جاسم محمد دايش
كاتب وباحث
(Jasem Mohammed Dayish)
الحوار المتمدن-العدد: 5968 - 2018 / 8 / 19 - 03:42
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
المدركات السياسية بين العراق والأردن
جاسم محمد دايش
مقدمة
منذ بداية التحول السياسي في العراق عام 2003 والموقف العربي بشكل عام يتسم بالنسبية والحذر . ومن هذه المواقف , الموقف الأردني تجاه هذا التحول . والدبلوماسية العربية جامدة تراقب دون تحرك برغم المحاولات الدبلوماسية العراقية جذب الدعم العربي , والعمل على تكثيف الحضور الدبلوماسي للدول العربية المجاورة ومنها المملكة الأردنية الهاشمية .
أولاً:-الإدراك العراقي للأردن .
أن التغيير الذي حصل في النظام السياسي العراقي أوصل إلى السلطة السياسية أحزاب عراقية ذات توجهات وأفكار معارضة نوعاً ما على الدور السلبي للحكومات العربية ومنها الحكومة الأردنية في التعامل مع الشعب العراقي إبان حكم النظام العراقي قبل الاحتلال , وقد أصبح لهذه الأحزاب دور أساس ومهم في تشكيل المعادلة الداخلية العراقية ودور أكثر أهمية في رسم سياسة العراق الخارجية مع العرب بعد عام 2003 .
حصل العراق على الاعتراف الدبلوماسي ضمنياً من قبل المملكة الأردنية الهاشمية منذ العام 2003 منذ تشكيل "مجلس الحكم الانتقالي العراقي " وبمخرجات الاحتلال الأمريكي للعراق ,واتضح ذلك من خلال التصريح الذي أدلى به وزير الإعلام الأردني حينذاك , عندما تحدث عن إرسال قوات إلى العراق إذا طلب العراق ذلك . وأيضاً توافق مع التصريح لرئيس الوزراء الأردني (علي أبو الراغب) في زيارته إلى الكويت حيث أكد فيها دعم الأردن لمجلس الحكم العراقي وإدانته ممارسات النظام السابق . ولكن سبق هذا التصريح تصريح أخر أثار جدالاً داخلياً " أكد فيه أن الاحتلال الأمريكي مفيد لمنع حرب أهلية في العراق والحفاظ على وحدته " .
في عام 2005 تغيرت نظرة العراق للأردن نتيجة ما عرف بـ(العمليات الإرهابية) , فضلاً لاحتضان الأردن لبعض رموز النظام العراقي السابق الموجودين في الأردن والمتهمين في الضلوع بالتخطيط لبعض العمليات الإرهابية التي حدثت في العراق . وأيضاً بعد إثر نشر معلومات عن تورط أردني في تنفيذ عملية انتحارية في مدينة الحلة عام 2005 التي ذهب ضحيتها المئات من القتلى , أعقبها قيام أسرة الانتحاري الذي فجر نفسه بتنظيم احتفالية بمناسبة استشهاد هذا الانتحاري , ولقد أدى ذلك إلى نقمة الشعب العراقي على المستوى الشعبي والرسمي متهمين الأردن بإيواء ومساعدة الإرهابيين .
وفي مؤتمر القمة العربية الذي عقد في الجزائر حدث تحول في العلاقات بين العراق والأردن واحتواء الخلاف بعد أحداث الحلة بعد أن اعتبرت الحكومة الأردنية أن هذا العمل لا يمثل الأردن وشعبه . ومع مرور الوقت ووضوح المشهد السياسي العراقي بدأت العلاقات تعود بين الطرفين منذ العام 2006 , لذا فقد شكل هذا التاريخ نقطة تحول في العلاقات وخصوصاً الأردن تجاه العراق .
((طلب العراق من الأردن رسمياً إعادة 28 مليار دولار من الأموال العراقية التي كان أبناء الرئيس صدام، أودعوها في ثلاث مصارف أردنية. وان العراق يعدّ هذه المبالغ هي من ثروة الشعب العراقي . وان "الأردن رفض إعادة المبلغ كونه حساب شخصي لنجلي صدام ، وليس حسابا حكوميا عراقيا. وردت الحكومة الأردنية إلى أن رغد شقيقة عدي وقصي هي التي يحق لها الحصول على هذا المبلغ لأنها وريثة شقيقيها . وعلى اثر ذلك تسببت هذه القضية بتوتر في العلاقة بين العراق والأردن((". .
ثانياً:- الإدراك الأردني للعراق .
ترتكز نظرة الأردن للعراق على أمرين مهمين هما : ( أمن المملكة المستديم وأوجه ضعف الاقتصاد من جهة . والميزان الحساس للقوى السياسية في الداخل من جهة أخرى ) . وقد تفاقم مصدرا القلق هذان , الضعف الخارجي وانقسام المجتمع نتيجة التدخل الأمريكي في العراق .
قال مسؤول أردني : أن ما يريده الأردن هو " عراق قوي ومستقر ومعتدل وموحد – عراق يرعى احتياجات شعبه " . يريد الأردن أن يشهد العراق حكومة مركزية قوية لا تهمش فيه أي طائفة . تخشى الأردن ظهور أقاليم منفصلة أو شبه مستقلة . أن عمليات التفجير الثلاث التي حدثت في عمّان في تشرين الثاني 2005 والهجوم بالصواريخ الذي سبقها في "العقبة " برهنت على التهديد المتزايد للعنف والإرهاب اللذين يتدفقان من العراق , أن التخطيط لعمليات تفجير الفندق أسفر عن مقتل 57 شخصاً وهجوم العقبة الذي استهدف سفينة حربية أمريكية وتنفيذ هذه العمليات جميعاً يحملان بصمات عراقية .
تخشى المملكة الأردنية الهاشمية عدم الاستقرار والعنف إلى الشرق من حدوده وربما يفسر ملاحظة الملك عبد الله عام 2004 عندما قال أن العراق في مرحلة ما بعد صدام يمكن أن يلجا إلى رجل قوي ويمكن أن يكون شخصاً من الداخل . وكذلك خشية الأردن من النفوذ الإيراني في العراق هو أمر يثير القلق الشديد , لان مخاوف الأردن الخاصة إزاء الإسلام السياسي ومحاولات إيران بعد عام 1979 من تصدير ثورتها الإسلامية والدعم الإيراني المتواصل لبعض الجهات في داخل العراق مما من شأنه أن يزعزع استقرار المنطقة وان يغير ميزان القوى . وقال الملك عبد الله (حتى المملكة العربية السعودية ليست بمنأى عن احتمال نزاع بين الطوائف ..انطلاقاً من حديد العراق ) .
أن مصلحة الأردن في استقرار العراق لا يرتبط فحسب بالمخاوف التقليدية التي تتعلق بالأمن القومي وإنما بالحراك الداخلي أيضاً , أن الأردن الذي يداخله قلق دائم إزاء عدم الاستقرار والاضطرابات على حدوده يتعين أيضاً أن يتجنب احتمال اختلال الميزان الحساس للقوى السياسية والاجتماعية والاقتصادية في الداخل من جراء الأحداث في داخل العراق .
خلافاً لكثير من الدول الأخرى المجاورة للعراق لا يمكن للأردن أن يدعي سوى تأثيراً متواضعاً على التطورات في العراق . أن الأردن الذي يفتقر إلى الجرأة السياسية والاقتصادية كما يفتقر إلى الطموحات السياسية والايدولوجيا وروح المغامرة ليس في وضع يسمح له بالتأثير على الأحداث في العراق , أن مرحلة ما قبل سقوط النظام السابق , فما يثير الاهتمام الأكبر هو قياس النفوذ العراقي في الأردن الذي مارسه رئيس النظام السابق بإيجابية من خلال المساعدات الحكومية وتسهيلات التجارة المميزة ومحاولات شراء النفوذ لدى وسائل الإعلام والمجتمع المدني في الأردن . لكن نفوذ الأردن ليس غائباً في العراق " فالمملكة الأردنية الهاشمية تعتبر بوابة مرور إلى العراق " , وهو دور بدأته إبان الحرب العراقية الإيرانية واستمر طيلة فترة العقوبات من 1990 إلى 2003 ( بصفة أساسية عبر ميناء العقبة الأردني على البحر الأحمر والطريق البري ) . تعتبر عمّان والعقبة نقطتا مرور أساسيتين بالنسبة للجانب الأعظم من حركة المرور من والى العراق . والمسؤولين الحكوميون والعاملون في مجال المساعدات والمقاولون وأوساط رجال الأعمال – من العراقيين وغير العراقيين – أصبحوا يعتمدون على وضع الأردن كبوابة مستقرة ويمكن التعويل عليها , فإذا أغلقت البوابة سيتضح أن ذلك سيكلف الأردن الكثير بل والعراق أيضاً .
يلتقي عملياً موقف الأردن بشأن العراق مع المصالح الأمريكية إلى حد كبير , وهذا يشكل أساساً قوياً والاحتمال ضئيل أن يغير الأردن توجهه بشأن العراق أو أن يسعى إلى الإخلال بالسياسات الأمريكية أو العراقية .
الخلاصة
أن العلاقات العراقية الأردنية بعد 2003 شابها الكثير من الأزمات والخلافات بسبب الاحتلال الأمريكي وما تبعه من تداعيات خطيرة على العراق والمنطقة على حد سواء , إلا أن كلا القيادتين السياسيتين في البلدين سعت بكامل قوتها بتجاوز هذه الأزمات من اجل بناء علاقات مستقبلية متوازنة تقوم على احترام الأخر وحسن الجوار , وهناك العديد من القواسم المشتركة والمصالح المتبادلة التي لا يمكن تجاوزها بسبب انعكاساتها المختلفة على بنى التنمية وإحلال الأمن لكل منهما من جانب وارتباطها من جانب أخر ,بثوابت عدة أبرزها :-
1- تاريخية العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والروابط والمصالح المشتركة كالدين واللغة .
2- وجود الحدود المشتركة بين البلدين ووقوعهما في نطاق إقليمي واحد .
3- تعرض كلا البلدين للعمليات الإرهابية مما جعلهما يوحدان جهودهما عسكرياً واستخباراتياً لتجفيف منابع الإرهاب في كلا البلدين .
4- سقوط النظام السابق في العراق وأطروحاته الشمولية وسعيه الدائم لزعامة بقية الدول العربية .
5- الفرص الاقتصادية المتوفرة في عمليات إعادة إعمار العراق إذ يمكن أن يلعب الأردن دوراً مهماً في تنفيذ هذه المشاريع .
6- وجود الجالية العراقية في الأردن بأعداد كبيرة وتضاعف هذه الأعداد بعد تصاعد عمليات العنف والتهجير في العراق .
7- يشكل الأردن البوابة الرئيسية للعراق إلى العالم لضخامة التدفق السلعي من هذه البوابة وتدهور أمن الحدود في بعض الأحيان مع الدول المجاورة .
#جاسم_محمد_دايش (هاشتاغ)
Jasem_Mohammed_Dayish#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟