تركيا و قطر و الاخوان .. و أشياء أخرى


مولود مدي
2018 / 1 / 2 - 12:28     

تركيا و قطر, العلاقة بين النظامين يمكن أن توصف بأنها أكثر من مثالية على جميع المقاييس. الكثير يظن أن سر هذا التقارب الكبير بين الدولتين هو وليد البارحة و الظروف الدولية الطارئة, و بالضبط عندما أعلنت المملكة العربية السعودية حصارها على قطر. لكن في الحقيقة هذا الحلف بدأ منذ حوالي 16 سنة , و عندما نقول هذا لا يعني أنه لم يوجد في السابق تنسيق تركي قطري, لكن بعد صعود أوردوغان الى الحكم في 2002 تغيّر كل شيء و أخذ هذا التنسيق يشكّل احدى أقوى دعائم النظامين في وقت واحد. كيف ذلك ؟.

لقد تسارعت و تيرة التنسيق بين الدولتين, منذ 2002, و حينها ازدادت استثمارات قطر الاقتصادية في تركيا الى حد أن شكّلت هذه الاستثمارات أحد أطراف رأسمال أوردوغان و الذي أستعمله لتقوية سلطته على تركيا و التحكّم في الاعلام و قمع كل أشكال المعارضة الموجّهة لحكومته. و في نفس الوقت ردّت تركيا الجميل لقطر, ببناء قاعدة عسكرية في أراضي قطر, و التي يبشّر تواجدها بامكانية رفع عدد الجنود الأتراك هناك الى حوالي ثلاثة ألاف جندي. كيف يحصل ذلك و قطر في الأصل تتواجد فيها قاغدة أمريكية أيضا ؟. هذا يدل على عدم ثقة القيادة القطرية في الأمريكان, الذين قبلوا الرشوة السعودية لكي تتجرأ هذه الأخيرة على التهديد باجتياح الدوحة و فرض الحصار عليها. فمن المرتقب أن تخفّض القيادة القطرية انفاقها على القاعدة الأمريكية من أجل أمنها.
و شهد هذا التقارب الذروة في عام 2011, المتزامنة مع ما سمّي بـ ثورات " الربيع العربي ", التي كانت أصلا منتظرة من طرف تركيا و قطر, و حتى الكثير من خبراء شؤون الشرق الأوسط أكّدوا أنها لم تفاجئ قيادة البلدين و كان من المتوقّع أن يأتي الاخوان الى الحكم و أن يحظوا بالدعم التركي القطري. و لا يجب أن ننسى أن أوردوغان, رئيس حزب العدالة و التنمية المتأثر أصلا بالأفكار الاخوانية, و قطر التي كانت وقودا للفكر الاخواني منذ 1960 كانا قاعدتين للاخوان المسلمين.

و على أي حال دقت الديكتاتوريات العربية ( السعودية, المغرب, الجزائر, الامارات .. ) ناقوس الخطر بسبب هذه الثورات, أما تركيا و قطر فقد استقبلتا بحماس أخبار هذه الثورات و دعمتها بالمال و الفتوى, و هذا ما يفسّر سر عداء السعودية و الامارات لهذه الثورات و مواجهة نفوذ الاخوان خشية انتقال عدوى الثورة اليهما.
و بعد فشل دعم قطر و تركيا للإخوان في سوريا عادتا الى دعم الحركات الارهابية التي تعيث في سوريا قتلا و فسادا, فحاولتا اقناع واشنطن في فترة حكم أوباما بأن جبهة النصرة هي حركة اسلامية معتدلة و حديثة, و هذا قبل أن ينقلب السحر على الساحر و تصبح تركيا على الخصوص أحد اكبر الدول المهددة بضربها من طرف تنظيم داعش.

المهم أن ادارة أوباما قد أدركت بعد فوات الأوان أن صفة الاعتدال بعيدة عن " جبهة النصرة ", لكنها لم تكن تواجه مشكلة مع الدعم التركي والقطري للإخوان المسلمين. في الواقع، أيدت إدارة أوباما فكرة الإخوان كقوة للاعتدال لمواجهة التطرف المتزايد في المنطقة, والمشكلة هي أن الإخوان بعيدون عن صفة الجماعة السياسية الاسلامية المعتدلة, لأنها تشكل الأساس الأيديولوجي الذي بني عليه التيّار الإسلامي المتطرف الحديث و من عبائتها خرجت جميع التيّارات الجهادية كـ " جماعة الهجرة و التكفير ". فقدم مؤيدو الإخوان من الراحل سيد قطب إلى يوسف القرضاوي المقيم في قطر سردا متماسكا يصور الغرب وخاصة الولايات المتحدة على أنه العدو المميت لجميع المسلمين. وقد اثاروا معاداة السامية بالخلط بين اليهودية و الصهيونية حتى أصبح يرى المجتمع الدولي بسبب هذا الخلط أن المقاومة الفلسطينية ارهابية، و قد حرّض القرضاوي على التفجيرات الانتحارية علنا في كتبه و وسائل الاعلام، بما في ذلك من خلال منبر قناة الجزيرة القطرية و بل أفتى بوجوب قتل الرئيس اللّيبي " معمّر القذّافي " و بشرعية التدخل الفرنسي الأمريكي في سوريا. إن الإخوان وداعميهم الرئيسيين هم جزء من المشكلة التي يعيشها العالم الاسلامي وليسوا طرفا في الحل.