|
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(6)
حكمت حمزة
الحوار المتمدن-العدد: 5721 - 2017 / 12 / 8 - 05:11
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لم أشأ العودة إلى المنزل بعد صلاة المغرب، لأن الوقت بين صلاتي المغرب والعشاء كان قصيرا، بالإضافة إلى هجمات الرياح الباردة، والتي كانت تضرب نوافذ المسجد كالصاعقة، مما جعلني أفضل البقاء في المسجد قرب المدفأة. جلست قبالتها أستقي منها جرعات من الحرارة لأسخن بها عظامي الطرية، مما جعلني أشعر بقليل من النعاس، صوبت نظري تجاه ألسنة النيران التي تقذف بنفسها نحو الأعلى، محاولة الخروج ولكن الغطاء كان أقوى منها، فلم يسمح لأسرى اللهب بالهروب. كنت أتذكر إجابة الشيخ لي عن الأمور التي لن أفهمها حتى أكبر، خصوصا أن منظر نار المدفأة ذكرني بنار جهنم. فجأة جاء الشيخ وجلس بجانبي و استفسر مني عن سبب شرودي الذهني...يذكر أن علاقتي بشيخ المسجد كانت قوية جدا، لأني كنت من أكثر الطلاب إتقانا لتجويد القرآن، وقد فزت عدة مرات بمسابقات التجويد. أجبته بأني لا زلت أفكر في نار جهنم، ولكني تذكرت فجأة شيئا مهما حول هذا الموضوع فسألته: - أخبرني يا أستاذ( اعتدنا مخاطبته بهذه الكلمة وليس بكلمة شيخ)، كم شخصا سيعذب في جهنم؟ - الكثير من الناس، قال الله تعالى في القرآن (و إن منكم إلا واردها، كان على ربك حتما مقضيا). - ولكن كيف ستتسع نار جهنم لكل الناس، يجب أن يكون الله جعل من جهنم مكانا كبيرا جدا ليتسع للجميع. - بالطبع جهنم كبيرة جدا يا حكمت، ففي أحد أبوابها يبقى المذنب يهوي لسبعين سنة حتى يصل إلى قاعها، وما خفي أعظم. - سبعين سنة؟؟!! يا أستاذ هل تقول الحقيقة؟ كيف يكون الأمر هكذا... - أجل هكذا، ولا تسأل عن هذه الأشياء كي لا تتعب نفسك. - لا مشكلة فأنا مسرور بإتعاب نفسي ولكن أخبرني بكل ما تعرف حول هذا الموضوع. - هناك أمور لا أعرفها أنا ولا أحد يعرفها لذا لا يجب السؤال عنها لأن الله وحده يعرفها. ثم قام الشيخ وذهب إلى غرفته، لا أدري إن كان مشغولا بشيء أم أنه هرب من فضولي وأسئلتي التي لا تنتهي، فقد كنت فضوليا من الدرجة الأولى ( ولا زلت)، ولا أستطيع أن أسمع بأي شيء وأتركه يمر مرور الكرام، هذا الفضول رغم كثرته عندي، إلا أنه كان السبب الأول في سلوكي لطريق المتنورين، والتخلص من براثن الأديان وفخاخها الفكرية التي وقع ضحيتها الكثيرون. بعد أن ذهب الشيخ، أو بالأحرى تهرب، أصبح فكري مشغولا أكثر، أصبحت الأمور غير المنطقية أكبر من أن يتحملها عقلي الصغير، وزادت الأسئلة التي لا أحد يعطيني لها جوابا شافيا، مما أدخلني في سرداب ظلام الفكري أكثر وأكثر. حان وقت صلاة العشاء، جاء أبي ورآني في المسجد، فتبسم قليلا، رفع الأذان وأقيمت الصلاة، وبمجرد انتهاء الصلاة قمت ولبست حذائي وعدت إلى المنزل جريا، فالبرد كان شديدا، دخلت إلى المنزل، وجلست في غرفة المعيشة حيث كانت أمي ومعها أخوتي. لم يمض وقت طويل حتى جاء أبي من المسجد، دخل علينا وكان الغضب يحتل معالم وجهه، وفي عينيه نظرة أعرفها جيدا، قال لي: - لماذا خرجت بعد انتهاء الصلاة فورا، لماذا لم تصل السنة والوتر. - لا يوجد سبب، كنت أريد العودة إلى المنزل بسرعة فقط، هذا كل ما في الأمر. - ألا تخشى أن يعاقبك الله ويحرقك بالنار، كيف تتجاهل صلاة السنة والوتر،؟ سكتت ولم أجبه بشيء، تجاهلت ما قاله، وكأني لم أسمع شيئا، ولكن عبارة الحرق بالنار بقيت تتردد في داخلي مثل الصدى، وأنا أقول لنفسي هل كل فعل أقوم به سأحرق بالنار، ألم يبق عمل عند الله سوى معاقبتي أنا وإحراقي؟ لماذا......قطعت عبارة أبي سلسلة أفكاري وقال لي: - لعنك الله، يبدو أنك ستسبب لنا الكثير من المتاعب عندما تكبر. استمريت في تجاهل الحديث، وأنا أنظر تجاه الأرض، وأستغرب من كلمات أبي، فمجرد تركي لصلاة السنة والوتر سبب لي لعنة موجهة، انطلقت من فم أبي لتخترق قلبي قبل أذني، وبت أشك في من هو سبب متاعب الآخر، هل الله هو سبب متاعبي مع أبي أم أن أبي يحب اختلاق المشاكل والانفعالات معي هكذا دون سبب؟ وكالعادة، تضامنت العائلة في موقفها الناقد لي والناقم علي بسبب ما فعلت، إلا أني لم أكترث كثيرا، وكان وقت الطعام قد حان، تناولت الطعام وذهبت إلى الغرفة لأسلي نفسي بقراءة بعض القصص والكتب. وقع تحت يدي كتاب عن معجزات النبي محمد، والجدير بالذكر أن كل الكتب التي كان أبي يزودني بها تتحدث عن الله والأنبياء والاسلام. خلال تقليبي لصفحات الكتاب، تلاقيت مع معجزة تكثير الطعام، التي حدثت للنبي عندما كان مهاجرا إلى يثرب، وتتحدث القصة عن شاة هزيلة، لا لحم فيها ولا لبن في ضرعها، ولكن محمدا سمى بالله ومسح ضرعها بيده الشريفة، وحلبها وشرب هو وشرب صاحبه وشربت العائلة التي تعود الشاة لها، حتى ذهلت المرأة، فالشاة الهزيلة التي قارب ضرعها الجفاف، أنتجت كل هذا اللبن... الخ وهكذا حتى نهاية القصة. أعجبتني الفكرة، وتخيلت أن شيئا مثل هذا قد يحدث لي. كنت أحتفظ بكيس من رقائق البطاطا المقرمشة، ولشدة شغفي بها عندما كنت صغيرا، قلت لنفسي: لماذا لا أجرب هذه الفكرة، أسمي بالله وأمسح الكيس بيدي لعل الرقائق تصبح كثيرة وآكل منها حتى أشبع. أحضرت الكيس، سميت بالله ومسحته بكفي ثم فتحته وبدأت بالأكل، دقيقتان من الوقت كانتا كافيتين لأقضي على الرقائق قضاء مبرما. أصابني الحزن بسبب فشلي، ولم أتساءل عن السبب، ذاك خاتم الأنبياء والمرسلين، من أنا مقارنة معه، فمن المؤكد أن يده شريفة أما أنا فيدي ليست شريفة. دخل أبي الغرفة، ونبهني إلى أن غدا هو يوم السبت، و أن السبت عطلة أيضا، كي لا أتحجج بالنسيان وأذهب إلى المدرسة، هززت رأسي كعلامة لفهمي ما قاله، ثم خرج وأغلق الباب. تركت الكتاب والكيس الفارغ على الطاولة، وتوجهت إلى السرير، استلقيت ووضعت فوقي كل ما كان على السرير من أغطية، نظرت إلى السقف، وبدأت مرحلة الشرود الذهني، وبدأت معها الأفكار الغريبة بالتوافد إلى رأسي زلفا، تلك الأفكار التي تارة أحسها حقيرة و سافلة ومجنونة، و واقعية أحتاج لتفسيرها تارة أخرى. كثيرا ما أسمع عن الله وملائكته وعرشه، قدراته الخارقة، مزاياه وأسماؤه التسعة والتسعون، وأسأل نفسي هل الله كبير أم صغير الحجم، وعرشه الذي يجلس عليه، هل هو عرش كالذي تصوره المسلسلات التليفزيونية أم شيء آخر مختلف. قلت لنفسي: لا بد وأن الله كبير الحجم وضخم جدا جدا، لأنه لو كان غير ذلك لما استطاع التحكم والسيطرة على كل هؤلاء الناس. طبعا كان كبر الحجم مقياس القوة والسيطرة بنظرنا عندما كنا صغارا. إذا لا بد أن عرشه كبير جدا أيضا، كي يستطيع حمله، ولكن من الذي بنى له عرشا كهذا، وكم احتاج كي ينتهي من بناءه؟. كنت حينها تواقا جدا لرؤية الله، وعرشه، أتمنى لو أستطيع أن أطير إلى السماء كي أراه، فكما قلت لكم سابقا، كنت أظنه يشبه أبي تماما في الشكل، إلا أنه أكبر حجما ويضع تاجا على رأسه. غفوت دون أن أدري، ولم أحس إلا على صوت أبي الذي يوقظني لكي أذهب إلى صلاة الفجر، أخبرته أني سأصلي في المنزل، لأن الجو بارد جدا ولا أريد الخروج في هذا البرد، لكنه فعل المعتاد، وقال المعتاد صرخ بصوت عالي لكي أنهض، وقال بأن الله سيحرقني بالنار أيضا، فقمت على مضض، وتوضأت بالثلج السائل اذي يتساقط من الصنبور، خرجت من المنزل إلى المعركة المعتادة بين وجنتي والرياح، وصلت إلى المسجد، صلينا الفجر، وانتظرت انتهاء الشيخ من تلاوة الأوراد والتسبيحات الروتينية، و ذهبت لأسأله ، وانتظرت انتهاء الشيخ من تلاوة الأوراد والتسبيحات الروتينية، و ذهبت لأسأله ن كان الله سيحرقني بالنار بسبب تركي صلاة السنة والوتر البارحة، وعدم رغبتي في الذهاب من المنزل إلى المسجد في هذا البرد، فأخبرني بأنه لن يحرقني في حال لم أكرر فعلتي متعمدا، ولكن في حال تكرار هذا الشيء مرارا، فإنه سيعاقبني ويحرقني بالنار...لا أظن الشيخ جاهلا بأمور الدين لهذه الدرجة، فمن المؤكد أن الصلاة في المنزل دون المسجد، وعدم أداء صلاتي السنة والوتر، لن يلقي بصاحبها في جهنم وفق الأدبيات الاسلامية، و أغلب الاعتقاد أنه أراد ترهيبي فقط كي أبقى ملتزما ولا أتراخى في الدين، إلا أنني لم أكن أعرف تفاصيلا بهذه الدقة في ذلك الوقت، فصدقت كلام الشيخ، وشعرت بانزعاج شديد. بدأت نثرات من التمرد على الوضع الديني تلمع بداخلي، أحسست بأن الله قاس جدا ولا رأفة عنده بعباده، فهو سيعاقبهم لأسباب مستحقة وغير مستحقة، وبالرغم من ليلة الرعب الماضية التي بالكاد نسيتها، إلا أن الوضع مختلف جدا هذه الليلة، لم أشعر بأي خوف وقتها، أحسست بأني صاحب حق وعلي المطالبة به، والحصول عليه، فليس من المعقول أن أتحول إلى وجبة من اللحم المشوي لمجرد عدم الذهاب إلى المسجد في هذا البرد القارس، لماذا يجب علي تحمل كل هذا البرد، والإصابة بالأمراض، يجب أ، أبقى في المنزل حتى انقضاء هذا البرد، واتخذت أحد القرارات المصيرية المعدودة التي اتخذتها وأنا صغير، لن أذهب لأداء صلاة الفجر في المسجد، وليكن ما يكن، مهما فعل أبي من صراخ وإهانات وضرب، يجب أن أبقى عند موقفي ثابتا، أساسا أنا بدأت أعتاد على الضرب، لم يعد مشكلة كبيرة بالنسبة لي، سأنفذ ما برأسي مهما كلف الأمر، وبدأت منذ تلك اللحظة بالاستعداد النفسي والجسدي لليلة القادمة. من المؤكد أني لست الوحيد الذي عانى من مشاكل كهذه في طفولتهن خصوصا من كان حظه تعيسا بامتلاك والد متشدد بالأمور الدينية، وأدرك بشكل كبير المعاناة التي يعيشها الأطفال المنتمون لبيئات متدينة، وهذا يشكل بالنسبة لي أحد أهم الدوافع التي تجعلني أخاطر بنفسي وأكتب عن أفكاري بهذه الصراحة، أكتب هذه الأفكار علها تساعد في تنوير الفكر وإعمال العقل في كل الأمور، فكثير من البشر بغض النظر عن أعمارهم، يظلمون كثيرا ويعانون أكثر بسبب الدين، وبسبب جهل من هم أكبر منهم سنا، أو من هم متحكمون في جزء من قراراتهم، أولئك الذين أحس بأنهم يتملقون للإله أكثر مما يحبونه، أن تحب الإله لا يعني أن تؤذي أطفالك في سبيل الاله، يمكن إقناعهم بالدين أو جعلهم يتبعونه دون إلحاق الأذى الجسدي بهم على الأقل، إن كنت لا تأبه بجسمك في سبيل الاله، وتحتمل المرض والبرد، فغيرك لا يحتمل، ولا تقل لي بأن النبي ابراهيم ضحى بابنه و كاد أن يذبحه في سبيل الله، فذاك (وفقا لما تؤمنون به) نال شرف النبوة، أما أنت فلن تنال سوى المرض، و ستصاب بأمراض من هم في سن السبعين، قبل أن تتجاوز الخمسين
#حكمت_حمزة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعونا نفهم فكرة الإله(2)
-
أسياد الحرية
-
دعونا نفهم فكرة الإله
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(5)
-
ميزان الأزمة السورية...ماذا ربح الشعب السوري، وماذا خسر
-
القريحة التي لا تجف
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(4)
-
الملحمة السورية (2)
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(3)
-
الملحمة السورية (1)
-
قراءة نقدية في كتاب المدارس الفكرية الاسلامية من الخوارج إلى
...
-
روزنامة أمل
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(2)
-
من بقايا ذاكرة إنسان لاديني...نعمة العقل(1)
-
أرجوزة الحرب والسلام
-
لا زالت العلمانية على قارعة الطريق رغم كل شيء
-
دراسة قصيرة مبسطة: هل قامت الأديان فعلا بتغيير جوهري، أم مجر
...
-
مذكرات عاشق مشتاق
-
آلهة الأحزان
-
الحرب الاسلامية على الالحاد والعلمانية...واجب ديني، أم خوف ب
...
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية آية اللهخامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع
...
-
اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع
...
-
إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش
...
-
مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا
...
-
المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -ديشون- بصلية صار
...
-
سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
-
أسعد أولادك…. تردد قناة طيور الجنة التحديث الجديد 2025 على ج
...
-
استقبلها الان.. تردد قناة طيور الجنة أطفال الجديد 2024
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|