القطار الألمانى ( حصان طروادة البُلشفى )
محمد الأشقر
2017 / 12 / 28 - 11:55
لم يتعرض حدث فى التاريخ إلى كل هذا الكم من حملات التَّشْوِيهُ وَالاِفْتِرَاءُ كما تعرضت ثورة أكتوبر الإشتراكية فى روسيا ، وحتى وقتنا هذا مازالت ماكينة الإعلام البرجوازى تَضُخُّ الأَكَاذِيبُ تِلْوَ الأَكَاذِيبُ بغرض طمس معالم هذه الثورة التى أَلْهَمْتُ جُمُوعَ المُضْطَهِدِينَ حول العالم ، خاصة مع حلول الذكرى المئوية لانطلاقها وفى ظل أزمة رأسمالية طاحنة تريد البرجوازية إبعاد الأنظار عن ثورة البلاشفة ، حتى لا يكون هناك دليل على وجود طريق آخر لتنظيم المجتمع بعيدا عن الرأسمالية
وَمُنْذُ اِنْطِلَاقَ ثَوْرَة البلاشفة وَحَتَّى الآنَ يتم إنفاق ساعات لا حصر لها ومليارات الدولارات من أجل إقناع الناس أن الثورة البلشفية مؤامرة نفذها أقلية وَلَمْ تَجْلِبُ سِوَى الوَيْلَاتُ وَالمُعَانَاة، ولا يوجد بها شئ تتعلم منه الجماهير ليكون مرشدا لها فى صراعات اليوم
وبالرغم من أن الماكينة الإعلامية للبرجوازية تقوم بشن حملات دعاية لتشويه نماذج التحرر فى العالم ولنا فى دول أميركا اللاتينية أمثلة عديدة وبشكل خاص "كوبا" ، ولكن بالرغم من ذلك فإن الطبقة البرجوازية لا ترى نموذجا أكثر خطورة وإزعاجا من كابوس ثورة البلاشفة ، ولذلك تم حشد جيش كامل لما يسمى "خبراء" من أجل تشويهها لغرض الإبقاء على الوضع الراهن .
لقد كان حجم الأكاذيب ضد الثورة الروسية هائلا ، فقد كانت الصحافة الغربية مليئة بقصص القتل والفوضى من اليوم الأول لإستلام البلاشفة السلطة
على سبيل المثال : كان يتم ترويج أن بتروجراد البلشفية يوجد بها "مقصلة" تعمل كهربائيا وتقطع خمسمائة رأس فى الساعة ، وأنه فى روسيا السوفياتية كان على جميع النساء فوق 18 عاما التسجيل لدى مكتب "الحب الحر"!! ، حيث ستكون المرأة البرجوازية زوجة بالتناوب "مشاع" لدى البروليتاريين ، والنساء الأغنياء يجبرن على القيام بأعمال التنظيف ، ورجال الأعمال اضطروا لبيع الصحف على زوايا الشوارع من أجل البقاء على قيد الحياة ، والكثير الكثير من الأكاذيب المغلفة بشعارات إنسانية، والسبب واضح وهو أن هنا فقط قام "العبيد" بالإطاحة بالنظام القديم والبدء في بناء مجتمع جديد دون الحاجة إلى أسياد .
إن أكثر الأكاذيب رَوَاجًا فى هذه الفترة ومازالت الأبواق البرجوزاية تتداولها حتى الآن هى : " عمالة لينين للألمان" ، تم نشر هذه الكذبة خلال أيام يوليو ، اضطر لينين إلى الاختباء ، وكان التحريض ضد البلاشفة مع مرور الوقت يتحول إلى أعمال عنف ، حيث تم تحطيم المطابع البلشفية وأيضا أماكن بيع صحفهم تم تحطيمها ، والباعة تعرضوا للضرب والقتل .
بعد بضعة أسابيع من خداع العمال والفلاحين الروس بدأت الأمور تتحول لصالح البلاشفة على نطاق واسع ، فقد كانت هذه الكذبة ذريعة لمواصلة الحرب العالمية الدموية واستمرار حكم الأغنياء وملاك الأراضى ، بعد ذلك ازداد الدعم الجماهيرى للبلاشفة تدريجيا من منتصف أغسطس فصاعدا
ولكن دعونا نستعرض هذه الكذبة بشكل مفصل ، حيث قيل وقتها : بعد ثورة فبراير، سافر لينين إلى روسيا عبر ألمانيا ، وفي الطريق حصل على أموال من قيصر ألمانيا وعمل بنشاط على تخريب جهود الحلفاء الحربية تحت إشراف الألمان.
إذا شغشبنا فى ثنايا هذه الافتراءات فلن نجد تعسرا واعتياصا فى اجتلاء حقيقتها ، إذن فما هى الحقيقة وراء هذه الأُكْذُوبَة؟
حَسَنًا ،عندما نتفحص البرنامج السياسى الذى خطه لينين بعد الاطاحة بالنظام القيصرى سنعرف كم كان هذا البرنامج يمثل كابوسا بالنسبة للحلفاء ، حيث كتب لينين : ((" إلغاء المعاهدات التى عقدها القيصر ، نشر ما هو سرى منها ، اقتراح هدنة عامة فورية ، إعلان شروط السوفييات للسلم : التخلى عن المستعمرات ، تحرير الشعوب المضطهدة أو المحرومة من حقوقها ، دعوة عمال العالم قاطبة لإسقاط الحكومات البرجوازية ، تحميل الرأسماليين ديون الحرب ،سلخ المرأة عن حياة البيت والمطبخ المبلدة للعقل وإشراكها فى الميليشيا البروليتارية ، إقرار التملك المشترك لوسائل الإنتاج "))
ولهذا كان يجب منع لينين من العودة إلى روسيا الثورية وأن يبقى معزولا فى سويسرا
لا شك أن لينين كان مضطرا للسفر عبر الطريق الألمانى إلى فنلندا من أجل الوصول إلى بتروجراد الثورية ، بعد أن قام بالترتيب لهذه المهمة الأمين العام للحزب الاشتراكى السويسرى "فريتزبلاتن" والذى كان محل ثقة مطلقة لدى لينين ، حيث تولى ترتيب الأمور مع الألمان وقد أقنعهم بأن يضعوا تحت تصرف لينين وثلاثين من رفاقه عربة سكة حديد مرخصة تقلهم إلى بتروجراد . وكان لينين يدرك جيدا الخطر السياسي الذي كان يتخذه من خلال السفر عبر ألمانيا، وهذا هو السبب في أنه أصر على أن يكون القطار "مرخص" ويعتبر أرضا مستقلة مثل السفارات ، مع عدم دخول أحد من الألمان إلى العربة وألا يتم تفتيش أحد من الركاب أو إيقاف القطار طوال مدة الرحلة.
لا يوجد عميل يشترط هذه الشروط على مشغليه ، لينين كان يتعامل معهم كرجل دولة .
ولكن السؤال هنا ، هل كان هناك طريق آخر يسلكه لينين غير الطريق الألمانى ؟ لقد رفضت قوات الحلفاء، الإمبريالية الفرنسية والبريطانية السماح له بالمرور الآمن فوق أراضيها ،و كان لينين يرى أن ترك الثورة لنفسها خيانة أفدح من ركوب قطار الأعداء
وبالمناسبة كان مارتوف، والعديد من المناشفة الآخرين، وغيرهم في المنفى، أجبروا أيضا على العودة عبر الطريق الألماني إلى روسيا. ومع ذلك، لم يتم اتهام أي من هؤلاء بأنهم عملاء ألمان لأن ذلك لم يكن ملائما للإستخدام السياسى.
وبطبيعة الحال، كان لدى الإمبرياليين الألمان خططهم الخاصة للسماح للقطار الكامل من المنفيين الروس "دعاة السلام" بالسفر عبر أراضيهم. مما سيحقق هدفا استراتيجيا لهم ، وكان الغرض هو تحييد روسيا ، حتى يستطيعوا إنزال الهزيمة ببريطانيا وفرنسا وقد ظنوا أن البلاشفة سيسببون خللا ويضعفون المجهود الحربي الروسي، لكنهم لم يتصوروا أبدا حتى في أبشع أحلامهم أن البلاشفة سيأتون إلى السلطة.
ومع ذلك،فإن هذه المقامرة التى أقدم عليها الألمان بشكل واضح كانت ذو تأثير عكسى بغير توقعاتهم كما اجتلت الأحداث.
ففي ليلة 29 أكتوبر 1918، اندلع تمرد في الأسطول الألماني ، بحلول 7 نوفمبر استلهمت معظم المدن الساحلية مجالس العمال، المستوحاة من الثورة الروسية.
أجبر فيلهلم الثاني على الاستقالة في 9 نوفمبر. وبحلول 11 نوفمبر، هزم العمال الألمان، بعد أن قام رفاقهم الروس بوضع نهاية للحرب العالمية عن طريق الوسائل الثورية.
وبهذا ، يمكن القول إن لينين لم يكن عميلا للألمان فحسب، بل كان محرضا لسقوط فيلهلم الثانى .
وعلى النقيض من ذلك، كانت الحكومة المؤقتة الروسية والموظفون العامون هم العملاء الحقيقيون للألمان ، حتى القيصر والامبراطورة كانوا يتآمرون من أجل سلام منفصل مع ألمانيا قبل ثورة فبراير.
وفي أغسطس 1917، سمح الجنرالات الروس سقوط ريغا للألمان لتقديم ذريعة لانقلاب كورنيلوف .
وأيضاً خطط كيرنسكي لنقل حامية بتروغراد إلى الأمام واستسلام العاصمة للسماح للألمان بعمل مذابح ضد العمال الثوريين.
وهذا هو آخر عمل يقنع جماهير الجنود بأن الحكومة المؤقتة لا تستحق دعمها. عصيت حامية بتروغراد النظام الإجرامي بالتخلي عن بتروغراد، وبدلا من ذلك غيرت ولائها للسوفييت.
هنا يمكننا أن نرى أنه في التحليل الأخير، فضلت الطبقة الحاكمة الروسية التخلي عن عاصمتها إلى قوة أجنبية بدلا من أن تقع في أيدي العمال الروس، ودعا لينين إلى النضال الثوري لجميع العمال ضد الطبقة الحاكمة الخاصة بهم.
وفى النهاية ، لقد كان موقف لينين هو الإطاحة بالعسكريين الألمان والروس على السواء ووضع حد للحرب الإمبريالية الدموية والقتل بين الأشقاء ، حيث أعلن ذلك بوضوح فور وصوله إلى بتروجراد ، وأمام حشد كبير من الجماهير خطب يقول : ((" أيها الرفاق الجنود والبحارة والعمال ، يسعدنى أن أحيي فيكم الثورة الروسية الظافرة ، أن أحييكم كفصيلة طليعية من الجيش البروليتارى العالمى ،، إن حرب النهب الإمبريالية هى بداية الحرب الأهلية فى كل أوروبا ، ولم تعد بعيدة تلك الساعة التى ستحول فيها الشعوب أسلحتها ضد مستغليها الرأسماليين ملبية نداء رفيقنا كارل ليبكنخت .. ، إن فجر الثورة الإشتراكية العالمية قد أطل ، وفى ألمانيا كل شئ فى غليان ، والثورة التى أنجزتموها قد رسمت بداية العصر الجديد وأرست أسسه ، عاشت الثورة الإشتراكية العالمية ")).........