رائد الحواري
الحوار المتمدن-العدد: 5825 - 2018 / 3 / 24 - 01:13
المحور:
الادب والفن
الصورة عند
عبود الجابري
طالما يدهشني هذا الشاعر بالصور التي يقدمها، فهو يمنطق/يؤنسن الجماد/الأشياء، وهو يقدم صور قريبة من الفن السريالي، بحيث تكون اللوحة/الصورة متداخلة ومركبة، وخرج العقل، وأبعد منه، فتجبرنا على التوقف، فهي ليست صورة عادية، فالجمال الذي صيغة فيه يدهشنا، والفكرة التي تحملها تثير فينا التساؤل، وهذا ما يجعل الشاعر أقرب إلى الفيلسوف الفنان، إلى المفكر، الذي يجعلنا نتقدم مما نعتقد أنه مطلق، فهو يقدمنا مما نهرب منه، مما لا نريد ان نفكر/نتوقف عنده، فحالة الخراب الإنساني والمكاني تشكل الغول الذي نفر منه جميعا، لكن الشاعر يقربنا من هذه الغول، ويجعلنا نواجه خوفنا ونواجه الغول، وعلينا إما الصمود أو ستكون هزيمتنا.
وما يحسب لهذا الشاعر أنه يستخدم التكثيف في صوره الأدبية، فلا يفرط في الكلمات، وكأنها الماء الذي يحتاجه في الرمضاء، وهذه احدى ميزات "عبود الجابري" الذي يقتصد حتى فما هو مشاع، في هذه الومضة سنجد عالم مترامي الاطراف، المكان، الشخوص، الحدث، نحن، والعدو، الحلم/الأمل الذي ننشده، لكننا نحن لسنا أكثر مشاهدين، فمن يتكلم عنا هي النوافذ، وهي مؤنثة، فنحن الذكور لم نعد نحسن القيام إلا بالخراب والقتل، لهذا كانت النوافذ هي البديل، وعندما جعلها بدون زجاج ـ وهو مذكر ـ كان يريد في العقل الباطن أن يلغي الذكور، لعدم قدرتهم على الفعل الايجابي، فأخلا الساحة للإناث ليأخذن دورهن بديلا عنا نحن الذكور، فنحن أصبحنا "صم وبكم، واعجاز نخل خاوية"، وكان لا بد من وجود/خلق كائنات جديدة ترد على العدو، تتحدث عما أحدثه فينا وفي وطننا من خراب، بهذا الحقيقة المرة يواجهنا الشاعر:
"لم يكن في المعسكر زجاج
كانت النوافذ تحلم
بصوت الهشيم
حين يتناثر على رؤوس الجنود
وكان الجنود
يلوّحون بأيديهم
كمن يمسح غبارا" كثيفا"
عن زجاج الحياة"
المدهش في الصورة أنه جعل الجنود يلوحون بأيديهم، وكأنهم يقومون بعمل جميل/مفيد، وفعل ـ مسح الغبار عن الزجاج ـ متعلق بنا نحن الذكور، فنحن من أعطى ويعطي الجنود القتلة صورة/هيئة جميلة، فنحن ما زالنا نحدث فعل الخراب الموجود والمستمر، لهذا يوحي فعل تلويح الجنود بعمل جيد.
#رائد_الحواري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟