|
هل يعيد التاريخ نفسه؟ وهل نعيد أدوار السلف؟ وهل نحن على قاب قوس من حرب عالمية ثالثة؟
دعد دريد ثابت
الحوار المتمدن-العدد: 5659 - 2017 / 10 / 4 - 03:19
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تحتفل المانيا اليوم بالذكرى السابعة والعشرين لوحدتها أي الألمانيتين الشرقية والغربية في عام 1989. وهو يصادف تاريخ قدومي لهذا البلد الذي سيصبح موطني، هرباً من عسف بلد آخر كان وطني، وربما سيكون لنا لقاء آخر مع أحداثها. ولنعود الى أحداث قصتنا اليوم. توحد المانيا كان نتيجة لأحداث قديمة، أقدم من تاريخ نهاية الحرب العالمية الثانية وخسارة المانيا هذه الحرب. فهو تسلسل طبيعي لتاريخ أمتد بعقود منذ توحيد إمارات هذه الرقعة التي تدعى اليوم بالمانيا، على يد بسمارك الى الإمبراطورية الألمانية وماتلاها بعد ذلك من أحداث، من الأزمة الإقتصادية في ثلاثينيات القرن العشرين وإنكفاء بل ومطاردة وإغتيال ممثلي الحزب الشيوعي وأفول نجمه، وصعود الحزب الفاشي وسيطرته على دفة الحكم. وكل هذا يحدث بسكوت بل ومباركة كل دول الجوار وغيرها، حتى ان ستالين وقع معاهدة تعاون وسلام مع هتلر، يضمن له ولجيشه الدواء والغذاء حتى بعد إستيلاء هتلر على بولوندا، مقابل عدم دخوله أراضيه. وهذا لم يكن بالطبع، وأخذت الأمور منحى آخر، حين أخطأ هتلر خطئه الأكبر، وذلك بإعتدائه وقصفه إنكلترا، حين تغيير موقف هذه الدول وقررت الوقوف ضده. هل يذكركم هذا بشئ؟ على كل حال، اليوم وبعد كل هذه الخسائر، هل ياترى تحققت العدالة والمساواة بإسم الديمقراطية مابين شرق وغرب؟ بالطبع لم يتحقق ذلك. فنسبة البطالة أعلى في الشرق مما في الغرب. أجور العاملين في الشرق أقل من الغرب. نسبة الهجرة لاتزال مرتفعة من الشرق للغرب بالرغم من انها اصبحت افضل عما كانت عليه بعد الوحدة. كما لاننسى التفرقة مابين اجور النساء العاملات والموظفات هي الأقل مقارنة بالرجال، واذكر هذه النسبة، لأن عدد النساء هو الأعلى مقارنة بالرجال، وكيف له أكبر الأثر هذا اللاتوازن والفقر الذي يسببه للنساء، وإضطرارهن لتقليص ساعات العمل للبقاء في البيت لتربية الأطفال، وعدم دعم الدولة لهن والإعتراف بدورهن، من أن يؤدي الى التقليل من أهمية الدور الذي يؤديهن، وإنعزالهن بدور الأم بالرغم من أهميته إنسانياً، لكنه بعيد بل ومحتقر في المجتمعات الإستهلاكية. وهذا سينعكس على شخصها وعلى مستوى وعيها وطريقة تربيتها وماستؤول اليه نتائج ذلك من حرمان وعدم إعتراف بمجهودها وإنعزالها بوظائف محددة تناسب أموميتها ولكنها لا تناسب طموحها، مما يؤدي الى حصرها وإختناقها والى المزيد من الضغوطات الأسرية حتى على الرجال، لأنهم من سيقع عليهم الدور التنافسي بالإضافة الى معيل العائلة الأول. وهذا الإختلال من شأنه أن يؤدي الى إنهيار العائلة. أذكر كل هذا، لأبين لقرائي، كيف أن للرأسمال الدور الأساسي بكل مايعاد من تاريخ، ومانحن الا قطع من شطرنج نُحرك بسبب عشق الذات للقشور وإقناعها بشرعية ذلك تحت مسميات الديمقراطية المزعومة والموهومة، وبأننا سائرون حتما لحتفنا. وما نتائج الإنتخابات الأخيرة في المانيا، الا أكبر دليل على ذلك. فمنذ إنتهاء الحرب العالمية الثانية لم يفز حزب فاشي ويصل الى دفة البرلمان. وفوز حزب البديل الألماني(AfD). وهو حزب حديث العهد، تأسس عام 2013، ولكنه بعد عام فاز في البرلمان الأوربي. واليوم يشارك بالمرتبة الثالثة بعد الحزبين الرئيسيين، وهما الحزب المسيحي الإشتراكي، والحزب الإشتراكي الألماني، بتعداده في البرلمان وفي دفة الحكم. أي خسارة هذه وأي فضيحة للديمقراطية، التي ظلوا ينادوا بها، وبإسمها يفوز هذا الحزب. أما بالنسبة لي فلم أستغرب هذه النتيجة أبداً، بل أعجب وأستغرب أن ذلك لم يتم سابقاً. وذلك لسوء السياسة وإدارة البلاد، وإتخاذ الأحزاب كما في السابق، بحجج غبية أنطلت على غالبية المجتمع، لضعف الوعي وأنانية أفراده، بوجود الأجانب اللاجئين. كما أنطلت حينذاك حجج هتلر بأن اليهود هم سبب أزمة المانيا الإقتصادية! ورقة حزب البديل الألماني، ليس فقط بإخراج اللاجئين، وإنما ضد اليسار وأي حزب آخر يتعاطف مع حقوق الإنسان، وضد المثليين والمعوقيين. أتسائل من سيبقى في المجتمع الألماني بعد القضاء على هؤلاء جميعا، والقائمة ستطول؟ تراني أتفكر وأعجب لماذا هذه الشعوب سطحية وغبية لهذه الدرجة؟ ألم تكن أزمة العدالة الإجتماعية حاضرة بغفوتها طوال هذه الأعوام؟ وكيف من الممكن رمي الذنب على اللاجئين الذين كان تدفقهم فقط منذ عام 2015، والذي أُثبت اليوم مبالغة العدد وهو مليون لاجئ؟ من هو المسؤل عن هذا التضخيم، ولماذا؟ ومن ثم من كان السبب بحروب وإستنزاف هذه البلدان؟ من كان يبيعهم الأسلحة؟ وأين ذهبت تلك الأموال؟ ولماذا تزداد نسبة غنى الأغنياء في المانيا ويزداد بالمقابل أعداد الفقراء ونسبة البطالة بالرغم من ضرورة تدفق الأموال للبلد؟ ولماذا ظلت الأحزاب السياسية الأخرى ساكتة لليوم عن تحقيق وعودها بتوفير العمل والعدالة الإجتماعية لشعبها، بل هي من ساهمت بهذه السياسة في خلق اللاوعي والتذمر والخوف من المستقبل لشعوبها ودفعهم لأحضان هذا الحزب الفاشي الجديد القديم؟ وبالرغم من كل هذه السوداوية الواقعية، لاتزال هناك نسمات من هواء المقاومة العليل لمرض التفرد الإنعزالي السقيم. فهناك سيدة تدعى إرميلا مينساخ-شرام (Irmela Mensah-Schramm) وتسمى بالجدة إرميلا في الصحافة من مواليد 1945، التي منذ عام 1992، تزيل وتمسح وترسم كل ماتراه من غرافيتي أو ملصقات ومنشورات للفاشية وضد حقوق الإنسان. هذه السيدة الراقية، لايسندها وتدعمها اي مؤسسة رسمية أو حزب أو حتى أفراد. بل على العكس. فقد تم القاء القبض عليها وحكمها، بسبب إتلافها لأملاك الدولة، حين القبض عليها متلبسة بإعادة تحوير صلبان الفاشية الى بالونات أو قلوب حمراء بتلوينها فوق رموز الفاشية تلك. وهي لاتكل ولاتتعب ولاتهاب، بالرغم من مضايقة الكثير من المارة لها، بل وتهديدهم لها بالقتل، لأن برأيها كرامة وقيمة الإنسان أهم من خوفها وتراجعها عن مواجهة رموز الفاشية في شوارع برلين. وقد جمعت كل ماأزالته من ملصقات وبوسترات وأرخته في ملفات، أقام لها وله الحمد متحف التاريخ الألماني عام 2016، جناحاً خاصاً لعرض ماجمعته طوال تلك الأعوام. ومن ضمن ماغيرته من شعارات للفاشية، شعار " ميركل عليك الرحيل" الى " ميركل، تقول للكره إرحل" . بالطبع هناك الكثير من قطيرات الماء هذه، والتي نحتاج الكثير منها، لنطفئ سعير الحقد والغباء، ونروي العطشى منهم. ولكن لولا وجود تلك القطرات، لكانت الفاشية ستسيطر من زمن بعيد، ومن ثم كيف للضمير أن ينام، والإنسانية تداس بأقدام قذاراتهم؟! والدور يعود لنا أن نعيد التاريخ بحذافيره، أو نخيب ظنه، ونثبت أننا ننتمي جميعاً بشرقنا وغربنا بإختلاف أعراقنا وأدياننا ولساننا، الى أرض واحدة والى أمة الإنسانية الواحدة
#دعد_دريد_ثابت (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مناجاة كأس
-
حلم الريح
-
اللعبة
-
صحوة الموت الصغير
-
حين يكون الوعي ذبابة !
-
تعابير العدم
-
ستقضي العولمة على نفسها ببراقش !
-
أتون ليل
-
مخاض موت مجرة
-
قلق الغياب
-
همس جرادة
-
القبض على غربة متلبسة بإثم وطن!
-
أنة النثيث
-
الغربة باب
-
لم أصل بغداد الا أمس!
-
سرمد الغياب
-
هل أكون أو من أتوهم بكوني؟!
-
ياسٌ ظن نفسه يأساً !
-
هجرة حقيبة
-
صبر السؤال
المزيد.....
-
تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
-
ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما
...
-
الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي
...
-
غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال
...
-
مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت
...
-
بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع
...
-
مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا
...
-
كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا
...
-
مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في
...
-
مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|