|
عديقي اليهودي 32 * قبلات بلا حدود!
محمود شاهين
روائي
(Mahmoud Shahin)
الحوار المتمدن-العدد: 5839 - 2018 / 4 / 8 - 21:39
المحور:
الادب والفن
عديقي اليهودي 32 * قبلات بلا حدود! تألقت الشمس أعلى قمم الجبال الشرقية مرسلة خيوط أشعتها لتتكسر على أبراج الكنائس والمآذن وقبة الصخرة في المدينة المحاصرة بأسوار الفصل العنصري وعشرات الحواجز العسكرية التي أحالت المدينة إلى سجن كبير، فيما كان عارف نذير الحق يعدو خلف سارة محاولا اللحاق بها وهي تعدو جامحة كمهرة قطع عنانها ، عبر بطاح زهت بألوان الأقحوان وشقائق النعمان ، وأينعت فيها النباتات والأعشاب لتعبق متفوّحة برائحة الزعتر والميرمية والشيح والقيصوم ! توقفت مراوحة في مكانها إلى أن لحق بها عارف . أشرعت حضنها له فألقى بنفسه عليها وهو يحتضنها ويقبلها محاولا التقاط أنفاسه . - تعبت حبيبتي ! - هل تحب أن نستريح قليلا ؟ - لا حبيبتي ! سأمشي بخطى سريعة أو أجري حسب استطاعتي ، وأنت بإمكانك متابعة جريك إن شئت ، لكن لا تحرميني من قبلك بين مسافة وأخرى ! " حبيبي " وشرعا في تبادل القبل ! لفت انتباههما صوت طائرة مروحية قادمة من الغرب على ارتفاع منخفض. توقفا للحظات وهما يرقبان الطائرة تمرعلى مسافة غير بعيدة عنهما متابعة طيرانها نحو الشرق ، وكان في مقدورهما أن يريا أكثر من شخص فيها .. تساءلت سارة عما إذا كانت هذه طائرة استطلاع وإلى أين تذهب . - لا أعرف ! ربما متجهة إلى أحد المعسكرات في الخان الأحمر أو البقيعة . تجاوزت الطائرة مستوطنة كيدار وتابعت توغلها وانخفاضها نحو الشرق لتختفي في وادي الدكاكين كما بدا له! شك عارف في أمرها وما لبث أن تجاهلها، حين رآها بعد لحظات تظهر وتتابع طيرانها نحو الشرق ، لتختفي ثانية خلف هضاب المنطارالشمالية في اتجاه جوايف شرف والبقيعة والبحر الميت . تابعا طريقهما .. شرعت سارة في الجري هرولة . انطلق عارف بخطوات سريعة تارة وهرولة تارة أخرى . كانت تتوقف بين كل مسافة تقطعها وأخرى، وتراوح في مكانها إلى أن يلحق بها عارف. تعانقه وتهرول إلى جانبه للحظات ثم تعدو بضعة أمتار لتسبقه وتنتظره .. كان علي يسرح بقطيعه على سفح الهضبة التي يجتازانها .. تساءلت سارة عما إذا كان هذا قطيعه . أجابها عارف إنه هو . راحت تعدو نحوه . صافحته وراحت تبحث عن خروف صغير تداعبه . نجحت في الإمساك بخروف .. حملته في حضنها وشرعت تقبله على رأسه . وصل عارف. - سلامات يا علي.. يعطيك العافية . - هلا يا عم . الله يعافيك ! أين تمضيان يا عم ؟ - سنصل إلى عزبتنا ونعود بعد العصر . - ألن تتغديا ؟ - لم نحضر طعاما يا عم ، سنأكل حين نعود . - غداؤكم علي اليوم يا عم . سأذبح لكما خروفا أو جديا ، حسب طلبكما . - يكثر خيرك يا عم ، يكفي ما فعلته للمهنئين ! - ذبائح غداء المهنئين دفعت لي ثمنها يا عم . أريد أن أقدم ذبيحة على شرف سارة لأفرح بكما ! - تشكر يا عم ! سأسأل سارة ! - حبيبتي علي يدعونا للغداء ما رأيك ! - يسعدني أن ألبي دعوته حبيبي! - شكرا سارة . أنا سعيد بصداقتك لعمي. - يجعل أيامك كلها سعادة يا علي. - هل تحبان أن نحضر لكما الغداء إلى العزبة . - ممكن لكن ليس قبل الساعة الثانية . وإذا غيرنا رأينا وعدنا قبل ذلك، سترانا ، فإما أن نذهب إلى بيتكم أو تحضروا الغداء إلى بيتي . - حسنا يا عم . ماذا تفضلان ؟ - ما تريده أنت يا عم . - سأذبح خروفا . - ليكن ياعم . خاطرك . - في رعاية الله يا عم . هل تفضلان الخروف مقليا أم مشويا ؟ - كما تشاء يا عم ، إلى اللقاء. إلى اللقاء ***** تلقت سارة مكالمة من أبيها يسألها عمّا إذا كان عارف قد وافق على الحفل. فأخبرته أن ليس بعد ،وأنها الان مع عارف في جولة رياضية في البريّة ، وأنهما الآن على مقربة من كيدار ! تابع عارف وسارة رياضتهما ليجتازا مستوطنة كيدار نحو الشرق . لم يتوقفا إلا عندما بلغا بئر امداسيس. جلسا متجاورين على صخرة مستطيلة إلى جانب فوهة البئر التي علت محيطها قاعدة مستديرة من الإسمنت المسلح والصخور، إلى جانب حوضين صخريين يسكب فيهما الماء لإسقاء المواشي والأغنام . وكانت قناتان تمتدان بعيدا على سفح هضبتين متقابلتين غربا وشرقا ، لتجلبا مياه الأمطار إلى مصفاة البئر، لتلج منها عبر كوّة في القاعدة إلى عمق البئر . كانت القناتان تستندان إلى حجار كبيرة نسبيا مرصوفة إلى جانبيهما لتمنعا تسرب الماء إلى خارجهما . هتف عارف وهو يلقي نظراته على الحوضين والمصفاة وباب البئر الذي كان مغلقاً بباب حديدي. - لو أردت أن أحدثك عن ذكريات الطفولة على هذه البئر لربما احتجت إلى أيام لأرويها كلها . هذه البئر شهدت الكثير من المشاجرات بين العائلات على الماء، والمغازلات بين العشاق ، وخيانة بعض الزوجات والأزواج ، وغسيل الملابس وأكياس الخيش ، وورود القطعان والمواشي ، واستقاء الماء، وصيد العصافير ، والإستحمام ، والسباحة في البئر ، وصلوات الإستسقاء، ورضع الحليب من أضرع المعز، وحلب النعاج لتناول الغداء ، وقيلولة الأغنام على صدرالبئر ومزبلته ، وممارسة لعبة الأزواج والعريس والعروسة والعادة السرية بين الأطفال ، ونكاح الخيول والحمير والأغنام في فصل السفاد ، وثغاء المعز والنعاج ، ونباح ومشاجرات كلاب الرعاة ، وغير ذلك كثير، مما يمكن أن يروى ، ومما لا يمكن أن يروى حتى لو كان الكاتب أنا !! راحت سارة تضحك وهي تردد : - أي تاريخ شهدته هذه البئر . - مكانك هنا يا حبيبتي كانت تجلس فاطمة لتشمر ثوبها عن فخذيها البضين وتسألني وأنا أقف في مواجهتها على أرض المصفاة. - كيف افخاذي؟ حلوين ؟ فأقول وأنا الطفل المراهق الخجول المتأجج شهوة " حلوين " ولوأنني كنت قادرا على مواجهة خجلي لقلت " طيروا عقلي من حلاتهم " وفي هذه المصفاة يا حبيبتي كنت أكمن بنقيفتي للعصافيرالتي تأتي في حرالقيظ لتشرب الماء . فما أن يقف العصفور على حافة الحوض أو على فوهة البئرأو حتى على حجر في القناة على بعد أمتار، حتى أنقفه بحصوة من نقيفتي ترديه صريعا . كنت ماهرا في الصيد بالنقيفة ويندر أن أخطئ عصفورا ، ومعظم إصاباتي كانت في الرأس! الله لا يسلمني كم كنت سفّاحا للعصافير ! ضحكت سارة وهي تتساءل: - أين حجلاتك يا حبيبي لم أرها اليوم ؟ - أعتقد أنها لم تستشعر وجودنا بعد ، ثم إنها تفضل الأودية والأخاديد والجوف. نحن على مسافة مئات الأمتار من عزبتنا .. سنرتاح قليلا فيها ونفكر إن كنّا سنبقى لنتغدى هناك أو نعود.. أعطني قبلة ! ******* أطرق عارف للحظة وعاد لمعانقة سارة ثانية بحرارة، ويقبل عينيها ووجنتيها وعنقها ويديها وهو يردد " أحبك " . في الليلة الماضية لم تسعفه أحضانها من حلم عابر رأى فيه بوادراغتياله لتطرقهما إلى الإغتيال قبل النوم . فقد رأى رجلا يلوح في وجهه بمسدس ويقول له " منيتك قربت يا عارف " لم يكترث للحلم ولم يخبر سارة عنه ، لكنه تذكره الآن وهما يهمان للذهاب إلى العزبة . أحست سارة بأن عارف واقع تحت شعور مقلق . - حبيبي هل تشعر بشيء . - لا حبيبتي مجرد شعور سخيف . هيّا للنهض. - حبيبي أرجوك انس الإغتيال . لن يقدم على اغتيالك وأنت في أوج شهرتك إلا أحمق . ابتسم عارف وهو يردد: - المشكلة أن معظم القتلة حمقى يا حبيبتي! انطلقا نحو مدخل وادي عزبة مشتى المخالدة .. شرعت سارة في البحث عمّا يمكن أن يؤكل بين الأعشاب والنباتات البريّة التي عرفتها من جولة سابقة ..كان عارف يسبقها بضعة أمتاردون أن يبحث عن شيء بين الأعشاب. فاجأتهما بضع حجلات تفر مذعورة في اتجاه معاكس . بعض الحجلات كاد أن يصطدم بعارف . لم تكن الأم مع الطيور كما يبدو وإلا لتوقفت عنده .. لوحت سارة للحجلات وهي تتجاوزهما لتحط على مسافة خلفهما ، واستغرب عارف هذا الأمر غير المعتاد، وتابع سيره، فيما تابعت سارة بحثها بين الأعشاب خلفه. وحين أصبح عارف أمام باب كهف أحمد خليل، في مواجهة جدران عزبتهم، على مسافة تقارب خمسين مترا، أطلقت عليه زخّة رصاص من مدفع رشّاش ، كان مطلق النار يكمن خلف أحد جدران العزبة . ترنح جسد عارف دون أن يسقط ، وقد اخترقته ما لا يقل عن عشر رصاصات. ألقت سارة ما في يديها من أعشاب وهرعت صارخة نحو عارف. تهاوى جسد عارف على الأرض فاقدا الحياة . انطلقت بضع رصاصات أخرى لتخترق جسد سارة .. سقطت على مقربة من عارف . حبت بكل ما بقي فيها من أثر لحياة، لتتمسك برجلي عارف وتزحف عليهما ، لتلفظ أنفاسها الأخيرة ووجهها على وجهه . وليطلق القاتل زخة رصاص أخيرة على الجسدين . وينطلق هاربا في الوادي نحو الشرق. ****** سمع علي صوت اطلاق النار وعرف مصدره ، وهو يدرك أن عمه وسارة هناك ، وأنهما على الأغلب من استهدفا بإطلاق النار. صعد إلى قمة هضبة وشرع ينادي الأقارب وأبناء البلدة .. تنادى الرعاة وتناقلوا نداءه من راع إلى راع ليبلغ أسماع الناس . وسمع سكان مستوطنة كيدار وعلى رأسهم يعقوب سليمان ، الذي راح يتمنى في دخيلته أن لا تكون النار قد أطلقت على عارف وسارة . أخبر زوجته بالأمر وراح يعدو نحو الشرق . فيما كان علي يعدو بدوره . سبق علي يعقوب في الوصول إلى الجثمانين . توقف يبكي ويندب عمه الحبيب الذي ستفتقد البريّة وقع خطاه بعد اليوم. وحين وصل يعقوب شرع معه في البكاء دون أن يعرف أحدهما الآخر. غير أن علي أدرك من القبلات التي طبعها يعقوب على جبين سارة وهو يردد اسمها أنه والدها .. خابر يعقوب راحيل لتطلب الإسعاف . وهرع كثيرون من المستوطنة ومن أقارب عارف . كانت بركة دماء قد تشكلت حول الجسدين .أشار يعقوب إلى الجميع أن ينتظروا قدوم الإسعاف ليقل الجثمانين إلى المستشفى . أقبلت مروحية اسعاف بمرافقة مروحية شرطة جنائية بعد قرابة ساعة . حملت مروحية الإسعاف الجثمانين بمرافقة يعقوب وعلي إلى مستشفى هداسا ، فيما راح رجال الشرطة يبحثون عن الرصاص مكان القتيلين، وعن الطلقات الفارغة في المكان الذي أطلقت منه النار... وتفرق باقي الناس عائدين إلى بيوتهم ، ليرفع ذوي عارف الرايات السود على أسطح منازلهم حدادا على فقيدهم الكبير. *******
#محمود_شاهين (هاشتاغ)
Mahmoud_Shahin#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عديقي اليهودي 31 * نوم عذري!
-
عديقي اليهودي 30 * يوم الحب والألم!
-
عديقي اليهودي 29 * مبروك يا عارف !
-
عديقي اليهودي 28 * أبطال تراجيديون ، من جليّات إلى ياسر عرفا
...
-
كم أحسد الشعراء ؟ -هلوسات- على هامش السياسة والرواية والشعر.
-
عديقي اليهودي 27 * عارف يرفض وسام دولة اسرائيل ويتقبل وسام د
...
-
عديقي اليهودي 26 *عارف نذيرالحق يرفض استقبال ممثلي السلطة ال
...
-
عديقي اليهودي 25 * فيضان سيل وادي أبوهندي!
-
عديقي اليهودي 24 * حب وقلق وشواء وحجل وشاباك !!
-
عديقي اليهودي23 * الخالق العظيم !!
-
عديقي اليهودي 22 * صباح بطعم القبل!
-
عديقي اليهودي الفصل 21 *موسى يبدأ حياته بقتل مصري تشاجر مع ع
...
-
عديقي اليهودي الفصل العشرون * القتل لمجرد الرغبة في القتل !
-
شاهينيات صعبة وصادمة جدا، في الخلق والخالق!
-
عديقي اليهودي . الفصل التاسع عشر . حالة حب !
-
عديقي اليهودي . الفصل الثامن عشر
-
عديقي اليهودي . الفصل السابع عشر
-
عديقي اليهودي الفصل السادس عشر
-
العقل لبناء حضارة انسانية ولا شيء غير ذلك!
-
عديقي اليهودي الفصل الخامس عشر
المزيد.....
-
الموصل تحتضن مهرجان بابلون للأفلام الوثائقية للمرة الثانية
-
متى وكيف يبدأ تعليم أطفالك فنون الطهي؟
-
فنان أمريكي شهير يكشف عن مثليته الجنسية
-
موسكو.. انطلاق أيام الثقافة البحرينية
-
مسلسل الطائر الرفراف الحلقة 84 مترجمة بجودة عالية قصة عشق
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|