فاطمة زهراء ملحاوي
الحوار المتمدن-العدد: 5860 - 2018 / 4 / 30 - 23:20
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
إن تحليل تجارب الهجرة الخاصة بدول المغرب العربي, تدل على أن الهجرة ظهرت تدريجيا باعتبارها ظاهرة تاريخية ترجع إلى عهد الاستعمار الاجنبى. و رغم الحواجز التي فرضت لوقف ظاهرة الهجرة لم تجدي نفعا, فقد بدأت تأخذ منحى خطير في ظل عدم وجود السياسات التي تحد من هذه الظاهرة أمام تنامي العوامل و الأسباب و التي تندرج تحت عوامل اقتصادية كالتفاوت بين معدلات الأجور الحقيقية في بلد المنشأ و بلد الاستقبال أي ما يتوقع العامل أن يجنيه خارج بلده الأصلي.ومع ازدياد التباين الاقتصادي بين دول المغرب العربي ودول الاتحاد الأوروبي الذي يعكس مستوى التطور الاقتصادي, زد إلى ذلك ارتفاع معدلات البطالة و التى تمس بالدرجة الأولى فئة الشباب في بلدان شمال غرب أفريقيا حيث بينت نتائج المسح أن نسبة البطالة قد سجلت زيادة هامة نسبيا على مستوى الفئات العمرية "اقل من 30 سنة في كل من تونس" و "الجزائر وفئة عمرية اقل من35 سنة بالمغرب" .
وتشير الإحصائيات إلى تغير في طبيعة البطالة الحديثة وارتفاعها في أوساط المتعلمين وأصحاب الشهادات الجامعية بالخصوص نتيجة عدم الموائمة بين احتياجات سوق العمل المحلية و أعداد الخريجين من الجامعات.و هو ما يعرف ببطالة الخرجين و التي بدأت تأخذ نسب مقلقة في دول المغرب العربي ,حيث وصلت هذه النسبة في حدود "18.1% في المغرب و22.9 % في تونس و20.3% في الجزائر (10.4% بالنسبة للذكورو33.3% للإناث) حسب نتائج المسح لسنة 2010. وهذا أدى إلى ارتفاع معدل هجرة الحاصلين على التعليم العالي بنسبة تقدر 9.51% بالجزائر, 18.59% بالمغرب و 12.63 بتونس حسب إحصائيات البنك الدولي لسنة "2000 و هذا راجع لعدم الموائمة بين مخرجات" النظام التعليمي واحتياجات سوق العمل و بالتالي "غياب الصلات بين الجامعة و النسيج الاقتصادي و يتفاقم هذا الوضع اعتبارا لنمط تدبير الشركات لا يولى أهمية كبرى إلى مجال البحث و يعتمد التاطير في توظيف أشخاص منخفضي الكفاءة. في المقابل يتيح سوق العمل في الاتحاد الأوروبي اتجاها ايجابيا,فحسب الإحصائيات المتاحة" فقد ارتفع معدل العمالة في الاتحاد الاوروبى من 62.2% في عام 2002 إلى 64.4% عام 2006
يمكن أيضا أن تحدث عملية صنع قرار الهجرة نتيجة تفاعل عدد من العوامل السياسية ,فعلى سبيل المثال أدت الأحداث السياسية و الاجتماعية التي بدأت في تونس أواخر عام 2010 "ثم امتدت إلى العديد من دول جنوب وشرق البحر المتوسط خلال عام 2011 وشكلت جزءاً مما يعرف الآن باسم ربيع الثورات العربية إلى العديد من العواقب و منها سقوط العديد من الأنظمة الاستبدادية و بداية العديد من العمليات الديمقراطية والمؤسساتية و أدى عدم الاستقرار السياسي , إلى حالات من الطوارئ الإنسانية و الاجتماعية فيما يتعلق بتشرد السكان و طلب اللجوء".
كما تلعب عوامل الإغراء النفسية و الاجتماعية التي تحرك دوافع الهجرة كصور النجاح الاجتماعي التي يظهرها المهاجر عند عودته إلى بلده لقضاء الإجازة السنوية, دورا هاما وكذا الصورة الايجابية عبر وسائل الإعلام المرئية و المسموعة .التي تبثها عشرات محطات التلفاز التي تنقلهم إلى عالم متخيل عن طريق الصور ,مما يساعد على نضوج رغبتهم في الهجرة". ومن تم تخطى مرحلة التفكير إلى بدا في مشروع الهجرة .
و دون أن ننسى أسباب تعليمية يمكن أن ينظر إليها على أنها الطريقة لولوج مكان أفضل للتعليم، وبالتالي نقطة انطلاق لأجيال المستقبل حتى لو شكلت الهجرة تضحيات للآباء والأمهات. و التي تعكس تدنى مستوى التعليم المحلى, بالإضافة إلى عدم تطور شبكة الرعاية الصحية, وعدم الثقة بالغد وعدم الرضا من نمط الحياة البدائي مقارنة بالدول الأوروبية ,و هذا ما يفرز المجال واسعا أمام بروز ثقافة الهجرة.
ونتيجة تشديد القيود على الهجرة الشرعية و التي أصبحت أكثر انحيازا لذوى الكفاءات بدأت تظهر مسالة الهجرة غير نظامية و العبور في منطقة البحر الأبيض المتوسط, احتلت مساحة واسعة من اهتمام وسائل الإعلام وعدد من منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الحكومية و الإقليمية. فأصبحت مشكلة تؤرق الدول المستقبلة لهؤلاء المهاجرين غير الشرعيين من دول المغرب العربي .حيث أدركت الدول الأوروبية ضرورة إشراك دول شمال أفريقيا, للسيطرة على هذه التدفقات و محاربتها .
فالمملكة المغربية تعد "نقطة عبور الرئيسية عبر اسبانيا ,فهناك حوالي 100 شاحنة تعبر مضيق جبل طارق سنويا ,وقد سجل بين سنتى 1997 و 2001 حوالى 3286 ضحية غرق فى قوارب الموت فى مضيق جبل طارق" .ويظهر الجدول (01) حجم الهجرة غير الشرعية سنة 2011
الجدول (01) : وضع الهجرة فى دول المغرب العربي سنة 2011
مخزون الهجرة البلدان
اجمالى المهاجرين الهجرة الشرعية الهجرة الغير الشرعية
72348 62348 10000 المغرب
105000 95000 10000 الجزائر
45192 35192 10000 تونس
Source :philippe fargues ,christine fandrich" migration after the arab spring,MPC-migration policy centre,2012p:21
وتظهر المعطيات تطور عدد المهاجرون من دول المغرب العربي الذين لا يملكون وثائق هوية أو بحوزتهم وثائق مزورة و ذلك بعد دخولهم فضاء بلدان الاتحاد الأوروبي كنتيجة لتشديد قيود . كما هى موضحة فى الشكل الموالى
مصدر :المركز الدولى لتطوير سياسات الهجرة "مساهمة فى معرفة تدفقات الهجرة المختلطة نحو الجزائر وانطلاقا منها وعبرها –من اجل رؤية انسانية لظاهرة الهجرة "
ومن اكثر الظواهر الحديثة الملفته للانتباه فى الهجرة هو الدور الذى اصبحت تلعبه دول المغرب العربى و خاصة المغرب كمجالات لعبور الهجرة غير النظامية القادمة من بلدان جنوب الصحراء افريقيا ففى كل واحدة من دول المغرب العربي يتواجد حوالى 10000 مهاجر غير شرعى كما هو مبين فى الجدول(01) اعلاه.اما من حيث المنشا الجغرافى للأجانب تشير التقديرات المتاحة إلى"ان أفارقة جنوب الصحراء الذين يعيشون فى شمال أفريقيا أكثر عددا ممن يعيشون فى اوروبا .وهم اقل عددا بكثير فى تونس عنها فى المغرب و الجزائر ,مما يمكن تفسيره من واقع ان تونس لديها عمق جغرافى افريقى اقل شانا (ليس لديها حدود مشتركة مع اى دولة جنوب الصحراء الكبرى ).وان حدودها تخضع لرقابة صارمة بشكل خاص .وهكذا يصبح طريق الهجرة الاقدم وهو مضيق جبل طارق اقل استخداما بالتدريج ,ليحل محله العبور من موريطانيا او السينغال الى جزر الكناري .ومن ليبيا الى ايطاليا الذى بلغ ذروته عام 2008." و تبقى ظاهرة الهجرة الغير الشرعية ظاهرة متنامية تتناقل ماسيها باستمرار عبر وسائل الإعلام.
وبعد تشديد القيود على منح تأشيرة السياحة للقاطنين فى دول المغرب العربي و خاصة بالنسبة للجزائريين نتيجة تحولها من هجرة قانونية الى هجرة غير شرعية . أصبح العديد من المهاجرين يبحثون عن طرق قانونية للهجرة و آمنة فتمثلت هذه المرة عبر النوادى الرياضية المسجلة التي تسافر الى دول الاتحاد من اجل لعب المباريات و تدريب الأطفال لكن هته الجمعيات فى الخفاء تساهم تهريب الأشخاص بطريقة قانونية مقابل مبلغ مالي قد يصل الى 60مليون للشخص الواحد حيث تسجله ضمن الأعوان المرافقين من اجل تدبير له تأشيرة سياحية و بعدها تتحول هجرته الى طريقة غير شرعية فى دول الاوروبى .
و تبقى الهجرة من المسائل الاكثر تعقيد فى ظل عدم وجود استراتيجيات تحد منها .
#فاطمة_زهراء_ملحاوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟