليها لينين فكر ماركس هي
(الفلسفة الألمانية والاقتصاد السياسي الانجليزي والاشتراكية الفرنسية )(3) حيث تابع ماركس وأتم , على نحو عبقري , التيارات الفكرية الرئيسية الثلاثة , في القرن التاسع عشر والتي تعزى إلى البلدان الثلاثة الأكثر تقدما في العالم (4) ومع ذلك فلقد كان على ماركس مهمة تحديد التقاليد الفكرية التي كان عليه أن يستخلص منها موضوع تساؤلاته , فإذا استطعنا التسليم مؤقتا بأن الديالكتيك التاريخي في مؤلفات صباه يذكر بالنمط الهيجلي , وأن نقد الرأسمالية يجد عناصره في الاقتصاد الريكاردي وأن النظرة الثورية للتاريخ تجد أصولها في الاشتراكيات الفرنسية , يبقى علينا أن نبحث عن الميدان الفكري الذي كان على ماركس أن يجد فيه موضعا لأسئلته , والمدرسة الفكرية التي كان عليه أن يتعلم منها تعيين أل (( واقع )) في مقابل الأوهام والأيديولوجيات , وأيا ما كانت أهمية المنهج المستخدم فأنه ليجدر بنا أن نحدد باديء ذي بدء الموضوع المطبق عليه إذ قد نظن أنه لم يخل أمر هذا الموضوع من تطويع المنهجية له (5) هذا الاكتشاف ( للواقع ) بصيغته الفلسفية نجده مشروحا في الإيديولوجية الألمانية لأول مرة كما كان على ماركس أن يؤكده فيما بعد (6) . في سياق أيجاد مقاربة معرفية لأهمية الواقع الاجتماعي في اشتراكاته الموضوعية وماذا يشكل على صعيد إنتاج معرفة محددة يكتب لينين قائلا ((أننا لا نرى في نظرية ماركس شيئا كاملا لا تجوز مخالفته بل نرى على العكس , أنها أرست الحجر الأساس لعلم من الضروري أن يهتم الاشتراكيون بتطويره والتقدم به في شتى مجالاته إذا أرادوا أن لا يتخلفوا عن الركب ونرى أن يبادروا بوجه خاص إلى تفسير نظرية ماركس بحرية وبصورة مستقلة على أساس أنها لم تأت ألا بمقترحات وتوجهات عامة , يمكن أن تطبق في إنجلترا على غير ما تطبق يمكن أن تطبق في فرنسا , وفي فرنسا على غير ما تطبق في ألمانيا وفي ألمانيا على غير ما تطبق في روسيا في كل منها وفقا لظروف الواقع فيها ) (7).
على أن طرح رؤية لينين بالإشكالية المعرفية التي تضمنتها تكتسب أهميتها عند معالجتنا لاشتراطات واقع موضوعي محدد بظرفه الاجتماعي والاقتصادي والتاريخي ؟
تتيح النظرة للماركسية من أنها فلسفة تغيير وعلم اجتماع وبرنامج عمل للمستقبل , وهي تتطور مع تطور العلوم وبدخل في نطاقها كل معطى جديد معتمدا على منهجها المادي الجدلي التاريخي في البحث في أي موضوع في الواقع المعاش والمتغير من معرفة معرفة قوانين صيرورته الموضوعية وقد يؤدي استمرار البحث إلى نفي بعض القوانين والافتراضات وأن يفضي إلى قوانين وافتراضات جديدة , خاصة في عالمنا المعاصر الذي تتسارع فيه المنجزات العلمية وثورة المعلومات و تمتد اختراقاتها بعيدا في أعماق الأرض والفضاء الكوني (8) .
والماركسية ب بهذا المنحى المعرفي تنأى عن نفسها تماما في أن تكون خطابا قائما على نصوص و مفاهيم مغلقة منزوعة عن سياقها التاريخي وشرطها الاجتماعي والاقتصادي ليس ألا .مما نجد أنفسنا أمام أحدى أكثر الإشكاليات المعرفية حضورا التي واجهت وما زالت تواجه الشيوعيين على امتداد تاريخهم النضالي هي تلك التي تتعلق بطبيعة ممارساتهم النظرية والعملية , أي في سؤال الكيفية التي يتم فيها توظيف المعرفي في الممارسة الواقعية وإيجاد السبل الكفيلة لإحداث التغيير المطلوب عمليا ؟ أي في سؤال الهوية الفكرية وما يترتب عليها من ممارسة واقعية عقلانية ؟. ولعل هذه الإشكالية باتت في جانب أعم مدعاة للنظر النقدي لتحديد الأسس السليمة والمنطقية لماهية العلاقة بين الفكر بمفاهيمه التي صاغها في سياق حركته الموضوعية الاجتماعية و التاريخية ومدى قدرتها المعرفية على الإحاطة بواقع اجتماعي يمتلك خصوصيته الاجتماعية والتاريخية. لذلك يمكن القول من إنتاج مفاهيم جديدة أو أعادة صياغتها على نحو معرفي أخر هو هاجس علم إنتاج المعرفة . ولاشك من أن هذه المسألة تأخذ بعدها المنطقي عند تحديد أفق الفعالية النظرية للماركسية نفسها أي السؤال عن كيفية استعادة منطق الماركسية نفسه , المنطق القائم أساسا على النقد وعلى أمكانية توظيف ذلك لإنتاج وإعادة إنتاج مفاهيم جديدة قادرة على الإحاطة المعرفية لواقع اجتماعي تاريخي محدد بظرفه الموضوعي . أي بمعنى إعادة طرح التساؤل عن دلالة الماركسية ومدى تأثيرها واستخدامها وتطويرها مما يستلزم ذلك تحديد الأساس الفلسفي لتعاطينا الشامل ولمنهجية البحث التي تستند على هذا الأساس , ففهم هذه العلاقة الجدلية المتواصلة , هذا التفاعل العضوي بين الفكر "النظرية " والممارسة في حقيقتها الموضوعية تبقي الثوري على أرض الواقع ويكون قادرا على التأثير عليه (9 ) , وعليه فأن الدرس الذي تقدمه الماركسية هو درس نقدي بامتياز ذلك أن سمة النقد كمساءلة للموضوع الفلسفي ومحتواه ما زالت تلازم الماركسية عبر مسار تجربتها التاريخية وليس هناك ما هو فوق النقد , كل ما هناك هو تراكمات جرى تقديسها بفعل العمل التاريخي , وسيكون العقل الفلسفي الماركسي متحررا من برائن الأسبقيات والبديهيات , أنه بناء لكشف جديد وتضحية ابيستمولوجية بمعطيات سابقة , أنه مساءلة واستنطاق وكشف ونقد وهو آلية ستدفع بالماركسية إلى إحراز تقدم ملحوظ على مستوى الحلول المعرفية أو على الأقل في التأصيل لأفكار وقضايا لم يتم التطرق أليها سابقا . هكذا يكتسب كل نشاط نظري طابعا نضاليا ويتوق كل نشاط ثوري إلى أن يتعقلن في النظرية فتتأكد في التحام النشاطين في الملموس التاريخي , ضرورة الفكر العلمي في أن يكون ثوريا وضرورة الحركة الثورية في أن تكون علمية (10) .
لاشك من أن سمات الدرس النقدي الذي تبني الماركسية عليه فلسفتها يشكل مدخلا سليما عند محاولة الاقتراب من رؤية الشيوعية العمالية وحزبها السياسي الحزب الشيوعي العمالي العراقي من صورة الماركسية ومنطقها , ومدى صواب تلك الرؤية في مقاربتها للواقع الاجتماعي في اشتراطاته المتعددة , إذ تبدو صورة الماركسية في خطاب الشيوعية العمالية وحزبها السياسي الحزب الشيوعي العمالي العراقي وقد شابها الالتباس والغموض ويستدل عن ذلك عند ألقاء نظرة فاحصة على رؤية منصور حكمت للماركسية التي تضمنها كتابه المعنون عالم أفضل الذي جسد فيه برنامج الحزب وكتاباته الأخرى والمناقشات والحوارات التي دارت حولها و في مساهمات الآخرين والمنشورة كوثائق على مواقع التواصل الاجتماعي أو على صفحات جريدة إلى أمام الجريدة المركزية للحزب الشيوعي العمالي العراقي, حيث تمنحنا تلك الصورة تأكيدا على ما ذهبنا أليه من أن كل تلك الوثائق ومن ضمنها كتابات منصور حكمت نفسه و كل الحوارات والمناقشات والكتابات الأخرى من أنها تجري بعيدا تماما عن أرضية الواقع الاجتماعي والاقتصادي المعاش أي أنها بالتحديد تدور في عقول منظرها ومريديه على حد سواء كاستعارات إيديولوجية مغلقة على مفاهيم ليس إلا مما ينم ذلك عن تعميم ما هو عام وتجنب الخوض بما هو خاص أي في الواقع الاجتماعي كما هو تحديدا, مما يعكس ذلك عن نزعة لاعقلانية واضحة في خطاب الشيوعية العمالية وحزبها السياسي والتي عادة ما تكون فوق منطق الواقع الموضوعي في شرطه الاجتماعي والاقتصادي ويمكن الاستدلال على ذلك من قراءة متأنية لبرنامج الحزب الشيوعي العمالي العراقي نفسه , بدء من تعريفه لمفهوم الشيوعية العمالية وانتهاء بتحديد مهامها. (11) الجدير بالملاحظة من أن منظمة البديل الشيوعي والتي جرى الإعلان عن تأسيسها وعقد مؤتمرها الأول قد وقعت هي الأخرى في ذات الإشكالية التي اتسمت بها الممارسة النظرية للحزب الشيوعي العمالي العراقي وكأن كلا التنظيمين هما وجهان لعملة واحدة هي الشيوعية العمالية *