نحو تنظيم الحركة الاحتجاجية في العراق!
سامان كريم
2018 / 8 / 16 - 20:56
نحو تنظيم الحركة الاحتجاجية في العراق!
سامان كريم
[email protected]
الحركة الاحتجاجية او الاعتراضية, بدأت منذ اكثر من شهر مضى. شهرا كاملا ليس فترة قليلة لإحتجاجات و تظاهرات شاركت فيها جماهير غفيرة بعدد صولاتها او ايامها. اليوم وبعد اكثر من شهر, خفت التظاهرات. خفت لعدة اسباب, السبب الاساسي انها بلا راس و بلا تنظيم. . الرأس هنا يشمل السياسة و الرؤية السياسية من جانب وعلى اساسها المؤسسة القيادية وفق هذه الرؤية, وبعد ذلك تنظيم الحركة. لان الحركة اساسا غير منظمة. برايي هذا هو السبب الاساس ولكن هناك مسائل اخرى اهمها سحب الاحزاب السياسية من جناحي الاسلام السياسي الحاكم, اياديها من التدخل المباشر في هذه الحركة. في بدايتها تم تسخير هذه الحركة من قبل جناحي الاسلام السياسي الشيعي لصالح اجنداته السياسية. اقصد جناح العبادي والصدر من جانب و جناح المالكي و العامري من جانب اخر. هناك مخاوف كبيرة لدى الاسلام السياسي الشيعي من انفراط التظاهرات من سيطرتهم, خصوصا اذا تدخلوا بصورة مباشرة واقحام عناصرهم بالالاف, مثلما حصل في بداية هذه الحركة.
اليوم نحن امام لوحة اكثر نقاوة من المتظاهرين الذين يهدفون فعلا تحقيق مطالبهم من: ضمان العمل وتوفير ضمان البطالة, توفير التيار الكهربائي وعلى مدار اليوم, خدمات مياه الصرف الصحي و مياه صالحة للشرب, و محاكمة الفاسدين. هذه هي المطالب الرئيسة التي رفعت خلال هذه المدة من الاحتجاجات. هناك ارضية موضوعية و ساخنة لهذه الحركة. موضوعية لانها تتحدث عن انعدام وجود الحياة الاجتماعية لاكثرية الجماهير في العراق, وهنا نحن نتحدث عن الجنوب. في بلد النفط والغاز, في بلد له عمق تاريخي للحضارة البشرية, في بلد ترعرع فيه مليارديرات حواسم كثيرون, في احضان الفساد و النهب و السطو القانوني و اللاقانوني...في هذا البلد: الكهرباء ليست موجودة, او موجودة بساعات قليلة, الناس ليس بامكانهم ان يشربوا المياه العذبة والصالحة للشرب, وهناك فقر و مجاعة, هناك بطالة و عدم وجود ضمان البطالة. ناهيك عن قلة الاجور في القطاعات الانتاجية والخدمية. هذه هي الرأسمالية ونظامها في نسختها الاخيرة, او اخر نسخة وصلت اليها من التطور السلبي. حيث ان الرأسمالية لم يبقى لها سند ولا ارضية للتطور الايجابي على الصعيد الاجتماعي والانساني.
المسؤول عن هذه الحالة الرثة للجماهير , حالة لا يحسد عليها, هو الرأسمالية ونظامها. الرأسمالية في العراق يمثلها , الاسلام السياسي الشيعي الحاكم ومعهم كل القوى السنية و القومية الكردية. ولكن المسؤولية الاولى تقع على عاتق الاسلام السياسي الشيعي, بصفته حاكما ورئيسا للحكومة. صحيح ان الاسلام السياسي المتخلف يقود البلد, و يلتهم ثرواته. لكن هذا الاسلام لا يترك هذا الدنيا وثرواتها لجماهير العراق, و يركن الى يوم القيامة مثلما يدعي؟! وكما يصرف الملايين لا بل المليارات في سبيل هذه الادعاءات؟ اذا كانوا هم يؤمنون بيوم قيامتهم مثل ما يدعون ويصرفون على مؤسسات تروج ليوم القيامة, لماذا لا يتركون ثروات البلد وملياراته الى اناس عاطلين عن العمل والى الفقراء والجائعين؟! ... الاسلام السياسي نشأ مع نشوء الاسلام كدين . لكن اليوم يلبس عباءة الرأسمال و يتقن قوانين السوق بدقة وحتى اكثر من الليبراليين. السيد العبادي قائد "طبعا قبله المالكي والجعفري", الخصخصة و سياسة الترشيق والمجاعة, وهذه كلها توصيات مؤسسات الليبرالية العالمية: صندوق النقد والبنك الدوليين. هذه هي الرأسمالية اليوم في العراق تطلع لنا تحت العباءة الاسلامية. الاسلام السياسي الحاكم وغير الحاكم يقول لمواطني بلده: يوم القيامة لكم, و ثروات الدنيا لنا. العاشوراء لكم و النفط لنا!! هذا هو اصل الحكاية. المطلوب هو قلب هذه المعادلة.
نحوالتنظيم
ليتسنى لقياديي هذه الحركات تنظيم حركتهم, يجب وهنا اركز على " يجب" ان يكون لديهم رؤية سياسية واضحة لامرهم او لامر حركتهم. بدون رؤية سياسية واضحة, لاحاجة للتنظيم. التنظيم لامر ما, لقضية ما. اعرف هناك درجة متدنية من التنسيق و التنظيم ربما ما بين التنسيقيات المختلفة, او بين اوجه قيادية متباينة. ولكن لم يتبلور التنظيم الى مؤسسة تنظيمية حتى اذا كانت مؤقتة لقيادة هذه الحركة فقط. منظمة جماهيرية قيادية للتظاهرات الحالية. اذا الرؤية غير معلومة. مثلما نراها اليوم. الحركة متشرذمة و متبعثرة, لا راس لها وجسدها يتحرك يمينا ويسارا وسطا وشمالا وجنوبا, يتحرك نحو الامام والوراء, على الرغم التضحيات و البطولات والتفاني والنضالية الصادقة لدى الشباب الذين يتربعون في الساحات و امام مجالس المحافظات وبوابات شركات النفط....
رؤية الحركة:
هي تحقيق مطالبها كما ذكرناه اعلاه. هذه هي الرؤية وفقا للمشاركين او الافراد المحتجين في هذه التظاهرات. بمعنى ان الرؤية هي تحقيق الشئ او المطلب الواقعي الذي احتج الناس من اجله. هذه هي الرؤية بالمعنى الموضوعي. لكن الاسلام السياسي الشيعي الحاكم بشقيه العبادي والصدر من جانب و المالكي والعامري من الطرف المقابل و كل القوى السياسية الحاكمة والمشاركة في البرلمان... ليس بإمكانهم ان يلبوا هذه المطالب!! لان مطالب وتطلعات الناس المتحتجين, الفقراء و المحرومين والعاطلين عن العمل وذوي الاحتياجات الخاصة , كلها تتناقض مع تطلعات الاسلام السياسي الحاكم والطبقة الحاكمة كلها. ليس بامكانهم توفير ضمان البطالة , وليس بامكانهم توظيف الناس وخريجي المعاهد الجامعات" ربما تحت الضغط المؤثر والمقتدر" يلبون بعض المطالب بصورة مؤقتة.. مثل توظيف بعقود مؤقتة , او توفير الكهرباء لأشهر ما... ولكنها موقتة في جميع الاحوال .
لان برنامج الاسلام السياسي البرجوازي الحاكم ومن التف حولهم, برنامج تقشف, برنامج للخصخصة, وهذا يعني تقليل نفقات الدولةمن جانب و من جانب اخر يعني ان الدولة ليست مسؤولة عن توظيف خريجي المعاهد والجامعات و العاطلين عن العمل...برايهم السوق يهضم هؤلاء!!!. وبالمعنى الواقعي يعني ذلك افقار الجماهير, توسيع رقعة البطالة, ويعني لا خدمات تقدم للناس الا بقدر ثروتها و امكانياتها المالية, حيث انعدام التيار الكهربائي يعود الى عدم خصخصتها بالكامل وليس اي شئ اخر, بطبيعة الحال ناهيك عن الفساد المستشري في هذا القطاع وباقي القطاعات الاخرى. حين تخصخص الكهرباء حينذاك سيصل سعر الامبر الواحد الى مديات غير مسبوقة في التاريخ العراقي, مثل ما نراه في السليمانية واربيل, حيث سعر الكهرباء اغلى من اوروبا بكثير... كما قلت ان الطبقة الحاكمة ليس بامكانها ان تلبي هذه المطالب بصورة جذرية. البرجوازية الاسلامية و القومية والليبرالية لا يمكنها ان تعيش الا على افقار الجماهير ومجاعتها والبطالة والازمات والحروب, وإيهام الجماهير وخداعها عبر شتى الوسائل الخرافية و اللاطبيعية.
الحكومة لن تلبي مطالب المتظاهرين بصوة جذرية. وقوة التظاهرات لحد الان محصورة في عدد من المحافظات الجنوبية وبصورة متناوبة ايضا وليس بصورة مستمرة ويومية, هي قوة غير كافية لانهاء الحكم في بغداد وليس بامكانها ان تصل الى هذا الامر بهذه الدرجة من التشرذم وعدم وضوح الرؤية و عدم التنظيم ناهيك عن مستوى متدني من صلات تنظيمية و اتحاد نضالي بين التظاهرات المختلفة. يجب ان تتوفر رؤية مستقبلية وفي الوقت نفسه ادراك ووعي في هذه المرحلة لكي تتشكل خطوة مهمة لتنظيم الحركة صوب تحقيق اهدافها.
وفقا لتوازن القوى الحالي ووفقا لمعطيات الشان العراقي بخصوص توزيع القوى السياسية, وعلاوة على ذلك وفقا لمطالب المتظاهرين حول " اسقاط الحكومات المحلية او مجالس المحافظات".... حسب كل هذه القضايا , ارى ان تحقيق المطالب بصورة جذرية في اية محافظة في هذه المرحلة تحديدا, مرهونة "بإنهاء سلطة مجالس المحافظات" , و انتخاب اخرى " مجلس ممثلي المحافظة". شرحت هذا البديل في مقال قصير "مجلس ممثلي المحافظة ضامن لتحقيق مطالبنا !" ونشر في " نحو التغيير" و" الى الامام" و "الحوار المتمدن". لكن اقول ان هذا البديل هو عمل لسلطة جماهيرية مباشرة. ينتخب الممثلين من الاحياء السكنية, وفي كل الاحياء ... وممثلي الاحياء وفقا لنسبة السكان يصلون الى " ممثلي مجلس المحافظة" وهنا ينتخب القضاة و الادعاء العام و محافظ المدينة ومدير الشرطة ومدير الامن... ومن يخالف القوانين, او من يستلم الرشوة او يتهم بالفساد يزاح عن السلطة خلال ثلاثة اشهر. في كل ثلاثة اشهر لدى مجالس الاحياء السكنية اجتماعات دورية منظمة.
وفق هذه الرؤية سيكون ممثلي التظاهرات او ممثلي المحلات السكنية والعمال في شركات النفط الكبرى... هم من يديرون المحافظة, وهم من يديرون ثروات المحافظة... في هذه المرحلة هذه هي الخطوة الرئيسة الاولية لتحقيق اكثرية مطالب الجماهير في مدينة كبيرة مثل البصرة. ان الظروف في مدينة البصرة مهيئة لهكذا خطوات بصورة مدروسة.
نحو التنظيم:
بدون تنظيم لن نصل الى تحقيق هذه الرؤية بدون تنظيم او تنظيمات جماهيرية مؤثرة وذات قاعدة جماهيرية كبيرة. اذن كيف نصل الى هذه الحالة التنظيمية ونحن نشكو من التنظيم؟! في بداية الامر, هناك عدد لا باس به من النشطاء او من قياديي هذه الحركة, او نشطاء جماهيريين في احياء سكينة او العمال في المؤسسات الصناعية والخدمية والنفط... يبدا التنظيم على عدة اصعدة .
الاول: كل حلقة من التنسيقيات المناضلة : تعني" منظمة في حالة قيادية لهذه الحركة" سنكون جزءا مكملا لهذه الحركة.
ثانيا: كل انواع المنظمات الاخرى مثل " منظمات او اتحادات عمالية" و "عاطلين عن العمل" و منظمات شبابية و نسوية ... يشكلون جزءا من هذه الحركة و تنظيماتها وفق صيغة مدروسة. ربما بناء لجنة او هيئة قيادية تنسيقية بين المحلات والمحافظات, يشكل خطوة ايجابية. يتكون هكذا الهيئات القيادية من اناس الذين لديهم دور قيادي مشهود في هذه الحركة.
الثاني: بناء حلقات نضالية. حلقات نضالية من النشطاء في الشارع والميادين, وخصوصا في الاحياء السكنية والجامعات والمعاهد و المؤسسات النفطية والخدمية والصناعية. هذه الحلقات ربما تتشكل بثلاثة اِشخاص نشطاء . ربط هذه الحلقات سيكون افقيا. بمعنى يتطور وفق الحالة النضالية والعلاقات الاجتماعية. بقدر كثرة هذه الحلقات بهذا القدر نحن نقترب من تنظيم الجماهير بصورة واسعة.
الثالث:الحلقات النضالية:هي في الوقت ذاتها حلقات تثقيفية لرؤية هذه الحركة وحلحلة مشاكلها وعوائقها التنظيمية و حركاتها اليومية... بما فيها تحديد ايام التظاهر و مكانها وساعاتها, وتغير جهاتها ورفع شعاراتها ومناورات سياسية مختلفة, وحتى تحديد الوفد للجلوس مع المحافظة او القوات الامنية.
رابعا: البنية الاساسية لتحقيق الرؤية اعلاه ولتحقيق مطالب الجماهير هي: الاجتماعات العامة في الاحياء السكنية والمؤسسات الكبيرة في المدينة. " اجتماعات جماهيرية عامة في كل حي سكني او كل مؤسسة خدمية او صناعية او نفطية". هذا الامر او هذه الوظيفة هي وظيفة اساسية في هذه المرحلة, لكل الحلقات والتنسيقيات التي التحقت بهذه الحركة. اجتماعات جماهيرية عامة في المحلات بصورة منظمة ودورية " مجالس المحلات او الاحياء سكنية" هي اساس لتحقيق الرؤية اعلاه. وهذا يعني محاولات نضالية لادخال التظاهرات و الاحتجاجات الى الاحياء السكنية, كسند قوي لاحتجاجات الشوارع ولتشتيت القوى المضادة للحركة.
خامسا: بجمع ممثلي عدد من الاحياء السكنية, للمثال نقول عشرة من المحلات الرئيسة في مدينة مثل البصرة... سيكون بداية مناسبة وقوية لاعلان " حكومة ظل محلية بمعنى لدينا " ممثلي مجلس محافظة" كحكومة الظل. هذه الحكومة هي حكومة معارضة جماهيرية.... تناضل في سبيل انهاء الحكم المحلي لمجلس المحافظة الموجود...او ربما لديها قوة تزيحها فعلا بقوة وتاثير احتجاجاتها وخصوصا اذ معها الشركات النفطية... حينذاك لا يتطلب بناء حكومة" الظل". حكومة الظل حتى اذا لم تتبوء السلطة في هذه المرحلة سيكون لها دور سياسي معارض كبير في المدينة, وستكون امل لجماهيرها.
سادسا: حكومة : "ممثلي مجلس المحافظة" حكومة محلية تمثل كل الاحياء السكنية والمؤسسات الرئيسة في المدنية, بصورة واضحة وملموسة وفيزيقية ايضا وفق نسبة السكان. هذا يعني ان هناك ربما محلة سكنية ما سيرسل ممثلا واحداً الي " مجلس ممثلي المحافظة", و محلة اخرى سيرسل ثلاثة ممثلين وفقا لنسبة سكان هذه المحلة او تلك وهكذا, مثلا شركة النفط كمركز لقوة اقتصادية في البلد والمحافظة ربما ستحسب لها حسابا خاصا وفقا لقرارات مجلس ممثلي المحافظة . ١٥ اب ٢٠١٨