|
الجزائر: التصدي للهجوم الليبرالي يستدعي بناء حركة مستقلة للعمال والجماهير الشعبية
شوقي صالحي
الحوار المتمدن-العدد: 1487 - 2006 / 3 / 12 - 11:45
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
بعد سنوات من الدكاكة الليبرالية لم يتمكن العمال والجماهير الشعبية من التصدي الناجع لهجوم النظام الذي شرع في خصخصة 1200 مؤسسة عمومية و ُيعجل بخصخصة قطاع المحروقات. بعد ان انتخب على أساس سياسة تجمد مشاريع تمار عبد الحميد (وزير تنمية الاستثمار) وشكيب خليل (وزير الطاقة والمعادن) الرامية إلى الخصخصة، و ترش استثمارات عمومية ضدا على الأرتذوكسية الليبرالية لبنشنهو(وزير المالية)، و تعد بتلبية حاجات الجماهير الاجتماعية، لم يعد بوتفليقة يخفي نواياه، وهذا ما كامن مرتقبا. فقد عاد إلى تطبيق توجيهات صندوق النقد الدولي والقوى العظمى، منفذا أحلام الشركات متعددة الاستيطان: تفكيك نواة الصناعة الجزائرية المستقلة، منح السوق الوطني للشركات متعددة الاستيطان و إعطاء البترول الجزائري للولايات المتحدة الأمريكية. هذا وليست معارضة هذه السياسة نزعة قومية ضيقة. لا شك أن العولمة الليبرالية تهدد المكاسب الوطنية لشعوب العالم برمته، لأن الوصاية الشرسة للولايات المتحدة تهاجم ما عبرت عنه نضالات التحرر القومي في القرن العشرين من تطلعات. و تدمر المكاسب الطفيفة في التنمية الاقتصادية المستقلة بقصد فرض استعمار جديد، وديكتاتورية الشركات متعددة الاستيطان. كما تمثل العولمة الليبرالية هجوما على المكاسب الاجتماعية لعمال العالم، وفي المقام الأول عمال البلدان الغنية. ذلك أن عبودية العمل المأجور المقترحة على بلدان الجنوب "قصد جلب الاستثمارات الأجنبية" تعمم في العالم أجمع هشاشة العمل ومرونة التشغيل والإجهاز على النضال التاريخي لفاتح مايو العالمي من أجل يوم عمل من ثماني ساعات. حين يؤكد بوتفليقة أنه يطبق هذه "الإصلاحات الملعونة" لتفادي مصير العراق فإنه يقدم تكذيبا لاإراديا للمزاعم الغوغائية الليبرالية في تحقيق التقدم. إنه يعترف بأننا على حق حين نعارض، لكن ليس ذلك السبب الحقيقي لانبطاحه أمام مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، فليس لهذه قدرة على استعباد العالم برمته. إن بلدانا صغيرة مثل أوغندا، دون الحديث عن كوبا، تنهج سياسات تغضب الولايات المتحدة الأمريكية، فقد قاومت دول مدمرة رشوة الولايات المتحدة الأمريكية في مفاوضات المنظمة العالمية للتجارة في كانكون أو في نقاشات مجلس الأمن. كما يبدي الاتحاد الأوروبي في الغالب معارضة للولايات المتحدة الأمريكية. لم يكن أولئك الذين فجروا، قبل خمسين سنة، ملحمة حركة التحرير الوطني ضد فرنسا والحلف الأطلسي يحوزون ما تتمتع به الدولة الجزائرية الحالية من قوة. يشبع بوتفليقة جشع الولايات المتحدة الأمريكية و طمع الأوروبيين بقصد نيل دعمهم في صراعه ضد منافسيه الجزائريين. يتعين عليه أخذ العبرة من المصير الذي خص به الغرب سوهارتو. بينما تظل الموارد المالية الطائلة المتأتية من ارتفاع سعر البترول غير مستغلة يقضي القانون الجديد حول المحروقات بخصخصة خطيرة، وينظم التحرش بالشركة الوطنية للأبحاث وتحويل المحروقات سوناطراك. وقد سبق ان شهد قطاع الهاتف المحمول هذا التنافس الزائف المنظم من قبل هيئة تنظيم البريد والمواصلات للسيد تو(عمار تو وزير البريد ووسائط الاتصال) والذي يعرقل مشاريع ألجيري تلكوم قصد بسط هيمنة قوية لأوراسكوم. باتت الشروط القانونية مستوفية من أجل تحويل ريع البترول لصالح كبريات الشركات الأمريكية على نحو يؤدي إلى إفلاس الخزينة الجزائرية ويهدد بوصاية عسكرية أمريكية واسعة على الصحراء الجزائرية. و يمثل تحذير صندوق النقد الدولي، الذي رفض اشتراط حفاظ المستفيدين من الخصخصة(تلك المراخصة الكبرى) على اليد العاملة و على النشاط الاقتصادي للشركات المشتراة، اعترافا صريحا بعزمهم على القضاء على القطاع العام. يفرض بوتفليقة على المشترين متطلبات العمال الدنيا هذه خشية أن ُيعاكس الرد الشعبي مشاريعه. كما أن الاستثمارات الكثيفة هي مسايرة لبرنامج الإنعاش الممنوح سنة 2001 للمضربين وللمنتفضين. يدل هذا القطع مع نصائح البنك العالمي التي يستعيدها بنشنهو أن النظام لازال يخشى نضالات العمال والجماهير الشعبية. مليون سكن؛ نعم ؛ وأكثر. طرق وسدود ومستشفيات ومدارس... لكن بدل تشجيع إنتاج وطني ناجع يبرز هذا المشروع الهائل، الممتد أربع سنوات، كدعم لنمو الأوصياء الإمبرياليين الذين يتوالون بالعاصمة بغية الحصول على طلبيات التجهيز وعقود إنجاز البنيات التحتية. يقوم بوتفليقة بخنق وتفكيك المؤسسات العمومية، التي حققت نتائج جيدة أثناء زلزال بومرداس، لكنه يندهش لغيابها في سوق يشجع المستعبدين الصينيين والعمالقة الأوروبيين والأمريكيين مثل هاليبورتون و بويغ. إنه يخنق مؤسسات صناعية عمومية ويحرمها من التمويل ويندهش من توفر البنوك على عشرة ملايير دولار راكدة. ويجبر سونتراك التي تمول الجزائر على اللجوء إلى الاقتراض من الخارج لتمويل استثماراتها بينما أموال الجزائر راكدة، ثم يتظاهر بالقلق من مستوى الديون الخارجية. إنه يخطط لتراجع الجهاز الصناعي القائم و يشرعن التهريب ثم يندهش من نمو الاستيراد. فعوض إنقاذ فيروفيال (المتخصصة في الصناعة السككية) بعنابة يتم انقاذ ألستوم فرنسا، وبدلا عن استخدام مخزون البترول الجزائري يجري رفع أثمان البنزين حتى تتمكن شركة طوطال من عرض منتجاتها في أسواقنا. وعوض برمجة بناء مصانع الأسمنت ووحدات مواد البناء الكفيلة ببناء ملايين الدور السكنية الضرورية لأبنائنا يتم خفض ثمن معامل الآجر والأسمنت وجعلنا تحت رحمة الاستيراد الهائل. إن مخططا للاستثمار فرصة لتصنيع البلد وفرصة لإنتاج السكك لتغطية 1200 كلم من السكة الحديدية الواجب تحديثها، وهو فرصة لتنمية مخطط تكاليف الشركة الوطنية لوسائل النقل الصناعي من أجل إحداث شركات نقل حضرية. من جانبها تدافع الدول الغنية باستماتة عن إنتاجها وعن فرص العمل مستخفة بقواعد المنظمة العالمية للتجارة المفروضة على دول الجنوب. ان الحكم، المستند على يسر مالي ناتج عن ارتفاع سعر البترول، لا عن سياسته هو، يرى أيضا في هذه الاستثمارات وسيلة لتهدئة الجبهة الاجتماعية. ريثما تخفت الحيوية في الورشات والعمل المؤقت، وريثما ُيعترف بهشاشة مشاريع الوكالة الوطنية لدعم تشغيل الشباب، لن يقوم العمال، الذين يتمنون بشكل مشروع مسكنا لدى وكالة تحسين وتنمية السكن، بالتصدي لتفكيك الصناعة الوطنية المستقلة لصالح التقهقر الاجتماعي المميز لورشات التركيب أو القطاع غير المهيكل. على هذا الأساس يكتسي الهجوم على الحريات النقابية وحق الإضراب والشراسة في مواجهة تمردات الشباب نفس أهمية التفكيك الزاحف لنظام الحماية الاجتماعية. نجحت المقاومة الاجتماعية، بوجه المشاريع الليبرالية لكل من حمروش وزروال ، في الحفاظ علي ما هو أساسي رغم عزلة عمال التعدين وهزيمة شغيلة البريد. منذ 2001 تمكنت هذه المقاومة، من إضراب الاتحاد العام للشغل بالجزائر إلى الانتفاضات الشعبية، من عرقلة المشروع الليبرالي الشرس وحمت القطاع العام ونظام الحماية الاجتماعية والتطبيب المجاني. لقد أفشلت هذه النضالات المريرة، من الأطباء إلى مجلس ثانويات الجزائر والتنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الابتدائي والتقني، تجميد الأجور. لكن الإنتظارية والسلبية حلتا مكان هذه الكفاحية. في الواقع لم تتوقف النضالات الاجتماعية والمقاومة النقابية، فرغم اشكال التخويف والقمع لم يستسلم المجتمع. فعلى نهج تعبئة العشور ومعامل الآجر الأخرى والاحتجاجات التي رافقت توزيع السكن الاجتماعي منذ شهور، رفض مجموع فيدراليات الاتحاد العام للشغل في تنسيقية الموانئ الخصخصة، ورفضت الفيدراليات والنقابات الأخرى الهجوم على حق دوام العمل في الوظيفة العمومية. ورفضت كل نقابات قطاع البترول القانون حول المحروقات دون أن تتبرأ من عدول الاتحاد النقابي عن محاربة هذه السياسة. ذلك أن العمال بحاجة، من اجل تنظيم هجوم مضاد في حجم التهديدات، إلى التزود بمشروع بديل للنهج الليبرالي يكون قابلا للتحقيق في سياق اقتصاد معولم شرس. إن العمال، الغارقين في النضال اليائس من أجل استمرار منشآتهم والحفاظ على فرص العمل، هم بحاجة إلى تحديد سياسة بديلة توظف المصادر الهائلة المتأتية من ارتفاع سعر البترول في إرضاء حاجاتهم الاجتماعية و تنمية الصناعة الوطنية و تشجيع زراعة تحد من التبعية الغذائية الحالية. هذا الشاغل هو أيضا هاجس لدى شعوب العالم أجمع، و يلتقي بتمرد العمال والشباب في التعبئة الهائلة من أجل عولمة بديلة. لكن إذا اكتست المقاومة الاجتماعية في الغالب شكل تمرد، وإذا استعصى على المقاومة النقابية الحفاظ على تعبير سياسي مركزي، وإذا تعايش الحفاظ على ثقافة شعبوية مع التصويت لصالح مرشحين متساوين في الليبرالية، فذلك تعبير على أن بعدا من أبعاد نضال العمال والجماهير الشعبية يعاني من تأخر كبير. إن الاحتجاج الشعبي بحاجة إلى برنامجه السياسي الخاص و إلى رايته الخاصة. نحن بحاجة إلى حركة سياسية ونقابية للعمال مستقلة عن الطبقات السائدة وعن دولتها وأحزابها، و مستقلة عن الدكاكين الإيديولوجية للإمبريالية. شوقي صالحي ناطق باسم حزب العمال الاشتراكي- بالجزائر جريدة خطوة –العدد11 – أكتوبر 2005 تعريب المناضل-ة
#شوقي_صالحي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
جيم كاري في جزء ثالث من -سونيك القنفذ-.. هل عاد من أجل المال
...
-
الجولاني: نعمل على تأمين مواقع الأسلحة الكيميائية.. وأمريكا
...
-
فلسطينيون اختفوا قسريا بعد أن اقتحمت القوات الإسرائيلية مناز
...
-
سوريا: البشير يتعهد احترام حقوق الجميع وحزب البعث يعلق نشاطه
...
-
مصادر عبرية: إصابة 4 إسرائيليين جراء إطلاق نار على حافلة بال
...
-
جيش بلا ردع.. إسرائيل تدمر ترسانة سوريا
-
قوات كييف تقصف جمهورية دونيتسك بـ 57 مقذوفا خلال 24 ساعة
-
البنتاغون: نرحب بتصريحات زعيم المعارضة السورية بشأن الأسلحة
...
-
مارين لوبان تتصدر استطلاعا للرأي كأبرز مرشحة لرئاسة فرنسا
-
-الجولاني- يؤكد أنه سيحل قوات الأمن التابعة لنظام بشار الأسد
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|