محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 5761 - 2018 / 1 / 18 - 21:40
المحور:
الادب والفن
تمضي المرأتان إلى السوق في الضحى الكئيب، تمضيان في الشارع الرحيب مشياً على الأقدام، وبين الحين والحين تتوقف سيارة بالقرب منهما، يطلّ منها مراهق أو اثنان، والمرأتان تمضيان بتؤدة مقصودة كي لا ينكشف القلق الخفي، والمرأتان ليستا على الحال نفسها: الأولى لم تتزوج حتى الآن وهي تحنق على الرجال، والأخرى حظها ضئيل من الجمال، تخشى أن يطلقها زوجها، تكثر من الصلاة في السرّ وفي العلن، تتجنب محفل النسوة الثرثارات اللواتي يَبُحْنَ على الدوام بهذر فاضح، وتمضي إلى السوق باحتشام ومعها تلك المرأة التي لم تتزوج، وهي تطمئن إليها أكثر من سواها، ترثي لها في أعماقها كلما تذكرت أنها خرجت من دنياها دون زوج أو ولد، فتسلو قليلاً عما يؤرقها.
والمرأة التي لم تتزوج، ترى الدنيا من حولها كتلة من هلام أسود مخيف، فلا تطمئن لشيء وهي تلحظ مواكب السيارات وازدحام الرجال في الطرقات، وحركة الصعود والنزول على أدراج البنايات التي لا تعرف ما يدور فيها من أحداث، تلوذ بصحبة تلك المرأة الوادعة التي يطل الحزن من عينيها، فكأنها لم تعرف الفرح يوماً.
وتمضيان معاً إلى السوق في الضحى الكئيب، تقتربان من مبنى المحكمة حيث يصطف على الباب رجال ونساء، تتوقفان لحظة على سبيل الفضول، تحدق المرأة التي لم تتزوج غير مصدقة، وتحدق صديقتها مذهولة وهي ترى زوجها خارجاً من باب المحكمة يلف ذراعه عل خصر امرأة صبية متبرجة، تطفح ابتسامتها على وجهها ثم تفيض لتغمر الخلق، وساحة المحكمة، والرصيف، حيث تقف هناك امرأتان تبكيان.
#محمود_شقير (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟