ناهده محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 5996 - 2018 / 9 / 16 - 14:31
المحور:
الادب والفن
موت وردة الأقحوان البيضاء
إلى العزيزة لمى مع أطيب التحيات
فاجأني اليوم الفيسبوك بقوله بأنه يوم ميلاد إبنة إحدى صديقاتي . كنت أدعوها دائماً بأنها الجميلة من الداخل والخارج لكن الغريب في الأمر أن يوم ميلادها قد جاء بعد يوم وفاتها ، وكانت وردة قد تفتحت قليلاً لكنها سرعان ما أغلقت أوراقها وتهيأت للرحيل ، وأشارت لي وللجميع بيدها وشعرها الأسود الجميل المنثور وقالت وداعاً ، كان صوتها نابعاً من باطن الأرض وكأن الأرض كانت تدعوها إليها ، لكن السماء كانت دائماً أقرب إليها من الأرض . كان ماضيها وحاضرها يدعو للبكاء ، لكني لم أرها يوماً تبكي ، كان قلبها ضعيفاً لكني لم أر يوماً أجلد من قلبها ، وإذا ما إبتسمت إبتسمت بحزن وكأنها تعلم متى ستكون النهاية . كنت كلما إلتقيت بها أشعر بأنها الأخيرة ، فأودعها بقلبي وعيني حتى تختفي عن ناظري .
حين كانت تدخل في المكان الذي أنا فيه ثم تخرج كأنها ريح طيبة لا تثير غباراً ولا عاصفة لكنها كانت كغيمة ماطرة وحيدة في سماء صافية تثير الشجون ولا يملك لها أي منا سوى الدعاء . كنت أتمنى أن أراها يوماً فرحة لكن أحزانها كانت كثيرة وقلبها قد شاخ على صغر . تمنيت لو أنني إستطعت أن أغير شيئاً من قدرها القادم ، إلا أننا نحن البشر ضعاف لا نستطيع أن نغير الحتميات ، وكلنا نمشي مشياً وئيداً نحو النقطة الأخيرة .
الحياة جميلة من حولنا لكن من الغريب أن من نودعهم هم أكثر ممن نستقبلهم ، والأعجب أن من نودعهم هم أخيارنا وأفضل من فينا ، وقد نرى أحياناً أن مَن من حولنا هم أموات ، ومن ذهبوا عنا هم الأحياء ، فقد يبقى إنسان بخير ما فعله حياً لقرون يُذكر ولا يُنسى ، وقد يموت شخص متنفساً أمامنا نافثاً سمومه في الهواء .
إن السماء حينما تمطر على أحيائها وأمواتها قد تُنبت زهراً فوق شبابيك أمواتها لكنها لا تنبت إلا الشوك من بين أجساد أحيائها أحياناً . فلقد أدخلتنا الحضارة إلى معصرة تاريخية تعصر الخير الذي فينا وتحوله إلى تكالب وجشع وهوس مادي ، ومن يحافظ منا على عصارة روحه وخيرها هو أصلحنا للوجود ، لكننا وللأسف لا نملك لعبة الحياة والموت بل نحن لاعبون صغار في هذه اللعبة ، ولكل منا دوره القصير والذي لن يكون مخيراً فيه .
#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟