في المفهوم النظري لحركة التحرر الوطني مهدي عامل
عليه اخرس
2018 / 7 / 13 - 02:51
في المفهوم النظري لحركة التحرر الوطني
من داخل، اعني بآليتها الداخلية ، وبمنطق سيرورتها كحركة عداء للامبريالية هي بالضرورة حركة عداء للراسمالية، تتحدد حركة التحرر الوطني كجزء من الثورة الاشتراكية. وقد يعترض قائل:ان الواقع التاريخي الفعلي يؤكد عكس ما نقول، وان كثيرا من حركات التحرر الوطني مارست العداء للامبريالية، في اشكال مختلفة ،دون ان تقود ممارستها هذه الى العداء للراسمالية. لمزيد من الدقة،اذن، يمكن القول ان العداء للامبريالية لا يكون بالفعل متسقا الا بما هو عداء للراسمالية، ومن حيث هو هذا العداء بالذات . ففي حقل علاقتها العضوية بازمة الامبريالية، من حيث هي، بالدرجة الاولى، ازمة نمط الانتاج الراسمالي نفسه، تتحدد حركة التحرر الوطني في ذلك الشكل التاريخي الذي يجعل منها جزءا من العملية الثورية العالمية .وبايجاز نقول ان عملية التحرير الوطني هي، في مفهومها النظري، عملية تحويل ثوري لعلاقات الانتاج الراسمالية القائمة بعلاقة تبعيتها البنيوية بالامبريالية.فالقطع مع الامبريالية والاستقلال عنها يقضيان بضرورة تحويل هذه العلاقات من الانتاج التي هي هي، في البلد المستعمر،القاعدة المادية لديمومة السيطرة الامبريالية.هذا يعني ،في تعبيراخر، ان العلاقة الامبريالية تتجدد بتجدد هذه العلاقات من الانتاج، وتدوم بديمومتها،والعكس بالعكس. فلا سبيل الى تحرر وطني فعلي من الامبريالية الا بقطع لعلاقة التبعية البنيوية بها هو بالضرورة تحويل لعلاقات الانتاج الراسمالية القائمة في ارتباطها التبعي بنظام الانتاج الراسمالي العالمي.بهذا المعنى وجب القول ان سيرورة التحرر الوطني في المجتمعات التي كانت مستعمرة، اعني في المجتمعات الكولونيالية، هي هي سيرورة الانتقال الثوري الى الاشتراكية، من حيث ان هذه، كتلك، هي هي سيرورة تحويل علاقات الانتاج الراسمالية القائمة في شكلها التاريخي الكولونيالي المحدد.هذا هو، بكل دقة، معنى ان تكون حركة التحرر الوطني جزءا من الثورة الاشتراكية، ولا معنى اخر لمثل هذا القول .الا اذا قبلنا بذلك الفهم البرجوازي المتناقض الذي يضع هذه الحركة في افق انتقالها التاريخي الى النظام الراسمالي العالمي ،بفصله فيها ممارسة العداء للامبريالية عن ممارسة العداء للراسمالية فصلا مصطنعا يقلب العداء للامبريالية تساوما معها على قاعدة تابيد علاقات الانتاج الراسمالية وتابيد علاقة ارتباطها التبعي بالامبريالية.نقول ان هذا الفهم البرجوازي متناقض وغير متسق لانه يجعل من حركة التحرر الوطني التي هي، في مبدئها النظري ،مناهظة الامبريالية، جزءا لا يتجزا من مناهضة الثورة، او قل لدرء الالتباس، انه يدفع بها الى ان تكون، او ان تصير، في مناهضتها للامبريالية بالذات، جزءا من مناهضة العملية الثورية العالمية .من هنا ياتي الكلام-ربما-، في افق هذا الفهم البرجوازي ، على امبريالية (اشتراكية)(او سوفياتية ) ،وامبريالية راسمالية (او امركية)،في تمويه-ان لم نقل تعهير- لمفهوم الامبريالية،اهم ما فيه تغييبه مفهوم نمط الانتاج هو نمط الانتاج الراسمالي او كانها ظاهرة سياسية مستقلة بعقلها الذاتي عن عقل اقتصادي . ما اريد قوله، في هذا السياق ، هو ان تغييب الاقتصادي -بما يعنيه الاقتصادي من نمط مجدد من الانتاج-وسلخ السياسي عنه ،للنظر فيه- اعني في السياسي- كانه قائم بذاته، في استقلال كلي عن كل ما ليس هو، وبالتحديد ، عن الاقتصادي اقول ان ذلك التغييب ربما كان العمود الفقري الذي به يقوم بناء الايديولوجية البرجوازية .على هذه القاعدة من تغييب لاقتصادي وعزل السياسي عنه، يقوم ذلك الفهم البرجوازي لحركة التحرر الوطني الذي به تظهر هذه الحركة كحركة مناهضة للامبريالية، دون ان تكون مناهضة للراسمالية. كان غايتها هي، بالعكس، ان تتوسل الاستقلال السياسي لتكريس تبعية الاقتصاد الراسمالي (الوطني).ان الفصل المفهومي نفسه بين الاستقلال السياسي الاستقلال لاقتصادي في افق حركة التحرر الوطني يندرج فيذلك الفهم البرجوازي الذي انزلقت اليه،في شروط تاريخية محددة، فصائل من الحركة الثورية ،غاب عنها ان الانعتاق من الامبريالية لا يكون فعليا ومتسقا الا باعتاق من الراسمالية،فإذا لم يكن التحرر الوطني هذا الانعتاق ،انحصر في استقلال سياسي هو شكلي، بمعنى انه الشكل السياسي الذي فيه تتجدد علاقة التبعية البنيوية بالامبريالية ، في تجدد علاقات الانتاج الكولونيالية . وهو، بالتالي،الشكل الملائم لسيطرة البرجوازية الكولونيالية.
اذا كان الامر كذلك، وكانت حركة التحرر الوطني، في مفهومها النظري نفسه، الشكل التاريخي المحدد الذي تجري فيه سيرورة التحويل الثوري تحويل لعلاقات الانتاج الراسمالية في المجتمعات الكولونيالية، فالمشكلة التي تطرح نفسها ، حينئذ، بضرورة هذا التحديد النظري لطبيعة هذه الحركة، تكون التالية:لماذا لم تكن هذه الحركة التحررية الوطنية، في واقعها التاريخي الفعلي، لا سيما في عالمنا العربي،متسقة مع مفهومها النظري هذا؟ ما هي،في تعبير اخر، العوامل التاريخية التي تفسر انزياح مجراها الفعلي عن منطق مجراها النظري؟
عن هذا السؤال، يمكن ان تتفرع اسئلة عديدة.او قل انه سؤال يتفرع ،بل يتملمس في اسئلة صب جميعا،في نهاية التحليل، في واحد منها: ما الذي حال دون وصول الطبقة العاملة وحزبها الثوري الى موقع القيادة في هذه الحركة؟ والموقع هذا هو موقعها الطبقي الطبيعي،بحسب منطق هذه الحركة. ما الذي مكن البجوازية الكولونيالية من ان تحتل فيها موقعا ليس لها- بحسب المنطق اياه-،بل لنقيضها الطبقي ؟ ليس هذا سؤالا نظريا- برغم كونه يستوي ، بالطبع، على ارض نظرية -. انه سؤال تاريخي، به يجري الانتقال بتلك لحركة من صعيدها النظري الذي عليه تحددت طبيعتها، الى صعيد واقعها التجريبي الملموس. وهنا، لا بد من وقفة لتوضيح امر يجب توضيحه .
مناقشات واحاديث ص 164/165/166/167
مهدي عامل
النسخ الالكتروني عليه اخرس