|
من دولة العسكر إلى دولة المأفيات..
وديع العبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 6029 - 2018 / 10 / 20 - 21:02
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
وديع العبيدي من دولة العسكر إلى دولة المأفيات.. الهند كانت البداية. الهند الهندوسية المسالمة. الهند الاقطاعية الطبقية. الهند القدرية الخانعة للمشيئة المسبقة. (1) الهند لا تثور ولا تغير، لأنها خاضعة لمشيئة/ سلطة الكارما. وبحسب عقيدتها لا تموت النفس، وانما تنتقل من حياة لأخرى ومن هيئة لأخرى ومن حالة لأخرى، وذلك بحسب ميزان الحسنات والسيئات. وقد ردد ارسطو هاته الفكرة عن قدامة الهند، كما نقل عنها عديد فلاسفة الاغريق. فالشخص الذي تفوق حسناته في الميزان، يتحول بعد موته إلى هيئة أفضل وحالة أرقى. يولد في عائلة غنية وليس فقيرة، تكون له سلطة ومقام مصون، ولا يكون شحاذا أو فلاحا أو من طبقة المنبوذين. وبحسب ميزان اعماله سوف يستمر في قانون الترقي في متوالية الموت والميلاد حتى يتحول إلى طائر عظيم وتتبخر روحه في النهاية لتلتحق بالروح الكونية المقدسة/( الكريشنا). ولكن ما هي الحسنة هاته؟.. انها القناعة التامة والتسليم الكامل لمنطق الكارما ومشيئة القدر وحكم الطبيعة والنظام الاجتماعي والسياسي والكهنوتي واولي الامر منكم حتى نهاية العالم. وجود الشر هو امتحان للارادة ومعيار للاصطفاء. مواجهة الشر تكون بالمسايرة، ومقاومة الشر تكون بطاعته وعدم التمرد أو العصيان، ومن سيّرك ميلا، سر معه ميلين. يسوع التوراة نفسه لم يعص الشر ولم يتمرد عليه، [ظلموه، أما هو فتذلل ولم يفتح فاه، كشاة تساق الى الذبح، وكنعجة صامتة أمام جازيها، فلم يفتح فاه]-(اش 53: 7). هاته هي البطولة بالمعنى السلبي، البطولة التاريخية التي تمجد الهزيمة بدل السيادة، وهي في المسيحية الشرقية كما في عقيدة الشيعة البويهية، وكما تبنتها الشيوعية العراقية(*) في ظل غزو الالفية. انها لا تثور، انها تستعطف. انها لا تصنع، بل تتخضع. يقول مثل تركي [بدل أن تهش عليها، اكسر رجليها]. وفي ظل الامبريالية الهمجية، يمكن الهاشين والهشاشين ان يهشو ويهشهشوا حتى نهاية العالم، دون أن يلتفت اليهم مرزبانات الامبريالية. ما أشسع البون بين البطولة الحقيقية لأزمنة الشرف والفروسية وبين البطولات الهليودية لأزمنة الكابوي والشبح!. [predestiny]: هو المختصر الأوربي الكاثوليكي للعقيدة الهندية. وبالمناسبة، فأن كل الديانات القديمة هي تنويع على نغمة الهند، كلها تعزف على نفس الاقطاع الطبقي والطاعة والعبودية ومقاصة الحسنات والسيئات. وفي ثنائية الزرادشتية حيث يقع العالم ضحية الصراع بين اله الخير واله الشر، ينصح الحكيم زرادشت أتباعه بالاكثار من عمل الخير ليزيد رصيد اهورامزدا، فتكون له السيادة، وهذا شبيه بفوتوتات/(votes)/(coupon- election) الانتخابات، التي يفوز فيها من يحظى بأصوات أكثر. المشكلة في دمقراطية الهند الميثولوجية القديمة، انها دمقراطية خنوع وتسليم، بانتظار العدل الغيبي والتسليم له من غير اعتراض حتى أبد الابدين. وهذا هو جوهر فكرة الانتخابات الرأسمالية الغربية من طاعة وخنوع وعدم اعتراض أو تمرد، في ظل تسليم مطلق لأوراق الصناديق ومرشحي الالهة الامبريالية او نبياء الرأسمالية وكهنة التاج المقدس. الامبريالية الانجليزية نسخت العقيدة الهندوسية في نظام اصطناعي، اسوة باستبدال القوانين الطبيعية والاصطفاء الطبيعي بقوانين اصطناعية وانتخاب صناعي. كرر التلفزيون الانجليزي بفرح وشموخ، فكرة الوهة التاج، وهو يعرض صناديق المساعدات والاغذية الانجليزية التي يتم توزيعها في جزر صغيرة في الاتلانتك، والتي جعلت السكان يجمعون الكراتين الخالية الجاملة صورة فيليب زوج اليزابيث، في مكان مخصص من طرف القرية وتقديم طقوس العبادة والاجلال له بوصفه (الاله) الذي يزودهم بالطعام. لا يسخر المعلق وانما يؤكد ان ايادي التاج البيضاء على البشرية، تستحق كل ايات الثناء والتقدير والتبجيل وحتى العبادة. وما العبادة، هل هي اكثر من الشكر والتقدير!. ربما خرجت من الموضوع قليلا، لكنني لم ابتعد عن المحور الرئيسي. التاج البريطاني مرفوع على أكتاف وبطون ورؤوس الخانعين من العبيد والانتهازية الوظيفية مدنيا وعسكريا. وليس أحد من المواطنين والمقيمين في انجلتره، يخطر له البحث عن هويات وأصول مسميات الشوارع في كل مدينة وقرية. هؤلاء هم طبقة القديسيين في عقيدة التاج الانجليزي، بحسب منظور كومت للديانة العصرية الأوربية باسم (natural religion) الذي هو المصطلح الأصلي للديانات القديمة القائمة على الطبيعة والفطرة. ولكن هذا ليس المظهر الوحيد للقرصنة وتزوير الأصول والمظاهر التي قامت عليها النهضة والسيادة الغربية. يستخدم اللمستخدمون مصطلح (theologie)، بمعنى [لاهوت، علم الدين] في اليهمسيحية، [علم الغيب، علم الالهيات] لدى المسلمين، دون تمعن واستبصار إلى أصل المصطلح الاغريقي اللاتيني المشتق من اسم [theo, dius] لفظ الالوهة عند الاغريق واللاتين بالتعاقب، من أصول وثنية. كيف تعول عقائد سماوية على اصول ومصطلحات وثنية، وفي الايام الاخيرة، دخل مصطلح (ثيولوجيا) كتب المسلمين، باعتباره مصطلحا علميا عالميا، وليس مصطلحا وثنيا غربيا، جرى تشييع وتسويده، تحت مظلة الثقافة الامبريالية والغزو الفكري وغسيل الامخاخ، واستعبادها للمركزية الغربية الصليبية والوثنية. ان خط (دلهي – لندره) هو الخط الرئيس الذي قامت عليه الامبريالية الرأسمالية المعاصرة، وهو نفسه الذي تطور لاحقا الى خط [دلهي- القاهرة- لندره]، ضمن مشروع تحويل العرابيا الى (هند عربية)، في مقابل (هنود حمر) و (هند صينية) في اقصى العالم. العالم في منظور منظري الامبريالية الانجليزية والاميركية ليس غير (هنود)و (هندوسية)!. وليست (الهندوسية) غير قاع غيبي وطبقي للوثنية الصليبية الامبريالية. ــــــــــــــــــــــــ • طلال الربيعي: لاماركسية شيوعية: حزب الشهداء- الحوار المتمدن- ع 6026- 17 اكتوبر 2018م.
(2) في العام (1850م)، بعد قرنين من قرصنة تجار الشركة الشرقية، كانت الهند مطواعة للحكم العسكري الانجليزي المباشر، ليس بصفة احتلال، وانما بصفة تحرير من همجية التجار وسمسرة المرزبانات والمهراجات. قام الحكم البريطاني بتسويق بعض مظاهر الحداثة والمدارس والتنظيمات الادارية، واستمر استزراع الهند وتمويل الاقتصاد البريطاني. في الجزء الأخير من تاريخه يكتب كلمنت(*): [الحرب اعطت زخما للحركات الوطنية/ القومية والمطالبة بالاستقلال. وفي مقابل تذمر خافت في أفريقيا/(ما عدا مصر)، شهدت أسيا حركات تمرد وعصيان أكبر. البلدان العربية المتشكلة للتوّ/(عقب الحكم العثماني)، تطالب بالتحرر وانهاء نظام الانتداب. الهند تطالب بمزيد من السيطرة والتحكم في شؤونها الداخلية... الحروب عادة، تقوم بتعجيل الحراك السياسي والاجتماعي..]. لقد كان للحراك الوطني الشعبي قبل قرن من الزمان، الدور الفاعل في اجبار الاحتلال على تليين سياساته والاهتمام بتلبية المطالب الوطنية بالعمران والتمدن واحترام الرأي العام الوطني وحقه في الحكم والسيادة والاستقلال، الذي دفع الانجليز لاتباع اتفاقيات التعاون والتبادل، بدل الطغيان الامبريالي. مغزى هذا الاقتباس هو تحفيز المقارنة بين الراهن المقذع والماضي الحيوي، ويمكن تلخيصه في ثلاث نقاط.. 1- الحراك الشعبي والنخب الوطنية كان لها دور الفاعل والمؤثر في مواجهة الاحتلال الأجنبي. 2- ان ما يقال عن ليونة الانجليز وانسانيتهم وتقدميتهم المجردة هو هراء مبتذل وتزوير ساذج لحركة التاريخ، والصحيح ان المحتل الانجليزي خضع للمطاليب الوطنية في بناء المؤسسات وضمان الخدمات، طمعا في كسب رضا المجتمعات، واطالة امد الاستغلال. مع ملاحظة ان الانجليز المعروفين بالخداع والحيلة في السياسة الخارجية، يتحاشون المواجهات العسكرية، لصالح الليونة التكتيكية لتحقيق أفضل الأهداف بأقل التكاليف، وما زال الانجليز يحظون بتقدير المجتمعات المحتلة من قبلهم. 3- الاميركان أكثر وحشية ودموية في سياستهم الخارجية، واقل وعيا وتقديرا للدبلوماسية والاتيكيت واحترام الاخرين، ولذلك تتزايد كراهة الأميركان في كل العالم بما فيها أوربا الغربية، رغم ظهورهم القصير. وقد سبق لعبد الرحمن منيف رصد الاختلاف بين نعومة الانجليز وفوضوية الاميركان في رواياته المتمحورة حول تاريخ النفط والصراعات الدائرة حوله. ويقدم كليمنت تفسيرا للهمجية الاميركية في كتابه السابق/(ص110) ممثلا في انعزالهم عن العالم لمدة طويلة، وأثارها العميقة في الشخصية الاميركية والاصولية السياسية لحكامها، إذ يرون أنفسهم، ليس مختلفين عن، وانما أكثر علوا من غيرهم، وهي علة الغرور والعنجهية التي انتجت روح سيادية جاهلة وهمجية عمياء. وعلى وتر التفاوت التاريخي هذا تعزف انجلتره البركست، لاستعادة نفوذها الامبراطوري/ الامبريالي السابق، مستغلة هزيمة الامبريالية الأميركية دبلوماسيا وسياسيا، وتحولها إلى مركز استقطاب كراهية الجميع، وبضمنهم أوربا الغربية أو الاتحاد الأوربي، المرشح بقوة لتصدر التمرد والعصيان العالمي ضد الامبريالية الهمجية. لقد توهم أحفاد رعاة البقر ان القوة والاساطيل العسكرية حرية بصنع امبراطورية قائمة على الارهاب والترهيب والقرصنة. اعتقدوا أن تدمير قيم الحداثة والتنوير والغاء مواثيق حقوق الانسان ودساتير الديانات العالمية، من السهولة بمكان، لتحويل العالم الى عجينة تحت اقدام السوبر باور الاميركي. ولكن القوة والمال تستطيع الكثير، ولكنها لا تصنع الحب ولا تنتج الاحترام ولا تخلق قيمة. ومن غير القيمة والاحترام والحب، فأن مصير مليارات البنكنوت هو العثّ، ومصير الاساطيل والسفن والطائرات والصواريخ هو الصدأ والسكراب، ومصير جنودها ومرتزقتها اليأس والمرض والانتحار. كل ما ينقص العالم هو الشجاعة والذكاء. كل ما يحتاجه العالم ليستعيد كرامته هو الغاء علاقته بالدولار الاميركي. هو العودة للنظام المالي والتجاري القديم في الزمن العثماني والروسي القيصري. ان غباء النظام العالمي السياسي والاقتصادي هو الذي منح واشنطن امتياز حقوق الصرافة الدولية، وأغرق كل دول الأرض في المديونية من غير أسى. كان العالم الحداثي قد احتج على الاقطاعي التقليدي في حق الليلة الأولى لصفقات الزواج، ولكنه تطوع بنفسه لمنح الحصة الأولى من السيادة والريع لقطب الرأسمالية العالمية. ان سقوط الامبريالية الأميركية سيكون سقوطا للجميع، جميع الذي اناخوا ورفعوا تابوتها على الأكتاف والرؤوس. معناه.. ثمة عالما جديدا سوف يولد. وكما تسعى السيبرنطيقا لسحق أجيال من البشرية للاستفراد بسيادة الأرض، فأن سقوطها، سيكتسح كل طبقات العبيد والمرتزقة الذين تطوعوا لتدوير عجلاتها. لقد افتضحت ناسا، وغدا تسقط الناتو. وما أن يسقط الدولار والبنك الدولي، سيجد الجيش الاميركي نفسه بلا امتيازات ورواتب، وبلا عمل، وتصبح واشنطن أثرا بعد عين. سقوط بابل الأولى، هو دائما نذير شؤم بسقوط بابل الجديدة. وكم بابل جديدة سقطت عبر التاريخ، وبابل الأولى لا تموت!. ــــــــــــــــــــــــــ H. A. Clement: British History 1865- 1965, Pub. 1966, Bristol GB. P.110- 111, 111
(3) يحسب للكولونيالية الانجليزية عنايتهم ببناء مؤسسات: الجيش والادارة المدنية والمدارس وليس أخيرا، بناء ارستقراطية برجوازية وطنية. هاته الركائز الأربعة مع ملحقاتها هي اركان بناء (المجتمع/ الدولة)، ومن دونها أو نقص أحداها تبقى الدولة عرجاء والمجتمع مشوها. فكرة البناء الانجليزية تقابلها فكرة الهدم الاميركية. فكرة الاحترام الانجليزية تقابلها فكرة الازدراء الاميركية الهمجية. الاميركان لم يقتلوا ملايين الهنود الحمر فحسب، وانما رضعوهم وشربوا دماءهم وتخذوهم طوطما لهم، لا يملكون عنه فصاما. الانجليز بالمقابل ذهبوا للشعوب والأعراق والمدنيات القديمة، ونقلوا عنهم، كما فعل الاغارقة الكلاسيك، وبعدما تعلموا منهم سادوا عليهم، وفق مبدأ البراغماتية الميكافيللية. الانجليز بنوا الجيش العراقي، الأميركان حلوا الجيش العراقي واستبدلوه بمأفيات شبحية من كل البلدان، وظيفتها هدم الركائز والقواعد والاخلاقيات الاجتماعية للمجتمع العراقي. الجيش في كل البلدان، وسيما الاقليمية، هو صمام أمان البلاد والمجتمع. انظر للمثال التركي والمصري. لولا الجيش التركي، لكانت تركيا اليوم ماخورا لكل القوى الأوربية، ليس في السياحة ولكن في السياسة والاقتصاد والدين والمجتمع. ولولا الجيش المصري، لكانت مصر اليوم في خبر كان. ومنذ (1919م) كان الجيش المصري هو الماسك برباط السيادة والوحدة المصرية. الجيش وليس الحكومة المصرية. لذلك اختارت الحكومة أن تبقى تحت حماية الجنرالات. وبغض النظر عما يقال عن العسكر، فلولاهم، ما كانت مصر. هذا هو اختلافها الوحيد عن ليبيا والعراق مثلا. ولعل التواشج العسكري والشعبي خلال الانتفاضة المصرية، يبين أهمية هاته النقطة، ويفند استعداء الجيش للشعب. اعتزاز المجتمع بالجيش، والجيش بالشعب، لم تتبلور في العراق أو ليبيا، التي لم تتوفر على شخصيات مثل عرابي وسليمان خاطر. ونكاية في الأمر، استبدل الاميركان جيش العراق بالمآفيات. مأفيات من كل الألوان، وعراق اليوم عراق مافيات، وليس عراق جيش. بناء الجيش خطوة اولى لبناء مجتمع ودولة مدنية. ومنذ عقد ونصف يخضع العراق للمافيات وغياب المؤسسة العسكرية الوطنية. إذن، هل يوجد من يستطيع حل المآفيات ونزع أسلحتها، ليس في البصرة وكردستان، وانما في كل العراق!. أي بلد تحكمه المآفيات لا تكون صورة الدولة غير الفوضى، ماذا تكون صورة النظام غير اللاشرعية. ماذا يكون المجتمع وثقافته وديانته، غير صناديق الخوف. من المسؤول عن سقوط الموصل وملحقاتها، هي دولة المآفيات، ومآفيات اركان الحرب، فلان وعلان/(راجع حقبة الحرب الأهلية في لبنان).. عقب الموصل اعيد بناء جيش (!)، وتأخر تحرير الموصل بسب جدل عقيم، من يقوم بالتحرير، الجيش الجديد، أم المأفيات. وطيلة عمليات الحرب، لعب اعلام المافيات دوره في تشويه سمعة الجيش، ومصادرة منجزاته، والتشويه المستمر لقيادته واتهامها بالخيانة والمطالبة بمحاكمته وقصص الفساد التي لم توجد إلا في وزارة الجيش. وبعد قصص الحل والشل الأميركية، ماذا كان مصير الارستقراطية المدينية والبرجوازية الوطنية، الصناعية والثقافية المحدودة. هاته لم تحل وتشل فحسب، وانما وضعت تحت رحمة المأفيات وتصفيات الكف المجهول/(سلطة الحكومة السرية في العراق). التغير القيصري الحاصل في العراق لم يكن تغيرا سياسيا، وانما تغيرا مجتمعيا طبقيا، تم تهميش وتصفية البناء الطبقي المديني والثقافي الوطني، واستبداله بطبقة اجتماعية طائفية مفروضة على المجتمع والوطن بتوربينات دفع خارجي، اقليمي ودولي. ولم تأل جهدا منذ اللحظة الاولى في استخلاف السلطة و مؤسسات الدولة، في استملاك ومصادرة ما يدعى بممتلكات صدام ونظامه، وانما أكثر من ذلك استملاك أحياء وقطاعات بغدادية من سكانها الأصليين، واستحلال اراضيهم وبيوتهم بقوة تزوير الطابو. كل التغيرات في رأس السلطة وقواعد المجتمع، ومستندات الملكية وفئات الاقطاع والملكية لا تتم في وجود دولة وجيش وسلطات شرعية. من المناسب هنا تخريج المداخلة والمراوغة بين المفهوم السياسي والمفهوم الديني لمصطلح (الشرعية). هذا التداخل والتشويش المقصود ظهر في مصر عقب خلع محمد مرسي، وكانت المطالبة بعودة الشرعية/(شريعة)، اما في العراق، فقد تم خلط عشواء بين الاثنين، في التركيز على شخصية (سيستاني) في السنوات الأولية حيث كان رئيس الحكومة والوزراء واعضاء البرلمان رائحين عائدين من مراجعة المرجعية، حتى قال قائل من بينهم، ان المرجع الأعلى لا يقابل أحدا، وانما المقابلات تتم مع (سكرتير) المرجعية، وبعدها ظهرت نداءات سيستانية، لم تعرها الحكومة أي اعتبار. لقد جرى استخدام المرجعية (غطاء) لتمرير شرعية (دينية) للحكم المستجد، ثم اهملت بعد تجاوز الحاجة. استمرار المآفيات في فضاء العراق، دليل اثبات عدم استقرار البلاد ، ودليل وجود حلقات غير مكشوفة من السيناريو، والكلام هنا كثير ولكن اللاعبين في المشهد يتجنبونه وكواليس المشهد عميقة ومصطرعة. حسم الكلام: لا عراق بلا جيش وطني، ولا استقرار بلا شرعية الحكم، وفي انتظار ذلك، يطول الانتظار. (4) قوات التحرير التي غلبت الجيش البريطاني/(1775م) كانت المحرك الأول لفكرة السيادة والاستقلال الأميركي، ومن غير الجيش الأميركي، لما تبلورت واكتملت هيئة الدولة الأمريكية، وحتى اليوم، تتباهى الولايات المتحركة بجيشها وقواتها المسلحة. فكم هي جدية واشنطن في بناء دولة عراقية بلا جيش. لابد ان اعضاء مجلس الحكم ناقشوا الامر مع بول بريمر، واحتفظوا بالسر. في انتفاضات تونس ومصر/(2010- 2012م) كان هناك استنساخ وتكرار العرض المسرحي الذي تورادته بلدان أخرى، بحرفية أدنى. محور الانتفاضة/ الاستنساخ كان شعار (الشعب يريد اسقاط النظام). هل اسقاط النظام يتضمن الجيش ايضا، ظهر ذلك متأخرا في الحالة المصرية ودعم واشنطن والسفارة الاميركية للاخوان المسلمين. لكن ما افتقدته الانتفاضات العارمة والفائض الاعلامي العالمي الذي سخر لها، انها لم تتطرق لواشنطن من قريب أو بعيد، ولم تكن ثمة مطالبة بسقوط الامبريالية الأميركية أو ضد واشنطن. وهنا مكمن السذاجة، فما هي عيوب (النظام) غير تبعيته المطلقة للاملاءات الاميركية، بدء بمقررات كيسنجر وانفتاح السادات وليس انتهاء بتماهي الحكم المصري في المنظومة الاميركية. فلا مراء ان يكون مغزى الانتفاضات استبدل حصان بحصان، تغيير الحصان القومي بحصان وطني، تغيير الحصان العلماني الكافر بحصان اسلاموي، وكل منهم اكثر طواعية لواشنطن من سابقه. مصر قلب العروبة الستراتيجي. والسيطرة على مصر/(مثله مثل اسرائيل) شل للارادة العربية القومية، ونسف امكانيات الحراك في المنطقة. كل الاحتلالات الغربية استهدفت السيطرة على مصر. لكن العراق ليس مصر. العراق دولة هامش، رغم توفره على عناصر قوة مكتملة، وتاريخه البابلي والاشوري والعباسي، يثير الرعب حواليه. فالجوار الاقليمي فضلا عن الامبريالية العالمية، من مصلحتها قلع أنياب العراق وأظلافه وتقطيع اصابعه حتى لا يمسك عصا ولا يضغط على زناد. لكن تجريد العراق من عروبته وتسليمه لبرنامج تفريس وتكريد وتتريك أمر لم يذكره أحد للآن. رغم ان هذا هو محور الائتلاف الامريكي الايراني في مشروع غزو العراق/(2003م). وإذا كانت واشنطن اصدرت أمر حل الجيش العراقي، فأن شريكتها تكفلت بملاحقة منتسبي الجيش المنحل، وتجريمهم باعتبارهم شاركوا في الحرب ضد ايران المقدسة. أما العراقيون الذين تطوعوا في الحرب ضد بلادهم وشعبهم، فقد منحوا امتياز التسلط على حكم الشعب الشعب العراقي، وبهذا تحققت ذروة الدمقراطية الأميركية في العراق. إذا كانت واشنطن ملوثة بعارها في كوريا وفيتنام وكوبا، فلم يزيد عارها في العراق الوضع سوءا. العار هو العار، زاد أو نقص، طال أم قصر. سبب الغاء الجيش العراقي هو اختزال تهديده لكيان اسرائيل بالدرجة الاساس. تم قلع التهديد المصري بتوقيع السادات. وجب الغاء الجيش العراقي من اتلوجود وتحويله الى دولة سياحية مثل جنيف أو تايلند. في الموافقة على حل الجيش الوطني، تأكيد لعدم وطنية الحكم السائد. وجود جيش ايراني في العراق، لا يشكل تعويضا عن وجود الجيش الوطني. أي وجود أجنبي في بلد ما ينتقص من السيادة الوطنية ومعنى الاستقلال والكرامة. هل يحل للطائرات العراقية التحليق في اجواء ايران لأغراض سياحية أو التقاط صور للطبيعة، حسب اتفاقية التعاون الستراتيجي بين البلدين. هذا ما ناقشه احمد صادق سعد حول الاتفاقية الستراتيجية بين حكومة صدقي المصرية وانجلتره. فالطائرات الانجليزية تحلق في اجواء مصر الصديقة، فهل يسمح بتحليق طائرات مصرية في أجواء لندن الصديقة؟.. بالنتيجة، يجوز، بل، ان تحلق الطائرات العراقية العسكرية في اجواء الولايات المتحدة الأميركية واجواء ايران الصديقة والحليفة الستراتيجية، طالما أن طائرات واشنطن وطهران تجوب أجواء العراق، بوصصفها حديقة خلفية لتنفيس الكآبة!. (5) اذا كان ثمة عهد جديد، فالسطر الأول فيه هو حل المافيات ونزع الأسلحة من الأهالي والمافيات وحصر القواة العسكرية في اطار الجيش الوطني قبل كل شيء. ويكون الجيش حرا مستقلا خارج النزعات الحزبية والطائفية والولاءات غير الوطنية.. عندها فقط يمكن رؤية بصيص في النفق.
#وديع_العبيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البلادة/ ASimpathy
-
علم بلا أخلاق/ AMoral Science
-
عولمة بلا أخلاق/ AMoral Globalization
-
ما قبل الكولونيالية..
-
ما بعد الامبريالية..!
-
من رأسمالية الدولة الى دكتاتورية الرأسمالية..
-
عولمة.. فوضى ونفايات
-
اكذب تضحك لك الدنيا!..
-
عن اليتم والبصرة والشارع الوطني..
-
القرصنة الثقافية وتهجين العقل
-
المكان هو اليوتوبيا
-
كاموك- رواية- (78- 84)- الاخيرة
-
كاموك- رواية- (71- 77)
-
كاموك- رواية- (64- 70)
-
كاموك- رواية- (57- 63)
-
كاموك- رواية- (50- 56)
-
كاموك- رواية- (43- 49)
-
كاموك- رواية- (36- 42)
-
كاموك- رواية- (29- 35)
-
كاموك- رواية- (22- 28)
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|