قراءة جديدة ل - أعطوا لقيصر ما لقيصر و ما لله لله -
مولود مدي
2018 / 3 / 25 - 21:40
في مقال قديم بعنوان " الجذور الاسلامية للعلمانية " قلت أن العلمانية, كأي فكرة أخرى, هي ليست ملكا لأي أحد و لا لأي مجتمع, بل هي فكرة تغذّت من ثقافات مختلفة حتى وصلت الى النضج الذي نراه حاليا, و في هذا المقال سأتعرض للمقولة الشهيرة التي يراها الكثير أنها معبّرة عن العلمانية, و هي مقولة يحتج بها خصوم العلمانية و مؤيّديها في وقت و احد و هي مقولة السيد المسيح عليه السلام " أعطوا لقيصر ما لقيصر. و ما لله لله ". فالفريق الأول الممثل بالتيار الديني في العالم الاسلامي ( اخوان, سلفية .. ) يقولون أن هذا اعتراف بأن العلمانية هي ثقافة غربية مسيحية لا تليق بالمجتمعات الاسلامية, و الفريق الثاني يقول أن تطبيق أوروبا لهذه المقولة أوقف الحرب الطائفية ( البروتستانتية – الكاثوليكية ) في أروبا و أحل السلام فيها و صنع شعوبا متقدّمة. و لذلك ينبغي استنساخ التجربة الأوروبية و نقلها الى عالمنا الاسلامي.
بداية, وردت المقولة التي ذكرتها في ثلاث أسفار من العهد الجديد, نجدها في انجيل متى, يوحنا, و انجيل مرقص, و هي الأناجيل الأكثر شعبية من الأناجيل الأخرى في الكتاب المقدّس, و رغم اختلاف مؤلّفي هذه الأناجيل, فإن القصة ذكرت بنفس التفاصيل تقريبا.
كان سياق المقولة, أن أعداء دعوة يسوع المسيح ( كهنة اليهود ) أرادوا ايقاعه في فخ يؤدي به الى أن يقضي بنفسه على دعوته و لكي يتجنبوا التورّط في صراع معه حتى لا يكسب المزيد من الأنصار و حتى لا يضعف موقفهم بين عامة الشعب, فسألوه عن جواز دفع الضريبة لقيصر, فاذا أجاب بنعم, سيعتبر أنصاره أن ذلك هو خذلان لقضيتهم و سيظهر يسوع لعامة الشعب أنه مؤيد لسياسة الرومان الوحشية و بالتالي سينفر الجميع عنه, و اذا أجاب بالنفي, فهذا يعني أنه و تلامذته و أنصاره عبارة عن مجموعة من المعارضين لسياسة قيصر و جمهور من المتمردين الذين يريدون قلب نظام الحكم الروماني, و هذا سيجلب غضب الرومان عليه و سيدفعهم للقضاء عليه و على دعوته و الفتك بأنصاره.
لكن السيد المسيح كان فطنا للفخ الذي أعده أعداءه له, فطلب منهم أن يحضروا له قطعة نقدية, ثم سألهم عن صورة الشخص المنقوشة على القطعة, فقالوا له إنه قيصر, فرد عليهم قائلا " أعطوا لقيصر ما لقيصر, و ما لله لله ".
من عرض القصة, نجد أن رد يسوع لا يشير الى أي موقف سياسي, أو دعوة للفصل بين الديني و السياسي, بل كان الهدف الافلات من الشرك الذي نصبه له أعداءه, حتى أن من حاول ايقاعه في الفخ لم يطرح السؤال حول جواز دفع الضريبة من أجل معرفة موقف الدعوة المسيحية من السلطة السياسية الرومانية, بل كان هدفه محاولة الايقاع بيسوع.
ثم ان القراءة العلمانية للمقولة هو اجحاف بحد ذاته, لأنه أسقطنا احد أدوات الفكر الحداثي على عصر ما قبل الحداثة, و لست أول من يعترض على هذا الاسقاط, بل أن حتى اللاهوتيين المسيحيين المعاصرين, اعترضوا عليه, و منهم " وليام كافنو " و اللذين رفضوا ربط فكر المسيحية السياسية "Christianism" ( كالاسلام السياسي عند المسلمين ) بالدين المسيحي و بدعوة يسوع, و قالوا بأنه ليس هناك أي سياسة في المسيحية, و رفضوا مقولة أن العلمانية هي ذات نشأة مسيحية, بل اعترفوا بخلو المسيحية كلّها من السياسة, و شددوا على أن المسحية استهدفت الانسان و لم تستهدف المسيحية.
حتى أن القديس ذائع الصيت " توما الأكويني " قدّم طرحا يعتبر مضادا لمن يدّعي بأن هناك دعوة للعلمانية في المسيحية, بحيث قال " ان سلطة القس في تعاليم يسوع أعلى من سلطة الملك ". و هذا طرح يفنّد في نفس الوقت مزاعم العلمانيين و الاسلامويين في أن واحد.
قراءة التاريخ, تسمح لنا بالخروج بنتيجة أن الاصلاح البروتستانتي الذي دعى اليه " كالفن " و " مارسيل دو بادوا " و " مارتن لوثر " قد قام على هدم فكرة توما الأكويني, بأن اعتبروا أن الايمان لا يمر على أي سلطة مهما كانت, و أن للمسيحي حق فهم الكتاب المقدّس من دون الرجوع الى القس, اي أنه عموما ليس هناك أي نوع من السلطوية في الدين المسيحي.
رابط مقال " الجذور الاسلامية للعلمانية " :
https://www.sasapost.com/opinion/islamic-roots-of-secularism/