|
امرأة تعيش خارج الذاكرة .. لماذا ؟؟
تميم منصور
الحوار المتمدن-العدد: 5854 - 2018 / 4 / 23 - 23:38
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
من خلال متابعتي للمسيرة النضالية لعدد من الثائرات الجزائريات ، خاصة الجميلات الثلاث ، وهن جميلة بوحيرد ، جميلة بوعزة ، وجميلة بو باشا ، وجدت أن ميزان عدالة التاريخ لم يكن منصفاً ، وهذا الانحراف في مؤشر قياس الأحداث والسيرة النضالية لدى الجميلات الثلاث، قد توقف طويلاً أمام مسيرة جميلة بوحيرد النضالية ، وتحرك بسرعة أمام بوابات النضال والكفاح الذي مارسته كل من جميلة بو باشا وجميلة بوعزة ، لهذا السبب نجد ان الأضواء الاعلامية واقلام المؤرخين رصدت حياة جميلة بوحيرد بعمق يزيد عن العمق الذي رصدت به كل من جميلة بو باشا وزميلتها جميلة بوعزة ، كان من المفروض ان يتم اصلاح هذا الغبن من قبل اولئك الذين اخذوا على عاتقهم تدوين تاريخ الثورة الجزائرية ، وخاصة دور المرأة الجزائرية فيها . لا أحد ينكر الدور البطولي الذي قامت به جميلة بوحيرد ، وتعرضها لأقسى أنواع التعذيب في السجون الفرنسية ، لكنها نالت حظها بما فيه الكفاية من الشهرة ، حتى ان البعض يعتبرها مناضلة عالمية ، لقد أصبح اسمها على كل لسان خاصة في سنوات الخمسين والستين ، يفضل التغطية الاعلامية التي وفرتها لها وسائل الاعلام المصرية- أفلام وأناشيد وقصائد شعرية - في تلك الفترة ، في حين فإن الجميلتين الثانيتين بقيتا في الظل ، رغم ان الدور البطولي الذي قمن به لا يقل عن دور جميلة بوحيرد . وهناك من يلحق بعض الاسقاطات في مسيرة وحياة جميلة بوحيرد ، في مقدمة هذه الاسقاطات زواجها من المحامي الفرنسي الذي دافع عنها أثناء اعتقالها ، لم يتقبل الكثيرون حتى من ابناء الشعب الجزائري هذه الخطوة ، واعتبروها غير لائقة بحق مجاهدة كبيرة مثل جميلة بوحيرد ، وبعد الاستقلال اختارت ان تعيش مع زوجها الفرنسي في باريس ، بدلاً من العيش في الجزائر ، ولا تزال تعيش في فرنسا ، وكان لهذا تبعات كبيرة وهامة ، انعكس على حياتها وعلى اولادها ، أما زميلتها جميلة بو باشا ، فقد ذكرت في المقابلة التي أجرتها مع صحيفة النصر الجزائرية عام 2014 ، بأنها قررت بعد الاستقلال ان تعيش في الجزائر كبقية المواطنين ، لأنها لم تعتبر نضالها وكفاحها منة على أحد ، بل اعتبرته واجباً ، بل فرضاً وطنياً ، وتأملت من الأجيال اللاحقة التي حظيت بنعمة الاستقلال ، أن تستمر بحمل المشاعل وتساهم في بناء دولة حرة متطورة ، يتساوى كل ابنائها أمام القانون . جميلة بو باشا من مواليد 1938 ، تنتمي الى اسرة ثورية ، والدها عبد العزيز بو باشا ، كان شخصية معروفة ، داخل صفوف الحركة الوطنية الجزائرية ، والى جانبه جميع اخواتها وأقاربها ، في صغرها علمها والدها ان تنشد الاناشيد الوطنية الجزائرية ، وعندما بلغت سن الرشد قررت الانضمام الى الفرع النسوي في حزب الشعب ، وفي سنة 1953 انضمت الى الاتحاد العام للطلبة الجزائريين ، بعد ذلك انضمت الى صفوف الكشافة الوطنية . عندما اندلعت الثورة الجزائرية عام 1954 انضم والدها للثوار ، وتبعه شقيقها جمال وشقيقتها نفيسة ، ومن ثم لحقت بهم وانضمت الى صفوف الثورة بمساعدة شقيقها جمال ، الذي كان يطلعها على تحركات الثوار . كلفها الثوار بنقل المنشورات والرسائل بين المجاهدين ، فضلاً عن القيام بتنظيف السلاح للثوار ونقله من مكان لآخر ، كما قامت بنشاطات أخرى لخدمة الثورة في منطقة بوفاريك وبلدة البليدة . من بين العمليات العسكرية التي قامت بها وضع قنبلة في محطة لتجمع العسكر الفرنسي ، وقامت بنقل الأدوية وايصالها للمجاهدين ، ومن بين كبار المسؤولين في الثورة الذي دربها مع مجموعة من الفتيات المجاهد المعروف " مصطفى شلحة " . الذي قرر أن يضع على عاتقها اكبر المهام التي كلفت بها وعرضتها للخطر ، القيام بنقل الأسلحة وايصالها للثوار . في اجابتها على سؤال حول موعد اعتقالها لأول مرة ، قالت : تم توقيف كل افراد الأسرة اول مرة عام 1957 ، فقد القي القبض على شقيقها جمال في معركة بناجية بير خادم ، لكن شقيقها انكر مشاركتها في الثورة ، فأخلوا سبيلها ، فواصلت العمل داخل صفوف الثوار ، الى درجة انها شاركت بشكل فعلي في مهاجمة دوريات فرنسية ، وفي سنة 1960 وخلال احدى الاشتباكات ، لم تتمكن من الانسحاب فالقي القبض عليها ، وبقيت في السجن حتى نيل الاستقلال . في المعتقل تعرضت جميلة بو باشا لشتى أنواع التعذيب لمدة خمسة أسابيع متواصلة . رفضت في البداية سلطات الاحتلال الفرنسي تقديمها للمحاكمة ، لعل وعسى تموت في السجن ، لأنها عاشت في غيبوبة متقطعة من شدة التعذيب ، وعندما قرروا تقديمها للمحاكمة رفضت ، لأنهم منعوها من توكيل محامية نزيهة من طرفها لتدافع عنها ، تمت محاكمتها غيابياً وحكم عليها في البداية بالإعدام ، ثم خفف للسجن المؤبد . أخلي سبيلها كباقي الآف المعتقلين بعد حصول الجزائر على الاستقلال عام 1962 . تقول جميلة بو باشا في مقابلة معها ، بأن الرئيس الجزائري أحمد بن بله عرض عليها مناصب مختلفة هي وزوجها المدعو عمر خالي ، كان هو الآخر مجاهداً في الثورة ، ثم أصبح محامياً وعضو في البرلمان الجزائري. اكتفت جميلة بو باشا بوظيفة عادية متواضعة بوزارة العمل ، وبقيت تمارس عملها ولم تغادر الجزائر حتى خرجت للتقاعد . لم تتحمل جميلة بو باشا حالة الفوضى في نظام الحكم والفساد الذي استشرى في اجهزة الدولة ، خاصة في فترة حكم الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد ، فقررت اعلان الاضراب عن الطعام لمدة ستة أيام سنة 1989 ، احتجاجاً على تفشي الفساد ، كان شعارها ان من قاموا في الثورة ، عليهم مرافقة الجيل الشاب لإرشاده الى الطريق الصحيح . هي تؤمن بأن الكثيرين من المسؤولين من افراد الأسرة الثورية لم يحققوا أهداف الشعب ، خاصة العدالة في توزيع ثروات البلاد والمناصب ، كما أن زوجها شاركها في هذا الرأي ، انتقدت المسؤولين الجزائريين لأنهم لم يقوموا بتوزيع الأراضي على الفلاحين بالتساوي ، فقد تلقى العديد من هؤلاء المسؤولين الرشاوى من كبار الفلاحين ، للحصول على اراض لا يستحقونها . عبرت جميلة بو باشا التي حملت لقب " الشهيدة التي لم تمت " عن عدم رضاها عن كتابة تاريخ الثورة ، فقالت : في البداية كتبوا حقائق وقعت فعلاً ، ولكن هناك من حاولوا فيما بعد أن يظهروا انفسهم أبطالاً من خلال تزيين افعالهم ، كما فعل السادات عندما تطاول على عبد الناصر ، وتعترف جميلة بو باشا أن الكثير من الشهادات قد زيفت الاحداث ، فقد نسبت اعمال بطولية الى أشخاص لم يقوموا بها . هذا غيض من فيض من تاريخ سيرة امرأة تدعى " جميلة بو باشا " أنها مثل الكثير من النساء الفلسطينيات المناضلات اللواتي يتجاهلهن التاريخ ، ويعشن خارج الذاكرة .
#تميم_منصور (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هنا القاهرة من دمشق
-
صور من حالات التعليم في زمن الانتداب - الحلقة الاخيرة
-
صور من حالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب 5
-
صور من حالات التعليم في فلسطين - 4 -
-
صور من جالات التعليم في فلسطين زمن الانتداب -3-
-
التعليم في فلسطين زمن الانتداب
-
موقف حزب مباي من المواطنين العرب (2)
-
من ارشيفات حزب مباي
-
كفى .. لقد شبعنا مزايدات
-
الحصان الفلسطيني بقي وحيداً
-
مائة عام على ميلاد جمال عبد الناصر
-
زمن خريف التساقط العربي
-
نتنياهو يرى القشة في العين الايرانية ولا يرى الخشبة في العين
...
-
هنا محطة الشرق الأدنى للإذاعة العربية
-
هنا القدس (2) سيرة حياة بلاد ومثقفين وحياة اجتماعية واعدة
-
الاذاعات العربية في فلسطين زمن الانتداب
-
موقف الصحافة المصرية من الصهيونية في الفترة الواقعة ما بين س
...
-
موقف الصحافة المصرية من الصهيونية في الفترة الواقعة ما بين 1
...
-
بمناسبة مضي مائة عام على صدور وعد بلفور (2) اغتيال الوسيط ال
...
-
بمناسبة مرور مئة عام على وعد بلفور
المزيد.....
-
واشنطن -تشعر بقلق عميق- من تشغيل إيران أجهزة طرد مركزي
-
انهيار أرضي يودي بحياة 9 أشخاص في الكونغو بينهم 7 أطفال
-
العاصفة -بيرت- تتسبب في انقطاع الكهرباء وتعطل السفر في الممل
...
-
300 مليار دولار سنويًا: هل تُنقذ خطة كوب29 العالم من أزمة ال
...
-
زاخاروفا ترد على تصريحات بودولياك حول صاروخ -أوريشنيك-
-
خلافات داخل فريق ترامب الانتقالي تصل إلى الشتائم والاعتداء ا
...
-
الخارجية الإماراتية: نتابع عن كثب قضية اختفاء المواطن المولد
...
-
ظهور بحيرة حمم بركانية إثر ثوران بركان جريندافيك في إيسلندا
...
-
وزارة الصحة اللبنانية تكشف حصيلة القتلى والجرحى منذ بدء -ا
...
-
-فايننشال تايمز-: خطط ترامب للتقارب مع روسيا تهدد بريطانيا و
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|