|
وهم فرويد-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 7
لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان
(Lama Muhammad)
الحوار المتمدن-العدد: 5986 - 2018 / 9 / 6 - 22:52
المحور:
الادب والفن
"لا تكبتوا الهوايات لأن في كبتها مرضكم”. من رواية عليّ السوريّ ..بقلم: لمى محمد
أنت قادر على تسخيف كل شيء في هذي الحياة، كل شيء بمعنى الكلمة.. يهتم بعض الناس بتسخيف الحياة، و ذلك بالسخرية من تفاصيل غيرهم التي لا تلائم طبيعتهم..
و لعلّ كلنّا شاهد حالة شخص يسخر من: حب امرأة ما للطبخ أو للموضة، حب شابٍّ لكرة القدم أو للأغاني، اعتناق شابّة لأفكار كاتب ما.. ونرى يومياً حالات تسخيف الأفكار.. إن كانت مخالفة لما يعتنقه الشخص.. تسخيف الأديان من قبل غير المعتنقين لها أو غير الوارثين لها.. تسخيف فكرة “ الله” من قبل الملحدين.. و تشابهات لا تنتهي…
-ما السبب وراء كل ذلك؟ -ببساطة: خساراتنا اليومية لبعضنا، تحزباتنا، و اختياراتنا أسبابها نفسيّة… ************
حكاية علاء: أرسل قصته بالتفصيل، فيما ذكر: “ أحببت الطبخ، و موهوب جداً فيه، لكنّ أبي قال أنّه عمل (حريم) و طردني من البيت.. أحسّ نفسي سخيفاً، لكن عندما أطبخ أشعر بالراحة.”.
حكاية بشرى: من ما كتبتْ: “أريد أن أصبح مصممة أزياء.. هذا ما أحبه.. أهلي يقولون لي أختك دكتورة و أنت تصيري خياطة.. عيب.. بعد طلاقي، توقف ابني عن مكالمتي، و أصبت بمرض عضال في المعدة.. لم يعرف كل الأطباء ما هو لكن لديّ أعراض حقيقية و لا أحد يصدقني.”.
حكاية صفوت: فيها كتبَ: “ عندما سكنت في الغرب لم أكن أعرف أنهم سيسخرون من معتقدي.. ليس كلهم أعرف، لكن لماذا يُسَّخِفُون ما ألجأ إليه ليحميني من ظلم الحياة؟ أنا أفتخر بإسلامي و لست أفرضه على أحد، أين الغلط؟”.
حكاية زينة: في سطر منها: “بعد طلاقي، قالوا أني أصبحت المشجعة الأولى ضد الرجال، لكن أنا أعتقد أنّ برنامجي الإذاعي ليس ضد الرجل، بل هو مع المرأة و لتشجيعها على أن تكون قويّة” .
تختصر حكايات الأشخاص السابقين عالماً سحريّاً في الطب النفسي، و مع كون الرأي السائد و الموروث المكرر في هذا المجال من الطب هو اعتناق أفكار فرويد، إلا أنّ من يقرأ تاريخ الطب النفسي و يتعمق في كتب كثيرين من رموزه قبل فرويد و بعده سيرى بشكل ناضج أن فرويد كان واحدآً من كثر و أن الهالة التي رسمت حوله رسمت لأسباب سياسية، لسنا بصدد الكلام عنها اليوم. ****************
كيف نستطيع التأقلم مع بشاعة الواقع و جماله حتى؟ الجواب عند كثير من أطباء النفس، نتأقلم عبر ما يسميه الطب النفسي: دفاعات الأنا التي تحدّث عنها الأطباء و الفلاسفة منذ القدم.
الغالبية منّا سمعوا بهذا المصطلح و يعرفون عنه الكثير، لكن الذي يتجاهله الجميع أنه يرى استخدام الدفاعات عند غيره و لا يملك الوعي الذاتي ليراه عند نفسه.
قسّم الطب النفسي النفسَ: إلى وعي و لا وعي.. إلى أنا، هو، و أنا أعلى…
بشكل شديد البساطة: ال: “هو”: هو القسم المخفي في كل منّا،لا نريد لأحد أن يراه.. تتملكه الرغبات.. الأنانيّة و نزعة البقاء… “الأنا الأعلى”: هو أيضاً مخفي.. لكن نحاول إظهاره.. هو المثالية في كل شيء.. محاولة الظهور بمظهر الملاك و إتباع الموروث المتوافق عليه.. دونما أدنى تفكير. أما “الأنا”: و هو القسم الذي يشاهده من حولنا، فيحاول إحقاق حالة من السلام بين “ الهو” و “ الأنا الأعلى” ، ليضمن الاستقرار النفسي، و ليفعل ذلك يحتاج إلى ما يسمى دفاعات الأنا. ****************
دفاعات الأنا كثيرة جداً، و تقسم بدورها إلى دفاعات: ناضجة، غير ناضجة، عصابيّة، و مرضيّة.. سأذكر أمثلة متعلقة بالحكايات التي وصلت إلى موقع الطب النفسي الجسدي:
الإسقاط: Projection: أول من وصفه ليس فرويد، بل جيامباتيستا فيكو.. هو دفاع أنا غير ناضج: و فيه تحاول الأنا إسقاط مشاعر صاحبها السلبيّة أو غير المرغوبة على شخص آخر: مثاله: “ الشخص الذي يكره زميله في العمل، فيقول أن زميله يكرهه.. مثاله أيضاً: شخصٌ أساء لزميله، ثم اعتقد في لا وعيه أن زميله أساء إليه.. مثال آخر: ذكر يخون زوجته، فيصبح شكاكاً بها و يعتقد ضمنيّاً أنها تخونه.
وهم المرض: Hypochondriasis: أول من وصفه ليس فرويد، بل أبقراط.. هو دفاع أنا غير ناضج، وفيه يحوّل الشخص عدم قدرته على محاكاة طموحه العلمي أو الاجتماعي إلى هوسه بكونه مريض جسديّاً..
مثاله: شخص يتمنى حياة اجتماعية معيّنة و لا يقدر على إنجازها، يشغل نفسه بأعراض مرضيّة و يسّكن ألم لا وعيه بلاحقه أعراض جسدية.. مع الانتباه إلى أن الشخص يفعل ذلك ب اللاوعي يعني لا يعلم أنه يختلق الأعراض.. لأنها بالنسبة إليه حقيقية.
مثال آخر: بعد فشل علاقاته مع أولاده أصبح لدى الشخص آلام مستمرة في المعدة، جميع التحاليل الطبية و التناظير طبيعية، لكن الشخص متأكد من وجود مرض خفي لم يقدر الأطباء على كشفه: هنا الشخص بوساطة اللاوعي يحاول كسب تأييد أولاده و تعاطف من حوله.
التكوين العكسي: Reaction formation: أول من وصفه ليس فرويد، بل لودفيغ فويرباخ. هو دفاع أنا عصابي و غير ناضج، و فيه يحوّل الشخص مشاعره السلبيّة أو غير المرغوبة إلى نقيضها: مثاله: عند شخص كثير من الميول الجنسيّة الشاذة و الأفكار العدوانيّة.. يتحوّل إلى شيخ متطرف يتفنن في تكفير و تشويه صور الآخرين. مثاله أيضاً: شخص يشعر بالنقص ولا يحترم إنجازاته، يتحول إلى شخص مغرور (فخور) معتز بنفسه بطريقة مرضية…
الكبت: Repression: أول من وصفه ليس فرويد، بل جوزف برور. هو دفاع أنا عصابي و غير ناضج، فيه يقوم الشخص بكبت المشاعر غير المرغوبة اجتماعياً أو أخلاقياً. مثاله: شخص يحب النحت لكن في نظر موروثه النحت حرام، أو يحب الرسم لكن ليس لديه وقت لذلك.. يقوم بكبت هذا الحب، ليظهر كشخص قَلِق متوتر و عصابي كل الوقت. و من هنا أتت جملتي في رواية علي السوري: لا تكبتوا الهوايات لأن في كبتها مرضكم”. مثال آخر : شخص لديه ميول عدوانية ضد النساء بسبب رضٍّ نفسي في طفولته أو حياته مع أم مستبدة، يكبت هذي المشاعر، لكنها تظهر بصورته كزوج معقد يضرب زوجته و يهينها.
الفكاهة: Humour: أول من وصفها ليس فرويد، بل أفلاطون. هو دفاع أنا ناضج، و محبب في كثير من الحالات. و هو تحويل الشعور السلبي حول موقف ما إلى مناسبة لإضحاك النفس و من حولها. مثاله: الشخص الذي تزعجه عدم قدرته على قيادة الدراجة فيقول : أقود الدراجة كالضفدع. مثال آخر: الشخص الذي يزعجه رسوبه و نجاح صديقه، فيقول له: أنت فأر كتب أنا فأر حياة… استخدم الأدباء الفكاهة(الظرافة) كَفَّنٍ لإيصال الأفكار المزعجة، وهناك قول مأثور تنسبه الغالبية ل برنارد شو :” إن أردت أن تقول للناس الحقيقة، فقم بإضحاكهم و إلا قتلوك.”. و هذا القول يلخص محور الأعمال السينمائية الهادفة مثل المسلسل الشهير: ضيعة ضايعة، و مسلسل مرايا.. مسرحية الزعيم.. فلم رسائل شفهيّة…
تخضع الدعابة لقواعد ثقافة الفرد و المتلقي، ويحكمها العقل و تحديد المقبول حسب الثقافات. في قول آخر الفكاهة المحببة لا تقتل الاحترام، و إن قتلته فحديثها يطول و أفضّل تسميتها بالسخريّة.
التسامي: Sublimation : أول من وصفه ليس فرويد، بل نيتشه. هو دفاع أنا ناضج، و محبب غالباً، و هو تحويل المشاعر السلبيّة إلى عمل محبب ما.. مثلاً بعد الحزن الشديد بسبب الطلاق تقوم الزوجة بالتركيز على عملها، فتبدع فيه.. بعد طرده من العمل لأنه غير مجتهد، يتحول اهتمام الشخص لإثبات ذاته للاخرين و يكمل دراسته، فينجح و يتألق. بعد فشل مشروعه و سخرية الناس منه، يقوم الشخص بالعمل ليل نهار على إنشاء مشروع عظيم. يختلف البشر بأحلامهم و بقدراتهم على التسامي. **********
أنت قادر على تسخيف كل شيء في هذي الحياة، كل شيء بمعنى الكلمة إلا في حالة واحدة أن تكون مريضاً و في حاجة إلى دواء.. هذا الدواء هو مقدسك و معبودك و لن تسمح لأحد بتسخيفه. ما أقصده أن ما تعتبره أنتَ سخيفاً، قد يكون الملجأ الوحيد لصاحبه. لا تنسَ: دفاعات الأنا التي يستخدمها غيرك، تستخدمها أنت.. الوعي الذاتي هو أول خطوة في طريق نجاحك.
بشكل مباشر، شديد البساطة و خفيف جداً، سأستمر في " حكايتي"...
طرح الحكاية قد يفيد صاحبها قليلاً، لكنه يساهم بشكل كبير في زيادة التوعية بالطب النفسي و محاربة الوصمة تجاه الأمراض النفسية. في القرن الحادي و العشرين إن شاهدت من يقول لك، لم و لن ألجأ إلى الطب النفسي في حياتي.. اعرفْ أنك تتحدث مع شخص لا يعاني فقط من أعراض بسيطة، بل قد يطول علاجه لسنوات.
أنتَ كما تحلم أن تكون...
لا تنسوا أرسلوا حكايتكم إلى موقع الطب النفسي الاجتماعي: https://www.sociosomatics.com
يتبع…
#لمى_محمد (هاشتاغ)
Lama_Muhammad#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مرآتك -الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي6
-
“ أنا ما قتلت” التي كشفت الكعبة!
-
غاردي دبيّ-عليّ السوريّ: الجزء الثاني 7-
-
ليثيوم-الطب النفسي الاجتماعي-حكايتي 5
-
ثلاث عيون و أنفيَن- عليّ السوريّ الجزء الثاني 6-
-
سأضع الحجاب- العلاج النفسي الاجتماعي- حكايتي4
-
بين الأكراد و اليزيديين: ضاع الشرف العربي-عليّ السوريّ الجزء
...
-
لماذا طلّقني؟-الطب النفسيّ الاجتماعيّ- حكايتي3
-
تظاهرات العراق: رعب الحكومات العربية في تجدّد دائم...
-
تونس وطن الله على الأرض-علي السوري الجزء الثاني4-
-
سيروتونين-الطب النفسي الاجتماعي- حكايتي 2
-
حكايتي - الطب النفسي الاجتماعي 1-
-
القاهرة و إبريق الحلوى- علي السوري الجزء الثاني-3
-
بيروت و إله الحرب - علي السوري الجزء الثاني -2-
-
مُتيَّمٌ في بغداد- علي السوري الجزء الثاني- 1
-
ثلاثة أزمنة و كفُّ الغول- العلاج النفسي الأدبي 30-
-
حضراتكم: من لعنة الفراعنة إلى لعنات الصمت- العلاج النفسي الأ
...
-
عُقَدٌ واحدة من المحيط إلى الخليج-العلاج النفسي الأدبي 28-
-
هيومان ترافيكينغ-العلاج النفسي الأدبي27-
-
عفرين و اغتصاب الإسلام- العلاج النفسي الأدبي 26-
المزيد.....
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|