|
الموقف الامريكي من الاتفاق النووي مع ايران
جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي
(Jassim Al-saffar)
الحوار المتمدن-العدد: 5678 - 2017 / 10 / 24 - 21:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
الموقف الامريكي من الاتفاق النووي مع ايران د. جاسم الصفار خطا الرئيس الامريكي دونالد ترامب خطوته الاولى للخروج من الاتفاق النووي الايراني. فحسب القانون الامريكي يتعين على رئيس الدولة كل ثلاثة اشهر ان يخاطب الكونكريس محددا موقفه من نقطتين، الاولى عن مدى التزام ايران بالاتفاق النووي والثانية عن توافق الصفقة النووية مع ايران والمصالح الامريكية. في 13 تشرين الاول/اكتوبر اعلن الرئيس الامريكي ان الصفقة النووية مع ايران لا تتوافق مع المصالح الامريكية، لذلك يتعين على الكونكريس ان يحدد في غضون شهرين مصير الاتفاق النووي، اما بالغاء الاتفاق او اعادة النظر فيه، وفي حالة تعذر تحديد موقف الكونكريس من الاتفاقية فقد وعد دونالد ترامب بالخروج منها. على ان ذلك يواجه عقبتين، هما: اولا، خروج الولايات المتحدة الامريكية من الاتفاق سيرفع القيود عن تطوير البرنامج النووي الايراني، خاصة وان النشاط النووي الايراني لم يكن ممنوعا، فحسب قوانين منظمة حظر انتشار الاسلحة النووية، تستطيع ايران تطوير طاقتها النووية للاغراض السلمية، والتحديد الذي ركزت عليه الاتفاقية كان لقطع الطريق على مراحل من التطور التقني تمنح ايران القدرة على امتلاك الاسلحة النووية، وقد اخذت ايران على نفسها الالتزام بهذا التحديد. فان حصل وقررت امريكا الخروج من الاتفاقية دون اساس موضوعي واعتمادا فقط على رغبات الرئيس ترامب فانه سيصعب بعد ذلك اقناع ايران بالعودة مرة اخرى للالتزام بالمحددات التي الزمت ايران نفسها بها وفقا للاتفاق. ثانيا، ان ترامب بقراره الخروج من الاتفاق من طرف واحد مع عدم اخلال الطرف الايراني بشروط الاتفاق سيخلق حالة عدم ثقة بأي اتفاق مع امريكا في المستقبل. وسينسحب هذا على اوضاع اخرى في العالم تتطلب الحل عن طريق التفاوض والاتفاق كما هو الحال مع كوريا الشمالية. فان كانت امريكا لا تحترم اتفاقاتها الدولية حتى عند الالتزام الصارم بها من قبل الطرف الاخر فمن الذي سيضمن احترام اتفاقيات قد تعقد في المستقبل مع بيونغ يانغ. على ان دونالد ترامب في سياسته الخارجية يبقى اسير نهج سارت عليه الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، فلتجاوز المشاكل الداخلية يجب توحيد الامة في مواجهة عدو خارجي. وحسب رؤيا ترامب فان هذا العدو لا يجب ان يكون افتراضيا او مصطنعا كداعش وليس خطرا وكبيرا مثل روسيا ولا صغيرا محدود الامكانيات مثل كوريا الشمالية، ولهذا الغرض وقع الاختيار على ايران، وكبداية، يجب الخروج من الاتفاق النووي معها وتركها تتخبط متحررة من قيود الاتفاق منزلقة نحو التصعيد وخلق اسباب النزاع. انه تقليد عند رؤساء الولايات المتحدة الامريكية بالانشغال بتحديد الاعدء "محور الشر" مع "الابداع" في اختيار هؤلاء الاعداء، فعند جورج بوش الابن كان هذا المحور متمثلا بالثلاثي (ايران والعراق وكوريا الشمالية) أما عند براك اوباما فكان (ايبولا وروسيا والارهاب)، أما ترامب فاختار (فنزويلا وكوريا الشمالية وايران)، واذا كان الموقف من فنزويلا وكوريا الشمالية له مبررات معروفة يمكن التعكز عليها فان الموقف من ايران يحتاج الى تفسير. موقف ترامب من ايران كان واضحا وبراغماتيا، فهو لم يهتم بطبيعة النظام ولا بالتزامه بحقوق الانسان، بل، النفوذ الكبير لايران في المنطقة على حساب نفوذ امريكا ومصالح اصدقائها في المنطقة. أو كما بلور الرئيس الامريكي رؤياه تلك في خطابه امام الجمعية العامة للامم المتحدة، والتي تتلخص فكرتها الرئيسية في، أن المصالح القومية لايران لا تتوافق مع المصالح القومية لأمريكا. فايران هي المدافع الاقوى عن نظام بشار الاسد، وهي التي انقذته من الهزيمة كما انها الممول الرئيس لحزب الله اللبناني وهي، حسب ما تعتقد الادارة الامريكية، وراء الفتن التي حصلت في اليمن والبحرين، وهي القطب الذي قد يجذب يوما دول الخليج الى جانبه. وترامب ليس وحيدا في وجهة نظره تلك، بل تؤيده بحرارة في كل خطواته التصعيدية مع ايران دول اقليمية صديقة مثل العربية السعودية واسرائيل. فاسرائيل ترى في زيادة نفوذ ايران في سوريا ولبنان تهديدا كبيرا لامنها الوطني، وكذلك يثير حفيظة الرياض اتساع نفوذ ايران في العراق وسوريا واخيرا في الخليج. على ان اهتمام ترامب الاكبر يتركز اليوم في كسب تأييد المحافظين الجمهوريين في الكونكريس الامريكي الذين يناصبون ايران العداء بسبب سجلها في مجال حقوق الانسان وموقفها من الموديل الغربي للديمقراطية، والاهم من ذلك انهم لا يستطيعون نسيان استيلاء الايرانيون المناصرون للثورة الاسلامية على السفارة الامريكية في طهران واحتجازهم القائمين بادارتها في نهاية سبعينات القرن الماضي. فالمحافظين والصقور في الادارة الامريكية متعطشون للانتقام، وسترتفع شعبية ترامب كثيرا، بين صفوفهم، مع تبنيه لسياسة متشددة تجاه ايران. بموجب الاتفاق النووي بين ايران وامريكا وروسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والمانيا والاتحاد الاوربي، ترفع عن ايران جميع العقوبات ويسمح لها باستخدام اموالها المجمدة وترفع القيود التي كانت تحدد انشطة ايران الاستثمارية والتجارية، مقابل موافقة ايران على وقف تطوير برنامجها النووي. وفقا لذلك وافقت ايران على تخفيض مخزونها من اليورانيوم المنخفض التخصيب من 10 اطنان الى 300 كغم وعدم زيادة هذه الكمية لمدة 15 عام. في هذه الفترة لا يجوز على ايران زيادة نسبة التخصيب عن 3,67%، اي بدرجة تكفي للاستخدام في المفاعلات الخاصة بالابحاث النووية وانتاج الطاقة ولكن غير كافية للاستخدام في تصنيع قنابل نووية (في هذه الحالة تحتاج ايران الى نسبة تخصيب لا تقل عن 20%). وقد تخلت ايران عن جميع مخزونها من اليورانيوم المخصب بدرجة اعلى من 3,67% وتعهدت بان لا تشيد اي موقع جديد لتخصيب اليورانيوم لمدة 15 عاما، وان لا تقوم باي ابحاث تخص اعادة انتاج الوقود المستخدم في المفاعلات، وأن ينقل كل الوقود الناتج عن المفاعلات الذرية الى خارج ايران. عدا ذلك فان على ايران في العشر سنوات القادمة ان تستخدم فقط 5 الاف من مجموع 19 الف من اجهزة الطرد المركزي، علما بان عدد الاجهزة الخاضع عملها للتجميد هي الاكثر تطورا وقدرة من بين الاجهزة جميعها. والاهم من ذلك هو ان ايران وافقت على اخضاع جميع المواقع المستخدمة للتخصيب وابحاث الطاقة الذرية للمراقبة الدولية الصارمة اضافة الى سماحها لمنظمات الرقابة الدولي بزيارة اي موقع تشك باستخدامه بصورة سرية للتخصيب. وفي حالة مخالفة ايران لبنود الاتفاقية فان الولايات المتحدة مع الاتحاد الاوربي تستطيع اعادة العقوبات على ايران حتى وان اعترضت روسيا والصين. ومع ان معظم المتخصصين في مجال الطاقة الذرية يعتبرون الاتفاق النووي الايراني صفقة ناجحة الا ان المحافظين والصقور في البيت الابيض ومن بينهم ترامب نفسه يعتبرونها اسوأ صفقة على الاطلاق لانها، في حدود تصورهم، قد رفعت عقوبات وقيود اقتصادية كان من الممكن ان تحد من نشاط ايران في دعمها للمنظمات "المارقة" وفتحت المجال لاستثمارات غربية هائلة في ايران من شأنها انعاش الاقتصاد الايراني وترسيخ النظام السياسي في ايران، والاهم من ذلك عند ترامب هو ان تلك الصفقة تعد الانجاز الاكبر لادارة اوباما والتي يسعى ترامب للتخلص منها كغيرها من الانجازات التي تحققت في زمن اوباما. الا ان الرئيس الامريكي في خطواته المحسوبة للخروج من الاتفاق النووي مع ايران يواجه معارضة شديدة من قبل كل الاطراف الاخرى الموقعة على الاتفاق، وكما قال الخبير الامريكي المعروف جوزيف تسيرينتسيونة " ان حلفائنا (يقصد الاوربيين-ج. الصفار) قد حذرونا باننا ان غادرنا الاتفاق النووي مع ايران فاننا سنغادره لوحدنا". فمنذ توقيع رفع العقوبات عن ايران في عام 2015 عقد الغرب مع ايران صفقات بعشرات المليارات من الدولارات وهم لا يرغبون بفقدان عقود الاستثمار هناك تاركين السوق الايرانية للصين وروسيا، لذا فانهم يعترضون بشدة على الغاء الاتفاق النووي مع ايران وحسب ما ذكرته ممثلة الاتحاد الاوربي هيلكا شميت فان الصفقة النووية مع ايران هي في نهاية المطاف "ليست اتفاق ثنائي بين طرفين بل اتفاق متعدد الاطراف، وكأوربيين سنعمل كل ما بوسعنا لكي يبقى الاتفاق النووي مع ايران قائما". بالطبع، تستطيع امريكا فرض عقوبات جديدة على ايران ووضع الدول الاوربية امام واقع، اما خسارة ايران او تعرض شركاتها للعقوبات الامريكية كما هو الحال مع روسيا. ولكن ذلك سيخلق شرخا في العلاقات الامريكية الاوربية ويضر بمصداقية امريكا كحليف تهمه مصالح حلفائه الاوربيين. وهذا ما دفع العديد من رموز الادارة الامريكية للوقوف بالضد من توجهات الرئيس ترامب للخروج من الاتفاق، من بين هؤلاء وزارة الخارجية ممثلة برئيسها ريكس تيلرسون اضافة الى مستشار الامن القومي هربرت ماكماستر ووزير الدفاع جيمس ميتيس. وهذا لا يعني بالتأكيد ان ترامب يمكن ان يتراجع عن موقفه في الخروج من الاتفاق، فهو من حيث الواقع، برفضه المصادقة عليها، فرض على الكونكريس بالتعاون مع ادارته تقديم مقترحات لتعديل الاتفاق بحيث يستجيب للمصالح القومية الامريكية، ألأمر الذي ترفضه ايران بصورة قاطعة ولا يؤيده اي طرف من الاطراف الموقعة على الاتفاقية.
#جاسم_ألصفار (هاشتاغ)
Jassim_Al-saffar#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مغزى زيارة الملك سلمان لموسكو
-
منعطفات جديدة في السياسة الامريكية
-
الملك عاريا
-
تأملات تسبق الانتصار
-
الانفصاليون وخدعة الاستقواء بالفكر الاشتراكي
-
خاطرتان قصيرتان في موضوع وحدة اليسار العراقي
-
تركيا، الى اين؟
-
كوريا الشمالية أمام خيارات التصعيد ام التهدئة؟
-
الرؤيا العدمية والرؤيا الواقعية في الحدث السوري
-
لمسار التغيير روافد
-
رأي في شعار -مقاطعة الانتخابات-
-
وقائع احداث جامعة واسط
-
حكومة وعشائر ومافيات
-
عواقب التغيير
-
كوبا بعد فيديل كاسترو
-
اشتراطات نجاح التغيير في السياسة الامريكية
-
بداية معركة الحسم في حلب
-
تكهنات في متغيرات العلاقة الامريكية الاوربية
-
الديمقراطية بين جدلية المضمون والاليات
-
انتصار للديمقراطية ام الانعطاف نحو الاستبداد
المزيد.....
-
لاستعادة زبائنها.. ماكدونالدز تقوم بتغييرات هي الأكبر منذ سن
...
-
مذيع CNN لنجل شاه إيران الراحل: ما هدف زيارتك لإسرائيل؟ شاهد
...
-
لماذا يلعب منتخب إسرائيل في أوروبا رغم وقوعها في قارة آسيا؟
...
-
إسرائيل تصعّد هجماتها وتوقع قتلى وجرحى في لبنان وغزة وحزب ا
...
-
مقتل 33 شخصاً وإصابة 25 في اشتباكات طائفية شمال غرب باكستان
...
-
لبنان..11 قتيلا وأكثر من 20 جريحا جراء غارة إسرائيلية على ال
...
-
ميركل: لا يمكن لأوكرانيا التفرّد بقرار التفاوض مع روسيا
-
كيف تؤثر شخصيات الحيوانات في القصص على مهارات الطفل العقلية؟
...
-
الكويت تسحب جنسيتها من رئيس شركة -روتانا- سالم الهندي
-
مسلسل -الصومعة- : ما تبقى من البشرية بين الخضوع لحكام -الساي
...
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|