|
الزيفُ والحقيقة
قاسم حسن محاجنة
مترجم ومدرب شخصي ، كاتب وشاعر أحيانا
الحوار المتمدن-العدد: 5886 - 2018 / 5 / 28 - 15:12
المحور:
الادب والفن
الزيفُ والحقيقة يُسيطر الزيف ، ألشكلانية والخداع على حياتنا ، واصبح الغدرُ المُقنع "بالتقوى" وسيلة رائجة في "الحصول على مكاسب " حياتية .. نحن نعيش كرنفالا مستمرا للأقنعة على مدار العام. وكرنفال الأقنعة هذا، ذكّرني بقصة كنتُ قد كتبتها قبل سنين .. لذا ارتأيتُ إعادة نشرها .... وهذه هي القصة . وردة في حقل من الاشواك كان يوما عاديا، ذهب (م )الى قاعة الدرس وكان الطقس باردا جدا، الى درجة ان السائل المنساب من الانف لشدة البرودة يتجمد على الشفة العليا ،اما من كان ذا شارب فحبيبات دقيقة من الثلج ،تتمسك بأطراف شعرات شاربه. -الا تظن ان السكنى في ثلاجة ادفأ من التجوال في الخارج في مثل هذا الطقس؟!قالها (ع)بمنتهى الجدية! لكن (م)قهقه عاليا ودعا صديقه الى احتساء كأس من النبيذ الساخن .ولأهل تلك البلاد الباردة طريقة للتغلب على شدة البرد، فهم يغلون النبيذ مع مسمار قرنفل للنكهة ويشربونه ساخنا جدا، مما يساعد على تدفئة الجسم ويعطي شعورا رائعا بالدفء والحميمية! اعتذر (ع)عن قبول الدعوة ،لأنه ارتبط بموعد مع زميلته على مقاعد الدراسة. افترق الصديقان امام احد تلك المقاهي المشهورة بإجادة تحضير هذا المشروب، دفع باب المقهى المغلق بيده وانسل داخلا!! انتبه الى نفسه ،كمن افاق من غفوة قصيرة وتسائل حائرا، لماذا تخطر على باله الأن وبعد مرور كل تلك السنوات، فهي ماض وانقضى ولا يعلم من اخبارها منذ ان غادر تلك البلاد عائدا الى بلده. كانت العقبات في استقباله ،الا انه وبعزيمة تفل الحديد استطاع ان يتأقلم من جديد ،رغم ان الدنيا لم تعد كما كانت. بنى علاقات جديدة ،تزوج وأنجب! واليوم يكتشف متأخرا ،ان حواليه مجموعة من الوحوش الكاسرة التي تكمن له كل مكمن لتضربه الضربة القاضية. لقد اكتسب هناك في بلاد الصقيع مزاجا باردا متسامحا، وتعلم من اهل تلك البلاد ان البسمة تعني بالضبط بسمة ،وليست تكشيرة ما قبل الانقضاض!! لقد انقض عليه من كان يعتبره من اصدقاءه المقربين ،وطعنه طعنات نجلاء في الظهر! لم تؤثر عليه الطعنات ،فقد كان صلبا، لكن ما ضايقه اكثر من اي شيء هو الاكتشاف ان ما اعتبره فضيلته، فضيلة الثقة بالناس والمسامحة ومد يد العون ،هي نقطة ضعفه التي استغلها كل من اراد ان يسدد له طعنة. تنهد بصوت عال ،جذب انتباه زوجته، التي وقفت سندا الى جانبه طيلة سنوات زواجهما: -ما بك ؟هل هناك من شيء يضايقك؟!!قالتها بنبرة تدل على القلق والتعاطف. -لا شيء مجرد ذكريات مزعجة! قالها وحرك يده كمن يطرد ذبابة من امام وجهه. عاد الى السرحان، ايُّ وجه مقارنة بين هؤلاء مدعي التقوى، والذين يراؤون الناس ويصلون صلواتهم في المسجد وبينها؟؟؟؟ لا مقارنة البتة! لكن موضوعيته وكراهته للتعميم ،اجبرته على التراجع عن اطلاق لقب المدعين والمرائين على الجميع ،فعلى كل حال هناك اناس طيبون!!!!!!!! هز رأسه طاردا هذه الفكرة، وغرق من جديد ،في احداث ذلك اليوم الذي لا يمحى من الذاكرة على طول العهد به. اختار مقعدا في زاوية المقهى حيث يتواجد جهاز التدفئة. اشار بيده نحو النادل ،الذي كان يلبس زيا رسميا ،ووضع على ساعده الايسر فوطة خضراء بلون شراشف الطاولات. -تفضلوا سيدي!!ولغة التخاطب مع الغرباء في تلك البلاد تتم بصيغة الجمع تدليلا على الاحترام. -اذا سمحتم ،اريد كأسا من النبيذ الساخن. قالها بلغة واضحة وفصيحة! -في الحال!!! عاد النادل بعد دقائق يحمل كأس النبيذ على صينية وتمنى ل-(م)مشروبا هنيئا! امسك الكأس بين راحتيه ،مستشعرا الدفء ينتقل من كأس النبيذ الزجاجي الى يديه واطرافه ،ومع اول رشفة سرى الدفء في داخله ،واستشعر الراحة والمتعة ومع كل رشفة اضافية احس بالنشوة اللذيذة والخدر الممتع!!!!! اشعل سيجارة ونفث دخانها عاليا نحو سقف المقهى المرتفع ،فقد كانت من المباني الكلاسيكية التي زينت حيطانها لوحات جميلة. -سيدي! نظر نحو الصوت واذا بالنادل يضع امامه كأسا اخرى. -لكنني لم اطلب كأسا اخرى وما زالت كأسي شبه ممتلئة. -انها ضيافة من تلك السيدة الجالسة هناك. واشار نحو شابة سمراء جميلة تجلس الى طاولة غير بعيد منه. حياها بإيماءة من رأسه وابتسامة افتر عنها ثغره. ولم تمض دقائق حتى اقتربت منه محيية بلطف وسائلة فيما اذا كان بإمكانها الانضمام اليه والتعرف عليه ! وبطبيعة الحال لا يمكن رفض مثل هكذا طلب ،لأنها وحسب عادات اهل تلك البلاد، فأن تقديم الضيافة هو الطريق الى التعارف!!!!!!!! ارادت ان تجري حديثا تعارفيا، وجذبهما الحديث ،وخرجا لتناول العشاء في مطعم اخر ،ودفعت الفاتورة. وحينما افترقا ودّعتهُ بقبلة صغيرة سريعة ممزوجة بطعم اللحم والنبيذ! لم تشغل ذهنه كثيرا ،لكنه عرف اثناء الحديث وكما اخبرته تعمل في ادارة حسابات احد المصانع ،والمصنع يوفر لها المسكن مع موظفاته الاخريات. لم يتبادلا ارقام الهواتف ،لأن الهاتف الجوال لم يكن مخلوقا حينها. وتمر الايام ،وبينما هو واقف بانتظار الباص، غطت يدان صغيرتان عينيه، حاول التملص من المسكة المحكمة، متسائلا عن هوية المازح ،واذا بها تقف امامه معانقة اياه عناقا عنيفا ،وغابا في قبلة طويلة مسكرة!!!!!! تكررت اللقاءات،وكانت دائما هي من يدفع اثمان الطعام والشراب وتذاكر السينما والحفلات الراقصة. كان سلوكها وتصرفها يدلان بما لا يدع مجالا للشك بأنها مولهة به !ومع ذلك لم يضمهما سرير!!!!!فقد كانت دائما تختلق الاعذار، ودائما ما كانت ترضيه بقبلة دسمة طويلة وعناق حار. الى ان حدث ما لم يكن يتوقعه!!كان جالسا كعادته في مقهى احد فنادق الارستقراطية القديمة ،وكان من مكانه يطل على مصاعد الفندق، واذا بها تقتحم بهو الفندق وتتوجه نحو المصاعد ،طلبت المصعد واختفت!!! وبما انه من رواد هذا المقهى فقد ربطته بموظف الاستقبال صداقة وثقة.ترك مكانه وتوجه نحو الموظف وبعد ان حياه، توجه اليه بالسؤال: -اين صعدت تلك الفتاة؟ تبسم الموظف بخبث، واجاب متسائلا: الا تعلم ؟لقد صعدت الى زبون في انتظارها!!!! وقع الخبر عليه وقوع الصاعقة، لكنه تمالك نفسه واستعلم عن معلومات اخرى ،وعاد الى مكانه!!!! وحينما عادت بعد فترة ،والتي كانت بالنسبة له دهرا، ناداها وطلب اليها الجلوس. -لقد خدعتني كل تلك المدة، وانا الساذج كنت احسب انك مغرمة بي ،ولم اتوقع في اسوأ كوابيسي ،ان تكوني ممن يبعن خدماتهن و ..و..و..و.؟ كانت صامتة تستمع الى غضبه الهادر دون ان تنبس ببنت شفة ،لكن دموعها كانت تنهمر مدرارا، ولم تتوقف عن النحيب لفترة طويلة. وبعد مدة طالت ،كفكفت دموعها وتمالكت نفسها ،وقالت: -أتحسبني بلا مشاعر!!!!انا احبك حقا! حبا جنونيا! هل تعتقد انني انا الاخرى لا ارغب في مشاركتك الفراش!!وانا اتقاسمه مع كل من هب ودب مقابل النزر اليسير!!!لكنني لا استطيع مضاجعتك لأنني احبك، رغم انني أتحرق لليلة نقضيها سوية! -اذن؟ قالها شاعرا بالإهانة! -لم ارغب في اخبارك، لكن وبما انك تلح، فتحمَّل!! انا مصابة بمرض جنسي معد ولا اريد ان تصيبك العدوى!!!!!اما هؤلاء فليذهبوا الى الجحيم وليتحملوا عاقبة اعمالهم!!!اما انت فأنني احرم نفسي من المتعة لكي لا تصاب انت بسوء!!!!!! كان هذا هو اللقاء الاخير، لكن كلما صادف واحدا من هؤلاء الذين يرتدون الاقنعة الزائفة، والتي تخفي وراءها نفوسا مريضة. يتذكرها ويتذكر تفانيها في حبه وحرمان نفسها من متعة تحرقت لها شوقا ،مع من تحب!!!!!!!
#قاسم_حسن_محاجنة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-نيكي- والمفاعيل ..
-
سابيكا الشيخ ..
-
اعماق ..!!
-
سر إعجابي بمحمد بن سلمان ....
-
إنها حقاً مؤامرة ..!!
-
نساءٌ في قائمة العشرة المُبشرين ؟!
-
التحرش والقمع الجِندري ..
-
لو أنّ..؟!
-
لحظاتٌ لا تُنسى .
-
جان الساخر ..!!
-
وين العرب وين ..؟
-
فُخّار يكسر بعضه ..
-
كثيبا مهيلا ..
-
هل كسبتُ الرِهان؟!
-
هرم ماسلو والوهابية .
-
ذاكرة الروح
-
عُنصرية وأفتخر ..
-
الشعرة التي لم تهتز ..
-
ليسوا لكم ..
-
إنكار أم مُكابرة ؟!
المزيد.....
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
-
القاهرة السينمائي يختتم دورته الـ45.. إليكم الأفلام المتوجة
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|