أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - طوبَى لصُنّاع الفرح














المزيد.....

طوبَى لصُنّاع الفرح


فاطمة ناعوت

الحوار المتمدن-العدد: 5977 - 2018 / 8 / 28 - 14:48
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


اجتمعتِ الأعيادُ الدينية هذا الأسبوع لتتأكد حقيقتان. الأولى أن الفرح ظاهرةٌ إنسانية، والثانية أن اللَه واحدٌ، نورٌ غامرٌ يُدثّرُ الكونَ، كلٌّ يراه من زاويته.
أما الحقيقة الثالثة فهي أن "صناعة الفرح، فنٌّ". في الموعظة فوق الجبل يقول السيد المسيح، عليه السلام في تطويباته التي بدأها بتطويب المساكين والحَزانى: "طوبَى لصانعي السلام."، وبما أن السلامَ يأتي بالفرح، ولا فرحَ بدون سلام، فبوسعنا أن نقول: "طوبى لصُنّاع الفرح". فصناعةُ الفرح فنٌّ رفيع. أن ترسم البسمة على وجه حزين. أن تلوّن عينين مكسورتين بريشة الحُبور. أن تنقل قلبًا واجفًا راجفًا من خانة الوجع والقلق، إلى خانة الدِعَة والاطمئنان. تلك رسالةٌ لا يحملُها إلا أخيارُ العالم. وفي تقديري هي "فرضُ عين" على كل بشريّ يمرُّ فوق هذا الكوكب المُثقَل بأحزاننا. لا شك أنكم شاهدتم مثلي إحدى تلك الصور الفوتوغرافية البديعة التي تُخلّد لحظاتٍ وجوديةً بالغةَ الاستثناء في الحنوّ والعذوبة، اختطفتها عدسةٌ ذكية من جعبة مدونة الزمان التي تعجُّ بمشاهد القتل والدمار والقسوة. طفلان فقيران نحيلان في أسمال ممزقة، عليهما سيماءُ العَوَز والجوع، الكبير فيهما في الرابعة من عمره تقريبًا، يمد يده بكسرة خبز إلى الطفل الأصغر ذي العامين، فيمنحه الصغيرُ نظرة امتنان وحب، وتكسو عينيه لمحةٌ من الفرح. ها هنا حزينٌ، منح شيئًا من الفرح، لحزين آخر. مشهدُ قِطّة تحتضن عصفورًا جريحًا، وتلعقُ بلسانها نزفَه ليبرأ. مشهدُ طائر يحمل في منقاره شربةَ ماء ليسقى ظبيًا مكسور الساق.  
ذاك هو فنُّ صناعة الفرح والسلام الذي منحه اللهُ لمخلوقاته. فاستثمر البعضُ تلك النعمة وملأ الكون جمالا، في حين أهدرَ البعضُ الآخر مِنحتَه السماوية، فكان كمن "تأبط شرًّا" ومضى ينثر في الأرض الخراب.
أما فنُّ تحويل المحنة إلى منحة، والعذاب إلى عذوبة، والحزن إلى فرح وجمال، فتلك عبقريةٌ أخرى لا يُتقنها إلا القليلون من البشر. قرأنا قبل سنوات في جريدة "ديلي ميل" الإنجليزية عن البريطاني وينستون هويس، الذي توفيت زوجته بالسكتة القلبية المباغتة. ضربُه الحَزَنُ المُرُّ. وفي يوم جنازها، قرّر أن يشيّد لجثمانها مكانًا للراحة الأبدية يختلف عما درج عليه البشرُ في بناء الأضرحة والقبور. قرر أن يغزل لها ضريحًا، صناعة يد، Hand made، مثلما تغزلُ المرأةُ دثار تريكو لحبيبها. أيُّ ضريح يليق بجميلته التي غافلته وطارت إلى حيث يطير الأحبةُ ولا يعودون؟ أيُّ قبر يناسب حبَّه لها، وهولَ الفقد الذي اعتصره بخسارتها. عشيةَ موتها، بذر آلاف البذور من أشجار السنديان، على محيط مساحة شاسعة من الأرض بلغت ستة فدادين. رسم البذور المنثورة على شكل قلب فارغ. ووضع في منتصف القلب، مقعدًا وحيدًا، يواجه المنزل العتيق الذي قضت فيه زوجته الراحلةُ طفولتها وصباها وفجر شبابها حتى تزوجها. ظل الأرملُ يذهب إلى حديقته/الضريح كلَّ يوم، يسقي البذور ويحرث التربة، ثم يجلس وحيدًا على المقعد ينظر إلى شرفة الجميلة التي لم تعد هناك. يراقب بذوره التي انبتت براعمَ طفلةً. ثم سيقانًا خُضرًا نحيلة. واشتدَّ عودُ السيقان مع الأيام، واكتست وريقاتٍ خضرًا دقيقات، لتتحول مع الأعوام إلى شجيرات. وظل الأمر سرًّا من أسرار العائلة لا يعرفه إلا الزوج الحزين، والابن الوحيد. وحين بلغ الزوج السبعين من عمره، كان سبعةُ عشر عامًا قد مرّت على البذرة الأولى. وكانت الأشجار قد بلغت عنان السماء طولا وأوراقًا وإشراقًا وعشقًا. انكشف السرُّ الرومانسيّ للعالم، حين صوَّرَ القلبَ الشجريَّ الأخضرَ مِنطادٌ طائر، فانتشر خبرُ الزوج العاشق في أرجاء العالم.
هنا فنٌّ جديد ابتكره عاشقٌ حزين. تحويل الوجع إلى بهجة وجمال. ومضة بارقة ألمحت في عقله لحظة مواراة جثمانٍ حبيبٍ في الثرى. ربما فكّر أن حبيبته هذه تشبه البذرة الخصبة التي ستنبتُ أوارقًا خُضرًا إن هي زُرعت في الأرض. فكان أن قرر تحويل الفكرة الفانتازية إلى حقيقة بصرية يراها العالم، فيتعلمون درسَ الحب، ودرس الفرح. فطوبى لصناع الفرح، لأنهم ينثرون في الأرض السلام.

***



#فاطمة_ناعوت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشهرُ صفقة باب في التاريخ
- هرمُ الإسكندرية ... والشيخُ سيد
- حين يفترسُنا العشقُ سرًّا
- دموعٌ على جديلة … وآيسبرج على حُفاة!
- بوق نذير: -أنتِ ماحساش بالناس-!
- هل تعرفون المصريين الأرمن؟
- أسئلةُ -جوجان- الصعبة
- المتحف الكبير … هديةُ مصرَ للعالم
- نادي الشرق الأدنى للأرمن
- قواعدُ الرجال … يا نساء العالم!
- ه. ق. … أقصر رسالة في التاريخ!
- على أبواب الجامعة: كهف الفيلسوف، وحبل الفيل
- الخوف من الخوف
- لماذا الأوغاد لا يسمعون الموسيقى؟
- من الذي جرح ساقها؟
- كتاب الأخلاق … يا وزير الأخلاق
- كارما… المسيحيُّ في قلب المسلم
- لكي لا ننسى صناع الهلاك!
- خطأٌ مطبعيٌّ ... بالقلم الكوبيا
- محمد صلاح ... وجه مصر … من وجوه الفيوم


المزيد.....




- لوباريزيان: سجن 3 طلاب أرادوا إنشاء دولة إسلامية بفرنسا
- “هالصيصان شو حلوين”.. اضبط تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 ...
- “شاور شاور”.. استقبل تردد قناة طيور الجنة الجديد 2024 على ال ...
- قصة الاختراق الكبير.. 30 جاسوسا معظمهم يهود لخدمة إيران
- بالفيديو: خطاب قائد الثورة الإسلامية وضع النقاط على الحروف
- السفير الديلمي: كل بلدان العالم الاسلامي مستهدفة
- مقتل وزير اللاجئين في حركة طالبان الأفغانية بانفجار في كابول ...
- المرشد الأعلى الإيراني: الولايات المتحدة والنظام الإسرائيلي ...
- المرشد الأعلى في إيران يعلق على ما حدث في سوريا
- بابا الفاتيكان يوجه رسالة للقيادة الجديدة في سوريا


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - فاطمة ناعوت - طوبَى لصُنّاع الفرح