|
مسيرات العودة الكبرى، ما الذي عاد؟
محمود علي الخطيب
الحوار المتمدن-العدد: 5882 - 2018 / 5 / 24 - 02:06
المحور:
الثورات والانتفاضات الجماهيرية
الصمت في حضرة الدم واجب، لا صوت يعلو فوق صوت المعركة، لا صوت يعلو فوق صوت الدم، هذا ما قاله العارفون الذين لا نعرف عنهم سوى انهم تجار لا يجيدون سوى تجارة الدم. لا نعرف عنهم سوى انهم يبرعون في تحويل كل العويل وكل البكاء وكل الدماء واشلاء الكبار والصغار الى ارقام، ارقام صغيرة على وسائل الاعلام، وأرقام اكبر في ارصدة حساباتهم البنكية، وعلى طاولات المقامرات والمقاولات في عواصم الشرق والغرب. هؤلاء العارفون الذين هم لا شيء سوى النجاسة، هم حثالة الشعوب التي تضاجع كراسي الحكم من رئاسة ورئاسة وزراء واعضاء برلمان، واحزاب وحركات باتجاهاتها الاسلامية والعلمانية، بيمينها ويسارها، بمعتدلها ومتطرفها، الذين لا يجيدون شيء سوى العهر السياسي على حساب دماء البسطاء. ذالك الدم الذي هو اقدس وأطهر وأغلى من كل شعاراتهم، واحزابهم، هو اقدس من القدس والكعبة، من هنية والزهار وعباس وحاشيتهم. ولك لا ننسى، ولكي نحيي الذاكرة القصيرة الامد التي يمتلكها الناس، لا بد من ذكر مسيرات القدس التي انطلقت في غزة عام 2012، والتي قمعتها حماس في حينها لغياب اي مصلحة او منفعة سياسية او مالية تعود للعصابة الحاكمة بمنطق الحديد والنار مقابل مسيرات العودة الكبرى، والتي هي لا شيء سوى سقوط ورقة التوت الاخيرة عن العورة الكبرى القبيحة التي لم يعد يغطيها شيء من الشعارات التي تنطلق هنا وهناك باسم الدين وباسم الوطن وباسم المقاومة، فالمشهد اليومي منذ شهر مارس على حدود غزة من تسييس وتجييش وتحشيد وتحريض للجماهير كبيرها وصغيرها، واعيها وجاهلها، يائسها ومن هو ايأس منه بان يتقدم نحو السلك الشائك الذي يغطي كل مساحة الافق حول غزة، لاستقبال الرصاص والقنابل بالصدور العارية، ليسقط ما يزيد عن 120 جلهم مدنيين، وكثير منهم من الاطفال والنساء والصحافيين والطواقم الطبية، في مشهد يكشف بكل التجليات بشاعة الاحتلال وبشاعة الحصار الذي يمارسه كل الشرق والغرب على اهل غزة، وايضا ليكشف حجم النفاق والتلاعب بارواح الناس الذي يمارسه كل قوادي السياسة الفلسطينية. إبتداء بالسلطة التي شرعت منذ شهرين بوقف رواتب موظفيها ولعب دور اكثر جرأة واكثر تقدما في عملية حصار وقمع الجماهير، ذاك الحصار الذي لم ينل شيء من حركة حماس، فتدفق الاموال لا يزال قائم بفضل قطر، تركيا، وايران، وفي الوقت الذي يموت فيه العشرات بسبب الحصار وعدم التمكن من السفر للعلاج وعدم الحصول على تحويلات طبية، تستطيع القيادة الحمساوية التي من اجل ازاحتها فُرض الحصار السفر بمهاتفة واحدة مع الجانب المصري، لم يكن الحصار يوما سوى حصار على البسطاء. خطوات السلطة العقابية للسكان في غزة ليست سوى مقامرة سياسية بمقدارت وارواح الشعب للي ذراع حماس للوصول الى مصالحة بالشروط التي تشترطها السلطة في رام الله. وعلى الاتجاه الاخر، تتجلى الميكافيلية السياسية في ابشع صورها في التحشيد الحمساوي لاهالي القطاع. فحماس تدرك ان لا مفر من انفجار الجماهير على ظروف المعيشة هناك، ولكي لا يكون الانفجار موجها اليها، فمن الافضل تجييش ذاك الكبت والضغط باتجاه آخر، وتحت مظلة الشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع. فمن استغلال الحس الوطنب واليأس من الظروف الحياتية، الى دعوات مجنونة بالتقدم لاجتياح الحدود الفاصلة والوصول الى الاماكن التي هُجر منها اللاجئون ابان قيام اسرائيل عام 1948 وبيع الوهم. الى استغلال العوز المادي للجموع العريضة باعلان جوائز نقدية فالاصابة الطفيفة يحصل صاحبها على 200 دولار، وصولا الى 2000 دولار للقتيل. ناهيك عن الرسائل التي ترسلها الحركة لاسرائيل عبر مصر بان الحركة هي من تمتلك صمام شلال الدم هناك، فهي القادرة على تشتيت الجموع عن اماكن الالتحام، وهي القادرة على استمرار التحشيد وتوفير المواصلات باتجاه واحد فقط لنقاط التماس عبر مكبرات الصوت في المساجد التي تعلن عن اماكن تواجد الباصات. كل هذا الدم الذي سال لم يكن من اجل شيء سوى الحصول على امتيازات اقتصادية لحكام غزة، كان اولها قرار بعض الدول ارسال قوافل مساعدات لا يتم توزيعها في غزة إلا على اولي القربى وابناء التنظيم الحاكم، مرورا بقرار مصر فتح معبر رفح طيلة شهر رمضان لحركة المسافرين. هذا الدم الذي سال لم يكن لشيء إلا لكي يزداد الاثرياء ثراء، لكي يصبح هنية والزهار والحية والبردويل مليونيرات في بلد يعيش اغلب سكانه تحت خط الفقر، وتسيطر الميليشيات على كل مقدراته الاقتصادية. هذا الدم الذي سال ولا يزال يسيل منذ 70 عاما، ما هو إلا دم البسطاء والفقراء، ولم يكن سوى سلعة في مزاد علني لمن يدفع اكثر.
#محمود_علي_الخطيب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
المزيد.....
-
عز الدين أباسيدي// لعبة الفساد وفساد اللعبة... ألم يبق هنا و
...
-
في ذكرى تأسيس اتحاد الشباب الشيوعي التونسي: 38 شمعة… تنير در
...
-
حزب الفقراء، في الذكرى 34 لانطلاقته
-
تركيا تعزل عمدة مدينتين مواليتين للأكراد بتهمة صلتهما بحزب ا
...
-
تيسير خالد : سلطات الاحتلال لم تمارس الاعتقال الإداري بحق ال
...
-
الديمقراطيون لا يمتلكون الأجوبة للعمال
-
هولندا: اليمين المتطرف يدين مذكرتي المحكمة الجنائية لاعتقال
...
-
الاتحاد الأوروبي بين مطرقة نقص العمالة وسندان اليمين المتطرف
...
-
السيناتور بيرني ساندرز:اتهامات الجنائية الدولية لنتنياهو وغا
...
-
بيرني ساندرز: اذا لم يحترم العالم القانون الدولي فسننحدر نحو
...
المزيد.....
-
ثورة تشرين
/ مظاهر ريسان
-
كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي
/ الحزب الشيوعي السوداني
-
كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها
/ تاج السر عثمان
-
غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا
...
/ علي أسعد وطفة
-
يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي
/ محمد دوير
-
احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها
/ فارس كمال نظمي و مازن حاتم
-
أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة-
/ دلير زنكنة
-
ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت
...
/ سعيد العليمى
-
عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة
/ حزب الكادحين
المزيد.....
|