عودت ناجي الحمداني
الحوار المتمدن-العدد: 1487 - 2006 / 3 / 12 - 11:44
المحور:
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
المبحث الثالث : مقترحات
من الثابت أن صندوق النقد الدولي تم أنشاؤه برغبة وارادة الدول الأحتكارية , بدافع الهيمنة الأقتصادية على العالم , وينضوي هذا التوجه في اطار الصراع الدولي الساخن في تلك الفترة بين النظامين الراسمالي والاشتراكي . والهدف الذي يتوخاه صندوق النقد الدولي من فرض سياساته على البلدان النامية هو خلق الظروف الموضوعية لوضع مسارات الاقتصاديات النامية على طريق التوجه الرأسمالي وتعميق تبعيتها الاقتصادية والمالية والتكنولوجية الى الدول الاحتكارية , وان أصرار صندوق النقد الدولي على الزام البلدان المدينة بتنفيذ شروطه المذله في فرض المزيد من الضرائب والرسوم وزيادة الاسعار على السلع التموينية والخدمات اليومية والغاء كافة اشكال الدعم الحكومي الذي تقدمه الحكومة لدعم قوت الشعب المسحوق وحرمان المواطنين من الدعم المقدم لقطاع الخدمات الطبية والتعليمية وباقي الخدمات الاخرى , يرمي الى تعزيز قدرة البلدان المدينة على سداد الاقساط والفوائد المترتبة على مديونيتها الخارجية وليس الى تعزيز قدرتهاعلىالادخار لتمويل مشروعات التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي هي بامس الحاجة اليها .
وتشير تجارب الكثير من البلدان النامية التي طبقت برامج صندوق النقد الدولي في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية الى فشل الصندوق في تحقيق تنمية اقتصادية في هذه البلدان بسبب عدم ملائمة النموذج الاقتصادي الذي يطبقه الصندوق لطبيعة مشاكل الاقتصاديات النامية وأنتجت هذه السياسة عقد اقتصادية ساهمت بقسط كبير في تعسير الاقتصاديات الناشئة , كارتفاع نسب التضخم وازدياد عدد العاطلين عن العمل وتراجع النمو الاقتصادي وتدهور مستويات الدخول والمستويا ت المعيشية وتنامي مظاهر الفقر والمجاعة والجهل والامية والامراض وغير ذلك من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها اوسع فئات المواطنين .
لقد ادى الانفتاح على الغرب كتلبية لشروط صندوق النقد الدولي الى توفير بيئة خصبة وملائمة لقدوم رؤوس الاموال الطفيلية والشركات متعددة الجنسية الراكضة وراء الربح واحتكار الاسواق والسيطرة على مناطق المواد الخام , وادى هذا التوجه الرأسمالي الى نشوء فئات طفيلية اندمجت مصالحها واهدافها مع مصالح واهداف الراسمال الاجنبي . وبذلك سيصبح من مصلحتها اتخاذ المزيد من الاجراءات على الصعيدين السياسي والاقتصادي لدمج الاقتصاد القومي بالعجلة الراسمالية والغاء القيود التي تعيق هذه العملية والمطالبة بأصدار القوانين التي توفر الحمايه الكاملة للقطاع الخاص والغاء الرقابة على النقد الاجنبي وخصخصة مؤسسات القطاع العام وانهاء دوره في بناء الاقتصاد الوطني وغير ذلك من الاجراءات التي تطلق العنان للنشاط الطفيلي الرأسمالي .
وعلى الرغم من اشتعال ازمة المديونية الخارجية واتخاذها ابعادا دولية فان صندوق النقد الدولي لم يبادر الى تقديم حلول شافية تخرج البلدان المدينة من وحل الازمة المستفحلة , وان الحلول التقليدية التي تقدم بها الصندوق كاعادة الجدولة وما يعرف بوصفة الصندوق او التغير والاصلاح الهيكلي تلقي بمزيد من الاعباء الثقيلة على كاهل البلدان الغارقة في عباب الازمة , وتزيد من تراكم ديونها الخارجية . ومن تداعيات الانفتاح على النظام الرأسمالي انتقال عدوى الامراض الرأسمالية كالتضخم النقدي والكساد السلعي والبطالة والغلاء الفاحش والمضاربات الى البلدان الناميةالمنفتحه على الاقتصاد الراسمالي , ويعتبر صندوق النقد الدولي احد اركان سياسة الدول الاحتكارية الذي لعب دورا كبيرا في ادارة عملية الاقراض الخارجي التي ضمنت للدول الاحتكارية تشغيل بلايين الدولارات المتراكمة في خزائنها في البلدان النامية وبذلك حققت ارباحا خيالية ربما لا تقل اهمية عن حجم الارباح التي حققتها شركات البترول الاحتكارية العابرة للقارات .
لقد توخت الرأسمالية الاحتكارية من صنع ازمة المديونية الخارجية تحميل البلدان النامية الخسائر التي لحقت بها جراء ازمة الكساد التضخمي التي خلفتها السياسات الراسمالية الفاشلة في الثلاثينات من القرن الماضي , ويظهر الدور المتنامي لصندوق النقد الدولي في كونه اداة لتنفيذ وتسويق السياسات الراسمالية الاحتكارية الى بلدان العالم الثالث , وعليه فان صندوق النقد الدولي يتحمل مسؤولية كبيرة في تدهور الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والمالية في البلدان النامية نتيجة لاجباره البلدان الناميه للامتثال الى برامجه وشروطه.
ومن الواضح ان البلدان الامبريالية قد سخرت امكانيات صندوق النقد الدولي لترتيب الوضع الدولي الذي نشا بعد الحرب العالمية الثانية بما يخدم ساستها الخارجية, فالقروض وما يسمى بالمساعدات الغربية هي من وسائل الامبرياليين النيو كلاسيكيين لاغراء البلدان الفقيرة واستمالتها الى الحضيرة الراسمالية. وقد اثبتت الوقائع خطل و زيف المساعدات الغربية التي لا تقدم لاي بلد الا بموجب اعتبارات سياسية واقتصادية تعزز من نفوذ ومصالح الدول الراسماليه المانحة للمساعدات من جهه ومن جهة اخرى تكون مدخلا لتدخل الدول الاستعمارية في شؤون الدول المتلقيه لهذه المساعدة التي لا تطعم جائعا ولا تشفي مريضا .
لقداخذت ازمة المديونية الخارجية التي خلقتها الدوائر الرأسمالية وادواتها التوأم , صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والبنوك التجارية الغربية اشكالا متعددة وافرزت ازمات اقتصادية واجتماعية طاحنة تمتلك كل ازمة مقومات استمرارها وتهيء الظروف الموضوعية لنشوب ازمة اخرى اكثر حدة , وبذلك فان القروض الخارجية التي يتحكم في تقديمها صندوق النقد الدولي وبعض الدول الراسمالية الاحتكاريه بشروط مذلة تتصف بألآتي :
1_تستخدم الدول الاحتكارية القروض الخارجية كأداة للضغط السياسي على البلدان النامية المدينة لأبتزازها والتاثير على خياراتها الوطنية ومصادرة قرارها السياسي .
2 _ يشترط في حصول البلد المقترض على قرض خارجي ان ينتهج سياسات راسمالية متفق عليها مع صندوق النقد الدولي , والهدف من ذلك الحيلولة دون تطبيق نماذج تنموية ذات توجه اشتراكي .
3_ يقدم صندوق النقد الدولي القروض الى المشروعات التي تسهل عملية انتقال الموارد المالية من البلدان النامية الى الدول والمؤسسات الدائنة.
4_لا يفضل صندوق النقد الدولي تقديم قروض تذهب لتمويل مشروعات تدعم القطاع العام .
5_ تحضى الدول الموالية للدول الاستعمارية بافضلية في الحصول على قروض خارجية .
ان سياسة صندوق النقد الدولي التي تصاغ من منظور رأسمالي بحت لم تخفف من حدة الازمات التي تفتك بالاقتصاديات المتخلفة, وعلى الرغم من التغيرات الدراماتيكية التي شهدها العالم والمتمثلة في انتهاء الحرب الباردة وغياب دور المنظومة الاشتراكية وخفوت حلاكة التحرر الوطني العالمية وبروز القطب الواحد في قيادة العالم الذي اخل بالتوازن الدولي وظهور نظام العولمة , فان صندوق النقد الدولي لم يغير من عقيدته في التعامل مع دول العالم الثالث , فقد واصل نهج الاستغلال وصنع الازمات كأداة للامبرياليه وكوكيلا لمصالحها, ومن المفترض ان يراعي صندوق النقد الدولي مصالح البلدان الفقيرة ويتبنى سياسات واقعية تساهم في اخراج البلدان من وحل الازمة وذلك بتحسين آليات عمله والقيام بمبادرات تخفف من حدة ازمة المديونية واعبائها.
ان تحسين آليات عمل صندوق النقد الدولي يتطلب اتخاذ اجراءات ملموسه لتعزيز دوره في مكافحة الفقر والتخلف الاقتصادي والمساهمة في تمويل اقتصاديات قادرة على النمو والحياة ومن اجل ذلك نقترح بعض الافكار التي تساهم في تطوير عمل صندوق النقد الدولي ومنها ما يلي :
ٍ1- ضرورة اجراء اصلاحات جوهرية في ميثاق صندوق النقد الدولي .
2- الاقرار بحق البلد المقترض في تطبيق النموذج الاقتصادي الذي يراه ملائماً لبيئته الاقنصادية ويسهم في تطوير اقتصاده القومي .
3- تنسيق جهود صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وباقي مؤسسات التمويل الدوليه الاخرى من اجل وضع حلول واقعية لاخراج البلدان النامية المدينة من ازمة الديون الخارجية .
4- اعفاء البلدان المدينة من الالتزامات الاضافية التي تترتب على اعادة جدولة المديونية .
5- شطب الديون الخارجية القائمة على المشروعات التي تعرضت للدمار والتخريب لاسباب وعوامل عسكرية وطبيعية .
6-الغاء مبدأ الزام الدول المدينة بتنفيذ شروط صندوق النقد الدولي في حالة الاستدانة او اعادة الجدولة .
ونرى من الحكمة ان تبادر البلدان المدينة الى تأسيس نادي للمدينين لمواجهة نادي الدائنين في سبيل تنسيق جهودها الدولية والاعلان عن مطاليبها المشروعة في الغاء المديونية الخارجية وشطبها نهائياً, فالبلدان النامية قد سددت اضعاف ديون الخارجية بمرات عديدة وما زالت مدينة باكثر من 2,8 تريليون دولار حتى عام 2005.
ومن وجهة نظرنا نعتقد ان الاصلاح الاقتصادي في البلدان النامية ينبغي ان يحافظ على القطاع العام ويصونه بأعتباه ركيزة اساسية للتنمية المنشودة وبحكم سيطرته على حجم ضخم من الموارد القابلة للاستثمار , فقد تعرضت مؤسسات القطاع العام في البلدان النامية المدينة الى ارهاق مالي وتدهور في الانتاجية نتيجة لتطبيق سياسة التحرير الاقتصادي ونتيجة للهجوم الشرس من قبل القوى الطفيلية التي تعمل على افساده ونشر الفساد في مؤسساته في سبيل اجهاض دوره في العملية التنموية وفي خدمة المجتمع .ونرى من المناسب أن يتبنى الاصلاح الاقتصادي الاهتمام بالقطاع العام وفق الاسس الاتية :
1- الحفاظ على القطاع العام وصيانة مؤسساته واعتبار ذلك واجبا وطنيا , فالقطاع الخاص بشقيه المحلي والاجنبي لن يستثمر امواله الا في بعض القطاعات التي تحقق ربحا سريعا .
2-عدم المساس بالمكتسبات التي حققتها القوى العاملة في مؤسسات القطاع العام وعدم الرضوخ لشروط صندوق النقد الدولي التي تصادر هذه المكتسبات .
3-ترشيد الادارة الاقتصادية للقطاع العام في اطار التخطيط الاقتصادي والسياسي للقضاء على مظاهر البيروقراطية الادارية والفساد الاداري الذي يستغله الطفيليون لتخريب القطاع العام وتعطيل مساهمته في التطور الاقتصادي و مكافحة الاحتكار .
4- معالجة ارتفاع اسعار منتجات القطاع العام وخاصة السلع الاستهلاكية اليومية ,وعلى الدولة ان تتحمل فرق الاسعار لان ذلك يساهم في دعم القدرة الشرائية للفئات الفقيرة .
5- تشريع القوانين التي تنظم علاقات العمل في القطاعين العام والخاص وتحديد اجور العمل والرعاية الاجتماعية والصحية في القطاعين المذكورين.
وعليه فأن البلدان النامية مطالبة بتشديد كفاحها وتعزيز وحدتها من اجل المطالبة باجراء اصلاحات جوهرية في صندوق النقد الدولي ومطالبة الدول الراسمالية برفع الحواجز امام صادراتها السلعية .
د.عودة الحمداني
#عودت_ناجي_الحمداني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟