الارهاب و البارانويا الاسلامية


مولود مدي
2018 / 2 / 13 - 22:45     

البارانويا أو جنون الارتياب هو مرض نفسي مزمن يتّسم عادة بالوهام و اللاعقلانية, و هي أفكار يعتنقها المريض و يؤمن بها ايمانا مطلقا و وثيقا بتعرضه للاضطهاد و المؤامرة و محاولة منعه من النجاح و كل سلوك يفسّره لا يخرج عن هذه الأفكار, و يمكن لهذيان المريض بالبارانويا أن يكون منطقيّا, لكنه منطق لا يقوم على أساس صحيح, و هو ما يسمّى فلسفيا بالمغالطة, بحيث ينطلق المريض من مقدّمات خاطئة ليحاول أن يصل الى نتائج صحيحة, فكيف تسبّبت البارانويا في أن تكون عاملا مغذّيا للارهاب الاسلاموي ؟ و في نشوء الحركات الاسلاموية المتطرّفة ؟ و لماذا تطال دائما صفة العنف الدين الاسلامي ؟.

ان أول عامل هو التربية الاجتماعية للفرد المسلم, بحيث نشأ هذا الفرد في بيئة تمتلئ بالخطاب الوعظي الديني, و الذي يتضمّن في طيّاته أن المسلمين هم الأجدر بقيادة العالم, بالاستناد على الآية القرآنية التي تحتمل أكثر من تأويل " كنتم خيرَ أمة أُخرِجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" (القرآن الكريم: سورة آل عمران، الآية 110) ", فتصوّر المسلم أنه وصي على البشرية و صاحب الأخلاق السامية وحده و أن الأخر قبيح منحل أخلاقيا, و أن مهمّة الأمر بالمعروف أوكلت اليه وحده و عليه أن يقوم بها بالحسنى و الاكراه.

و كان للمد السلفي أيام الثمانينات تأثيره أيضا, بحيث تم دعم الحركات السلفية و الجهادية من طرف الدول الخليجية بالمال و فتحوا لهم القنوات التلفيزيونية و سهّلوا تنقّلهم و حركاتهم و مهمة نشر أفكارهم في كتب و مطويّات توزّع بالمجّان, و تم استعادة الماضي الاسلامي السعيد الذي أقيم بقوّة السيف و الرمح, فتوهّم المسلم أن عودته الى سيادة العالم لا تكون الا باستنساخ ما فعله أجداده الذين احتقروا الموت و كرهوا الحياة, ومن ثم أصبح التصور الغيبي أن استعادة هذه الفريضة التي غابت كفيل وحده بعودة الله لنصرة دينه وعباده الصالحين المتّقين, كما حدث للمسلمين الأوائل وهم قلة أذلة، دون أي اعتبار لمتغيرات الواقع الهائلة وموقع المسلمين المتميز في قاع هذا الزمن بل حتّى أن " الحضارة " التي يحلم بها المسلم و مفهزم " القوّة " تغيّر معانيهما في عصرنا, لكن المسلم لا يزال متشبّثا بالتصوّرات القديمة فالحضارة و القوّة عنده هي في فتح البلدان و احتلالها كالسابق.

و مما ساهم في ارتباط الارهاب بالمسلمين, خلطهم بين مفهومي " الموقف " و " الايمان ", فعندما لا يقتنع غير المسلم بدين الاسلام وجب على الفور اصدار حكم ضدّه, رغم خلو النّص القرآني من حكم يأمر المسلم باتّخاذ اجراء معيّن ضد غير المسلم, فشاعت تقسيمات " دار الايمان و دار الكفر ", و كل " دار كفر " هو " دار حرب " بالضرورة. و من هنا نبعت نداءات تكفير كل من طالب بالاقتداء بالنموذج الغربي الذي استطاع تحويل الصراع الحربي بين أممه الى صراع سلمي و بالوسائل السلمية, كالديمقراطية و انشاء الأحزاب السياسية, و تم اتّهام المفكّرين و الأدباء بالعمالة للغرب و نشر الالحاد و التغريب و بالتشبّه بالكفّار, حتى تراهم يتسابقون على الإتيان بآيات وأحاديث أخرى تدعو إلى كراهية اليهود والنصارى وتعتبر السلام عليهم أمرا منهيا عنه، وتعتبرهم "أبناء قردة وخنازير" وترى فيهم أكبر عائق للإسلام وأكبر عدو للمسلمين.

المشكلة أن المسلم لا يحاول أن يبحث عن حلول لمشاكله من خلال نقد أوضاعه, و بما أن ثقافة المسلمين هي ثقافة دينية, فهي تتوهم أن النصر الالهي دائما هو حليفها, فيلجأ المسلم مباشرة الى اختيار فكرة العدوان من طرف الأعداء وفكرة المؤامرة كتفسير لتلك الخيبات و أن الأخر يتحدّى الارادة الالهية التي جعلت المسلمين شعب الله المختار في تأثر واضح بالثقافة اليهودية التي دخلت الموروث الاسلامي. لذلك المسلمون متخلفين ليس بسبب قصور في ذواتهم و عدم تقديمهم الكثير في الاقتصاد و السياسة و الاجتماع، وإنما بسبب المؤامرات الصهيونية والماسونية والعلمانية والليبيرالية الشيوعية. وهذه عملية مماثلة للاستدلال الذي يقوم به المصاب بهذاء العظمة (البارانويا) الذي يرى دوما أن علة الصراع الداخلي الخفي توجد في الخارج، ويقيم جدلية لا متناهية من الاضطهاد يعتبر فيها فعل الآخر، كيفما كان، علامة على تآمره. إن الشغل الشاغل للمسلم المصاب بهذاء العظمة هو الصراع ضد عدو خارجي وتحويل التمزق الداخلي إلى عداء خارجي والمحافظة بذلك على وحدة الخطاب المتماسك والخالص, و أن الغرب يجعل منهم الخطر الوحيد الذي يهدد العالم ويشوه سمعتهم، و هو الأمر الذي يزيد فقط من مستوى السّمعة السّيئة التي يعاني منها المسلمون, و في اعتبار الاسلام ديانة ارهابية توسّعية.

و سيعترض الكثير و يقول لك بكل تحذلق, و ماذا عن جرائم " الشيوعيين و الملحدين و ستالين و هتلر و الأمريكيين بحق الهنود الحمر و اللادينيين " الخ, و هذه عقلية متخلّفة تلجأ الى التغطية على النقائص و العيوب و الجرائم بتوجيه الأنظار نحو الأخير متوهّما أن ذلك ينجيه من النقد و من خرّافاته, و المضحك أن صاحبنا بتكتيكه هذا نستطيع ادانته به, لأن ستالين و هتلر و الامريكيين و أمثالهم لما ارتكبوا الجرائم بحق الانسانية فهم ارتكبوها لغايات سياسية و مصالح و أجندات خاصة بهم, فلم نرى هتلر استند الى الكتاب المقدّس في جرائمه ضد اليهود, و لم نرى ستالين يقتل الأوكرانيين و يلقيهم الى المجاعات و المذابح قائلا بأن عقيدته الالحادية تقول له افعل ذلك كما أن الشعوب الغربية قد تبرّأت من تاريخها الدموي و أصبحت تمنع حتى استحضار رموزه و قادته , عكس المسلم الذي يبرر عدائه للأخر و يعطيها الشرعية الالهية بالنصوص و بأنه أمر من طرف الرسول بأن يقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله و أن عليه تحريض المؤمنين على القتال, كما يصرّ على أن دينه و مذهبه السنّي بالتحديد يقول له أن الاسلام هو دين و دولة و لديه شريعة عليه تطبيقها و يجب عليه سحق كل من يقف في طريقه, أما تاريخه فحدّث و لا حرج, فلا يزال ينظر اليه بعين التقديس و العظمة بل و يلقي اللوم على الضّحية كالعادة.

ان مصيبة المصائب هي تسرّب هذه العقلية حتى الى العلم, فأصبح يرى المسلم النظريات العلمية الحديثة, كنظرية التطوّر أو الفلسفة و المذهب الوجودي بالتحديد هو مؤامرة على الاسلام و المسلمين, و كأن المنهج العلمي الذي يتبجّح بأن أول من وضع أسسه ( الكيميائي المسلم جابر بن حيّان ), قد تحالف مع حزب الشيطان لكي يشوّش على المسلم عقيدته و ايمانه.. المنطق يقول أنك اذا أردت اثبات خطأ النظرية العلمية عليك أن تأتي بأخرى مضادة لها شرط أن تكون صحيحة " تظل النظرية العلمية صحيحة الى أن يثبت خطأها ", و مع ذلك لم نرى أي مسلم قام بجهد و تجارب علمية لكي يعارضها, بل رأينا ملتحين يفنّدون العلم بالنصوص القرأنية في مشاهد هزلية و شطحات علمية أصبحت للاستهلاك الكوميدي أكثر من مشاهد أخذت على محمل الجد.