مملكة محمد بن سلمان .. الى أين ؟
مولود مدي
2018 / 1 / 4 - 13:56
عندما صعد محمد بن سلمان الى سدّة الحكم في السعودية, و أصبح هو الأمر الناهي في المملكة, قال بأن هدفه هو اعادة تشكيل المملكة السعودية على أسس حديثة, و احتوت أجندته الخاصة على تنويع الاقتصاد السعودي و التخلّص من التبعية للنفط الذي بدأت السيطرة على أهم منظماته " الأوبك " تخرج عن السعودية, اضافة الى حريّة التجارة, و رفع الحظر عن الترفيه و انهاء سلطة هيئة " الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر ", لكن على ما يبدوا أنه هناك عاملين على الأقل قد يحرمان الملك السعودي الشاب من تحقيق مشروعه.
فالعامل الأول تمثلّ في امكانية منافسته على العرش من طرف العائلات الحاكمة, و لدينا في محمد بن نايف كنموذج .. وضعه محمد بن سلمان تحت الاقامة الجبرية, و بذريعة الحرب على الفساد, قام ابن سلمان بتجميد حساباته البنكية في شهر نوفمبر رفقة مجموعة من الأمراء من العائلة المالكة, و بما أن " محمد بن نايف " هو رأس المخابرات السعودية, فقد يكون عامل تهديد خطير أمام مشروع محمد بن سلمان فتمّ عزله, و اختصرت المملكة في شخص محمد بن سلمان وحده, فهو ملك السعودية, و وزير دفاعها, و رئيس المجلس الاقتصادي, و المتحكّم في شركة " أرامكو ", و كل هذا تم بعزل جميع منافسيه, و كل من يشكّ في ولائهم له, فطالت الاعتقالات, رجال الأعمال و أهمّهم " الوليد بن طلال " الذي لا ترتاح له السلطة السعودية خاصة وأن والد " الوليد بن طلال " كان يميل الى الأفكار الليبرالية و قد سبق و أن عارض سلمان بن عبد العزيز.
العامل الثاني الذي يقف أمام مشروع محمد بن سلمان الذي يحمل عنوان " رؤية 2030 " هي طبقة رجال الدين السعوديين, و هذا المشروع هو تهديد مباشر للحياة الرغيدة و الباذخة للاكليروس الوهّابي, فالكهنة الوهّابيين في السعودية بدؤوا يستشعرون خطر مشروع ابن سلمان على نفوذهم و مكانتهم في المملكة, لأنه اذ حدث الانفتاح الاقتصادي لصالح الشركات الخاصة, ستنخفض ثروة الاكليروس لأن كل امكانيات السعودية ستذهب لدعم الاستثمارات, و سيزول الغنى الذي تركه لهم الملوك السعوديين قبل محمد ابن سلمان, لأنه لسنين طويلة جدّا و العائلة الملكية في حلف مع الاكليروس الوهّابي, من أجل اعطاء الشرعية الدينية للعائلة الملكية.
و قبل صعود ابن سلمان للحكم, سبق لهذا الاخير و أن صرّح بأن النفوذ الوهابي داخل المملكة, سيكون عقبة أمام النمو الاقتصادي, و لإمكانية استقلالية السعودية اقتصاديا, لذلك اذا اختار الكهنة الصمود و الدفاع عن نفوذهم, فسيكونون عدوّا مباشرا لهدف الملك الشاب في اجتذاب المستثمرين الأجانب, و بالتالي قد يضطر الملك الى شراء دعم رجال الدين, أو على الأقل صمتهم, بأن يترك لهم حريّة الدعوة الدينية الى المذهب الوهّابي بطريقة لا تؤثر على خططه المستقبلية, لأنه منذ عام 1973 أنفقت الحكومة السعودية, و مؤسّساتها " الخيرية " البلايين على نشر الوهّابية المتطرفة, و بالتالي يعني تعزيز الدعوة الوهّابية الذي سيكون خبرا سيئا على المجتمع الدولي و المنظمات المناهضة للتطرف.
إن رجال الدين السعوديين أقوياء في الداخل، إذ أن عددا كبيرا من رجال الدين يستعملون كثيرا القنوات التليفزيونية و وسائل التواصل الاجتماعي التي يتابعها الملايين لإيصال أفكارهم و الترويج لمذاهبهم و فتاويهم, و هذا ما أجبر بالملك الشاب الى ايقاف برامجهم التي تدعوا الى الكراهية ضد الشيعة المسلمين و الى " الجهاد " في سوريا لإسقاط بشّار الأسد خشية تأثيرها الكبير, دون أن ننسى دور " هيئة كبار العلماء " السعودية التي كانت وسيلة المملكة لكسب النفوذ في الدول العربية السنّية و التأثير على المسلمين, فيمكن لرجال الدين التحريض على رد فعل سياسي عن طريق هذه المنصات بانتقاد سياسة ابن سلمان ان لم تكن في صالحهم، مما يمكن أن تشعل الاضطرابات الاجتماعية في بلد يشهد ارتفاعا كبيرا في معدل بطالة الشباب.
وفي شهر سبتمبر ، اعتقلت السلطة السعودية واحتجزت بعض رجال الدين المؤثرين الذين رفضوا دعم سياسات ابن سلمان في قضية الحصار على قطر في محاولة لخنق المعارضة , و بالتالي لمراوغة الرأي العام تم اعداد عملية تطهير لمكافحة الفساد، لاعتقال اكثر من 200 من الوسطاء السعوديين، بمن فيهم وزراء حكوميون سابقون وأفراد من العائلة المالكة, ان الحصار السعودي على قطر, بحجة دعم هذه الأخيرة للارهاب, لهي أكذوبة أكبيرة, لأنه في الحقيقة السعودية أيضا دعمت الارهاب و الحركات السلفية ابتداءا من الثمانينات بالمال و الفتاوى, و موّلت جميع الحركات الأصولية في العالم الاسلامي و حتى المتواجدة في العالم الغربي, و قد سبق و اعترفت رفقة الامارات بالدولة التي أسّستها حركة " طالبان " الارهابية و دعمتها ووقفت الى جانب الجهاديين في الحرب الأفغانية و أطلقت حملة تجنيد في الاعلام, مثلما دعمت قطر أنظمة الاسلام السياسي و أحزاب الاخوان المسلمين الذين يعادون السعودية علنا, ومنه حجة دعم قطر الارهاب لا تخدع الا السطحيين.
المشكلة الكبرى هي أنه اذ فشل محمد بن سلمان في تحقيق مشروعه فإن المملكة العربية السعودية ستعود إلى الثيوقراطية السلطوية التي قامت على استعباد الشعب السعودي, وستصبح خطرا على كل الدول المجاورة لها لافتعالها الأزمات مع أغلبية جيرانها و تسبّبها بكوارث دبلوماسية أفسحت المجال للإيرانيين لتقوية شوكتهم في الشرق الأوسط الى حد السيطرة على أربع عواصم عربية، كما أن التقدم الضئيل في حقوق المرأة الذي تم النضال من أجله منذ السبعينات سيذهب هباء منثورا، وسوف تتراجع البلاد اقتصاديا واجتماعيا. والأسوأ من ذلك أن أموال المملكة ونفوذها سيظل يستخدم لتصدير التطرف الذي يسبب اضطرابات كبيرة في بقية أنحاء الشرق الأوسط، وكذلك في أفريقيا وجنوب آسيا وأوروبا.