|
حديث حول الرأسمالية!
فهد المضحكي
الحوار المتمدن-العدد: 5838 - 2018 / 4 / 7 - 10:36
المحور:
الادارة و الاقتصاد
كثيرة هي الدراسات التي ناقشت العلاقة التاريخية بين الرأسمالية والازمات الاقتصادية، وكانت -كما يرى د. منير الحمش في بحثه «هل الرأسمالية مهددة فعلاً بالانهيار؟!» المنشور في النور السورية 2016- بعض الازمات تحمل طابعا دوريا، في حين كان بعضها الآخر ذا ابعاد عميقة تتعلق بطبيعة النظام الرأسمالي نفسه وبنيته، مما يطرح على أرباب النظام ومفكريه مسألة مستقبل الرأسمالية وما إذا كان النظام مهددا بالانهيار.
ومن وجهة نظره المنطقية، يقول: «ان المتتبع لتاريخ الرأسمالية يجد ان هناك علاقة جدلية بين تطور النظام الرأسمالي وأزماته وتاريخ الفكر الاقتصادي، فقد ارتبطت نشأة النظام الرأسمالي بقيام النهضة والتنوير في أوروبا، إذ انطلقت عملية التحديث الكبرى وانتقال المجتمع الاوروبي من مجتمع زراعي إلى مجتمع صناعي في ظل الثورة الصناعية، في اكبر تحول من تاريخ البشرية، ذلك التحول الذي أدى إلى قيام حضارة القرن التاسع عشر على أساس اربعة نظم، كما يقرر (بولاني) استاذ التاريخ الاقتصادي في انجلترا والولايات المتحدة في كتابه (التحول العظيم) عام 1942.
النظام الأول: ضمان التوازن في القوة، وهذا ما منع لمدة قرن كامل وقوع أي حرب طويلة مدمرة بين القوى الكبرى.
النظام الثاني: هو قاعدة الذهب الدولية أساسا للتعامل.
النظام الثالث: هو السوق الذاتي التنظيمي.
النظام الرابع: هو الدولة الليبرالية».
ومن هذا المنظور، يتحدث الحمش عن السوق ذاتي التنظيم، والدولة الليبرالية بوصفهما عاملين محركين لمسيرة قاطرة الحداثة والحضارة المعاصرة، ويقف خلف السوق والدولة الليبرالية نظرية اقتصادية - اجتماعية - ثقافية، تتمحور حول اقتصاد السوق والديمقراطية وحقوق الانسان.
ووفق هذا التصور، ومع نضوج النظام الرأسمالي يشرح كيف تبدى على نحو واضح مدى الظلم والاستغلال الذي ولد البطالة والفقر في ارجاء أوروبا، ثم تمثل ذلك كله في نهب ثروات البلدان التي خضعت لاستعمار جيوش أوروبا، فقد بدت عيوب النظام الرأسمالي تتوضح داخليا في المجتمعات التي نشأ فيها، كما توضح الآثار الكارثية لاستعمار بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية.
فكان ان جاءت (الماركسية) لتظهر تناقضات هذا النظام التي تنذر بانهياره، ثم جاءت الحرب العالمية الأولى لتزيد من جشع النظام الرأسمالي وتوحش الرأسماليين، فوقعت أزمة الكساد العظيم (1929) في الولايات المتحدة، ثم انتقلت إلى جميع انحاء العالم، فكانت إنذارا قويا للنظام الذي تكاتفت جهود المسؤولين الحكوميين والمنظرين الاقتصاديين من أجل ايجاد مخرج من الأزمة العاصفة، فكان الرد من حكومة الولايات المتحدة ببرنامج (النيوديل) ومن (كينز) الذي جاء بنظريته العامة يفسر التوازن والاختلال في الاقتصاد، فبيّن ان التوازن يمكن ان يستقر عند مستويات متعددة من التشغيل، وانه قد يستقر دون العمالة الكاملة، واعطى كينز وصفا للسياسة الاقتصادية لمواجهة البطالة عن طريق تدخل الدولة، معارضا انصار النظرية التقليدية الذين يدافعون عن الحرية الاقتصادية.
وقد وجدت نظرية كينز تطبيقا واسعا لها بعد الحرب العالمية الثانية، خاصة في دول أوروبا الغربية، بإقامة ما يدعى بالدولة التدخلية (دولة الرفاه والازدهار) لمواجهة مسألة اعادة اعمار ما خلفته الحرب من دمار، والوقوف في الوجه النموذج السوفيتي، ولمراعاة ضغط نقابات العمال والاحزاب الاشتراكية الديمقراطية.
ولمواجهة هذا الدمار، يوضح الكاتب كيف أسهمت الولايات المتحدة في نجاح مشروع مارشال الذي ساعد نجاحه الاعتماد على الطاقة الرخيصة (وأهم مصادرها النفط العربي)، فأمكن بذلك للنظام الرأسمالي تحقيق ما يدعى بالتسوية التاريخية بين الرأسمال والعمل والدولة، وانجز النظام الجديد الازدهار لشعوب اوروبا الغربية على مدى سنوات امتدت حتى نشوب الازمة من جديد في مطلع سبعينات القرن الماضي، تحت عنوان (الركود التضخمي) ومواده تراجع النمو الاقتصادي مع تزايد معدلات التضخم.
وتابع الحمش أنه امام عجز الكينزية عن تقديم الحلول للأزمة، انبرى الاقتصاديون الليبراليون الجدد إلى تقديم حلولهم من خلال تحميل الدولة وتدخلها في الشأن الاقتصادي مسؤولية الازمة، وقالوا ان الحل هو في تراجع الدولة إلى حدود وظائفها التقليدية، وترك الافراد والمؤسسات الخاصة تعمل بحرية، ونادوا بحكومة الحد الأدنى، أو بالحكومة الصغيرة والتخلي عن القطاع العام وحرية التجارة الخارجية وحرية السوق الداخلي وعدم التدخل في الاسعار!
وإذا كانت (تاتشر) وحزب المحافظين في بريطانيا تبنت هذه الدعوة واستطاعت الوصول إلى رئاسة الحكومة البريطانية (1979)، فإن رونالد ريغان بالمقابل وصل إلى الرئاسة الامريكية (1980) تحت ظل شعارات المحافظين الجدد ورفع شعار اقتصاد السوق المنفلت من أي ضوابط، ووضعت بعد ذلك سياسات بوصفها نهجا اقتصاديا يقدم إلى جانب الديمقراطية وحقوق الانسان ضمن مشروعات يراد منها تعزيز هيمنة الولايات المتحدة على مقدرات العالم، وصدرت هذه المشروعات إلى بلداننا باسم (الشرق الاوسط الجديد) الذي اصبح كبيرا بعد ذلك، والشراكة الاوروبية، واتفاقات الشراكة وحرية التجارة، بوصفها وسيلة عملية لإلحاق بلداننا بالاقتصاد العالمي وإدراجها ضمن مقتضيات العولمة، مستخدمة في ذلك المؤسسات والمنظمـات الدولـية، والمصارف الكبرى والشركات متعددة الجنسيات.
#فهد_المضحكي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الناقد جابر عصفور.. تقويض نزعة العالمية
-
ترامب وعسكرة الفضاء!
-
عن الصحافة الثقافية!
-
دولة الإمارات نموذجًا للإدارة المالية الرشيدة
-
في ذكرى اغتيال المفكر حسين مروة!
-
محمد مندور
-
منتدى دافوس.. الحفاظ على مصالح الدول الكبرى!
-
الثقافة حرية وتحرر وتنمية
-
علوي شبر
-
عن الأزمات والضرائب!
-
حديث حول تآكل الطبقة الوسطى!
-
لماذا انتفض الفقراء في إيران؟
-
صلاح عيسى.. حياة مليئة بالنضال والإبداع
-
الظاهرة الصوتية!
-
بطالة الشباب في الدول العربية!
-
كيفية مواجهة الفساد!
-
متحف للمرأة الإماراتية
-
تلاعب صندوق النقد الدولي.. اليونان أنموذجاً!
-
إنهم يهزون الأرض
-
حول العدالة الاجتماعية!
المزيد.....
-
مدفيديف: الغالبية العظمى من أسلحة العملية العسكرية الخاصة يت
...
-
-كلاشينكوف- تنفذ خطة إنتاج رشاشات -آكا – 12- المطورة لعام 20
...
-
إيلون ماسك يحطم الرقم القياسي السابق لصافي ثروته.. كم بلغت ا
...
-
اتهامات أميركية لمجموعة أداني الهندية بالرشوة تفقدها 27 مليا
...
-
تونس.. توقف بطاقات -UnionPay- الصادرة عن بنك -غازبروم- الروس
...
-
مصر.. بيان رسمي حول أزمة سفينة -التغويز- وتأثيرها محليا
-
القنصل الأميركي لدى أربيل: العلاقات الأميركية العراقية توجه
...
-
قفزة مفاجئة في سعر الذهب الان.. تحديث غير متوقع
-
أزمة قطاع العقارات في إسرائيل تنعكس على القطاع المصرفي
-
دوام عمل كامل من 32 ساعة أسبوعيًا.. إنتاجية وحياة شخصية واجت
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|